رجال في ذاكرة التاريخ

> «الأيام» نجيب محمد يابلي:

> ردفان:ورد في الموسوعة اليمنية الصادرة عن (موسسة العفيف الثقافية) (المجلد الثاني صـ 1383): «ردفان جبل بالشرق الشمالي من وادي تبن يرتفع 1640 قدما عن سطح البحر، تشكل بلداته إحدى مديريات محافظة لحج وتشمل أربعة مراكز إدارية هي: الحبيلين، والملاح، حبيل الريدة، حبيل جبر.

وهي منطقة وعرة تكثر فيها الحصون والأبراج والمدرجات الزراعية الدائمة الاخضرار، كما أنها منطقة أثرية مهمة، وفي عام 1418هـ 1997م تم اكتشاف نفق طوله اثنان كيلومتر يحتوي على آثار ونقوش مسندية.

وقبائل ردفان تعرف بالأجعود وهم: القعيطي، والغنبري، والعبدلي، والداعري، والحوشبي، والبكري، والمحلاي، والمزاحمي، والذيباني، وأهل الشيخ، وهي قبائل ساهمت بدور كبير وفعال في مناهضة الاستعمار البريطاني ومنها انطلقت ثورة أكتوبر 1963م جمادى الأولى 1383هـ والتي انتهت بخروج الإنجليز من عدن، ويتميزون بالشجاعة والصلابة والإقدام». إبراهيم أحمد المقحفي.

الراغب في تفاصيل أكثر عن ردفان الأبية (التي تنكسر على صخورها الصلبة أية آلة عسكرية معتدية) فعليه بكتاب: (من حقيبة الدهر للإنسان تحكي عن أخبار ردفان) لمؤلفه سالم راشد ذيبان أحمد الذيباني، وهو كتاب حافل بالبيانات المتنوعة في تبويبها التي تنتهي بجدول يشمل 357 مثلا شعبيا.

ردفان كما يفيد الذيباني «أرض الوديان وعددها كبير منها وادي مهيب وما إليه من الأودية ويمتد من قرب وادي الراحة إلى منطقة النفش وإلى الجهات الشمالية ووادي مثبر ووادي دله، وتنحدر تلك الأودية بسهولها وتنقسم إلى جهتين: الجهة الشرقية من تلك الأودية تنحدر سيولها إلى وادي بنا والجهة الغربية وتتجمع سيولها إلى صهيب وتصل إلى المطلع وتصب في البحر وتعرف عند أهل أبين بالسيلة الصهيبة».

ردفان أيضا بحسب إفادة الذيباني «أرض الجبال وهي كثيرة منها جبل الجريبة وجبل الحرث وجبل ردفان وهو جبل كبير وتسمى فصائله من الجبال مثل جبل فلحة وجبل دامي وجبل باور وجبل حورية أعلى قمة ردفان».

ومن إفادات الذيباني عن الحبول (صـ 38): «أما الحبول المشهورة في ردفان أولا: الحبيلين المعروف وحبيل المصداق في وادي ذي ردم وحبيل الجدرة وحبيل السبحة المذكورة سلفا وحبيل الثييلة في تيم وحبيل ذنب وحبيل الجلدة وحبيل الجبر...».

الميلاد والنشأة:

ورد في كتاب (التأبين) المكرس للفقيد سعيد صالح سالم: «فارس الثورة ورجل المهام الكبرى» صـ 24 بأنه «من مواليد قرية صغيرة تسمى (الذنبة) منازلها المحدودة المتناثرة الصغيرة التي تشبه خلايا النحل تتوسد جبل (بطة) عند نقطة التقائه مع وادي ذي ردم بردفان، وذلك في إحدى الليالي الأخيرة لشتاء عام 1942م القارسة البرودة ، ولم يهنأ سعيد بالحب الأبوي الذي تفرد به فسرعان ماظهر له منافسان في تلك الحجرة الصغيرة وهما شقيقاه الأصغران: ثابت ومحمد

خبر سعيد صالح الموت والشهادة منذ نعومة أطفاره، ففي عام 1948م (أي في ربيعه السادس) استشهد والده صالح سالم في معركة جبل جحاف أثناء التصدي للاحتلال البريطاني الذي حاول بسط هيبته على هذا الجبل في الضالع».

ماذا ورثت الأسرة؟ وماذا ورث سعيد عن والده؟

جاء في كتاب التأبين: «ورثت الأسرة عن الشهيد (صالح سالم) مجموعة من العنز وأراضٍ زراعية منتشرة عند سفوح الجبل لاتتعدى مساحتها ثلاثة أفدنة تعتمد على مياه الأمطار، أما سعيد فقد كان أسعد أطفال الأسرة، إذ ورث عن أبيه بندقية فرنساوي تمنطق بها وبدت كبيرة إلى حجمه الصغير، لكن حمل البندقية في عادات القبائل من قبل الطفل تدل على نضجه ورجولته واعتزازه كمقاتل في صف القبيلة حقت عليه إجادة حملها والقدرة على استخدامها.

نشأ سعيد صالح في بيئة شاقة خلا مدرسة يتلقى فيها القرآن ومبادئ القراءة والكتابة والحساب وغيرها من الدروس التي تتدرج بمر السنوات من البسيط إلى المركب ومن السهل إلى الصعب، ولكنه اكتسب مقدمات أولية لقراءة القرآن وأداء فرائض الصلوات الخمس أو فك بعض طلاسم الكتابات العربية، وعوضا عن ذلك أجاد استخدام كافة الأسلحة الشخصية المنتشرة حينها وبدقة متناهية».

سعيد صالح يطرق باب التجارة وياخسارة

ورثت الأسرة عن عائلتها الفقيد صالح سالم أرضا تحت رحمة مياه الأمطار وماشية مرتبطة بما تجود به الأراضي، وامتهن ابن الربيع السادس الزراعة ورعي الأغنام لسنوات ولما شب عن الطوق طرق باب التجارة أو العمل الحر، حيث كان ينقل البضائع على ظهور الجمال من قعطبة إلى ردفان وساعده هذا العمل على توسيع دائرة علاقاته الاجتماعية وزيادة واتساع معارفه عن الواقع الاجتماعي اليمني المعاش حينها من خلال مايشاهده أو يسمعه، وأتاح له هذا العمل التعرف على شخصيات وطنية عديدة كان منهم الشهيد مساعد علي قائد الانتفاضة المسلحة في الضالع ضد المستعمرين عام 1956م الذي نزح إلى قعطبة وعاش فيها ومارس العمل التجاري إلى جانب عمله الوطني، وكثيرا ماكان سعيد صالح يقيم عند هذا المناضل الذي نمى وعيه الوطني.

استنادا إلى ما ورد في كتاب تأبين الفقيد (صـ 25) بأن «المخابرات البريطانية وعملائها نفذت عملية اغتيال المناضل الشهيد مساعد علي في متجره في قعطبة عام 1959م وكان سعيد صالح وابن الشهيد وشخص آخر موجودين في المتجر أثناء تنفيذ العملية الغادرة.

وجهت سلطة الإمام الاتهام على سعيد صالح بأنه كان وراء تنفيذ العملية على الرغم من تكذيب أسرة الشهيد مساعد وأودع سعيد صالح سجن الإمام في تعز لمدة خمسة أشهر أسهم كل أفراد المنطقة بدفع مبالغ كبيرة للإمام لإطلاق سراح المتهم ظلما (سعيد صالح) الذي استنفدت أسرته كل ماعندها لتخليصه من سجون الظلم والظلام».

سعيد صالح في صفوف لبوزة في معارك جبال المحابشة

نظم الرعيل الأول من أبناء ردفان المناضلين صفوفهم فيما سمي بـ «تشكيل القبائل» بزعامة الشيخ راجح بن غالب لبوزة، وانضم سعيد إلى ذلك الحراك ضد الوجود البريطاني ومع ثورة 26 سبتمبر تحت تأثير ثورة 23 يوليو 1952م وزعيمها الكاريزمي جمال عبدالناصر ومنبرها المدوي «صوت العرب» وأبرز رموزها أحمد سعيد ومحمد عروق.

كان سعيد صالح من ضمن القوى المقاتلة التي تحركت من ردفان بقيادة لبوزة دفاعا عن ثورة سبتمبر وخاضت معارك في جبال المحابشة، وقد اعترف الشهيد أحمد الكبسي بدور تلك المجموعة التي جاءت من أجل مهمة محددة وعادت في مهمة محددة لتفجير ثورة الجنوب.

بعد تنفيذ مهمتها القتالية الوطنية عادت المجموعة إلى ردفان عبر طريق الضالع ويافع في النصف الثاني من شهر سبتمبر 1963م، حيث عادت محملة بكمية كبيرة من المعدات والذخائر العسكرية، وكان سعيد صالح قائدا لإحدى المجموعات العسكرية التي تقع تحت القيادة العامة للشهيد لبوزة». (مرجع سابق صـ 26)

«في صبيحة 14 أكتوبر 1963م قسم الثوار أنفسهم إلى مجموعتين عسكريتين في الاتجاهات الأساسية المحتملة لتقدم الوحدات البريطانية، فكانت المجموعة الأولى بقيادة راجح بن غالب لبوزة وموقعها «جبل البدوي»، والأخرى هي الأكبر بقيادة سعيد صالح سالم في «نقيل الربوة» نظرا لأهميته كطريق استراتيجية تربط مناطق العبدلي - البكري - القطيبي - الحجيلي، ولكن الهجوم كان في اتجاه الموقع الأول، حيث دارت معركة مواجهة ضارية استخدم فيها البريطانيون كل أنواع الأسلحة المتوسطة والثقيلة بما فيها مدافع الميدان واستشهد في أتونها القائد الشهيد راجح بن غالب لبوزة». (ص 28)

مشوار كفا حي حافل بالآلام والآمال

ناضل سعيد صالح سالم في صفوف الجبهة القومية مع مناضلين معروفين في جبهة النضال الأصغر الذي كان شاقا، لأن النضال الأكبر هو بناء الوطن.

وشارك سعيد صالح بكل قدراته القتالية على استخدام كل أنواع الأسلحة الرشاشة ومدافع البلانسيد والتوهنش المزدوج والألغام، وكان النضال متداخلا في جبهتي ردفان والضالع، وقائمة المناضلين الذين ارتبطوا وارتبط بهم سعيد صالح طويلة منهم قاسم عبدالله الزومحي، وأحمد جودة، وحنش ثابت سفيان، وبليل غالب لبوزة، ومحمود ناصر.

ساهم سعيد صالح في كل العمليات العسكرية في ردفان أو الضالع ووقف في 28 نوفمبر 1967م في عقبة عدن على رأس فدائيي الجبهة القومية في جبهة ردفان، فقد كان سعيد صالح من ضمن المندوبين المنتخبين من قبل القاعدة في كل المؤتمرات التنظيمية الحزبية منذ المؤتمر العام الثالث للجبهة القومية في منطقة حمر، نوفمبر 1966م وحتى أعمال الكونغرنس الحزبي العام للحزب الاشتراكي اليمني من يونيو 1987م.

كان سعيد صالح عضوا في شعبة التنظيم السياسي للجبهة القومية بمحافظة لحج حتى أكتوبر 1971م وانتخبته القيادة العامة في هذا التاريخ عضوا مرشحا فيها.

انتخب سعيد صالح سالم عضوا أساسيا في اللجنة المركزية للتنظيم السياسي الجبهة القومية في المؤتمر العام الخامس في مارس 1972م، وأعيد انتخابه في عضوية اللجنة المركزية في المؤتمر العام السادس في مارس 1975م وانتخب في عضوية اللجنة المركزية أيضا في المؤتمر التوحيدي للتنظيم السياسي الموحد الجبهة القومية في أكتوبر 1975م وانتخب عضوا في اللجنة المركزية في المؤتمر الأول للحزب الاشتراكي اليمني في أكتوبر 1978م واحتفظ بذات العضوية في المؤتمر الاستثنائي في أكتوبر 1980م والثالث في أكتوبر 1985م.

أما في الاجتماع الاستثنائي الذي عقده الحزب في فبراير 1986م فقد تم انتخاب سعيد صالح سالم عضوا أساسيا في المكتب السياسي واحتفظ بعضويته في المكتب السياسي حتى وفاته في 10 مايو 1991م.

سعيد صالح يصعد درجات السلم

عمل سعيد صالح في قيادة القوات الشعبية في المحافظة الثانية (لحج) لحماية الجمهورية الوليدة في الفترة التي تلت الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر1967م وخلال الفترة أكتوبر 1969 - أكتوبر 1970 عمل مساعد مأمور في مركز القشعة فقائدا للقوات الشعبية في محافظة لحج خلال الفترة 1973-1971 فمأمورا للمديرية الشرقية (ردفان) بمحافظة لحج خلال الفترة يوليو 1977م- أكتوبر 1978م فسكرتيرا أول لاتحاد الفلاحين في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية خلال الفترة أكتوبر 1978م- فبراير 1986 وشغل سعيد صالح عضوية هيئة رئاسة مجلس الشعب الأعلى في اليمن الديمقراطية خلال الفترة (ديسمبر 1978م- فبراير 1986م) كما شغل عضوية مجلس الشعب الأعلى (برلمان اليمن الديمقراطية) خلال الفترة ديسمبر 1978م- مايو 1990م وشغل لاحقا عضوية مجلس النواب خلال الفترة 22 مايو 1990م حتى وفاته في 10 مايو 1991م، كما تقلد سعيد صالح رئاسة لجنة كتابة تاريخ الثورة اليمنية في منطقة ردفان.

شغل سعيد صالح سالم منصب وزير أمن الدولة في اليمن الديمقراطية خلال الفترة فبراير 1986م حتى22 مايو 1990 وتقلد آخر منصب رسمي له بتعيينه محافظا لمحافظة عدن منذ 22 مايو، 1990م وحتى وفاته في 10 مايو، 1991م بواقعة غريبة مفادها أن «كلب اعترضه، أو قل اعترض سيارته وهو في طريق عودته من ردفان إلى عدن فانقلبت سيارته» وصدر إعلان وفاته، الذي أثار الاستغراب أن سعيد صالح سالم اعتاد طيلة حياته على أن يحفظ ماء وجهه باعتزازه بنفسه ولم يكن عبدا لأحد حتى اعترض موكبه كلب من الكلاب.

شغل سعيد صالح سالم (رحمه الله) منصب رئيس المجلس الوطني لمنظمة مناضلي حرب التحرير الشعبي حتى وفاته في يوم الكلب الذي اعترض سيارته في 10 مايو 1991م.

تحصل الفقيد سعيد صالح سالم على عدد من الأوسمة والميداليات منها وسام ثورة 14 أكتوبر(أرفع وسام في الجنوب) ووسام الاستقلال ووسام 22 يونيو ووسام جرحى الحرب ووسام بطل الشرطة ووسام الإخلاص وميدالية بتأسيس المليشيا الشعبية وميدالية مناضلي حرب التحرير الشعبي وميدالية اتحاد شبيبة فتاح وميدالية 21 مايو لمنظمة لجان الدفاع الشعبي وغيرها من الميداليات والنياشين والشهادات التقديرية.

تحصل الفقيد سعيد صالح سالم على ترقيات عسكرية من بينها ملازم أول عام 1968م ومقدم عام 1978م وعقيد عام 1986م وعميد عام 1989م.

خلف سعيد صالح سالم، أحد عشر ولدا، الذكور منهم ثلاثة أكبرهم ردفان وأمهم الأرملة الصابرة فاطمة صائل ناجي، التي أبرت به زوجا كما أبرت به نعمة محسن هادي أما.

معروف حداد و(آخر الذئاب الحمر)

كتب عدد كبير من الزملاء في رثاء المناضل الوطني سعيد صالح سالم، وكان منهم معروف حداد وعيدروس باحشوان وعبدالقوي الأشول وعبدان دهيس ومحمد شرف وفاطمة محمد بن محمد ومحمد الصدقة ومحمد عباس..

كتب معروف حداد موضوعه الموسوم «ورحل آخر الذئاب الحمر» استهله بكلام جميل هذا نصه: «كما هي عادته.. أصر على الالتصاق بالأرض التي أحبها حتى آخر يوم في حياته فمات على الأرض التي كان يعشقها حتى درجة التقديس».

عيدروس باحشوان و (في انتظار العم سعيد)

أما الزميل عيدروس باحشوان، فقد رصد عند باب مكتب العم سعيد صالح جموعا تنتظره وبأيديهم عرائض حملت شكاواهم وتظلماتهم ويقول عيدروس في موضوعه الموسوم (في انتظار العم سعيد): «بالتأكيد العم سعيد كان على الموعد مع الكل دون تمييز، لكنه هذه المرة تأخر لأنه كان على موعد آخر لا عودة منه».

خاب ظن المنتظرين من المسحوقين الذين حصرهم الزميل عيدروس بأنهم من البسطاء بالذات من ساكني العشش والصفيح وطالبي العون من المرضى والمحتاجين والعم سعيد من أصحاب (وأما السائل فلا تنهر)، رحم الله العم سعيد رحمة الأبرار الأطهار.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى