الكويت.. مزيداً من الديمقراطية..

> «الأيام» السفير / سالم غصّاب الزّمانان:

> يُبادرني كثير من الإخوة والأصدقاء بالحديث والنقاش، بل ولا أخفي سرا إن قلت إن منهم من يعبر صراحةً عن مشاركته أبناء الكويت قلقهم على حياتهم الديمقراطية المتميزة، وما يرافقها من شدّ في العلاقة بين السلطتين التشريعية ممثلة بمجلس الأمة، والتنفيذية ممثلة بالحكومة.

وما يترتب عليها من تبعات تدفع بالحكومة إلى الاستقالة، أو أن يلجأ حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح إلى استخدام صلاحياته الدستورية بحل المجلس كإحدى المخارج الحتمية لتجاوز الأزمة..

وبطبيعة الحال، فأنا أتفهم المخاوف التي يبديها الجميع من تشوُّه تجربة الكويت الرائدة، كما أقدر عاليا حرصهم على ديمقراطية الكويت كإحدى النماذج المشرقة في العالم العربي وربما عالميا، جرّاء الأزمات السياسية التي تنجم عن اختلال العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، غير أني أود أن أطمئن المهتمين أننا في الكويت اعتدنا على مثل هذه الأمور، وتمرّسنا أكثر في كيفية التعامل معها وحلها وفقا لمقتضى الضرورة، وواقع الحال، أحيانا بالسعي الحثيث لتقريب وجهات النظر وسدّ الهُوّة بين الحكومة والبرلمان، وأحيانا بقبول استقالة الحكومة وإعادة تشكيل حكومة جديدة، وأحيانا بحل مجلس الأمة كخيار أخير للحفاظ على الحياة الديمقراطية ودعم جهود التنمية وتعزيز حقوق المواطنين في المشاركة في حل الأزمات السياسية واختيار ممثليهم.

وكي يكون المتابع للشأن الكويتي في الصورة أكثر كان لا بد من التعريج على المسيرة التاريخية للديمقراطية الكويتية وتوضيح بعض خصوصياتها.

بدأت الديمقراطية في الكويت منذ عقود ومرت بمراحل عديدة، وعلى أساسها قامت دولة الكويت الحديثة (كويت ما بعد الاستقلال)، ومع كل تجربة انتخابية تترسخ المزيد من القيم والمفاهيم الديمقراطية في المجتمع الكويتي، الذي يتمتع فيه المواطنون بالمزيد من الحقوق السياسية والتي كان آخرها السماح للنساء بخوض الانتخابات ناخبة ومرشحة مثل أخيها الرجل ابتداءً من عام 2006.

غير أن المرحلة الأخيرة من الانتخابات التي جرت في مايو 2008، أسفرت عن وصول عدد من الأعضاء الذين قاموا بالخلط بين الأجندة الخاصة والمهام البرلمانية، وأساء البعض منهم استخدام الأدوات الدستورية، علما أن الاستجواب والاستفسار والمساءلة هي حقوق ثابتة للعضو ولا جدال حولها، لكن كثرة الاستجوابات وبتلك الطريقة لم ينطبق على بعضها الضوابط القانونية المتعلقة بها، أثار الجدل عن جدوى تلك الاستجوابات والممارسات وغاياتها الحقيقية، وهل تصب فعلا في مصلحة المواطنين الذين انتخبوا أولئك النواب، أم أنها ليست أكثر من مماحكات تصب في خدمة مُتبنّيْها، وترمي - بقصد أو بدون قصد - إلى تعطيل التعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، والتأثير على جهود التنمية في البلاد، خصوصا أن الحكومة لم يمض على تشكيلها سوى شهرين تقريبا بعد استقالتها جراء أزمة شبيهة، وفضل حضرة صاحب السمو أمير البلاد حينها قبول استقالة الحكومة وإعادة تشكيلها مجددا وإعطاء مجلس الأمة فرصة جديدة لإعادة النظر في ممارسات بعض النواب وبما يرسخ التجربة الديمقراطية في الكويت ويلبي مصالح الوطن والمواطنين.

لكم أن تتخيلوا حكومة جديدة بعمر 65 يوما تحاصر مجددا بكمٍ من الاستجوابات، بعضها لا يعدو عن كونه محاولة للنيل من وزير معين، وليس من قبيل الإصلاح، ومع ذلك فالديمقراطية أمر قبله الشعب الكويتي ويمارسه بكل شفافية وحرية، فلا قيود على أحد في مسألة إبداء الرأي والحوار بصورة عامة سواء داخل أو خارج مجلس الأمة، وهو عموما نقاش سلمي وديمقراطي، غير أنه يتجاوز أحيانا شروط الديمقراطية ليشوه ممارساتها.

كان من الطبيعي أن يسود الشارع الكويتي حالة من الاستياء الشديد من أداء مجلس الأمة السابق، ووصل الاستياء حد القنوط لدى شريحة من المواطنين والنواب أنفسهم، ليقدموا مقترحات «متطرفة»- كما وصفها حضرة صاحب السمو الأمير- تطالب بحل غير دستوري لمجلس الأمة، لكن سموه فضل الخيار الديمقراطي، رغم أن حل مجلس الأمة هو الثالث من نوعه منذ تولي سمو الأمير مقاليد الحكم في يناير 2006، غير أن سموه، وهو المرجع الأخير للكويتيين، كأب لهم جميعا، وهو صاحب الكلمة الفصل عند احتدام الجدل حول قضايا معينة، فضل الحل في إطار الدستور وبما ينمي التجربة الديمقراطية ويشرك المواطنين في صنع القرار عبر اختيار ممثليهم بمجلس الأمة.

وبالمناسبة فإن مجلس الأمة الكويتي حقيقة ليس بتلك الصورة التي تبرزها وسائل الإعلام الفضائيات باعتباره مجلسا للاستجواب وتوتير العلاقة مع الحكومة، فبالنسبة للإعلام - خصوصا الإعلام الخارجي- هذا هو الحدث الذي يهتم به، في المقابل هناك أعضاء في مجلس الأمة الكويتي مُنكبّون بشدة على جوهر عملهم التشريعي، فعلى سبيل المثال ذكرت إحصائيات مجلس الأمة التي نشرت مؤخرا أنه منذ مطلع العام 2009 إلى يوم إقالة مجلس الأمة في 18 مارس الماضي قدم المجلس 848 طلبا موزعة على 199 سؤالا و429 اقتراحا برغبة و220 اقتراحا بقانون، وبطبيعة الحال فهذا الكم الهائل من الممارسات التشريعية التي تمثل صلب عمل المجلس تغيب عن اهتمام الإعلام الذي يُغفل حق الرأي العام في الاطلاع على هذا الجزء المغيب من الحقيقة، ويركز فقط على الممارسات التي تثير الرأي العام، وبأي حال من الأحوال فإننا نتفهم حق الإعلام في التركيز على مكامن صنع الخبر الاستثنائي.

يتساءل البعض أيضا: هذا هو الحل الثالث لمجلس الأمة في غضون فترة لا تتعدى ثلاثة أعوام، وفي كل مرة نرى انتخابات تفرز مجلسا لا يختلف عن سابقه، فإلى متى تستمر الكويت في انتخابات وأزمات واستقالات وحل لمجلس الأمة؟

ما ينبغي التأكيد عليه في إجابة هذا السؤال هو أن الحكومة ليست من ترسم أو تشكل نتائج الانتخابات.. قطعا ليست الحكومة من يختار هذا النائب أو ذاك، وليست من يؤثر على خيارات الناخبين، فالانتخابات الكويتية دائما انتخابات حرة ونزيهة بشهادة المراقبين المحليين والدوليين، وبالتالي فالمجلس هو ممثل للشعب، وأي تجاوز أو أزمة يكون المجلس طرفا فيها فإن القرار يعود إلى الشعب لتحديد خياراته، ونحن ننظر في التجارب الانتخابية المتوالية في الكويت تعزيزا ومراسا ديمقراطيا يرسخ الممارسة الديمقراطية فيها، كما أود أن أشير أن خيارات الناخبين في تقرير من يمثلهم لا تعني بالضرورة قبولهم بممارسات ممثليهم في مجلس الأمة.

لذا فإنه من الطبيعي أيضا أن يؤدي الاستياء الشعبي المتنامي من أداء المجلس السابق، خصوصا في الفترة الأخيرة، إلى تقرير الناخب لطبيعة ممثليه في المجلس القادم، ويبدو أن ذلك الاستياء سيقوده إلى زيادة الوعي والتأكد من إيصال مرشحين إلى المجلس ليكونوا أعضاء يولون مصلحة الوطن الأهمية القصوى، ويجعلون مصلحة المواطن نصب أعينهم، لهذا فإنه من المتوقع أن ينتصر المواطنون الكويتيون لخيار الديمقراطية والتنمية، وسيكون مجلس الأمة المقرر انتخابه في غضون 16 مايو المقبل مجلسا متوازنا يغادره البعض من النواب السابقين وستدخله وجوه جديدة، يبدو راجحا إلى حد كبير أنه سيكون من بينها عناصر نسائية.

ختاما أردتها رسالة طمْأنة للإخوة والأصدقاء الأعزاء الحريصين على الكويت وديمقراطيتها، فشعب الكويت هو الأجدر برسم الخطوط العريضة لمستقبل أبنائه، وتشكيل الملامح السياسية للساحة الكويتية في الفترة القادمة.

في الكويت نعالج مشاكلنا بكل شفافية وعلنية ولا ندعي أن تجربتنا خالية من الأخطاء لكننا نعالج أخطاء الديمقراطية، وأنا أعتقد بأن الحل الأمثل لذلك هو المزيد من التقييم للتجربة الديمقراطية، وطالما كان هذا هو المشهد فإن الكويت بخير وستظل كذلك إن شاء الله، وأنا أؤكد وجهة نظري هذه استحضرت حكمة كثيرا ما يرددها فخامة الرئيس علي عبدالله صالح، مفادها أنه «لا أسوأ من الديمقراطية إلا غيابها»... هذا هو واقع الديمقراطية في الكويت.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى