حلقة مجاذيب

> فضل النقيب:

> بُصْ شُوف.. المجنون بيعمل أيه.. ومهما عمل المجانين فإن أحداً لايمكنه أن يلومهم، وغاية الجهد الفرجة عليهم، فإن كانوا من النوع المسالم من عينة (البهاليل) تُركوا لحالهم.

تسلية للأطفال الذين يجرون وراءهم في الشوارع، فإذا ما ضجروا منهم حصبوهم بالحصا، وإن كانوا من النوع الخطر، جرى التحايل عليهم لتصفيدهم ووضعهم في الأقفاص الحديدية، وكفى الله المؤمنين شر القتال.

ومجانين العالم العربي المعاصر أعيتنا فيهم الحِيَل، فلا هم من (البهاليل) الذين يمكننا التعايش معهم تحت سقف واحد فنقول لأنفسنا المثل الشعبي «امسك مجنونك لا يجيك اللي أجن منه!»، ولا هم من الخطرين المغاوير فنغريهم بالأعداء يقتلعون سناً هنا ويفقأون عيناً هناك «فخار يكسر بعضه».. ويا دار مادخلك شر.

المضحك المبكي أنهم إذا قابلوا الأعداء يكونون في غاية الوقار وكمال الأدب وحسن السمع والطاعة حتى ليُضرب بهم المثل في السياسة والكياسة ورونق الرئاسة، ولكنهم ما إن يطأوا عتبة الدار حتى تركبهم العفاريت الزرق ويتطاير الشرر من عيونهم، وفين يوجعك يا من رماك حظك الأسود بين أيديهم وتحت مرمى قذائفهم، و«ماشي على الهارب ملامة» لو وليت الفرار فليس أمامك إلا أن تلوذ بقمة جبل منيف، أو أن تدبّ على ركبتيك في كهف مخيف، فأنت بين مجنونهم وأجنهم، كذلك الزوج الساذج الذي بنى باثنتين ليعيش في التبات والنبات ويخلف الصبيان والبنات، فأصبح كما وصف نفسه:

تزوجت اثنتين لفرط جهلي

بما يلقاه زوج الاثنتين

فقلت: أعيش بينهما خروفاً

أنعم بين أكرم نعجتين

فصرت كنعجة تضحي وتمسي

تداول بين أخبث ذئبتين

لهذه ليلة ولتلك أخرى

عذاب دائم في الليلتين

هذا والمسكين لم يتزوج سوى اثنتين إحداهما تدّعي الاعتدال والأخرى تدعي الممانعة، فلا المعتدلة عدلت مزاجه، ولا الممانعة هوّنت عذابه.. فكيف بحالنا ونحن في مزاج «سكارى وماهم بسكارى ولكن عذاب الله شديد» وفي عصمة كل واحد منا 22 نعجة عجفاء أتت على الزرع وبخلت بالضرع وحولت بيت أبينا إلى زرائب مُنتنة لا تسمع فيها غير الثغاء والرغاء والمناطحة والمقارعة «ويا مخارج الدبعا من أم القرون»، وواضح أن الدبعا هي الممسوحة الرأس فهو لين رخو، أما أم القرون فلا تخفى على أحد (وهل يخفى القمر؟!).

في «الدوحة» كان الضرب تحت الحزام شغال على ودنه، وقد بلغ الدهاء السياسي ذروة غير مسبوقة، فلا نشاز في التوصيف ولا شطط في التصنيف، فالجميع «عيال قُرَيّة، كل واحد يعرف خيّه» والحاضر يُعلِم الغايب، ومن أصم أذنيه فـ «الجزيرة» له بالمرصاد، تصليه بلغة الصاد والضاد، وكلّه بالهداوة، مائدة مرتبة عامرة بما لذ وطاب، والضيوف الكرام بـ «السموكنج» والتقطيع على مهل بالشوك والسكاكين المطلية بالذهب والممهورة بأسماء صانعيها من عتاة اللحامين في عواصم الأناقة العالمية.

وقد تولى حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني إدارة حفل الاستقبال بحنكة واحترافية، وفّى وكفّى، وأقحم وأفحم، وهمس ودمدم، وكان قادة الفصائل بين جائل وصائل، بعد أن جرى الاعتراف بهم قبيلة بين القبائل، وقد جاءت ردود الأفعال من رام الله قذائف وقنابل، وفي الكويت نصبت الخيمة الحمراء استعداداً لداحس والغبراء، التي ستجري وقائعها اليوم، واللي ما يشتري يتفرج.

مسيكينة غزة كل شيء جرى ويجري باسمها، فالنيران تتوقد فلا يصلها سوى السخام الأسود، والأعراب تتقاتل بينما لحمها هي يتناصل.. وهي لا تدري إن كان ما يجري أمامها على الشاشات حفل عرس، أم مأتم تأبين، أم أنه سورة مجاذيب في ملم (زار)، يشكّون أجسادهم بالمُدى ويغرسون في ألجاعهم المسلات ويخبطون الحوائط برؤوسهم فيما هم ينشدون وقد سكروا من الوجد:

مسكين ياناس من قالوا حبيبه عروس

يمرض مرض قلب أما الموت محّد يموت

لاحول ولاقوة إلا بالله.. وحسبنا الله ونعم الوكيل.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى