من الطلاق إلى الخلع بين الأنظمة والشعوب العربية

> د. محمد علي السقاف:

> لاشك أن صمود الشعب الفلسطيني في غزة لأكثر من عشرة أيام أمام أقوى آلة حرب في المنطقة لم تستطع في الماضي جيوش عربية مجتمعة أن تصمد أمامه أكثر من ستة أيام فقط، يمثل مصدر فخر واعتزاز لكل عربي، و مصدر قلق وتوجس لقادة الأنظمة العربية.

فقد انكشف الغطاء عن حالة العجز المريب والمهين لقادة النظام العربي الرسمي أمام شعوبهم والرأي العام العالمي بفضل البث الإعلامي المباشر للفضائيات العربية والأجنبية للمجازر التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية ضد المدنيين من الأطفال والنساء المترامية جثثهم في شوارع غزة وعجز المستشفيات عن إنقاذ أرواح الكثيرين الذين استشهدوا لعدم توفر الدواء والإمكانيات الطبية نتيجة الحصار القاتل لقطاع غزة منذ أشهر عديدة. بالأمس القريب توعد أحد القادة العرب وهدد قطاعا من الشعب في بلاده بإظهار «العين الحمراء» أمام مطالبهم المشروعة، واليوم في مواجهة الجرائم الإسرائيلية في غزة لايعرف لون العين التي سيخيف بها إسرائيل من مواصلة جرائمها؟ في الحروب العربية الإسرائيلية كانت المواجهة تتم بين جيوش نظامية، وفي حرب يونيه 2006م في لبنان كانت المواجهة بين جيش العدو الإسرائيلي أمام أفراد المقاومة من حزب الله بشكل رئيسي ومشاركة الجيش اللبناني في الدفاع عن سيادة لبنان. أما اليوم مقاومة حماس تواجه الآلة العسكرية الإسرائيلية وحدها. كيف يمكن قراءة مايحدث من جرائم في غزة؟ وماهي الدروس التي يمكن استنباطها سواء على مستوى مبادئ القانون الدولي أو في خيار آلية النضال الوطني؟

وماهي التداعيات المحتملة على النظام العربي الرسمي؟

إن المجازر التي ترتكبها القوات الإسرائيلية في غزة وعلى الهواء مباشرة بفضل تقدم تكنولوجيا الاتصالات تظهر وتوثق للجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ترتكبها القيادة الإسرائيلية ضد المدنيين في غزة يصعب تصور إمكان إفلاتهم هذه المرة من تقديمهم إلى المحكمة الجنائية الدولية يرغم وجود ازدواجية المعايير في تطبيق مبادئ القانون الدولي الإنساني وقواعد نظام روما المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية. فالجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب لا تسقط لالتقادم. فإذا كان مجلس الأمن الدولي الهيئة الرئيسة للأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية تسيطر عليهما كمنظمات تتبع الدول الأعضاء فيهما وخاصة الدول الرئيسة فيهما فإن المحكمة الجنائية الدولية إذا لم تخني الذاكرة وضعها مختلف نسبيا عن تلك التنظيمات للدول؟ إن الاختلاف بين وضع غزة التي تحترق وتدمر وهدوء وضع الضفة الغربية يجسد اختلاف آلية النضال الوطني الفلسطيني بين خيار السلطة الفلسطينية أدوات التفاوض والحل السلمي وخيار حركة حماس في المقاومة المسلحة بعد فشل أكثر من 15 عاما من اتفاق أوسلو في التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية وإقامة دولتهم الوطنية. من الصعب تحديد أي الخيارين هو الأفضل، فهذا يعود إلى الزمن والمكان وطبيعة العدو الذي يجب مواجهته. ففي مرحلة تصفية الاستعمار حصلت بعض الدول على استقلالها دون إراقة دماء، والبعض حصل على استقلاله عبر الكفاح المسلح، والبعض الآخر جمع بين النضال السلمي والكفاح المسلح، ففي حرب تحرير الجزائر ذات المليون شهيد جمعت بين الأداتين: كفاح مسلح طويل الأمد وتشكيل حكومة مؤقتة في المنفى في السنوات الأخيرة ماقبل الاستقلال تتفاوض مع السلطة الفرنسية حول شروط الاستقلال إلى حانب استمرار الكفاح المسلح. وفي حرب فيتنام في الوقت الذي سلم الأمريكيون بضرورة التفاوض وكانت تجرى المباحثات في باريس في أواخر الستينات كانت أعمال القصف الأمريكي بطائرات -52 B على فيتنام الشمالية والعمليات العسكرية ضد الفيتكونج تزداد ضراوة وشدة. ومؤخرا لم يحصل إقليم كوسوفو على استقلاله من الصرب بعد نضال سلمي لسنوات طويلة إلا بعد تشكيل جيش تحرير كوسوفو الذي توج كفاحه بتحرير كوسوفو من الدولة الصربية. في المثالين السابقين الجزائري والفيتنامي المقاومة المسلحة لفترة طويلة كانت هي البدء، في مثال كوسوفو النضال السلمي كان هو البدء لعدة سنوات تلاه المقاومة المسلحة التي أوصلت رئيس جيش كوسوفو إلى رأس الدولة المستقلة.

ففي الأمثلة الثلاثة هناك تكامل بين الآليتين بدرجات متفاوتة. فهل يمكن أن يحدث الشيء نفسه في فلسطين؟ الشيء الأكيد أن مقاومة حماس وصمود أهالي غزة أربكا الآلية الإسرائيلية مثلما أربك النازيون صمود السوفيت برغم خسارتهم أكثر من 20 مليون ضحية، وصمود تشرشل والبريطانيين برغم تدمير عاصمتهم وارتفاع عدد الضحايا والخسائر الجسيمة.

إن عدم استسلام الشعب الفلسطيني في غزة برغم ارتفاع عدد الضحايا لن يغير فحسب صورة الرأي العام العالمي عن إسرائيل، ولن يخلق حالة طلاق بين القيادات العربية وشعوبها وإنما حالة (خُلع) بينهما فقد انكشف المستور وسقطت الأقنعة للشعارات الكلامية المزيفة، وهو ما قد يجعل من صمود غزة في وجه البربرية الإسرائيلية نقطة تحول ومنعطفا خطيرا في شكل وقيادات النظام العربي الرسمي في المدى القريب المنظور. ولعل السؤال الأخير والأخطر وقوف إسرائيل بآليتها العسكرية ضد حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني المجرد من امتلاكه جيشا وطنيا يتصدى لها هل هذا فعل إجرامي ينحصر عليها أم لايستبعد قيام بعض دول المنطقة الشيء نفسه مع مطالب أقلياتها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى