الأمراض المشتركة بين الحيوان و الإنسان ZOONOSES) -1 الحمى المالطية (BRUCELLOSIS)

> «الأيام» د. صالح الدوبحي :

>
في علم الأوبئة، هناك كثير من الأمراض التي تنتشر وتصيب الحيوانات، ويمكن أن تنتقل وتصيب الإنسان أيضا، هذه المجموعة تعرف بالأمراض المشتركة (Zoonoses)، عددها كثير يتجاوز الـ 100 مرض، وهي تستهدف ما يزيد عن 37 فصيلا من الحيوانات.

لكن أهمها بالنسبة لمجتمعنا اليمني تلك التي تهدد ثروتنا الحيوانية القليلة أصلا والمحدودة الأصناف، بالإضافة إلى تأثيراتها الخطيرة على صحة شريحة واسعة من السكان خاصة مربي الماشية كالمزارعين والرعاة أو من يعمل في صناعة منتجاتها مثل الحلابين والجزارين والدباغين، وحتى الأطباء بيطريين وغيرهم ممن تعتمد حياتهم المعيشية اعتمادا كبيرا ومباشرا على تربية الماشية، ويتعاملون معها بشكل يومي، وهم على كل حال يشكلون غالبية السكان. من مقدمة هذه الأمراض نذكر الحمى المالطية وأمراض السالمونيلا وداء الكلب (السعار) والجمرة الخبيثة ، أو بعض الأمراض العائدة مثل حمى الوادي المتصدع وحتى الأمراض المستجدة مثل أنفلونزا الطيور الذي يحوم في الجوار, ونتقاسم مع بقية البلدان مسؤولية مواجهته .

ما هي الحمى المالطية ؟

الحمى المالطية هي داء (البروسيلات - brucellosis) ولها تسميات عدة أكثرها شيوعا (الحمى المتموجة - Fever undu lant) و( الحمى المتوسطية Fever Mediterranean) وحمى (جبل طارق)، وهي مرض معد مستوطن في الكثير من بلدان العالم.. تصيب عددا من الحيوانات الأليفة مسببة لها الإجهاض والنفوق والتهاب الضروع والعقم عند الذكور، وتؤدي إلى خسائر كبيرة في الثروة الحيوانية. أما عند انتقالها إلى الإنسان فإنها تصيبه بمرض ذي أعراض متعددة من أبرزها ارتفاع درجة حرارة الجسم لفترة طويلة ومتكررة قد تستمر لعدة أسابيع وحتى بضعة أشهر، بالإضافة إلى مضاعفاتها الخطيرة التي عادة ما تظهر متأخرة حتى ولو بعد عدة سنوات، متسببة في كثير من الإعاقة والوفيات. أما أول من قام بتشخيص المرض في الإنسان فهو طبيب بريطاني يدعى (بروس) عام 1887م، عندما انتشر المرض بين جنود الحامية البريطانية في جزيرة مالطة، بسبب شربهم حليب الماعز بدون تعقيم، وبها عرف المرض فيما بعد بـ «الحمى المالطية».

- ما الذي يسبب المرض؟

الميكروب المسبب للحمى المالطية هو نوع من البكتيريا اكتشفته طبيبة أمريكية في عام 1920م، لكنها فضلت أن تطلق على الميكروب اسم الطبيب البريطاني الراحل «بروس» تكريما لجهوده وتخليدا لذكراه، فأصبح الميكروب يدعى بـ (بروسيلا « Brucella »). ولهذا الميكروب 6 أنواع، كل نوع يتخصص عادة في فصيل من الحيوانات وبعضها في أكثر من فصيل، فمثلا هناك نوع يصيب الأغنام والماعز و الجمال «Brucella Melitensis» وهناك نوع يتخصص في الأبقار والجمال وهو «Brucella Abortus » وهذان النوعان هما الأكثر شيوعا في البلاد العربية. كما أن هناك نوعل للخنازير ونوعا للكلاب، ونوعا للقطط ونوعا للفئران، وجميعها يمكن أن تصيب الإنسان .

- ما هو مصدر العدوى؟

بالنسبة للإصابة بين الحيوانات فان مصدر العدوى هي الحيوانات المريضة، وهي التي تصبح أيضا مصدر العدوى للإنسان أما مباشرة أو بواسطة منتجاتها ومخلفاتها المحتوية على بكتيريا المرض، والتي تستطيع البقاء حية خارج جسم الحيوان المصاب (في التربة أو في المواد الغذائية) فترة طويلة قد تصل عدة أسابيع، ولا ينتقل المرض من إنسان إلى آخر.

- كيف تحدث العدوى للإنسان؟

تنتقل العدوى إلى الإنسان بعدة طرق:

عن طريق الفم: وهي طريق العدوى الشائعة لدى الكثير من الناس الذين يفضلوا شرب الحليب طازجا من دون تعقيم (دون غلي) وخاصة حليب الأغنام والإبل ، وهم لا يدركون أنه يمكن أن تنتقل إليهم أمراض مع الحليب إذا صادف وكانت تلك المواشي مريضة. أيضا أكل الأجبان المنزلية الصنع وحتى اللحوم النيئة لتلك الحيوانات المريضة ( البعض يأكل الكبد أو الطحال نيئا) و كذلك الخضار و مياه الشرب التي قد تتلوث بميكروبات المرض، ويمكن أن يصاب بها أي شخص تناولها.

عن طريق الجروح والخدوش على الجلد، وأيضا وعن طريق فتحات العين، ويحدث ذلك أثناء القيام بتوليد الحيوانات المصابة، حيث يوجد في جسم الجنين والسوائل المحيطة به ومحتويات المشيمة كميات كبيرة من الميكروبات، أيضا عند ذبح حيوانات مصابة أو حتى أثناء معالجتها ويحدث هذا عادة لمربي الماشية كالرعاة والفلاحين والجزارين والدباغين وحتى الأطباء البيطريين. وعن طريق التنفس عبر استنشاق هواء أو أتربة محتوية على الميكروبات، ويصاب بها في الغالب الرعاة والفلاحون.

ما هي أعراض الإصابة عند الإنسان؟

أعراض الحمى المالطية: في بداية الإصابة (الحالة الحادة) تكون شبيهة بأعراض الأنفلونزا، وتتراوح فترة الحضانة للمرض من أسبوع إلى ثلاثة، وتمتد أحيانا شهورا يعاني المصاب بعدها من :

ارتفاع درجة الحرارة مع تعرق شديد وخصوصا في الليل تصل إلى 40 درجة ثم تنخفض في الصباح (حمى غير منتظمة متوجة)، الصداع ، آلام الظهر، آلام المفاصل، إرهاق، تعب عام، خمول، نقصان الوزن، ألم وتورم في الخصيتين.

تضخم الكبد و الطحال والغدد الليمفاوية (عند تقدم المرض وإهمال العلاج ).

- ما هي مضاعفات الحمى المالطية؟

يمكن أن تتحول الحمى المالطية أحيانا إلى حمى مزمنة وتصيب بعض أجزاء الجسم مثل:

فقرات الظهر أو العظام أو المفاصل (التهاب الركبتين)، مسببا إعاقة حركية، التهاب الفقرات، نقر العظام. الخصيتان إحداهما أو كلتاهما (التهاب الجهاز البولي والتناسلي مسببا العقم).

القلب: التهاب صمامات القلب. الجهاز العصبي: التهاب النخاع ألشوكي والفقرات مسببا الشلل، التهاب الدماغ.

الكبد: التهاب الكبد، تضخم الكبد.

ويحدث ذلك نتيجة لعدم تشخيص المرض وعلاجه لأكثر من شهر، أو بسبب الانتكاسة بعد الشفاء.. ويحتاج المريض لبعض التحاليل المخبرية والإشعاعات لإثبات تواجد المرض في هذه الأماكن.

- كيف يتم تشخيص المرض ؟

يعتمد الطبيب في تشخيص مرض الحمى المالطية على التاريخ المرضي شاملا التعرض للحيوانات أو شرب حليب غير مغلي أو مبستر، بالإضافة إلى وجود الأعراض التي سبق الإشارة إليها. ويطلب الطبيب إجراء بعض التحاليل المخبرية، مثل قياس نسبة الأجسام المضادة في الدم ( Brucella titer ) ومزرعة للبكتيريا في الدم ( Blood culture) التي تكون إيجابية في حوالي 50-70% من الحالات المرضية وخاصة في حالة الإصابة بالنوع الأول. وعند وجود اشتباه في التشخيص بكون الحمى نشطة أوقديمة، يتوجب إعادة التحليل بعد أسبوعين أو ثلاثة، فإذا وجد زيادة ملحوظة أربعة أضعاف أو أكثر ثبت نشاط المرض.. أما إن لم تكن هناك زيادة في نسبة الأجسام المضادة فتعتبر الإصابة قديمة وغير نشطة ولا تحتاج للعلاج.

- ما هو علاج الحمى المالطية؟

يوجد نوعان من العلاج يحملان نفس نسبة النجاح والفعالية وهما :

1- Doxycyclin مع حقن Streptomycin

2- Doxycyclin مع Rifampicin

يعطى العلاج لمدة ستة أسابيع، وهناك علاج خاص للأطفال والسيدات الحوامل.

هل يحصل الجسم على مناعة للمرض بعد الإصابة والشفاء ؟

لا تعطي الإصابة بالمرض مناعة ضد الإصابة في المستقبل، فقد يتعرض المريض إلى انتكاسة (أي رجوع نشاط البكتيريا بعد العلاج).

ويحدث هذا غالبا في الشهور الثلاثة الأولى إلى سنتين بعد العلاج. ومن الأسباب المؤدية لحدوث الانتكاس عدم الالتزام بالمدة المحددة للعلاج (أخذ نوع من العلاج غير الفعّال) التعرض لإصابة أخرى من جديد.

- كيف تتم الوقاية من الحمى المالطية؟

يجب التأكد من خلو الماشية من الحمى المالطية وإعطائها التطعيم الضروري والتبليغ عن وجود دلائل المرض فيها.

غلي الحليب أو بسترته قبل شربه.

التأكد عند الذبح من خلو اليد من الجروح ولبس قفازات طويلة ووضع كمامات وخصوصا عند الاشتباه بوجود الإصابة في الحيوان المذبوح.

التأكد من أخذ العلاج بالطريقة الصحيحة ولفترة كافية حسب ما يقرره الطبيب

المتابعة المنتظمة في العيادة الطبية لمدة سنة بعد الشفاء للتأكد من عدم انتكاس المرض ، وإجراء تحليل للأجسام المضادة بعد ثلاثة أشهر للتأكد من عودة الأجسام المضادة لوضعها الطبيعي .

الاهتمام بالنظافة العامة للمسالخ والحظائر ( التطهير )

تجنب أكل اللحم أو الكبد الني (لأن حرارة الطهي تقضي على الجرثومة).

التبليغ إلى وزارة الصحة عن أية حالة حمى مالطية.

نشر الوعي الصحي.

ذبح الحيوانات المصابة بعد أن يقوم الطبيب البيطري بإجراء اختبار التلبد على دمائها.

تشخّص الانتكاسة بارتفاع نسبة الأجسام المضادة في الدم إلى أربعة أضعاف أو أكثر.

- أين توجد الحمى المالطية ؟

هي مرض عالمي الانتشار، وكان يوجد بشكل مستوطن في الكثير من بلدان العالم ولكن بعض الدول تمكنت من التخلص منه أو تقليص معدلات حدوثه إلى الحد الأدنى، وحاليا يوجد في معظم البلدان المطلة على حوض البحر الأبيض المتوسط وفي الجزيرة العربية وشرق آسيا وأمريكا الجنوبية وبعض أجزاء المكسيك، وطبعا أفريقيا.

- ما هو الوضع الوبائي للحمى المالطية في اليمن؟

الحمى المالطية منتشرة في اليمن، وتتوفر معلومات أولية تأكيد ذلك سواء تواجدها بين الحيوانات والتي بلغت نسبتها بحسب نتائج دراسة الدكتور السماحي* عام 1999م إلى 1.3% بين الماعز، أو بين السكان، حيث كان معدل انتشارها قد وصل إلى 2% بحسب دراسة قام بها كاتب المقال** عام 1985م. وهذه النتائج بقد ما تثبت وجود المرض في اليمن بشقيه الحيواني والبشري، فإنها في الوقت نفسه تحمل دلالات هامة من الناحية الوبائية حول انتشاره وأبعاده الصحية، الأمر الذي يتطلب بالضرورة اتخاذ التدابير الصحية اللازمة في الجانبين العلاجي والوقائي، وإنشاء نظام ترصد وبائي فاعل، وإعداد خطط وبرامج وأنشطة تفصيلية ميدانية للعمل على احتواء هذا المرض ومكافحته بشكل مشترك بين الوزارات المعنية (الصحة والزراعة والبلديا

...) والقيام بأنشطة التثقيف الصحي حول المرض بشكل عام وتكثيفها بين أوساط الفئات المستهدفة بشكل خاص، جنبا إلى جنب مع تنفيذ المزيد من الأبحاث والدراسات الميدانية ومتابعة كل ما هو جديد في هذا المجال.

* Brucellosis prevalence rate in goats in Yemen , 1999. (Al-Shamahy).

**Multipurpose Sero-epidemiological survey in Yemen ,1985 .(SS Dobahi )

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى