> من قال إن الشعر يأتي من الشعر فحسب، إن هذه نظرة تقنية حرفية لأبعد حد، يأتي الشعر من الشعر ومن سواه، من الثقافة ومن الواقع ومن الظروف والمرحلة ومن التجربة.

ما سبق أورده الناقد والشاعر اللبناني عباس بيضون في موضوعه عن (قصيدة النثر) نشر في صحيفة «التجمع» الإثنين 7 يوليو 2008 العدد (635). وكلما عدت لديوان الشاعر علي عمر صالح (راعي وحطابة) أحس وكأن عباس بيضون يتحدث عن تجربة هذا الشاعر الذي ولد في إحدى قرى محافظة أبين سنة 1945م والتحق بالدراسة ودرس المرحلة المتوسطة في مدرسة (امخديرة) في ظروف أسرية صعبة بسببها ترك الدراسة والتحق وعمره 18 سنة بالجيش عام 1963م وهو عام انطلاق ثورة أكتوبر ضد المستعمر البريطاني.

إن المتأمل في السنوات الأولى التي شكلت شخصية علي عمر صالح، يلاحظ بجلاء أن هذه الظروف هي التي صاغت وجدانه وشكلته، فهو لم يكن لديه مكتبة في المنزل أو حتى المدرسة ليقرأ شعرا وغيره ، ولكن الموهبة ولدت وترعرعت في تلك الشعاب والوديان التي تعج منذ الصباح الباكر بأصوات العصافير المختلطة بأصوات الرعاة ودعابتهم للذاهبات للحطب من نسوة القرى اللاتي تسبقهن رائحة الورس والهرد.. وليس أدل على ذلك من أن يأتي ديوانه الأول وهو باكورة أعماله المطبوعة موسوما بـ(راعي وحطابة) تماهي فيه مع البيئة الريفية بحميمية وصدق نادرين، ولذلك كان هذا الريف بكل معانيه ودلالته حاضرا في كل الديوان من العتبة الأولى وهي العنوان وإلى آخر نص من نصوصه.. لقد انفرد علي عمر صالح بنفسه في سياق المجتمع الذي يعيش ليشكل ملكوته الخاص بسلطان الشعر ، مقتفيا أثر شعراء العصور الغابرة الذين لم يوكلوا للشعر وظيفة تتعداه غير أن المعاناة التي عاشها في حياته واكتوى بنارها، كما صرح في حواره مع صحيفة «الأيام» المنشور في 22 سبتمبر 2008م العدد (5514) فرضت عليه أن يعبر عنها، لذا وجد نفسه (يعبر عن هموم ومعاناة الناس..).

ولذلك جاءت نصوصه الغنائية ثرية ومتنوعة بتنوع التجارب الإنسانية التي عاشها، ولست مبالغا إذا ما قلت أنه استطاع إعادة إنتاج هذه المعاناة جماليا، وذلك يتجلى في قدرته على عكس وتمثيل الواقع، وهو ما يعرف بالصدق الواقعي إلى جانب تميزه في الصدق الفني بمعنى قدرته على توظيف اللغة، وكذلك الموروث الشعبي كالأمثال والحكم.. ولذلك انتشرت قصائده المغناة بين الناس لأنه كما قال الشاعر الرقيق علي حيمد في تقديمه للديوان كان (يسقيها من روحه) وهل ثمة قول بعد ذلك!