عندما تعوم المنازل و تتراجع الطرق و يتقدم الفقر .. في خدير حياة بائسة وطفولة غائبة وأعمدة كهرباء نائمة

> «الأيام» رياض الأديب:

>
منظر من قرى خدير
منظر من قرى خدير
عدنا لنحكي حكايتنا من خدير , أبطالها هذه المرة ليس من مشايخها الأشاوس و أعيانها الأبطال الذين غرتهم مناصبهم وهم يلهثون وراء مصالحهم ليغضوا الطرف عن مطالب رعايتهم، و كأن كل واحد منهم ليس المسئول عنهم أمام الله و لا هم يحزنون!..

هذه المرة الحكاية ليست عن التعليم كما في الحلقة السابقة وإنما عن أطفال سرق جالون المياه منهم الحياة و نسوة لسن من أهل المدنية..

الحكاية في هذه الحلقة عن أناس قدسوا الفانوس لتقدسهم أعمدة الكهرباء، و هي تمر من فوق رؤوسهم، وهم في الظلام يعمهون, من خدير حيث الحكاية بألف رواية، حيث العبرات تسبق النبرات، ولذا جالت «الأيام» في بعض من عزلها و كان مما استسقيته الاستطلاع التالي :

صحة مهجرة و أمرا ض مستوطنة:

الصحة في معظم عزل مديرية خدير غائبة علاوة عن افتقار سكان هذه المناطق إلى أبسط الرعاية الصحية و الاجتماعية ففي عزلة الشيخان المركز ( ط ) نقطة استطلاعنا في هذه الحلقة يشكو أهالي المنطقة من غياب المراكز الصحية.

فالمنطقة ينتشر فيها الكثير من الأمراض و خاصة أيام الصيف، حيث تتكاثر البرك و المستنقعات المائية التي تشكل بيئة خصبة لانتشار كثير من الأمراض كالملاريا و التيفود و حمى الضنك و غيره من الأمراض التي يجهلها الكثير من سكان من المنطقة ..

يقول المواطنون إن هناك وحدة صحية تم إنشاؤها في العزلة غير أنها لم تر النور منذ نشأتها حتى اللحظة و فيما يرجع البعض الأسباب إلى التقصير في أداء المجالس المحلية عقد بعضهم الآمال على الانتخابات القادة باعتباره موسما ملائما لقص الأشرطة و التسابق لوضع أحجار الأساس ...

في عزلة الشيخان حيث الأسى تكمن المأساة و أنت تسمع حكايات نسوة تعسر عليهن المخاض، فكان طريقهن إلى عالم الغيب أقرب من طريقهن إلى مستوصفات المدنية.. نسوة انتقلن إلى العالم الآخر فيما بعضهن يصارعن الفقر و المرض و كل المآسي ما ظهر منها و ما بطن، حيث تسوء التغذية، فلا تنظيم للنسل و لا حتى إرشادات صحية..

في عزلة الشيخان أشجار العلفق و الحلقة و كل ما أخضر لونه و مر طعمه يعدها السكان علاجا لأي داء يطرأ عليهم، و لسان حالهم «فما السبيل للخلاص من بؤس يورقهم وأمراض تطحن أجسادهم فلا شيخ رق لحالهم و لا دولة اهتمت لأمرهم و كأنهم خارج التغطية في هذا الوطن الغالي» ..

الطفولة و المياه

أن تجمع عود الحطب خير لك من أن تمسك القلم و أن تمتطي الحمار لجلب المياه خير لك من أن تذهب لتدرس تحت الشجرة و أن تركض في المراعي خير لك من اللعب و الملاهي.. و إلى ما لا نهاية..

فحدث و لا حرج عن أطفال سرق البؤس منهم سعادتهم، فيما دك الفقر أسوار أحلامهم, في المدرسة، حيث يكتظ الفصل بهم ليلفظهم إلى تحت الأشجار يكفيك أن تمعن النظر إلى عينوهم لتقرأ فيهن كل آلامهم, في البراري الواسعة، حيث لا يخشى المرء فيها إلا الله و الكلاب على أغنامه.. تجد عشرات الأطفال من كلا الجنسين يركضون وراء مواشيهم ابتغاء العشب و ابتغاء ما توفر لهم هذه الأنعام من رزق تغنيهم عن الفاقة وقت الحاجة.

المياه أساس الحياة على الأرض.. كاد ينعدم في هذه العزلة ولا يحصل عليه إلا بشق الأنفس، فالمسافات التي تقطع لأجل الحصول على عدة لترات منه و خاصة في مواسم الجفاف حسب الأهالي تقدر بعشرات الكيلومترات، وهي تجلب بواسطة الأطفال أو على رؤوس النساء..

فالحال عند بعضه ليبقى السؤال من سيرأف بالحال و يعيد الأمل لهذه العزلة في تبني مشروع للمياه يزيح عن كاهلهم الكثير وهو يشعرهم أن العصور البدائية انتهت وأن العهد عهد الفضاء والدولة الحديثة .

طريق تتراجع و فقر يتقدم :

الساكنون في هذه المناطق يمكن الجزم بالقول إن أكثر من نصفهم يعيشون تحت خط الفقر الشديد و يعتمد بعضهم على أراضيهم الزراعية أيام مواسم الأمطار، حيث تزرع الحبوب التي يتم تنقيحها بعد جنيها و وضعها في براميل لا تكاد تفي بالغرض إلا لأشهر قليلة.

بعض الأسر في هذه المناطق تعتمد على مصاريف ضئيلة من أبنائها الذين يعملون خارج المديرية و في المدن الرئيسة ليصبح الضمان الاجتماعي الرافد الرئيس لكثير من قاطني المنطقة..

يقول المواطنون «إن الضمان الاجتماعي كانت القرى محرومة منه إلى ما قبل عام 2008م حتى جاءت لجنة المسح الأخيرة و مسحت بعض الأسر فيما لا يزال السواد الأعظم بلا ضمان اجتماعي».

و على ذكر المسح تبرز أمامنا الطرق الوعرة التي عفا عليها الزمن و هي بحاجة إلى مسح و إعادة صيانة طرق أهالي هذه القرى..

فهم لا يطالبون بسفلتة قراهم أو تعبيدها، و إنما اقتصر مطلبهم كما يقولون على إيجاد طريق على الأقل معبدة بينهم و بين سوق مركز المديرية بدمنة خدير..

أمنيتهم تزف إلى المجالس المحلية في أن تعيد شق طريق الدمنة مصور والدمنة الشيخين، التي لم يتم مسحها أو تأهيلها منذ عام 1975 م أي ما قبل عهد الرئيس علي عبدالله صالح, عقود توالت دون الاهتمام بها،فكلما خربتها السيول كانت التعبيد فيها بالطرق التقليدية و بتعاون المواطنين.

المواطنون طالبوا الدولة و المحافظة و المجالس المحلية بسرعة إنجاز المشاريع الحيوية لمركزهم (ط) أسوة ببقية المدن و المراكز الأخرى حتى لا يحس أبناؤها بالنقص و عدم المساواة مع غيرهم من المراكز والمدن في كافة المجالات الخدمية المختلفة.

كهرباء غائبة و منازل عائمة :

الكهرباء تنعدم في عزلة الشيخين و في الكثير من قراها غير أن ما يزرع الحزن و ينقش البؤس في قلوب أهالي المنطقة أن أعمدة الكهرباء تمر من فوق رؤوسهم إلى قرى أبعد منهم مسافة لا يميزها عنهم إلا رجال عرفوا مصالح رعاياهم فأدركوا مسئولياتهم تجاههم لينهال الخير على منازلهم بنور صناعي يبدد ظلمة الليل، و لكن المأساة هنا قد تهون بعض الشيء لتكن الحقيقة المرة حين تضيء الكهرباء منزل أحد أقرباء المتنفذين ( بمحول كهرباء ) يغطي عشرات القرى فيما تبعد قرى عن ذلك المنزل في قرية ( غراس ) بضعة مئات مترات و لا نور يبدد دياجير الظلام ..

هكذا هي الحياة في أكثر عزل خدير.. حياة لم يجد الأهالي أمامها من بد إلا أن يرفعوا الفوانيس و النورات أمام كاميرا «الأيام» و هم واقفون أو قاعدون على أعمدة الكهرباء التي صرفت لهم في الموسم الانتخابي السابق- لتكن الحالة الاستثنائية و الوحيدة في مثل هذا الحال حين يغلب قانون الجاذبية الأرضية على إرادة الإنسان في أن تصبح الأعمدة ممدة بدل من قائمة- و لسان حالهم من يرأف بالحال و يحقق الآمال بقـبس من ضـوء توهـج به المنـازل و الأركان ..

و على ذكر المنازل فإن الحال في كثير من الأحيان يغني عن ذكر السؤال أسقف من طين و نوافذ شبه مغلقة.. أبواب غير آمنة..

و مع ذلك فحالة الرضاء بما قسم الله تعالى هي سر سعادتهم و لا يؤرقهم شيء في ذلك إلا أيام مواسم الأمطار حين ينخر الماء سقف منازلهم ليسقي باح غرفهم و لا غبار على ذلك، فالفقر و قصر اليد جعل الأمر طبيعيا فقد تعودوا عليه منذ سنين خلت.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى