حكايات من واقع أزمة المياه بلحج مع خديجة والنوبي والحوت وأبي سالم

> «الأيام» سند حسين شهاب

>
(وجعلنا من الماء كل شيء حي ).. هذه الآية الكريمة تعكس قيمة الماء في الحياة إجمالا ولا ريب أن الحياة نفسها تستقيم على هذه النعمة الإلهية التي لا نحس بقيمتها إلا عند افتقادها.

ومعلوم أن عنصر الماء إلى جانب عنصري الكلأ والنار معادلة بقاء الإنسان على بساط المعمورة على مدى الأزمان ظلت قضية الماء وإيجاده هي الشغل الشاغل لكل البشر على اختلاف ألوانهم وأجناسهم ودياناتهم وأفكارهم حتى أن بقاء الإنسان أو انتقاله من موقع إلى آخر ارتبط بوجود الماء عندما كان هذا الإنسان يحكم نفسه وعندما تقدمت الحياة بعد الاكتشاف دوران عجلة الصناعات ظل الماء يشكل رقما صعبا في معادلة هذا التطور الجديد.لم تقتصر أهمية الماء على ماضي الزمان لكن حاضرنا يؤكد أن قضية الماء هي القضية الأولى، بل إن هناك من يذهب إلى التأكيد على أن المياه ستشكل لب قضايا المستقبل.في المجتمع اليمني بدأت قضية المياه وندرتها تظهر إلى السطح في السنوات الأخيرة نتيجة لجملة من الإشكاليات التي سببت في مجملها هذه الأزمة.

كانت لحج توصف حتى وقت قريب بأنها أرض الماء إلى جانب تسميات أخرى ارتبطت بها، لكن هذه المدينة صارت بين لحظة وأخرى تعاني من شحة المياه بشكل مفجع، الأمر الذي انعكس سلبا على حياة الناس سيما وأن المياه مرتبطة بحياة الفرد بشكل لحظاتي إن جاز التعبير.

من الانعكاسات السلبية التي أحدثتها هذه الأزمة جملة من الحكايات والقصص الواقعية التي جاءت كإفراز لهذه المعاناة اليومية وكتعبير واقعي عن معاناة الناس.وإذا كان الأدب عبر التاريخ قد جاء كخلاصة لعنصر الخيال بنسبة كبيرة فإن أزمة المياه بلحج قد ولدت أدبا واقعيا في صورة قصص وحكايات وأشعار نحاول سردها في المادة الآتية:

1)النوم وقوفا

عندما اشتدت أزمة المياه بلحج حاولت جهات الاختصاص ابتكار آليات معينة للتخفيف منها فاهتدت إلى مناوبة الضخ بحيث تستفيد كل منطقة من الماء لثلاثة أيام في الأسبوع، لكن هذه الجهات لم تحدد فترة الضخ الذي كان يأتي غالبا في أوقات متأخرة من المساء.في إحدى الليالي كانت إحدى نساء المدينة تنتظر وصول إشارات الماء في الساعات الأولى من المساء، لكن انتظارها طال مرة ففكرت بالذهاب لأخذ قسط من الراحة ومن ثم تعاود الكرة، وهكذا فعلت ثم نهضت مرة أخرى في منتصف الليل غير أن الماء لم يصل فقررت أن تبقى ساهرة أمام الحنفية لأنه ليس لديها ما يكفيها من الماء لقضاء احتياجاتها المنزلية في اليوم التالي.

بدأ النعاس يغالب المرأة وهي واقفة تنتظر وصول الماء بين لحظة وأخرى غير أن الماء لم يصل فغلبها النعاس على حين غرة لتذهب في نوم عميق لم تصح منه إلا حين بدأت إشارات الضخ من الحنفية، ولكن مع بزوغ فجر اليوم التالي.

2) قضاء العيد في مركز الشرطة

من العوامل الأساسية التي سببت الأزمة هو ضعف المياه التي تصل إلى منازل المستهلكين الأمر الذي دفع الناس إلى شراء مضخات (شفاطات) لتقوم بمهمة دفع المياه بقوة أكبر إلى المنازل، لكن هذه المضخات بالكاد كانت تؤدي مهمتها وبالذات في المناطق البعيدة أو المنازل ذات الطوابق العالية بسبب ضعف الضخ أصلا من مركز التموين الأساسي.

في إحدى الليالي التي كان فيها سكان أحد المنازل في إحدى حارات الحوطة ينتظرون إشارة بدء الضخ ليقوموا بتشغيل مضخاتهم المنزلية كانت الإشارة للضخ تأتي ليقوم اثنان من الأخوة الذين يسكنون في منزل واحد مكون من طابقين بتشغيل مضخاتهم في وقت واحد، فاندفعت المياه إلى المنزل الذي يقع في الطابق الأرضي بينما حرم صاحب الطابق العلوي من الحصول على المياه حاول ساكن الطابق العلوي أن يقنع أخاه بإيقاف مضخته حتى يحصل على حاجته من الماء فرفض الأخ صاحب الطابق الأرضي بحجة عدم حصوله على الماء الكافي، فنشب بين الأخوين تلاسن لفظي أفضى إلى معركة لم يخمد إلا بعد حضور رجال الأمن واقتيادهما إلى مركز الأمن وحجزهما هناك ليقضيا عطلة العيد التي صادف حلولها في تلك الفترة في مركز الشرطة.

3)أبو سالم «النقد علاج للأزمة»

أبو سالم رجل سبعيني من أبناء الحوطة عرف بالفكاهة على مدى سنين عمره، لكن هذه الأزمة حولت أبو سالم إلى رجل حزين لا يملك إلا إطلاق النقد كتنفيس لحل هذه الأزمة من وجهة نظره، يقول أبو سالم: «والله لا أعلم إن هي أزمة أو أي شيء آخر، أحيانا منازل معينة تحصل على حاجتها من المياه من اتجاهات مختلفة بينما منازل أخرى لا تبعد كثيرا عن المنازل السابقة تفتقد الماء تماما ومنها منزلي، ومع هذا أفاجأ بقيام المختصين بأخذ عداد منزلي بحجة عدم تسديد الفواتير فكيف أسدد هذه المبالغ الكبيرة والماء لا يأتي أصلا إلى منزلي، فكيف أصمت تجاه هذا الأمر».

ويذهب أبو سالم إلى القول : «حتى انتقادي أشعر أنه لايجدي سوى إراحة أعصابي المحترقة في الفترة الأخيرة». ارتبطت صورة أبي سالم بالأواني الفارغة فلا تجده في أي موقع إلا وهذه الأواني الفارغة ملازمة له.. ويستبقك أبو سالم في الإجابة حتى قبل أن تسأله عن هذا الوضع بالقول : «أصبح الماء عملي ومهري»، وهي مفردات لحجية تعني أن الرجل قد ترك كل شيء وأصبح فقط لا يبحث سوى عن هذه القطيرات من الماء.

4) النوبي كاد أن يدفن بدون اغتسال

والنوبي هذا رجل تجاوز العقد الثامن من عمره وليس لديه أحد قضى الثلاثة العقود الأخيرة من عمره بالعيش في أحد جوامع المدينة.لم ينج حتى النوبي من هذه الأزمة، ففي أحد أيام هذا العام فوجئ بعض الناس الذين يترددون على هذا الرجل العاجز أن الله قد توفاه فقاموا بالإجراءات الأولية المتمثلة في تغسيله وتكفينه غير أنهم فوجئوا أنه لا يوجد ماء، احتار الناس في كيفية معالجة الموقف لاسيما وأن الأزمة حادة وذهب البعض للبحث عن ماء، فيما ذهب آخرون للبحث عن فتاوى دينية تجيز دفن الميت دون تغسيله في حالة العجز عن توفير الماء غير أن الله قيض أحد رجال الخير في اللحظة المناسبة ليوفر بعض المياه التي استطاع بها المغسل من أداء عمله تجاه هذا المتوفى.

5) الطفلة خديجة استباق العمر واستلاب العواطف

الطفلة اللحجية خديجة نوار ذات الأربعة أعوام يبدو أنها فقهت مبكرا هذه الأزمة وارتداداتها السلبية على أسرتها على الرغم من سنها المبتدئ انعكس هذا الفقه الطفولي لخديجة في صورة فعل ميداني كانت تقوم به لجلب المياه إلى منزلها، تحكي والدة الطفلة خديجة : «حاجتنا للمياه كبيرة، كان يزداد فيما الأزمة هي الأخرى تشد خناقها وتتضاعف الحاجة للمياه سيما في شهر رمضان الأمر الذي دفعني إلى إرسال بعض أولادي لجلب المياه من مناطق بعيدة وكنت أتفاجأ أن خديجة تصر على الذهاب مع أخوتها لجلب المياه طوال فترة الليل على الرغم من العناء الكبير الذي كنت ألاحظه على أخوتها فكيف سيكون الحال مع خديجة».

لم تكتف خديجة بهذا العمل الذي يسبق عمرها بل أنها تنفذ خلسة من منزلها أثناء النهار حاملة إناء معين متجهة إلى بعض المنازل القريبة، طالبة مياه للشرب لأسرتها، مستدرة عواطف هؤلاء الذين لا يملكون سوى التجاوب معها وإعطاءها الماء الذي توصله إلى منزلها في ظل اندهاش أسرتها بعد أن تحكي لهم كل الواقعة.

6) خالد الحوت «الشعر يقول كلمته»

الشعر في لحج هو المعبر الأول عن تطلعات الناس والآمهم وكما كان للشعر دوره في مختلف الأزمات في مضامين مختلفة كان للشعر دوره في الحاضر في كل ما يتعلق بهذه المدينة وأبنائها الشاعر الواعد خالد الحوت واحد من أبناء هذه المدينة الذي اكتوى بنار هذه الأزمة لم تخذله هواجسه الشعرية تجاه أزمة مدينته، بل هبت تنظم هذا القصيد الذي يعكس تاريخ المدينة وتراثها وحنينه إلى هذا التاريخ وبساطته، متسائلا عن هذا الوضع، مبينا بعض أسبابه وعدم استفادة القائمين على أموره من دراسة تاريخ المدينة للبحث عن بدائل للحلول إن كانت هناك نية لحل الأزمة:

زمان ياجحلتي والكد وذاك الزير

كنتوا تساووا الكثير

من قبل هذي المواسير

لكنها غلطتي كملتكم تكسير

مالي درا بالمصير

لا نا ولانتوا ولا البير

واليوم ياحوطتي قد ماينا تقطير

في لحج مصنع كبير

والماء داخل قوارير

يومي معي دبتي بعد الماء كم باسير

البعض فوق الحمير

والبعض جابوا بوابير

وناس ياحسرتي ما تقدر على التأجير

فطور حبة خمير

تصوم من غير تسحير

الناس ياسلطتي ما تشتي كذا تبرير

الوضع جدا خطير

يحتاج وقفة وتدبير

ضاعت علي فرحتي في صومي وفي التكبير

وعيد فطري الصغير

بلا نظافة وتطهير

في قاعها تربتي وتحت الأرض والتعمير

في حوض مائي كبير

لوترجعوا للتقارير

الماء ذا ثروتي ونعمة ربنا ما يصير

من غير وازع ضمير

يتلاعبوبه سماسير

واليوم ياقادتي لو ما تفهموا التأشير

شكوى الألم باتطير

لما تصل للمشير

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى