الشيخ عبدالقادر الجيلاني.. أسس مدرسته العلمية.. وواصل تلاميذه

> «الأيام» السيد أبوبكر بن عبدالله المحضار :

> السير على طريقته ..لم يشتهر أحد من البلاد الإسلامية من كبار العلماء الذين خدموا الإسلام مثل ما اشتهر الشيخ عبدالقادر،وليس يوجد في كبار المشايخ من كثرت مناقبه، واستفاضت كالشيخ عبدالقادر.

وفي الجملة يعد الشيخ عبدالقادر كبير الشأن، ترحم له الكثير من المؤرخين في كتبهم، بل أفرد ترجمته في كتاب ضخم، وأغلب تلك المؤلفات مطبوعة، وشهرته تغني عن التعريف به، لهذا فإنا سنقتصر في موضوعنا على المحاور الآتية:

1- نسبه وترجمته-2 من سكن اليمن من تلاميذه 3- من وصل اليمن من ذريته وأقام فيها، وذكر الشخصيات البارزة في الطريقة القادرية بعدن، ولنبدأ الكلام بالاستعانة بالله والتوكل عليه ونقول:

أولا- نسبه ونبذة عن سيرته:

هو محيي الدين أبو محمد عبدالقادر بن أبي صالح موسى بن عبدالله بن يحيى الزاهد بن محمد.. إلى آخر النسب المذكور في الكتب، والدته المرأة الصالحة أمة الجبار فاطمة بنت الشيخ عبدالله الصومعي، مولده في جيلان سنة 471 هـ، ولهذا عرف بالجيلاني، دخل بغداد سنة 488هـ فتفقه على يد القاضي العلامة المبارك بن علي المخزومي، والشيخ محمد بن الحسين الفراء حتى أحكم الأصول والفروع، وسمع الحديث وقرأ الأدب على العلامة يحيى بن علي التبريزي، واشتغل بالوعظ إلى أن برز فيه، ثم أن الله أظهره للخلق، وأوقع له القبول، فقام في مقام التدريس والفتوى والوعظ منذ عام 521هـ، ثم صار يقصد بالزيارة من الآفاق، وحدث عنه محدث خراسان عبدالكريم بن محمد السمعاني، والحافظ عبدالغني المقدسي، والشيخ موفق الدين ابن قدامة، وولداه عبدالرزاق وموسى وغيرهم ممن لا يحصون، ولما سئل الشيخ موفق الدين عن الشيخ عبدالقادر قال: «أدركناه في آخر عمره، فأسكننا في مدرسته، وكان يعنى بنا، ويرسل إلينا ابنه يحيى، فيسرج لنا السراج، ويرسل إلينا طعاماً مع منزله، وكان يصلي الفريضة بنا إماماً، وكنت أقرأ عليه من كتاب الخرقي غدوة، ويقرأ عليه الحافظ عبدالغني من كتاب الهداية في كتاب، وكان لا أحد يقرأ عليه في ذلك الوقت سوانا، فأقمنا عنده شهراً وتسعة أيام ثم مات، وصلينا عليه ليلا، ولم أسمع عن أحد يحكى عنه من المناقب أكثر مما يحكى عنه، ولا رأيت أحدا يعظمه الناس للدين أكثر منه، وسمعنا عليه أجزاء يسيرة».

وقد كان الشيخ عبدالقادر شيخ الشرق والغرب في وقته، وانتهت إليه رئاسة العلم والتربية والدعوة إلى الله وكان يصدع بالحق ولايخاف في الله لومة لائم، وكان ممن جمع العلم والعمل، وظل متصدرا للتدريس حتى انتقل إلى جوار ربه سنة561هـ وقد ترك لنا العديد من المصنفات أشهرها (غنية الطالبين إلى الحق) وكتاب (الفتح الرباني) فالغالب على مؤلفاته أنها تعنى بجانب التربية والأخلاق والدعوة إلى الله.

وأعقب ذرية، منهم: عبدالعزيز المتوفى سنة 602هـ، عبدالوهاب المتوفى سنة 593هـ، عبدالرزاق المتوفى سنة 603هـ، عبدالجبار المتوفى سنة 575 هـ إبراهيم المتوفى سنة 590هـ،وسيأتي ذكر بعضهم عند الحديث عن ذريته.

ثانيا: ذكر من سكان اليمن من تلاميذه:

لما توفي الشيخ عبدالقادر تفرق تلاميذه في مشارق الأرض ومغاربها لنشر الدعوة وتعليم الناس بالحكمة والموعظة الحسنة ومن أبرزهم على مستوى بلاد اليمن على وجه الخصوص: 1- الفقيه إبراهيم بن بشار بن يعقوب العدني، كان من الرجال الصالحين، صاحب الشيخ أحمد الصياد، ولقي الشيخ عبدالقادر الجيلاني، وكان عابداً كثير الأسفار، له رسالة في مناقب شيخه أحمد تسمى بسيرة الشيخ أحمد الصياد، وكانت وفاته سنة 579 هـ 2- العلامة عقيل بن إسحاق بن محمد، وكان يخدم الشيخ عبدالصمد بن إسماعيل الجبرتي، تلميذ الشيخ عبدالقادر، وهو معدود من العلماء الزهاد، رحل إلى ظفار والحجاز وجبال تهامة، كما رحل وأقام مدة ببيت الفقيه ثم في عدن وفيها تولى إمامة الصلاة في المسجد العنيدي، وناب القضاء بها عن قاضي القضاة إبراهيم بن إسحاق القريضي، وأخيراً سكن تريم ومات بها سنة 591 هـ ودفن بمقبرة الفريط-3- شيخ شيوخ زبيد -في عصره- أحمد بن الشيخ أبي بكر بن الرداد القرشي، ويعد من كبار أعلام القادرية في البلاد اليمنية، تعلم القرآن وحفظه صغيرا، ثم قرأ بالعربية فبرع بها، ثم الفقه وانتفع وأجاز له جملة من أئمة عصره، ولزم مجلس الشيخ المعروف إسماعيل بن إبراهيم الجبرتي، وصنف عدة كتب منها:(تلخيص القواعد الوفية) وكتاب (عدة المرشدين وعمدة المسترشدين) بالإضافة إلى ديوان شعر وكانت وفاته سنة 821هـ.

ثالثا: ذكر من سكن اليمن من ذريته:

تميز أهل اليمن بمحبتهم الصادقة للشيخ عبدالقادر، ظهر أثرها في سكنى بعض حفدة الشيخ عبدالقادر لعدن وحضرموت، من أبرزهم الشيخ نعمة الله بن عبدالله من سلالة الشيخ عبدالقادر، وقد أتى إلى حضرموت في القرن العاشر الهجري لطلب العلم وحضر مجالس الشيخ أبي بكر بن سالم (صاحب عينات) العلمية والتربوية، ويعتبر من أبرز تلاميذه الآخذين عنه، كما من آل الشيخ عبدالقادر بعض حفدته، واشتهر منهم العلامة عبدالهادي بن عبدالله بن عمر(1) بن أحمد بن عمر بن حسين من ذرية الشيخ نصرالله بن الحافظ عبدالرزاق بن الشيخ عبدالقادر، المولود بالخريبة ويعرف بالطبيب، لأنه كان حكيماً ماهراً درس الطب في الهند، إذ أرسله والده مع جماعة نزلوا حيدر أباد، وتعلم في بعض مدارس الهند واجتهد حتى التحق بإحدى الجامعات وتخرج فيها في علم الطب وكانت وفاته بحضرموت سنة 1370هـ،ومنهم ولده العلامة حامد بن عبدالهادي المولود بالخريبة سنة 1329هـ، قبيل وفاة جده عمر، وهو الذي سماه وبشر بأنه سيكون له شأن، وحقق الله ذلك فكان عالم الخريبة بل من كبار علماء حضرموت المتأخرين، طلب العلم بتريم على شيخ تريم الإمام عبدالله بن عمر الشاطري وطبقته، وكانت وفاته سنة 1414هـ، وخلف أولاداً من أهل العلم وهم عمر وعبدالقادر وعبدالله، ساروا على نهج أهلهم من نشر تعاليم الإسلام ونفع الناس، وفقنا الله وإياهم لما يحب ويرضى.

ومن ذرية الشيخ عبدالقادر العلامة عبدالرحمن بن داود الجيلاني من مواليد المكلا نشأ بها تحت رعاية والديه، وكان يعمل لإصلاح الناس راغبا في خدمة الجميع، بالدعوة إلى الله بحاله ومقاله وماله، سافر إلى الحرمين والعراق لطلب العلم، وقد أظهر الله له ثمرات مجالسة العلماء والصالحين وأخذ يتردد في الحجاز على مجالس إمام زمانه السيد عبدالقادر السقاف مفيدا ومستفيدا، وقد استقر به المقام بمدينة جدة حتى وفاته بها سنة 1421هـ.

وممن أتى لعدن والتقى بعلمائها العالم السوري الكبير الشيخ محمد جمال الدين الجيلاني الملقب(بخادم الإسلام) أقام في عدن شهور من سنة 1370هـ، وكان نزوله في بيت محمد بن محسن الصافي، والشيخ محمد الجيلاني له أيادٍ بيضاء، وبفضل الله أسلم على يديه أكثر من (45) ألف نسمة، وقضى قرابة نصف قرن في خدمة الإسلام والمسلمين، وبنى في الشرق الأقصى في جاوه والصين واليابان جملة مساجد ومدارس، ولما مكث في عدن نشرت له بعض الجرائد - آنذاك - مقالات تحت عنوان (تهذيب النفوس)، كما ألقى الكثير من الدروس العلمية في مساجد عدن.

وممن سكن عدن من ذرية الشيخ عبدالقادر السيد صفي الدين بن محمد علي الجيلاني، وكان من رجال عدن وأعيان الثالث عشر الهجري، سافر إلى العراق، وفي بغداد اجتمع بالشيخ إبراهيم بن مصطفى بن سلمان بن علي الجيلاني أحد شيوخ القادرية وأجازه بالسند المتصل إلى الشيخ عبدالقادر، حيث يروي من جده على المذكور (2).

ومن سلالة الشيخ عبدالقادر العلامة محبوب بن محمد الجيلاني، نشأ وتربى في دلهي في بيت علم وتقوى وصلاح حفظ القرآن، ودرس الأمهات الست وحققها على مشايخه بالهند، ونبغ في جميع فنون العلم وكان ماهراً في الطب، وتفقه بالمذهب الحنفي وتعمق فيه، واشتغل في باكورة حياته في التدريس، وبقي مدة من السنين ثم أخذ يتنقل من بلاد إلى أخرى حتى وصل قشن عن البحر، ومنها إلى المكلا، وفيها مكث في مسجد الروضة، ورأى العلامة السيد أحمد بن محسن الهدار، ولازمة وصار أحد خواص تلاميذه ثم رحل إلى الحرمين لأداء الحج وبعدها تنقل في مدن اليمن حتى وصل الشحر، وفيها اجتمع بالعلامة السيد عبدالله بن عبدالرحمن بن الشيخ أبي بكر (مؤسس مدرسة مكارم الأخلاق) وأقام هناك وتزوج بنت السيد محمد بن عبدالرحمن بن الشيخ أبي بكر وأنجبت له ولد سماه (عبدالقادر) وثلاث بنات ومن خواص تلاميذه العلامة المعمر عبدالكريم الملاحي (1328هـ - 1417هـ) وأخيراً استقر به المقام بعدن التي سكنها قرابة خمس سنوات وكان معه ولده عبدالقادر، وفي عدن التقى بجملة من كبار علمائها آنذاك الذين أحبهم وأحبوه، ودفن بجوارهم في مقبرة العيدروس سنة 1399هـ.

وفي عدن يوجد عدة مساجد أسسها الرجال المحبون للشيخ عبدالقادر، ومنها مسجد خواص الذي تم بناؤه سنة 1325هـ، ومسجد الجبرتي بالتواهي الذي تم بناؤه سنة 1361هـ وغيرهم، ويرجع تأسيس الطريقة القادرية بعدن إلى القرن الرابع عشر الهجري، ومن أشهر من تولى المشيخة من المتأخرين الشيخ علي بن عبدالكريم بن عبدالشكور المولود سنة 1320هـ، وكانت وفاته يوم الثلاثاء تاريخ 10/جمـاد الأول سنة 1403 هـ، ودفن بمقبرة القطـيع بعـدن.

ثم تولى المشيخة والمقام الشيخ علي بن عثمان بن محمد بن عبدالكريم المولود سنة 1373هـ، وأخذ العلم عن كبار علماء عدن أمثال قاضي عدن الشيخ علي بن محمد باحميش، والعلامة مطهر بن مهدي الغرباني، والعلامة سالم بن عبدالله الشاطري وغيرهم ممن لا يتسع المجال لذكرهم، وهو الآن إمام وخطيب مسجد الجيلاني بعدن منذ أكثر من عقدين من الزمن، وقاضٍ شرعي لعدة سنوات وقضى مدة طويلة في التربية والتعليم، وانتفع به الكثير من أبناء عدن ، أطال الله عمره مع العافية ووفقه لما يحبه ويرضاه.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولجميع المسلمين آمين اللهم آمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.

الهوامش:

(1) المتوفى بحضرموت سنة 1329هـ

(2) توجد لدينا نسخة من الإجازة المذكورة أعلاه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى