شعب بحكومتين وسلطتين ومقاومة بروح واحدة

> محمد علي محسن:

> الكاتب السياسي والمفكر القومي الأستاذ أحمد بهاء الدين- رحمة الله عليه - في كتابه (وتحطمت الأسطورة عند الظهر).

كان قد وضع يده على مكمن الداء المزمن للحالة العربية السقيمة والمهزومة منذ بداية الصراع العربي الإسرائيلي عام 1948م وحتى حرب 6 أكتوبر73م التي أعادت للمواطن العربي شيئا من عافيته وثقته بنفسه، وبرغم أن الكتاب الصادر عقب ملحمة العبور لقناة السويس واجتياز خط برليف المنيع وكأنه رد من مؤلفه على كتاب الجاسوس الإسرائيلي (وتحطمت الطائرات عند الفجر) الصادر إثر هزيمة 5 يونيو 67م إلا أن القارئ لمضمونه سيجد ذاته إزاء واقع عربي متخلف ورهن الكثير من المشكلات الواقفة بوجه دوله ومجتمعاته وجيوشه وانتصاراته و.. إلخ من مقدرات العرب التي استنزفت وأهدرت في معارك خاسرة.

إسرائيل تفوقت عسكرياً ليس معنى هذا أن جيشها لا يقهر أو أن سلاحها الأمريكي لا يضاهيه سلاح، بل مرجع التقدم العسكري الإسرائيلي هو في قدرة الدولة المحتلة على إدارة قدراتها وإمكانياتها الأخرى السياسية والاقتصادية والدبلوماسية والدينية والقومية وغيرها وفي سبيل تحقيق أهدافها القريبة أو الاستراتيجية. عندما أخذ المصريون بمبدأ الإعداد والتخطيط والتكامل والسياسة والعلاقات الدولية والسرية، وغيرها من العوامل المتعارف عليها في السلم والحرب، انتصرت الإرادة المصرية لأول مرة في تحطيم الأسطورة وفي كسر الخوف بداخل كل مواطن عربي، نعم حرب أكتوبر لم تستعد كل الأرض المحتلة عام 67م، لكنها مثلث هزيمة قاسية لتلكم العنجهية والغطرسة الإسرائيلية، كما أعادت الاعتبار والثقة بإمكانية الانتصار ثانية ورابعة في حال تم الأخذ بعوامل وأسباب الإخفاق أو النجاح.

المشهد المأساوي وتداعياته في خارج المدينة المنكوبة غزة لا يوحي بأن ثمة تبدلا حصل في المواقف السياسية الرسمية أو الشعبية تجاه العدوان الإسرائيلي الذي خلف مئات القتلى وآلاف الجرحى ناهيكم عن حالة الحصار والدمار، رؤساء يدعون لعقد قمة طارئة وحكومات تأذن بالتظاهر المسموح به أو جمع التبرعات الضئيلة، ووسط غضب الشارع العربي يتبارى الحكام وإعلامهم في المزايدة أو المتاجرة بالقضية الفلسطينية، فواحد يدعو لفتح الحدود وآخر يشجب أو يبعث ببرقية عاجلة، المحزن للغاية أن هنالك في فلسطين شعبا بحكومتين وسلطتين الأولى في رام الله والأخرى في غزة.

وعلى هذا الانقسام راحت الحكومات والدول العربية ما بين نصرة مقاومة حماس ولو بالكلام وبين دعم سلم فتح ولو بالمجاملة، والنتيجة بالطبع لا سلم أوجد الدولة الفلسطينية أو المقاومة حققت أهدافها في ظل هكذا معركة غير متكافئة.

ما أحوجنا اليوم لشجاعة ومصداقية وعقلانية المفكر أحمد بهاء الدين، الذي رحل عن دنيانا عام 96م بينما كتاباته المستنيرة المتحررة من الجمود والشطط والمغالاة والخوف ستظل باقية وكأنها كتبت الآن وليس قبل ثلاثة عقود ونصف. دعونا نقرأ ما سطره الكاتب عن الهزيمة والانتصار الوحيد في أكتوبر، عن واقعنا العربي المستبدة به الانفعالات والخرافة والوهم والفوضى وغياب الإرادة السياسية والتنظيم والتخطيط والتأهيل وغيرها من الأشياء التي حالت دون مواجهة دولة مثل إسرائيل! عندما هزمت الجيوش العربية فلأنها غير جاهزة أو مدربة لخوض القتال مثلما هي قدرتها في حفظ الحكم، وعندما تحطمت الأسطورة لمرة أو مرتين فلأن المحارب تم إعداده وتزويده بجميع متطلبات المعركة العسكرية التي يصعب فصلها عن السياق العام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتكنولوجي والوطني والعقائدي ووو، فكم هو مخجل أن نسمع بفتح الحدود بينما لا توجد دولة واحدة باستطاعتها الحرب ليوم واحد على حدودها، فكيف إذا ما وافقت دول الطوق وقبلت بمثل هذه الفكرة المجنونة؟؟ وكم هو مؤلم ومحزن لنا كعرب ومسلمين هذا الوضع المأساوي وهذه القرابين المزهقة من الأطفال والنساء وهذا العبث والخذلان الرسمي الذي لا يؤكد بأن ثمة استفادة من عبر ودروس سنوات الانفعالات والفوضى والهزائم السياسية قبل العسكرية؟؟ بالأمس حزب الله في لبنان وفي الحاضر حماس في فلسطين فلماذا الحركات والمليشيات هي المحاربة وليس الجيوش، وأين هي الدول العربية على صعيد الجبهة السياسية والدبلوماسية خاصة بعد فشلها الذريع عسكرياً أم أن المسألة صارت معتادة ومألوفة لها فكلما هاجمت أو قتلت ودمرت إسرائيل في لبنان أو فلسطين زادت من صيرورة الحكام العرب، وكلما اجتاحت بقعة هنا أو هناك نفض هؤلاء الحكام عن أيديهم ما بقي من استحقاقات وأزمات وطنية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى