تحكيم الشريعة في بروناي (2-2)

> تقرير/ حسام سلطان:

> تعتبر بروناي من الدول المعدودة على أصابع اليد الواحدة التي مازلت تحكم بملكية مطلقة فالسلطان هو الآمر الناهي فيها فهو الملك وهو رئيس الوزراء ووزير الدفاع ووزير المالية والقائد الأعلى للقوات المسلحة والمفتش العام لجهاز الشرطة و لا يصدر أي قرار مهم إلا بموافقته المباشرة، ساعد على ذلك صغر حجم السلطنة وقلة عدد سكانها وتمسكهم بالعادات والتقاليد المتوارثة التي تغذيها بشكل مباشر إدارات حكومية مسؤولة عن الحفاظ على التقاليد التي ساهمت بدورها في بقاء الأسرة الحاكمة فترة تقارب من الستمائة عام.
نظام الملكية المطلقة القائم في بروناي يستند على فلسفة ذات أعمدة ثلاثة تدرس في المدارس وتتكرر في كل الخطابات الملكية وتذكر في وسائل الإعلام بكثرة ونشرت عنها كتب وشروحات، هذه الأعمدة الثلاثة هي (المالاوية، الإسلام والملكية) أو كما يطلق عليها باللغة المالاوية والانجليزية (M.I.B) الخروج عن هذه القيم الثلاثة يعتبر بمثابة خيانة عظمى.
رسخت هذه الفلسفة من سيطرة الأسرة الحاكمة على هذا البلد الغني كما أبقت الجالية الصينية المستوطنة في بروناي بعيداً عن أي تأثير مباشر سوى عن طريق الأعمال التجارية التي يبرع فيها الصينيون ويتفوقون بشكل كبير على باقي سكان البلاد الأصليين.
هاجس الحفاظ على النظام الملكي في بروناي بصيغته الحالية وإبعاد أي محاولات لتطويره بإشراك الشعب في إدارة البلاد والثروة أو إعطائه نوع من الاستقلالية يبدو هذا الهاجس واضحاً في خطابات السلطان الذي دائماً ما يذكر رعاياه بما هم فيه من رخاء وامن واستقرار هم نتاج للأعمدة الثلاثة المذكورة أعلاه (M.I.B) التي لا تتمتع بها أي من البلدان المجاورة هذا مع العلم بان كل المؤشرات الاقتصادية والتقارير الدولية تشير إلى تعثر الاقتصاد في بروناي وتدهور أدائه لولا الإنتاج الوفير من النفط والغاز.

في خضم كل هذه المعطيات بدت فكرة تطبيق الشريعة الإسلامية متماشية مع التوجهات التي تسعي لتثبيت نظام الحكم بإعطائه صبغة دينية تتماشي مع التوجهات الدينية التي ازدادت وضوحاً مع تقدم السلطان في العمر وربما مع ما يصاحب التقدم في العمر من رغبة في التوبة والإنابة إلى ماهنالك، حيث إن سلطنة بروناي لا تعاني من تفشي الجريمة ولا من تفسخ قيم المجتمع ولا من انهيار الروابط الأسرية بل العكس هو الصحيح. ما تشهده بروناي هو انفتاح على المجتمع العالمي من خلال شبكات التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية حيث تعتبر التطبيقات مثل الفيسبوك والتويتر من أكثر وسائل التواصل انتشاراً خاصةً بين الشباب وهذا ما سبب قلقاً في دوائر النظام التي تخشى من تغلغل قيم تسعى لزعزعة الدعائم الثلاثة التي بها تتم السيطرة على البلاد وما فيها ومن فيها.
تطبيق الشريعة الإسلامية من خلال بوابة تطبيق الحدود التي وإن طبقت فستطبق على فئات معينة مثل سارقي السيارات والهواتف والأجهزة الالكترونية أو الزناة من الفئات المستضعفة ولن تطبق على سارقي الأموال العامة وآبار النفط ولا على الزناة في القصور الفارهة، هذا التطبيق لهكذا شريعة نتيجته الوحيدة المرجوة هي ربط نظام الحكم بالمشيئة الإلهية، فيكون الاعتراض على النظام اعتراض على الإرادة الإلهية وخروج على نظام حكم يطبق الحدود ببتر يد السارق ورجم الزاني المحصن تماماً مثل الأنظمة الزاهية في العصور الزاهرة.
بدأت بوادر إطلاق مارد تطبيق الحدود من قممه في هذا البلد الآمن المستقر الهادئ في الظهور، حيث بدأت بوادر ظهور جماعات الأمر بالمعروف وحراس الفضيلة والشباب الذي يقدم النصح للفتيات والأسر بضرورة الالتزام بالاحتشام الذي لم يكن غائباً أصلا، كما بدأت دعوات ضرورة تقليص العلاقات مع أمريكا وسنغافورة وغيرها من الدول ذات العلاقات الإستراتيجية مع بروناي والتي حصلت من خلالها بروناي على حماية عسكرية وتعاون في مجالات كثيرة.

تطبيق الشريعة لم يمر عبر بوابة الشفافية ولا بوابة العدالة ولا بوابة المساواة ولا بوابة محاسبة الحاكم ولا بوابة الاقتداء بالنبي الكريم في التقشف والزهد، فكل هذه الأبواب موصدة ماعدا باب واحد فقط هو باب تطبيق الحدود بطريقة انتقائية مازالت مربوطة بفقه القرون الوسطى بكل ظروفه وملابساته.
هذا الفهم للشريعة وتطبيقها لن يقود إلا إلى التطرف والغلو والمزايدة في مظاهر التقوى الخارجية والرياء وفي النهاية ظهور الجماعات المتطرفة التي ستطالب بحصتها من الحكم بما أنزل الله.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى