صباح يوم الثلاثاء..

> علي هيثم الغريب:

> يوم الثلاثاء هذا، كان صباحا رائعا صباحا للندى على شجر عدن، وللخفقة في القلب لناس أكملوا صلاة الفجر والدعاء لأهل غزة وتوجهوا إلى الهاشمي، حيث التصالح والتسامح .. عشرات الآلاف توجهوا إلى هناك.

توجهوا كما يتوجه الشرفاء من مكان إلى آخر، ومن مطلب إلى مطلب. في ظل المرارة التي أحرقتنا بالأمس جددت عدن الوطنية العهد لأبنائها بأن راية التصالح والتسامح ستبقى خفاقة لا لأننا نرفض كل شيء تعمد بالدم والدمار بل لكي يبقى هذا المبدأ السامي مرجع الجميع، ولكي تكون محافظات الجنوب عنواناً لكل من يقدر التسامح والتصالح .

إن التصالح والتسامح مبدأ إنساني وآية قرآنية (والصلح خير) يستمد بقاءه من الالتفاف الشعبي واحتضان المجتمع له على أساس أنه الطريق السليم من أجل إعادة بناء أنفسنا بعيداً عن الأفكار الفردية التي مزقتنا، ونجح التصالح والتسامح في أن يرسم النهج الذي مزج بين القناعات الموحدة لحماية حقوقنا والمطالبة بها .. على هذا الأساس لاقت طريق التسامح والتصالح بأبعادها التاريخية والوطنية التأييد والدعم والتضامن من الرأي العام ومن لدن أوساط واسعة من القوى التي تعاني غياب هذا المبدأ السامي الذي ترفضه معظم الأنظمة العربية بسبب سياسات (فرق تسد) التي ورثتها عن الاستعمار.

وإن أولئك الذين يسبون التسامح إنما هم يجهلون كم كان آباؤنا بحاجة إليه، فبسبب غيابه فقدنا أعز أفراد أسرنا (إما أبا أو أخا أو ابنا)، ابتداء من فيصل وقحطان الشعبي وانتهاء بسالمين ومطيع وحماطة ثم بعنتر ومصلح وشائع وفرحان وغيرهم .

فالتسامح هو لغة العقل ولانعرف لماذا لاتريده السلطة لنا فهل التسامح والوحدة عدوان؟

نقول بل بالعكس إن الوحدة تأمرنا بهذا المبدأ السامي، فهل هناك أخلاق أنقى وأسمى من التصالح والتسامح؟ فـ(السلطويون) يقترفون خطأ أساسيا إذ يحسبون أن الجنوبي يجب أن يبقى خصما لأخيه، كما كان أيام (الأيديولوجيا) أو على الأقل أن يظل غير متسامح مع ماضيه .. لكي تنشأ أخلاق سوداوية تعمل على اضطهاده حتى يغرق، وهنا حجة أخرى من الحجج عند (السلطويين) تنحصر في أن التصالح والتسامح موجه ضد (الوحدة وحكومتها)؟ وللرد على ذلك نقول إن هذه الأفكار المتطرفة هي التي كان أملنا أن نزيلها في ظل الوحدة، لا أن نضيف إليها أمراض الماضي.. وأن مصائب قوم عند قوم فوائد، كما تقول حكمة الشعوب.. إذن أين يريدون لنا أن نقف؟ عند صراعات الماضي؟ ألم يكن لها من الأسباب ما يسوغ وجودها؟ وهل كانت من دون علة ولا باعث ولا سبب؟ إن القطبين (الرأسمالي والاشتراكي) قد فرضاها على البشرية جمعاء، وإن حب توفير الدواء والخبز للناس كما كان يعمل أنظف رؤساء اليمن سالم ربيع علي، والتحمس لشرف الوطن ورفع مكانته ، كل ذلك قد تحول إلى مأساة نحن نعترف بها ولدينا رغبة في تجاوزها .. ولكننا لم نجد زمنا فاسدا كهذا الزمن، ولايوجد أكثر منه منافاة للأخلاق .. خرجنا للتسامح في 13 يناير 2008م فضربونا بالرصاص الحي واتهمونا بأننا نحن الجناة! وخرجنا للتسامح في 13يناير 2009م فأطلقوا الرصاص على المواطنين واتهموا المواطنين العزل..! نعم لقد وضعت أخلاق الوحدة الحقيقية جانبا، وأصبحت تستبدل بأخلاق الأنظمة الشمولية .. إنهم يهدمون مايحاول الجنوبيون بناءه بحسن النية .. وكنا نتمنى أن تحدث تهنئة بالورود من قبل السلطة لا تهنئة بالرصاص الحي .. فالورود قد تمنحنا الشعور بالانتصار للوحدة ، لكن الرصاص يمنحنا الشعور بالانتصار الذي يجر وراءه إجماعا جنوبيا عظيما .. فقد دفنا وراءنا تلك الشعارات التي كان يجب ألا تتبع .. وقدم التسامح حلا نهائيا لماضينا المحزن واتفقنا اليوم على أنه لاتوجد مبادئ أفضل من مبادئ التسامح والتصالح .. وفي الواقع أن الماضي المحزن وهزيمتنا عام 94م تستعملان كوسيلتين لتحطيم الجنوب، وشعبنا يستكبر أن ينادي أحدا مستنجدا لأمر من مثل هذه الأمور .. لأنه شعب عرف بتجربته النادرة المثال، وأن ما يدخره في كيانه الداخلي الذاتي من طاقات وقدرات هو الأصل الذي لا يغني عنه من خارجه ولا أقوى القوى .. ونحن نلفت نظر (السلطويين) ألا يكثروا من قتل الأبرياء ومن الاعتقالات، لأن هناك جيلا عظيما رابضا هنا على شاطئ عدن وفي الجبال المشتعلة من الماضي والحاضر، وأن ينظروا نحو هذه المدينة - الجبل الواقفة على هذا الشاطئ الذي يربط العالم من أقصاه إلى أقصاه .. المزدحمة بالشباب الرافض للظلم، المنادي بالتصالح والتسامح، لكن أعداء الوحدة الحقيقيين أرادوا منحنا صك الوطنية، وحولوا تسامحنا إلى جريمة .

فأرجو من أصحاب كابوس الوهم، الذين أدخلوا في رؤوسهم النزعة التسلطية والفيد و(موسم الغنائم) أن يقرأوا تاريخنا بدلاً من أرشفته في صنعاء .. لقد أخطأتم عندما اعتبرتم قتلنا إنجازا وحرب 94م إنجازا ونهب الأرض إنجازا .. ونأمل ألا تكثروا من هذه الإنجازات، لأنها لا تخصنا في شيء.

إن لتاريخ الجنوب ذاكرة.. ومنعكم لنا من أن نتصالح سيضم إلى إنجازاتكم المعمدة بالدم، وهذه ليست المشكلة، فأنتم آخر من يعرقل تصالح الجنوبيين وتسامحهم .. ويكفي غرقا في هذه (الإنجازات العظيمة).. وننصحكم ألا تراهنوا عليها مثلما راهنتم على الأغلبية والأقلية في اللعبة الديمقراطية، ومثلما ضربتم عرض الحائط بالشراكة التي بنيت عليها وحدة مايو .. وأن تعارضوا التصالح والتسامح بهذا الفهم الخاطئ والمغرض للأخلاق الوطنية، وأن تتخلوا عن توازنات الوحدة المعروفة (الشمال والجنوب) وأن تضعوا (القوة) بمواجهة أناس عزل، فكلها أمور تتكامل حلقاتها لتؤكد حقيقة واحدة: أن السلطة قد اختارت طريقا رافضا التعايش وفق مقاييس وطنية مكتفية بالقمع والعنف بديلا عن أية حجة أو مبرر أو منطق!!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى