> عبده حسين أحمد:

من الطبيعي أن تجد الذي يحتاج إلى شيء منك أن يكون رقيقاً ناعماً خجولاً.. وأن تراه يتردد عليك كثيراً.. وأن تلاحظ أنه يحدثك عن عقلك ومكانتك وحب الناس لك.. لماذا؟.. لأنه يريد منك شيئاً.

فإذا حصل على هذا الشيء اختفى واختفت أيضاً عيناه وأذناه.. فلم يعد يرى لك جمالاً.. ولم يعد يسمع لك حكمة.. ولا سمع أحداً يتحدث عنك .. بل إنه من الممكن أن يلتقي بك فلا يمد يده.. كأنه لا يراك..أو كأنه رآك ولا يحب أن يتذكر أنك أعطيته أو أنك ساعدته.. وأسرع الناس إيذاءً لك.. هو الذي ساعدته أو أعطيته.. فهو يضيق بك.. فلم يعد لديه أمل فيك أو عندك.. ويرى في وجودك شيئاً لاضرورة ولا معنى له.. كأنك حجر في طريقه إلا إذا لمح من بعيد أنك تستطيع أن تعطيه شيئاً.. هنا سوف ترى العجب.. سوف ترى إنساناً جديداً يحدثك عن أعظم مخلوقات الله.. الذي هو أنت.. أما السبب في هذه الصفات الجديدة التي خلعها عليك فوراً فأنت تعرفها.

> هل هذا الذي يحدث في الحياة نموذج لكل العلاقات بين الناس والمجتمعات والدول؟.. وهل كل الذي بين الناس مصالح لا أكثر ولا أقل.. وكل العلاقات والفضائل والرذائل الإنسانية قائمة على المصلحة.. على المنفعة الشخصية؟.. وهل نحن نغالط أنفسنا عندما نسمي هذه العلاقات بأسماء كثيرة مثل الحب والتضحية والشجاعة والشهامة والوطنية والخير العام والخير الخاص.. والمحبة والسلام؟

> فالحب ليس إلا تعبيراً مهذباً عن رغبة غير مهذبة.. فالذي يحبك يريد شيئاً منك.. والذي يكرهك لأنه لم يعد يريدك.. أو أنه أخذ منك الذي أراد.. والغيرة هي الخوف على ضياع المصلحة أو المنفعة.. والشجاعة هي الوقوف دفاعاً عن المصلحة.. والتضحية هي ترك القليل من أجل الكثير .. والندم أسف على الذي ضاع.. والتوبة اعتذار عن سوء تقدير المصلحة.. فهل هذه المفاهيم صحيحة؟.. هل صحيح أن الإنسان لايفكر إلا في نفسه .. ولايشبع من الشرب والأكل واللذة والفلوس؟

> إن الذي يريد أن يكون محبوباً يجب أن يكون قريباً من الناس.. يجب أن يشجع الناس على أن يقتربوا منه أكثر.. فإذا اقتربوا منه ربما رأوه صغيراً أوضعيفاً.. وكانوا على استعداد للانقضاض عليه.. ولكن الذي يفضل أن يكون مخيفاً هو الذي يبعد عن الناس.. هو الذي يجعلهم يحتارون في فهمه وفي نفس الوقت لا يعرفون الطريق إليه.. والناس على استعداد لإيذاء الإنسان المحبوب.. أكثر من إيذائهم للإنسان المخيف.

> ولكن هناك وجوهاً أخرى.. فما الذي نراه في هذه الدنيا ؟ الكذب مثلاً.. فالإنسان لايكذب إلا خائفاً أو من أجل مصلحة أفضل.. إذن هي الأسباب النفسية.. والسرقة مثلاً.. لايسرق الإنسان البسيط إلا إذا كان جائعاً.. فأنت لاتطلب من الجائع أن يكون أميناً وألا يكون حاقداً ولا حاسداً ولا جشعاً ولا قاتلاً.

> كان ذلك فيما مضى.. وجاء من بعد هؤلاء الناس أناس آخرون ينامون وعيونهم مفتوحة ويضعون أيديهم لا على قلوبهم .. ولكن على مسدساتهم.. ويعبدون أوثاناً من الذهب فحياتهم بيع وشراء.. هات وخذ.

> فما الذي يريد أن يقوله الكاتب المصري الكبير أنيس منصور من هذا الكلام كله؟