استرداد الأموال المنهوبة بين أجندات الحكومة وتطلعات الشعب

> تقرير/ مرزوق ياسين

> أعدت الحكومة اليمنية ممثلة بوزارة الشؤون القانونية ـ مؤخرا ـ مشروع قانون، تعتزم من خلاله استرداد أموال الشعب المنهوبة (الخاصة والعامة) التي جرى الاستيلاء عليها بسبب سوء استخدام السلطات في المراحل المختلفة.. ويهدف مشروع القانون إلى تعقب الأموال المنهوبة في الداخل والخارج واستردادها لصالح الخزينة العامة.
وينص مشروع القانون الذي أعدته الحكومة على تشكيل لجنة خاصة لاسترداد الأموال المنهوبة، وتشمل ممثلين عن النيابة ورقابة البنوك والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ووزارة الخارجية وجهاز الأمن القومي ووزارة الداخلية.
وجاء مشروع القانون بعد قرار أممي حثَّ الحكومة على إيجاد مصفوفة تشريعية لاستعادة الأموال والثروات، لكن مشروع القانون لم يحضَ بنقاش عام من قبل القوى السياسية و قوى المجتمع المدني، وثمة مخاوف في الأوساط الشعبية من الصيغة التي قدم بها المشروع، وقدرته على استعادة ثروات وأموال يمكن أن تسهم في معالجة الكثير من القضايا ومواجهة التحديات الاقتصادية في البلد.
رئيس مركز أبعاد للدراسات عبدالسلام محمد قال لصحيفة "الأيام" : "إن استعادة الأموال المنهوبة قضية مطروحة في أجندات القوى الثورية المختلفة منذ العام 2011م، ولكن جرى رفض النقاش حول هذه القضية وإعطاء أولوية لهيكلة الجيش والأمن".
وأضاف عبدالسلام: "قانون استعادة الأموال المنهوبة فرضه المجتمع الدولي من خلال القرار رقم 2140 إلى جانب قانون آخر يخص انتهاكات العام 2011م".
ودعا عبدالسلام إلى مناقشة القانون وإثرائه من قبل المجتمع المدني والقوى السياسية، وإطلاع المجتمع حوله.. فالمجتمع له أولوياته الاقتصادية، ويحتاج إلى إشراكه في صياغة هذا القانون، مؤكدا أن أية قوى تحاول عرقلة القانون ستواجه المجتمع الدولي والبند السابع.
ويعرِّف مشروع القانون (الأموال المنهوبة) بأنها الأصول أياً كان نوعها مادية أو غير مادية، منقولة أو غير منقولة، نقدية أو عقارات أو أسهم شركات أو حقوق عينية ذات قيمة مالية، والمستندات والصكوك القانونية التي تثبت ملكية تلك الأموال أو وجود حق فيها جرى الحصول عليها من قبل أشخاص طبيعيين أو اعتباريين بطرق غير قانونية من أموال وموارد الدولة.
ويعاني اليمن من الدَّين الخارجي، حيث بلغ في نهاية فبراير الماضي 7 مليارات و237 مليون دولار، بحسب البنك المركزي اليمني، فيما ارتفع حجم الدَّين الداخلي متجاوزاً الـ 130% من حجم الناتج القومي الإجمالي، نتيجة لجوء الحكومة إلى أدوات الدين وأذون الخزانة لتمويل عجز الموازنة العامة للدولة.
ويحتاج قرابة 15 مليون شخص (أكثر من نصف سكان اليمن) إلى مساعدات إنسانية عاجلة خلال العام الجاري 2014.
وبحسب مكتب الأمم المتحدة في صنعاء، فإن 10.5 ملايين يمني يعانون انعدام الأمن الغذائي، ويعيش ثلث سكان اليمن ـ البالغ عددهم 25 مليون نسمة ـ على أقل من دولارين في اليوم، وتقدر البطالة بحوالي 35%، في حين تصل هذه النسبة بين الشباب إلى 60%، وتقدر المبالغ المنهوبة والتي هربت خارج اليمن بنحو 70 مليار دولار، حسب هيئة شعبية لاسترداد الأموال المنهوبة أنشأها نشطاء حقوقيون عام 2012، في حين أن اليمن يحتاج إلى 11.9 مليار دولار لمعالجة المشاكل التي تعصف به، بحسب تقارير حكومية منشورة.
وتزداد المخاوف الشعبية من ضياع فرص بناء الدولة من خلال استعادة الممتلكات العامة التي جرت مصادرتها والاستيلاء عليها. ويقول منصور سفيان وهو معلم تربوي: إن القوى السياسية غير جادة في بناء البلاد وأهدرت الكثير من الفرص، ومشروع القانون الذي أعدته الحكومة يشبه ترسانة من التشريعات التي لم يعمل بها خلال السنوات الماضية.
ويبدي سفيان عدم ثقته بكل الإجراءات التي قامت بها الحكومة من أجل استعادة الحقوق المنهوبة والمنشآت الحكومية والصناعية في عدن والمحافظات الجنوبية. وقال "إذا أردت تمييع قضية فشكل لها لجنة، وكم من لجان شكلتها الحكومة ولم تقدم حلا لأبسط قضية".
وتواجه اليمن تحديات اقتصادية كبيرة نتيجة لاستهداف خطوط نقل الطاقة والنفط والغاز بشكل متكرر، وهو المورد الرئيس للحكومة اليمنية، ووفقا للمركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية في القاهرة فإن ثروة الرئيس السابق علي عبدالله صالح تقدر بـ 70 مليار دولار، وأن التقديرات المتداولة للأموال المهربة في دول الإقليم تفتقد الدقة والانضباط رغم مرور ما يقارب ثلاث سنوات على قيام الثورات العربية، إذ أن التقديرات المتداولة للأموال المصرية المهربة تراوحت بين 143 و225 مليار دولار، طبقا للمصدر.
ويعتبر رائد عبد الرحمن (30 عاما) أن غياب مناقشة مشروع القانون يكشف نوايا مبيتة من القوى السياسية، ويشكك بمصداقية منظمات المجتمع المدني التي لم تشرك المجتمعات في نقاشات حول مشروع القانون.
وقال عبدالرحمن "إن الناس مشغولون بهمومهم المعيشية، ومنظمات المجتمع المدني يجب أن تناقش المشروع ورفض تمريره بهذه الصورة التي قدمتها الحكومة، ويجب أن يكون ضمن المؤسسة القضائية وليس عبر لجنة، لأن أموال الشعب التي نهبت كفيلة ببناء دولة وتعويض كل المظلومين في المحافظات الجنوبية وتطوير الخدمات وتشغيل الشباب العاطلين عن العمل".
تقديرات البنك الدولي تشير إلى أن البلدان النامية تفقد سنويا ما يتراوح بين 20 و 40 مليار دولار أمريكي أو نحو 50 - 100 مليون دولار يومياً، نتيجة للممارسات القائمة على الرشوة، والابتزاز، واختلاس الممتلكات أو الأموال، وغيرها من أعمال الفساد.
ووفقا لتقرير نشره البنك الدولي على موقعه باللغة العربية فإن الفساد أدى إلى إضعاف ثقة المواطنين في مسؤولي حكوماتهم، وهيئاتها، وشركاتها، وبنوكها، فهو يحوّل الأموال بعيدا عن مجالات التنمية البشرية ذات الأهمية البالغة كالصحة والتعليم وغيرهما من الخدمات الاجتماعية، ويقوِّض سيادة القانون ويثبِّط الاستثمار الخاص.
وطبقا للبنك الدولي فإن إجراءات استرداد الأموال ـ في أحيان كثيرة ـ قد تستغرق عشرات السنين، وفي حالات كثيرة لا يتم استرداد سوى جزء ضئيل من الأموال المنهوبة، وطبقاً لبعض التقديرات المستندة إلى حالات محددة، لم يُسترد حتى الآن سوى 5 مليارات دولار.
وتواجه البلدان النامية التي تسعى إلى استرداد الأموال المنهوبة تحديات كبرى تتعلق بالإجراءات القانونية والتعاون الدولي.
ويمكن للتعاون الفاعل بين البلدان المطالبة باسترداد أموالها وبين المراكز المالية، وكذلك للنشاط في المصادرة واستخدام أدوات المساعدة القانونية المتبادلة أن يؤديا إلى تسريع إجراءات التقاضي ومن ثم التعجيل بصدور الأحكام.
وفي وضع اليمن وفقا لأستاذ الاجتماع السياسي بجامعة صنعاء فؤاد الصلاحي: فقانون استرداد الأموال المنهوبة من حيث الفكرة جيد ومقبول، لكنه يتضمن زيفا ومغالطات كبيرة، لأن نجاح هذا القانون يشكل نجاحا للثورة وإسقاط النظام وسجن ومحاكمة ومعاقبة رؤوسه وأعوانه، وأما والنظام شريك بالحكم ويمتلك مقاعد في الحكومة ومختلف السلطات ومفاصل الدولة فهذا أمر غير ممكن، وهنا يكون مجرد ورقة إعلامية لكسب ودِّ الشارع السياسي لا أكثر.
وقال الصلاحي لـ "الأيام": "إن الجميع بمن فيهم وزير الشؤون القانونية لا يستطيعون محاكمة صالح ورموز النظام وفق قانون إعفائه من المحاكمة سابقا ووفق حضوره في الحكومة، وهو من أهم مراكز القوى، ومن هنا تم تغييب القانون عن النقاش المجتمع وعن حضور المجتمع المدني ليقول رأيه".
ويرى الصلاحي أن حماية المال العام حاليا ذو أولوية وطنية، وأن القانون فيه خديعة تتجلى في تغطية فساد الحكومة الراهنة واستمرار نهب الأموال العامة وهدرها، ومن أهم مجالاتها أموال الكهرباء والصفقات العسكرية وتخريب المنشآت النفطية وتغطية الفساد في مجال النفط والغاز، لو كانت الحكومة الراهنة قد حاربت الفساد وقللت من الإنفاق الترفي والاستهلاكي وتمكنت من جمع الضرائب المهربة لوضعت بيدها أكثر من أربعة مليار دولار يكفيها عن التسوّل من الخارج.
واختتم الصلاحي حديثه حول مشروع القانون، مطالبا الحكومة بإطلاع الرأي العام حول حجم الأموال المنهوبة والمهربة، و"المقلق أننا لم نسمع عن دولة واحدة خارجية أعلنت حتى الآن استعدادها للتعاون في هذا الملف".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى