العدوان الإسرائيلي على غزة .. والموقف العربي المأزوم

> الشيخ علي محمد ثابت:

> على الرغم من أن إسرائيل واجهت فشلا ذريعا في القضاء على المقاومة اللبنانية في صيف 2006م وتجرعت مرارة الهزيمة.. في هجومها البري في جنوب لبنان أخرجت من رأسها الأوهام التوسعية.

وقوة جيشها الذي لايقهر.. كما أن المتغيرات الدولية العاصفة التي أحدثتها الأزمة المالية العالمية وآثارها التي جاءت برئيس أمريكي ديمقراطي يسعى لإنقاذ الولايات المتحدة من تركة سلفه الحليف اللدود لإسرائيل التي صارت عبئا على حلفائها.. إلا أن هذا العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة قد جاء لخلط الأوراق ومحاولة لفرض الأجندة التي فرضها جورج بوش على المرحلة القادمة وللاستجابة للمعركة الانتخابية الإسرائيلية التي جواز السفر فيها الدم الفلسطيني، وفي غزة التي تعاني الحصار.. لأن جذوة المقاومة لاتزال تتوهج فيها.

فكان الهجوم بالعنف المبالغ فيه.. وضد أهداف مدنية وبإلحاق خسائر مادية وبشرية فادحة .. صادمة للشارع العربي والإسلامي وفي سائر أنحاء العالم.

وكان الموقف العربي الشعبي متناقضاً مع الموقف الرسمي إلى درجة أعمق من أي فترة سابقة.. وهو مايعكس عمق الأزمة السياسية المتفاقمة باستمرار.. التي تعيشها النظم العربية الرسمية المختلفة، والمنطوية على ذاتها.. والمستعدة دائماً لتلبية كل ما تمليه عليها الدوائر الامبريالية.. ومصالحها في المنطقة العربية إلا أن الفصل الأكثر مرارة لدى الشارع العربي والإسلامي هو أنه بدأ يحصد نتائج ارتهان النظم العربية التي سارت في طريق صفقات السلام والتطبيع مع الكيان الصهيوني وما تفرضه الصفقات لصالح العدو الإسرائيلي حتى وهو يشن عدوانا.. بل مذبحة ضد الشعب الفلسطيني.. وفصائله المقاومة المتمسكة بالحقوق الثابتة لشعبها.

ومع الأسف إن العدوان الإسرائيلي على لبنان وما جرى فيه من مواقف عربية تبرر لإسرائيل عدوانها على لبنان في محاولة لإسقاط مواقفها الاستسلامية على حزب الله اللبناني الذي خرج أكثر قوة وإصرارا على المقاومة.. تكرر الموقف ذاته بأكثر سوءا بتحميل حركة حماس اللائمة.. بأنها أيقظت الوحش النائم.. في تجاهل تام لمعاناة قطاع غزة المحاصرة، المجوع شعبها والنازف دمه كل يوم بآلة الموت الإسرائيلية .

لقدر صار التساوق مع السياسات الإسرائيلية لدى معظم مكونات النظام العربي الرسمي يشكل خطراً ليس على الحق الفلسطيني .. بل على مستقبل سائر البلدان العربية، وسيادتها.. وكرامتها.. وكيانها المادي ووعيها القومي والديني.

إن بلوغ نظم عربية عديدة إلى درجة تتعدى التخاذل والضعف إلى درجة التواطؤ مع العدوان الصهيوني على شعب عربي أعزل.. يمثل ذروة التقاطع مع الغضب والرفض الشعبي العارم الذي تعج به شوارع سائر المدن العربية المطالبة بموقف عربي رسمي مسؤول ينتمي إلى المصالح العليا للأمة، ويستخدم ما لديه من أوراق ضغط عديدة تبدأ بفتح المعابر إلى غزة والتلويح بدعم يتعدى الإغاثة ويصل إلى دعم المقاومة الفلسطينية وباستخدام الوسائل السياسية والاقتصادية للتأثير على الموقف الرسمي الدولي (الذي يحتوي ماهو أفضل من النظام العربي الرسمي).

فإذا كانت إدارة بوش تعتبر المقاومة إرهاباً واعتبرت أمن إسرائيل أولوية يجب قبولها أولاً .. ثم تركت الحق الفلسطيني للتفاوض بين إسرائيل التي تملك القوة وتستولي على الأرض.. وبين السلطة المهرولة إلى السلام وهي لاتملك من عناصر القوة شيئا، فذلك يعني دفناً للقضية الفلسطينية بمباركة المتواطئين العرب الذين للأسف يتكلمون بلسان إسرائيل عن الخطر الإيراني كوسيلة للهروب من مواجهة مسؤوليتهم التاريخية أمام شعب فلسطيني عربي مسلم يذبح بيد إسرائيل .

إن الجماهير العربية لم تعد تضع شيئاً من الثقة في حكامها وهي تراهم قد تخلوا عن معركة الأمة التي استمدوا أمنها الكثير من شرعية وجودهم في السلطة .

وبذلك فإن مسيرة الاستسلام والارتهان للعدو قد أدت إلى تداعٍ غير مسبوق في شرعية الكثير من النظم العربية يتناسب مع تنـاسب هرولتها نحو الدولة الصهيونية .

فإذا كان النظام العربي صار يتخذ مواقف متقاطعة مع مواقف الشعوب العربية في الشؤون المتصلة بالمصالح القومية والوطنية والدينية، وترتبط بمصالح دوائر خارجية .. وتصبح مجرد شكل غريب من أشكال النفوذ الأجنبي لم يعد لديه ما يقدمه لشعوبه التي باتت في هذه الأزمة تدرك أن مستقبلها وانتصارها على أعدائها لم ولن يتحقق على يد حكامها المتخاذلين وأن التغيير صار القضية الملحة .. حتى تكون السلطة أداة سياسية فاعلة بيد ناخبيها من أبناء هذه الشعوب المهضومة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى