مركز دراسات التخلف

> حسام قاسم سلطان:

> التخلف مرض أممي يصيب أمة من الأمم تماماً كما يصاب الأفراد بالأمراض المختلفة سواء البدنية أو النفسية، لذلك فإصابة أمة ما أو دولة ما بداء التخلف ليس عيباً في حد ذاته وليس داعيا للتأفف أو الضيق من المصاب بقدر ما هو مدعاة للشفقة وموجب للمساعدة من أجل الشفاء.

وداء التخلف ليس بالمرض المزمن الميئوس من الشفاء منه بل على العكس، فالتاريخ يخبرنا أن أكثر الأمم تطوراً وحضارة في عصرنا الحالي أصيبت في مرحلة ما من تاريخها بهذا الداء ثم شفيت منه بتوافر الإرادة والوعي والبرامج العلاجية الناجحة وقبل كل ذلك الإخلاص من أبناء الأمة المتخلفة حكاماً ومحكومين.

اذا سلمنا بحقيقة أننا أمة متخلفة وأن تخلفنا ليس عيباً بذاته ولكنه عارض مؤقت يزول بزوال أسباب التخلف وجب علينا الوقوف عند هذه الأسباب ودراستها وتمحيصها وتتبع مصادرها ومنشأها ومن ثم وضع الخطط والبرامج للخروج من هذه الدائرة والانتقال إلى مرحلة تالية تكون لها أهداف محددة ومؤشرات واضحة تسمي الأشياء بمسمياتها وتحمل كل فرد في المجتمع مسئوليته المباشرة، فالتخلف شئنا أم أبينا هو سلوك جماعي ولا أعتقد أنني في حاجة للتدليل على ذلك فلو كان التخلف مسئولية بضعة أفراد لهان الأمر ولانتظرنا جميعا رحيلهم عن دنيانا لتتحسن الأمور، ولكن السلوك المتخلف تظهر آثاره على الغالبية العظمى من أفراد أي مجتمع متخلف سواء عن وعي أو عن تقبل للأمر الواقع والأمثلة كثيرة.

وتماما كما قلنا إن التخلف مرض اجتماعي أممي يستلزم العلاج منه ما يستلزمه العلاج من أي مرض وذلك بالبحث عن العلاج وقبل ذلك معرفة الأسباب. فلذلك يصبح من البديهي المطالبة بإنشاء أول مركز في العالم العربي يعنى بدراسات التخلف، توضع له ميزانية معينة وأهداف محددة منها على سبيل المثال الاتفاق على تعريف ماهية السلوكيات المتخلفة في مجتمع مثل المجتمع اليمني، فالبعض يرى في الأعراف القبلية مثلاً تناقضاً مع الدولة المدنية بينما البعض الآخر قد لايرى في ذلك بأسا بل يرى إمكانية التزاوج بين الاثنين في حدود معينة وتحت إطار الدولة والقانون بما يراعي خصوصية وحساسيات المجتمع اليمني وعدم إسقاط تجارب الأمم الاخرى علينا من دون دراسات متعمقة.

كذلك ينبغي لمركز كهذا أن يخرج بتوصيات دورية لأعلى الجهات في الدولة لتبنيها وتطبيقها بل ومحاسبة الدولة على أي تقاعس عن تطبيق قرارات وتوصيات المركز. هذا بدوره يعني أن الدولة ممثلة بأعلى سلطاتها ينبغي أن تتبنى فكرة مركز كهذا وعدم الاستهانة بحجم وعواقب المكوث طويلاً بين براثن التخلف.

أعتقد أن من المهم أيضاً أن يسمى المركز بالاسم المناسب المؤثر والمحفز ألا وهو «مركز دراسات التخلف» مع إمكانية تغيير الاسم في مرحلة ما وعند تحقيق أهداف معينة كخفض مستوى الأمية في القرى والتقليل من زراعة القات وتعاطيه ورفع مستوى الكوادر الإدارية و انخفاض الشكوى من الفساد المالي والإداري وطبعاً بلا شك تحسن مستوى منتخبنا الوطني لكرة القدم أمام نظرائه وجيرانه.

الحمد لله فوطننا اليمني وعالمنا العربي مليء بمراكز الدراسات المختلفة فمنها مراكز دراسات المستقبل ومراكز الدراسات الاستراتيجية والسياسية والديمقراطية الخ، ولكن ينقصها مركز واحد لدراسات التخلف. التخلف الذي لن يختلف اثنان على أنه أهم وأخطر تحد يواجهنا ويواجه أجيالنا القادمة بل أني أكاد أجزم أن التخلف هو سبب الفساد وليس العكس لأن الوعي ويقظة الضمير هما السلاح الأول ضد الفساد قبل المحاكمات والسجون وإلقاء التهم.

مشروع كهذا ليس مشروعا فرديا بمعنى أن يؤسس مجموعة من الأفراد مركزا لدراسات التخلف من أجل عقد ندوات وإصدار نشرات ودوريات والخروج بتوصيات بل هو «مشروع دولة» لا فائدة من إنشائه إن لم تتبنه دولة لها قيادة مدركة تماما حجم التحدي وأهمية الارتقاء بطموحات شعبها والنهوض إلى مصاف الدول ذات البرامج التنموية الجادة.

قد يقول قائل إن أسباب التخلف واضحة يناقشها الناس يوميا في مقايلهم بل ويضعون لها الحلول والتصورات. نقول إن هذا هو التخلف بعينه، الاستهانة بمصير أجيال و تصور أن معجزة ما ستحدث وتأخذ بيدنا إلى خارج دائرة التخلف بدلا من معالجة الأمور بطريقة علمية تماما مثل باقي الأمراض.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى