تخبط حكومي سيقود إلى الهاوية

> محمد الغباري

> ما يقارب الأعوام الثلاثة مرت على تشكيل الحكومة الانتقالية، التي أوكلت لها مهمة إعادة تطبيع الأوضاع العامة في البلاد، إلا أن الواقع يبين أن الحال تراجع بصورة ضاعفت من مخاوف انهيار الدولة أو انحدارها نحو الفوضى الشاملة التي تتغذى على الخطاب المذهبي والجهوي واتساع نفوذ وتواجد تنظيم القاعدة.
فيما يخص الجنوب لم تقدم الحكومة على اتخاذ إجراءات حقيقة تعيد ثقة السكان بهذه الدولة، وتم ترحيل كل المقترحات التي وضعت لاستعادة الثقة، وحضر التقاسم الحزبي للوظائف العامة والتكالب على السيطرة على مفاصل الدولة الأمنية والمدنية، وهذه الحكومة التي تحججت بعدم وجود تمويل كاف لتغطية نفقات إعادة أكثر من مائة ألف جنوبي إلى وظائفهم ـ المبعدين قسرا ـ هي التي قامت بتجنيد أكثر من مائة ألف شخص في الجيش والأمن.
الحكومة التي أكدت أنها "اكتشفت وجود سبعين ألف وظيفة وهمية في قوات الجيش" لم تقل للناس أين ذهبت مستحقات هؤلاء ولماذا لم يتم أيضا تخصيصها لإعادة المبعدين الجنوبيين إلى وظائفهم، كما أنها لم تكلف نفسها عبء توضيح أسباب عدم التزامها بقرار إعطاء الجنوبيين الأولوية في التوظيف وفي التعيين في المواقع المدنية والعسكرية، بل ذهبت نحو تمكين الأحزاب من اقتسام الوظائف والمناصب، بل وأتت بأشخاص من خارج جهاز الخدمة المدنية وعينتهم في مواقع نواب وزراء ووكلاء وزارات اعتمادا على المحسوبية والهوية الحزبية.
هذه الحكومة هي التي لم تقدم مبررا مقنعا لعدم إقدامها على اتخاذ قرار بإلغاء عقود تمليك مؤسسات الدولة الجنوبية لنافذين عسكريين وقبليين، و لكنها لا تكف عن الشكوى من أنها مستهدفة، وأن هناك من يعمل على إفشالها، مع أنها لم تقدم للناس ما يفيد أنها عالجت حالة فساد واحدة، حتى وصل الحال بنا إلى أن تقوم مجموعة أصدقاء اليمن بتشكيل ما يشبه حكومة غير معلنة تتولى إدارة الملفات الاقتصادية والسياسية والأمنية.
صحيح أن أطرافا سياسية وعسكرية وقبلية فاعلة كانت وماتزال تشكل الجدار الذي تتكئ عليه هذه الحكومة وتحول دون تغييرها، لكن الأصح من هذا أن التخبط الذي تقاد به البلاد سيؤدي في النهاية إلى الهاوية، لأن تسليم الملفات الأساسية لأي دولة في العالم إلى فريق من الخبراء الدوليين هو شهادة عالمية بفشلنا، وتأكيد على أن أوضاعنا بعد ثلاث سنوات هي أسوأ مما كانت عليه في العام 2011م، وأن حجم الآمال التي تشكلت حول التغيير لم تكن سوى تطلعات لا ترتكز على قاعدة صلبة تجعلها ممكنة التحقق.
أزمة الكهرباء تفاقمت بشكل كبير، وأزمة المشتقات النفطية والأوضاع الاقتصادية تتدهور بصورة مخيفة، وهناك تحذيرات من أن الدولة ستكون عاجزة بعد أشهر قليلة عن دفع المرتبات، الانفلات الأمني والاختطافات والاغتيالات أضحت ممارسة يومية واقتربنا من التعايش معها، ومع ذلك هناك من يراهن على إمكانية تطبيق مخرجات مؤتمر الحوار في ظل هذه البيئة.
استعادة ثقة الناس في الجنوب تجاه نظام الحكم تحتاج إلى جسارة في اتخاذ القرارات وأدوات فاعلة في تطبيقها وتحويلها إلى واقع، والانتقال من الدولة البسيطة إلى الدولة المركبة في ظل هذا العجز والفشل..
حديث غير واقعي؛ لأن التحولات الكبيرة في حياة الأمم تحتاج إلى حامل سياسي استثنائي، وإمكانات مالية ضخمة, وهذا ما يفتقده الحكم اليوم.
خلال الاجتماع الأخير لمجموعة (أصدقاء اليمن) أقر تحويل عمل المجموعة من إطارها السياسي إلى مجموعة فنية تضم عددا من الخبراء الذين سيقيمون بشكل دائم في صنعاء للإشراف على الملف الاقتصادي واستيعاب تعهدات المانحين البالغة سبعة مليارات وتسعمائة مليون دولار, ومجموعة أخرى ستتولى الإشراف على العملية السياسية وبالذات إنجاز الدستور الجديد، والتحضير للانتخابات، وجملة القرارات المتصلة بنتائج مؤتمر الحوار، على أن تتولى مجموعة ثالثة الإشراف على الملف العسكري والأمني واستكمال هيكلة قوات الجيش والأمن.
هذه المجموعات الثلاث أعادت صياغة عمل مجموعة (أصدقاء اليمن) بحيث يجتمع وزراء خارجية المجموعة كل سنة مرة، وعلى هامش الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة، وأوكلت إلى الجهاز التنفيذي لتسريع استيعاب تعهدات المانحين مهمة القيام بما عجزت عن فعله الحكومة.
ومع بقاء الجنوب مضطربا، واستمرار المواجهة المتواصلة مع الإرهاب، واتساع نفوذ الحوثيين ووصولهم إلى مشارف صنعاء ووسط عجز فاضح في أداء الحكومة واتساع رقعة الفساد، وزيادة السخط الشعبي، وبلوغ نسبة الواقعين تحت مستوى خط الفقر أكثر من 15 مليون نسمة، إلى جانب مشكلة المياه، وبقاء مئات الآلاف بدون وظائف فإن اليمن يسير نحو منحدر سحيق إذا لم يتم وقف هذا التدهور والتراجع عن الطريق الذي تسير فيه البلاد.
من الخفة القول أن بإمكان النظام الحالي تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار، في حين أنه عاجز عن ضبط فساد حكومة مركزية واحدة؛ لأنه بالتأكيد سيكون مسلوب الإرادة تجاه ست حكومات محلية، وستة مجالس نيابية مفترضة، كما أنه لا يمتلك أي قدرات مالية يمكن من خلالها تحسين الأوضاع المعيشية للناس وتوفير الخدمات الأساسية البسيطة التي تقدمها أي دولة في الكون.
ما تزال أمام الرئيس هادي فرصة العودة عن المضي في الطريق الخطأ، وبإمكانه الانتصار لأكثر من ستة مليون ناخب صوتوا له على أمل أن يتم إنقاذ البلاد من الوقوع في فوضى الاقتتال الداخلي، وبإمكانه أن يبدأ بإقالة هذه الحكومة العاجزة وإنهاء المحاصصة الحزبية، والشروع فورا في تنفيذ النقاط العشرين الخاصة بالجنوب، واستكمال هيكلة الجيش والأمن واستعادة سيطرة الدولة على كافة المناطق، ونزع أسلحة المليشيات، وتوفير إمكانات الانتقال إلى الدولة الاتحادية أما المقامرة فإنها ستقود إلى هاوية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى