المهندسة ريم عبدالغني في محاضرتها عن عمارة حضرموت:أرى ضرورة تشجيع وتعميق الوعي بأهمية هذا التراث

> اللادقية «الأيام» خاص:

> ألقت صباح أمس الأربعاء المهندسة ريم عبدالغني محاضرة حول عمارة حضرموت الطينية (عبقرية البناء)، وذلك قاعة المحاضرات الرئيسية بمكتبة الأسد الوطنية بمدينة اللاذقية في الجمهورية العربية السورية الشقيقة.

وقالت في مستهل محاضرتها :

«منذ سنوات طوال وأنا أعتبر اليمن إحدى قضاياي الأساسية، ليس فقط من خلال الأبحاث و الدراسات التي أعددتها عنه وأتابع بها رسالة الدكتوراه في مجال عمارته التي لا يمكن أن تكون إلا نتاج حضارة عظيمة . ولذلك أعترض بشدة حين يقلل من شأنه و بأن اليمن ليس قاتا، ولم يعرف القات أصلا فيه إلا منذ مائتي عام، و هي ثوان قليلة قياسا بعمر حضارته وعظمة تاريخه».

وبعد أن أعطت لمحة عن تاريخ اليمن، تناولت مميزات العمارة اليمنية و منها: عشق اليمني للمرتفعات و«الترابط بين العمارة والبيئة المحيطة» و التلقائية والبساطة في عمارة اليمن التي انبثقت كنبتة من الأرض أو تزوجت الأرض»، لتلبي بأسلوب جميل حاجات الناس، وتعبر بقوة عن فهم الانسان اليمني للبيئة وتحويلها بثقافته وفكره إلى بيئة عمرانية تعكس مفاهيمه وقيمه ومعتقداته، مما أدى إلى تسجيل ثلاث مدن يمنية في سجل التراث العالمي في منظمة اليونسكو وهي (صنعاء - شبام و زبيد) في خطوة أولية ضمن سبعة مدن في العالم.

ثم أشارت الباحثة إلى أوائل المستكشفين الذين زاروا وادي حضرموت، كانت حضرموت مملكة مزدهرة منذ القرن العاشر قبل الميلاد، وكان لها شأن عظيم في العالم بفضل شهرتها أرضا للبخور واللبان حتى وصف أحد ملوكها بملك اللبان.

هاجر العديد من أبناء هذه المنطقة وانتشروا- نتيجة للظروف الاقتصادية و الاجتماعية وكذلك بهدف نشر الإسلام- وخصوصا إلى جنوب شرق آسيا وإلى الشاطئ الغربي من الهند وكونوا مستعمرات تجارية في سنغافورا واندونيسيا.

ولهذا تطورت الحركة العمرانية في حضرموت وشيدت المنازل و المساجد والقصور، وكانت الطرز الجديدة نتيجة التجربة الرائعة للتفاعل الخلاق بين الأساليب والطرز المعمارية لجنوب شرق آسيا والهند وبين أنماط البناء المحلي و تقنياته التقليدية.

ثم تحدثت الباحثة عن آلية البناء بالطين: وعملية البناء تجسيد راق لروح التعاون بين الأهالي، وقد شيدت جميع بنايات حضرموت بطوب الطين أو اللبن ويدعى المدر

ومن أهم مدن هذه المنطقة:

- مـديـنـة شـبـام أو مانهاتن الصحراء منذ القرن الرابع ميلادي.

وقد توصلت ناطحات سحاب شبام الطينية في شبام منذ قرون إلى حلول للعديد من المشاكل التي تواجهها اليوم هندسة عماراتنا الحديثة، و اثنان من المشاريع الفائزة جوائز الأغا خان للعمارة لعام 2007 كانا من نصيب اليمن إحداهما عن ترميم مجمع الأميرية محافظة رداع شمال اليمن و الآخر عن إعادة تأهيل مدينة شبام حضرموت

- مدينة تريم: مدينة العلم والعلماء، إذ يعود تأسيسها للقرن الرابع قبل الميلاد وتعتبر عاصمة دينية منذ القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) أصبحت بعد ظهور الإسلام مفصلا في الحياة الدينية اليمنية ومركزا هاما للعلوم و الفقه، حتى سميت إحدى مدارسها بالأزهر الثاني، ويُروى أنه عاش في هذه المدينة مئتا مفتٍ في وقت واحد، ولأنها محط رحال طالبي العلم، فقد كان من الطبيعي أن تزخر تريم بالمخطوطات والمطبوعات العربية التي تملكها العائلات المميزة في المدينة، و قد جُمع بعضها في مكتبة الأحقاف المشهورة.

ويقال أن عدد مساجد تريم بلغ 365 مسجدا بحيث يمكن الصلاة كل يوم في مسجد على مدار العام.

أما درة مساجد تريم _وحضرموت كلها_ فهو مسجد المحضار الذي يقف شامخا ببياضه الناصع شاهدا على عظمة المعمار اليمني منذ القرن التاسع الهجري. و منارة المحضار يزيد ارتفاعها عن 52 متر أي ما يقارب عشرين طابقا، استخدموا في بنائها الطين المخلوط بالقش وجذوع النخيل فقط،

ثم تحدثت الباحثة عن البحث الذي قامت به عن وادي حضرموت بقولها «بدأت بزيارتي لشبام في فبراير 1997م ، ثم وقع اختياري على تريم لدراستي الماجستير وعلى مدى أربع سنوات (2000-2004) قمت بمسح ميداني شامل لجميع المساجد القديمة في مدينة تريم وتصويرها (130 مسجد) وأعتقد أنه الأول والأهم لتوثيق لهذه المساجد».

عملت على تحديد مواقع المساجد القديمة والحديثة على مخططات المدينة بعد تعديل و تحديث هذه المخططات، و رسم مخططات هندسية كاملة ( مساقط- مقاطع- واجهات) لهذه المساجد على الكمبيوتر، إضافة إلى أكثر من 150 لوحة رسم يدوي فني للواجهات، وكذلك توثيق أكثر من 70000صورة و35 ساعة تصوير تلفزيوني ( بيتا كام)، و جمعت أغلب أكثر من 350 مرجع بينها مخطوطات وكذلك وزعت استمارات استبيانية على عينات واسعة من السكان وحللت نتائجها، والتقيت بعدد كبير من السكان، وذلك في سياق توثيق المعلومات الكثيرة المتواترة شفهيا عن المدينة ومساجدها ومشاكلها.

في نهاية المحاضرة تم التأكيد على ما يلي :

- إن القيام بتوثيق كامل للتراث المعماري في وادي حضرموت، بل و في اليمن عموما يشجع على المحافظة عليه وصيانته وادماجه في التنمية المستدامة و لا لاسيما في السياحة الثقافية.

عمارة حضرموت -دوعن
عمارة حضرموت -دوعن
- ضرورة تشجيع وتعميق الوعي بأهمية هذا التراث الذي يعبر عن الهوية و البناء بالطين و مميزاته، و تحسين الطرق الفنية للصيانة وترميم المباني، وتدريب الكوادر عليها و على حرفها التقليدية، و دعمهم ماديا إن أمكن نظرا لارتفاع نفقات الترميم

- العمل على إعادة استثمار موارد الوادي الأصلية بالشكل الأمثل كإنتاج العسل وتعليب البلح و التمور وتشجيع غزل القطن المجلوب من أبين ولحج، وتطوير زراعة اللبان و أشجار العلب، وتقديم التشجيع والدعم المالي للمهن كحرف البناء التقليدية و طب الأعشاب و تشجيع الفنون المحلية، لذلك يجب وضع مخططات متكاملة للتنمية الشاملة بحيث نحافظ على عراقة السكان وتراثهم دون الإخلال بمتطلبات العصر الذي يعيشون فيه، ولإنجاح هذه البرامج يجب وضع خطة عمل لتأهيل وتنشيط ليس البيئة العمرانية التي تحتضن التراث فحسب، بل وتنمية مختلف الجوانب الاقتصادية والثقافية والاجتماعية لأحوال سكان المنطقة، وتأمين الخدمات الكافية كالصحة والتعليم و الترفيه و السياحة .

ولقد تجلت بوضوج أهمية الحفاظ على تراث الوادي و توثيقه بعد سيول نوفمبر 2008 التي اجتاحت الودادي مخلفة مئات القتلى و المفقودين وشردت الاف الاسر

- إضافة تدمير البنى التحتية والممتلكات، و قد وجه مركز تريم للعمارة والتراث في حينه نداء لتقديم المساعدات للحد من أضرارها والعمل للحفاظ على التراث الحضاري للوادي و ضرورة الاهتمام بتوثيقه و دراسته واتخاذ الإجراءات لتجنيبه المخاطر مستقبلا .

و في محاولة متواضعة للمساهمة في هذا التراث الحضاري ليس في وادي حضرموت فقط بل في العالم العربي الحضاري أسست المهندسة ريم عبد الغني في العام 2004 م مركز تريم للعمارة والتراث و مقره الرئيسي دمشق، في محاولة للمساهمة في توثيق وحماية التراث في الوطن العربي و هو مؤسسة غير حكومية، تُعنى بقضايا التراث والعمارة في العالم العربي من خلال التوثيق والدراسة والنشر والإنتاج الفني و دراسة وتنفيذ مشاريع الترميم والحفاظ على التراث المعماري إضافة إلى تصميم عمارة معاصرة تتسم بالأصالة المستمدة من تراث الأمة الحضاري.

ويصدر المركز مجلة تراث الفصلية و لدينا لهذا العام مجموعة من المؤتمرات و المعارض و المشاريع و منها سلسلة محاضرات أربعاء تريم الثقافي كما يساهم في مشروع ذاكرة العالم العربي وكذلك في مشروع ترميم مجموعة من مساجد تريم، مع مراعاة محيطها التاريخي وموادها التقليدية و الذي يتضمن أيضا تشجيع إعادة استخدام مواد وتقنيات البناء الطينية التقليدية وإنشاء مدرسة لمعلمي البناء التقليديين في تريم ، وكذلك توثيق عادات و تقاليد البناء و للأغاني والأهازيج و مصطلحات البناء.

العمارة الطينية في حضرموت
العمارة الطينية في حضرموت
و مازالت المهندسة ريم عبد الغني تعمل على كتابها حول مساجد تريم و الذي سيصدر قريبا بإذن الله، و الذي ستكون عائداته لصالح ترميم المساجد القديمة في مدينة تريم.

ختمت المهندسة محاضرتها بقولها : «لا نريد تقليد العمارة الغربية الحديثة و ليس من الحكمة أن نقلد العمارة العربية القديمة بحرفيتها ،دعونا نتلمس مكاننا الصحيح بمواجهة ما يدعى «العمارة الحديثة» التي أسأنا فهمها، فقلدناها دون تفكير، استوردناها جاهزة بموادها و أساليب بنائها و فلسفتها وما زلنا نعاني الانفصام المؤلم، بين عمارة تعيش سجينة داخلنا و عمارة نعيش سجناء داخلها، غرباء داخل بيوتنا.. و«الغربة في البيت-كما يقول شيخ المعماريين العرب حسن فتحي- أبشع أنواع الغربة».

إن التحدي الكبير يواجهنا كمعماريين ومخططين هو الوصول إلى عمارة معاصرة تتسم بالأصالة وتعبر عن الهوية والإنتماء الحضاري.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى