نحو تجذيره وإعلاء شأنه في الحياة .. الوفاء بين حبة الرابطة والسعدي وعنقود جهات الاختصاص

> «الأيام» سند حسين شهاب :

> لا ريب أن مبدأ الوفاء هو مقصد شرعي قبل أن يكون مطلباً إنسانياً نادت به تعاليم ديننا الإسلامي الذي شكل في مجمله منظومة من القيم والفضائل التي كرمت الإنسان أيما تكريم.

ويأتي هذا المبدأ الذي حفل به التاريخ الإنساني في مجمل عصوره في أشكال عدة منها الأشكال العصرية التي نتعامل بها في زماننا الحالي في شكل تكريم أو زيارة أو اتصال.. الخ، لكن السؤال الذي يقفز دائماً إلى المقدمة: هل هذا المبدأ سائد في حياتنا كأحد الالتزامات الدينية والأخلاقية والإنسانية التي ينبغي أن تكون هي ما يحكم هذه الحياة إجمالاً؟

يقول أهل تونس في مثل شائع لديهم: «عاش يشتهي حبة.. مات جابوا له عنقود» والمقصود أن الإنسان يظل في تطلع دائم- في حياته- إلى الإنصاف من الآخرين، لكنه لا يجد هذا الإنصاف الا بعد مماته غير أن الكثيرين لم يجدوا هذا الإنصاف حتى بعد مماتهم.

إذا ما حاولنا إسقاط مثل تونس الخضراء على واقع اليمن الخضراء سنجد أن تماهياً كبيراً تلتقي فيه كلا المنطقتين اللتين يبدو أنهما تنتميان إلى جغرافيا تدمن هذا النوع من الغبن.

كرموني وناعيش

بعد الموت ماشتيش

لا زخارف ولا ريش

حتى هذه الأبيات التي كتبها أحد شعراء لحج الكبار ذات يوم، لم تجد آذانا صاغية ومات الشاعر وهو يمني النفس بهذه اللفتة.

ولئن كان مبدأ الوفاء- كما أسلفنا سابقاً- هو مبدأ عام ينبغي أن يحكم الحياة إجمالاً، فإن الوفاء تجاه الإنسان المبدع تتضاعف الحاجة إليه وبالذات في هذا الزمن، باعتبار أن العطاء الإنساني هو القيمة الحقيقية للإنسان نفسه قبل أن يكون التزاماً منه تجاه وطنه وشعبه، ويتخذ هذا العطاء أشكالاً عدة كالوطنية والمهنية والإبداع في مناح شتى علمية ثقافية فكرية رياضية اجتماعية.. الخ.

في مجتمعنا اليمني تحفل أدبيات وتشريعات الدولة والقطاعات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني بالكثير من الالتزامات القانونية والأخلاقية تجاه المبدعين في الوطن، لكن واقع الحال يعطي انطباعاً آخر، حتى ولو رأينا على استحياء قيام هذه الجهات في فترات معينة بأعمال تصب في هذا المنحى قلما تكون بعيدة عن التوظيف المنفعي لهذه الجهة أو تلك، الأمر الذي ينعكس سلباً على واقع الحياة نفسها قبل أن ينعكس على المبدعين.من بين هذه القتامة التي أضحت تحكم واقعنا تظهر بين الفينة والأخرى لمسات وفاء وإكبار تتجاوز هذا المسار القائم لتشكل نواة أمل لإرساء هذا المبدأ من جديد في حياتنا. سنستعرض في موضوعنا هذا بعض هذه المواقف الإنسانية:

1) وفاء الرابطة:

لفت نظري مؤخراً في الصحافة قيام قيادة حزب رابطة أبناء اليمن ممثلة في السيد عبدالرحمن الجفري، والشيخ محسن محمد بن فريد بزيارات إلى منازل عدد من رواد الحركة الوطنية، كنوع من الوفاء تجاه هؤلاء الرجال الذين أعطوا وأبدعوا في أوقات صعبة.

والحقيقية أن هذا العمل لم يكن جديداً على قيادة هذا الحزب، بل مثل تجسيداً لأحد أهم الفضائل الذي قام عليها هذا الحزب منذ نشأته الأولى على يد كوكبة من العلماء والفضلاء والأعلام.

بالنسبة لي شخصياً لم يكن جديداً عليّ هذا الأمر، فقد رأيت بأم عيني السيد عبدالرحمن الجفري في مهرجان القمندان الكرنفالي وهو يبحث عن أحد الرموز الوطنية والأدبية بلحج مطلقاً صيحات لاتزال ترن في أذني: أين صالح دبأ؟ ولم يصمت إلا بعد معرفته مبررات غياب الرجل.

أكتب هذا الكلام كوفاء مني تجاه مزايا هذه القيادة التي لا أعرفها ولا تعرفني، كما أكتب لأشد على أيدي الآخرين لأن يحذوا حذو هذه القيادة التي تشكل عامل فخر لكل المبدعين في كل مكان، وأطالبها في الوقت نفسه الاستمرار في تجسيد هذا المبدأ كنهج مؤسسي لحزبهم، لاسيما وأن هناك من الجحود والنكران تجاه الكثيرين ما تقشعر له الأبدان.

2) خالد السعدي لمسات وفاء:

شريحتا المثقفين والفنانين هما طليعة الشعب كرموز معبرة عن تطلعاته، وهذا الأمر يضاعف مسؤولية الجهة المختصة تجاه هؤلاء، لكن واقع الحال يكشف عن بؤس شديد يغمر حياة هؤلاء.

عندما يصل حال هؤلاء المبدعين الذين يمثلون نخبة المجتمع إلى هذا الدرك ينعكس هذا الأمر (أتوماتيكياً) سلباً على مجمل الحياة العامة، الأمر الذي يؤدي إلى ترد كبير في الواقع الثقافي والفني، رغم تاريخ وكفاءة وقدرات هؤلاء مقارنة بمناطق وبلدان أخرى شمرت عن ساعدها رغم افتقارها لهذه المعايير.

عندما نقول هذا الكلام فإننا لا نبالغ في تصوير هذا المشهد الذي أوصل حال بعض هؤلاء إلى الشارع أو المصحات، في ظل صمت مطبق من كافة الجهات سواء الحكومية أو الأهلية.. الخ.في ظاهرة لافتة قيض الله مؤخراً أحد الفنانين المقتدرين وهو الفنان خالد السعدي الذي أبت إنسانيته أن يرى حال هؤلاء المبدعين، فقرر الوقوف معهم موظفاً إمكانياته وعلاقاته لخدمة هؤلاء، معتبراً أن هذا الأمر هو واجب ديني وأخلاقي في المقام الأول، الأمر الذي أثلج صدور الكل ببروز هذه الشمعة الإنسانية التي نتمنى أن يتكرر ظهورها في أماكن مختلفة، خدمة للمبدعين في كافة العطاءات الإنسانية.مكررين مرة أخرى أن هذا الأمر هو من مسؤولية الدولة في المقام الأول.

كما لا ينبغي إعفاء شريحة الرأسمال الوطني وغيرها من الجهات القادرة على تبني وإشاعة هذا المبدأ في الحياة خدمة لواقع الحياة ونهضتها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى