غزة.. وشرعية الأنظمة

> برهان أحمد إبراهيم:

> الحرب على غزة، أكدت كغيرها من المواقف والأحداث، حقيقة سقوط الواقع العربي وهوانه، في ظل وجود نخب حاكمة، ذات طبيعة أنانية، ونزعة انفرادية ليس في أجندتها سوى فكرة التشبث بالسلطة أياً كان الثمن..!

إن تلك الأنظمة بما تشكله من عبء على المجتمع العربي، هي في الأساس نوع من النكوص - الانتقائي - إلى الماضي، لإعادة نموذج الدولة السلطانية، التي تأصلت في منتصف القرن الحادي عشر من الميلاد، على يد السلاجقة الأتراك كنظام سياسي وعسكري.. إن اختفاء لفظ (سلطان) كبنية صوتية وكرسم رمزي (كتابة) من دساتير وإعلام الأنظمة العربية الراهنة، لا يعني ذلك غيابها الفعلي إذ إن حضور الدلالة السياسية، والوظيفية، والنفسية، لتلك الكلمة هو الذي أسس ويؤسس في واقعنا دولة لا تحكمها ضوابط، ولا وسيلة للسيطرة عليها. فالحاكم فيها كالسلطان، يمسك بالسلطة السياسية، إضافة إلى وظيفة هذه السلطة، وقوته لاتخضع لأي حد قانوني، فهو مركز كل شيء بل ومصدره!!.. ولكن..؟! على الرغم من أن الدولة العربية الراهنة، هي تجسيد لنموذج الدولة السلطانية، في أكثر من ناحية، سواء من حيث حصرها في نخب عسكرية، اعتمدت في وصولها إلى السلطة، على قانون الحكم للأقوى وليس للأصلح، محاكاة للحكومات العسكرية، التي أسسها المماليك (-1250 1517م)..أو من حيث كونها عالة على شعبها، لتسلطها وفقر وظائفها (جباية وحفظ الأمن جزئياً).

إلا أن ما لاينبغي تجاهله، إحقاقاً للحق، والتزاماً بالأمانة العلمية وبقواعد المقارنة الموضوعية، هو أن الدولة السلطانية التاريخية، على تشوهاتها وعيوبها، تفردت وبزّت الأنظمة العربية الراهنة بما حققته من انتصارات باهرة، في الذود عن العقيدة والأرض، حتى ارتبطت شرعيتها كسلطة حاكمة، بذلك الإنجاز التاريخي (حماية الدار من الخطر الخارجي).. وهذا ما قصده (أبو الحسني الماوردي 450هـ) في كتابه (نصيحة الملوك) بتسميته الدولة السلطانية بـ«دولة القوة»، إذ اعتبر شرعيتها خارجية؛ أي أن شرعيتها كسلطة حاكمة، قائمة وسارية، بشرط استمرار قدرتها على أداء تلك الوظيفة (حماية الدار من الخطر الخارجي)، فكان أن برز من نظام السلطنة سلاطين عظام أمثال: ألب أرسلان، وعماد الدين زنكي، وصلاح الدين الأيوبي، وقطز، والظاهر بيبرس.. بينما عجزت الأنظمة السلطانية المعاصرة عن أداء تلك الوظيفة المسماة اليوم بـ(السيادة والأمن القومي) حيث اختزلتها النخب الحاكمة، في تأمين بقائها كسلطة، بل غالباً ما ضحت هذه النخب بأمن أوطانها ومصير شعوبها، مقابل وجودها في السلطة، لذلك لم تجد أي بأس في التواطؤ مع الأجنبي، سواء بارتباطها بعجلة الرأسمالية العالمية (المؤسسات النقدية الدولية والشركات المتعددة الجنسية) أو بفتح أرضها وبحرها وجوها للقواعد العسكرية الأجنبية، أو بسعيها «...الدائم إلى إرضاء إسرائيل كمفتاح لكسب ود أمريكا..» (عزمي بشارة: مجلة المستقبل العربي، يوليو، ص8) توهماً منها أنها بإفراطها في تنازلاتها، وتفريطها بأمن شعوبها، لصالح القوى الخارجية، ستضمن خلودها في السلطة...!؟

وما يجب علينا ملاحظته هنا، أن مفهوم (الشرعية الخارجية) قد تحوّل جذرياً، ناقضاً بل ناسفاً ما عرفناه في الدولة السلطانية التاريخية (حماية الدار من الخطر الخارجي)، إذ أصبحت شرعية الأنظمة الراهنة مرهونة بقدرتها على إعانة الأجنبي وتمكينه من أمتها لا على مواجهته وردعه؛ مثلما حدث سابقاً، ويحدث اليوم في غزة.

وفي هذا السياق يقول الشيخ محمد الغزالي: «...إن امرأة مثل شجرة الدر كانت أيقظ وأذكى وأأمن على قومها من هؤلاء الزعماء الأشاوس الذين ضروا، ولم ينفعوا..» (كتاب العربي (45) رؤى إسلامية، حقائق لا ينبغي أن تغيب، ص 52).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى