الجالية الصومالية في عدن 1839_ 1967م

> «الأيام » نجيب عبدالمجيد:

> عبرحقبها التاريخية، عرفت عدن تعدد الأجناس والمذاهب والأديان والثقافات التي استوطنتها، وذلك من صفاتها الكونية المعروفة بها بين مدن العالم.
ودراسة تاريخ الجاليات في عدن يقدم لنا صورة لجانب من نوعية العلاقات الاجتماعية الرابطة بين سكان هذه المدينة حيث أضحى التنوع من وسائل التقارب بين الناس.
يقدم لنا هذا الكتاب للكاتب عفّان محمد عبدالله، جوانب من علاقة الجالية الصومالية بهذه المدينة والتى تعود كما ذكر المؤرخ الراحل الأستاذ حمزة علي لقمان لأكثر من 1000سنة، وهذا يدل على أن الإتصال بين عدن والصومال عبر البحر قد ساعد على جعل عدن ملتقى لحركة النشاط التجاري للصومال الذي تجاوز عدن إلى عدة مناطق في اليمن، كذلك العكس حيث هاجرعدداً من أبناء عدن والمناطق الأخرى إلى الصومال وكانت تعرف عند أهل عدن باسم (بر الصومال) حيث استوطن العديد منهم مدناً مثل مقديشو وهرجيسة وبرعو، ومناطق مثل الوادي الكبير والوادي الصغير، وزيلع المشهورة عند أهل عدن (بالسمن الزيلعي) يقول: حسين حاجي أحمد وهو دبلوماسي صومالي في مقدمة الكتاب،(تعود العلاقات التجارية البحرية بين عدن والصومال إلى القدم، وبعد الاحتلال البريطاني بعدن _ وفيما بعد للأقليم الشمالي من الصومالي _ تطورت تلك العلاقات التجارية وشهدت ازدهاراً حيث كانت تورد المنتجات والسلع الصومالية من كباش وأبقار وجلود وسمن ولؤلؤ وصدف وعمبر ولبان ومر وصمغ و لوز ... إلخ.
وفي سوق عدن كانت توزع هذه المنتجات وكانت الصومال في ذلك الوقت تصدر (95%) من صادراتها إلى عدن وكان الصوماليون يقومون بإمداد المواشي وتوريدها إلى القاعدة البريطانية في عدن وعند افتتاح مصفاة عدن لتكرير النفط كانت عدن تقوم بتصدير جزء من منتجاتها النفطية إلى الصومال.
وفي ظل الازدهار التجاري والعمراني الذي شهدته عدن قبل الاستقلال زاد عدد الوافدين الصوماليين إلى عدن، طلباً للرزق وكانت علاقة أفراد الجالية الصومالية في عدن بالسكان المحليين تحمل طابع الأخوة والود وكان السكان المحليون لايعتبرونهم غرباء وأهم من ذلك علاقة النسب والقرابة التى حصلت بين أبناء الصومال والسكان المحليين .
في عدن هناك التجار والموظفون والعمال من أبناء الجالية الصومالية ساهموا بنصيب كبير في تنمية الحركة الاقتصادية فيها.
في الباب الأول من الكتاب يقدم الكاتب نبذة عن أهمية عدن والميناء، ومما يقدم لنا في هذا الجانب، تأسيس أمانة ميناء حيث أصدرت حكومة بومباي قانون رقم 5 لعام 1889م شمل بموجبه قيام أمانة ميناء عدن والتي تكونت من 8 أعضاء، وفي 1- ابريل 1889م تسلمت هذه الأمانة كلها، وتحولت إدارتها إلى خارج سلطة المقيم السياسي، وكان ذلك في عهد البريجدير جنرال أيه. جي .أف هوج والذي حكم عدن من عام 1885_ حتى عام 1890م.
وعن هذا الجانب يقول عفّان: (ما يميز ميناء عدن موقعه الاستراتيجي في مجال التجارة الدولية وخاصة بعد افتتاح قناة السويس في عام 1869م فعملت بريطانيا على تحسين بعض المرافق الاقتصادية كما أن التوسع في الإنتاج الصناعي في بريطانيا استلزم ضرورة فتح لهذا الإنتاج أسواق المستعمرة البريطانية الأسيوية والأفريقية القريبة من عدن ، وعندها ازداد النشاط التجاري لميناء عدن حيث أصبح يستقبل في تلك الفترة ثمانية ملايين طن من البضائع المختلفة في عام 1938م، أي أنه ينافس بعض الموانئ العالمية في تلك الفترة، مثل ميناء ملبورن الأسترالي وميناء كيب تاون في جنوب أفريقيا، لذلك قامت بريطانيا بفصل إدارة عدن عن حكومة بومباي في عام 1937م، إذ ازدادت أهمية ميناء عدن الاقتصادية في نظر السياسة البريطانية مما دفعها إلى أن تجعل من عدن مركزاً لنشاطها الاقتصادي والسياسي والعسكري في الشرق الأوسط وذلك عام 1957م، بدلاً من البحرين عرفت باستراتيجية شرق السويس.
ففي عام 1849م سجلت إحصائية أجراها الكابتن هينس، وكان عدد الصومال في عدن حوالي 2300 شخص كمقيمين دائمين.
وفي الفصل الخامس من هذا الباب، يتحدث عن الجانب الاقتصادي والعمراني في عدن بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، فقد كان عام 1950م عاماً شهد فيه ميناء عدن قمة النشاط الاقتصادي والبحري وكان واحداً من أكثر الموانئ ازداحاً، لتموين السفن بالوقود وكان لافتتاح مصفاه عدن في البريقة عام 1954م دوراً في هذا الجانب، وقد أشار عفّان، أنه في عام 1965، وقد تخلت بعض العائلات الصومالية الغنية عن ميناء بربرة وهي تقع في الأقليم الشمالي من الصومال نهائياً عنه لينتقل أعمالها إلى ميناء عدن مما عزز حركة التجارة في ذلك الوقت.

وصاحب هذه النشاط التجاري نهضة عمرانية واسعة في عدن، حيث ظهرت مناطق سكنية وتجارية جديدة، ومن المناطق التي ارتبطت بتوحد الصومال منطقة (القلوعة) وهي كلمة صومالية (قلوعن) وتعني الطريق المعوج، وقد بنيت من قبل البلدية وشركة Bp وكالتكس ومن الخدمات الهامة التي ظهرت، افتتاح مستشفى الملكة اليزابيث الثانية عام 1958م، وسعته السريرية 490 سرير وكان أكبر مستشفيات الشرق الأوسط، وهو أول مستشفى يدخل نظام التكييف المركزي في جزيرة العرب كما أشار الكاتب حول أعمال الجالية الصومالية في عدن يقول الكاتب عفّان :( كان بعض أفراد قبيلة هبر أول يعملون في تجارة الأقمشة وجلب الريش إلى عدن ويظلون في عدن ما يقرب عن عشرين يوماً وكان موسم التجارة يستمر لمدة تسعة أشهر يبدأ من شهر أغسطس إلى شهر أبريل وكانوا يصطحبوا عائلاتهم معهم.
كما عمل العديد من أبناء الصومال في تجارة المواشي كما عمل الكثير منهم في ميناء عدن نتيجة الحركة التجارية مع موانئ الساحل الشرقي (بربرة وزيلع ومصوع وبندر قاسم - ميناء بوصاصو).
وتوضح سجلات الأرشيف البريطاني في ميناء عدن تعود إلى عام 1855م عن تجارة الجلود وقد سجلت تلك التجارة أعلى معدلاتها في عام 1955م
ومن أبرز من عمل في تجارة الجلود الأخوين علي ومحمد إبراهيم نور اللذان كانا من كبار تجار الجلود في عدن وكانا يمتلكان مكتباً تجارياً في مدينة عدن يقوم بتقديم بعض الخدمات للسفن الراسية في ميناء عدن وعملاء على توريد المواشي الصومالية (الكباش) وعملا في مجال مقاولات البناء وقد كسب الأخوين ثروة من أعمالهما الجارية وكانت لهما أملاك في منطقة كريتر في عدن عبارة عن بيوت ومحال، وقد قاما بشراء أراضٍ زراعية في محافظة أبين في تلك الفترة.
وعمل البعض من أبناء الصومال في تجارة اللبان الصومالي الذي يستخدم في العديد من الأغراض سواء في المجالات الطبية أو المنزلية أو في المناسبات الدينية والعائلية والأعراس ولأغراض أخرى.
الجدير بالذكر، كانت معظم التجاره مع الأقليم الشمالي من الصومال وذلك بحكم الوجود البريطاني حينها في الأقليم الشمالي من الصومال. مما عكس ذلك أيضا على تركيبة الجالية الصومالية في عدن وذلك الوقت التي كان أغلب أفرادها من أبناء الأقليم الشمالي من الصومال.
عمل العديد من أبناء الصومال في شركات أجنبية العاملة حينها في عدن مثل شركة مصفاة عدن لتكرير النفط ((Bp وشركة موبيل ومثل كالتكس)) وأمانة ميناء عدن ((كانت نسبة العمالة من أبناء الصومال في أمانة ميناء مرتفعة - كما يشاع)) وعملوا أيضاً في الوظيفة الحكومية في مجال التربية والتعليم، أبرز شخصية تربوية من أبناء الصومال في عدن وصلت إلى منصب وكيل وزارة وكانت من أعيانها هو : الأستاذ إبراهيم روبلة الذي تخرج من الجامعة الأمريكية في بيروت في فترة الأربعينات من القرن الماضي، تولى روبله عمادة كلية عدن بعد أن كان نائباً لها وكان بذلك أول شخصية غير انجليزية تتولى مثل ذلك المنصب وفي عام 1962م ترأس روبله رئاسة الجمعية الرياضية العدنية وتولى روبله منصب نائب مدير المعارف في عدن.
• وتولى منصب وكيل وزارة التربية والتعليم في حكومة الاتحاد في ستينيات القرن الماضي. وقد رحل الأستاذ إبراهيم روبله في أواخر فترة الستينيات إلى العاصمة الصومالية مقديشو حيث توفي هناك، وفي المجال المصرفي وصلت شخصية من أبناء الصومال في عدن إلى مركز مرموق في هذا المجال هو : محمد عبدي جول الذي تولى منصب قيادي في بنك (Caartero bank) بفترة الستينيات من القرن الماضي.
نظراً لهذا التوحد الصومالي في عدن، كان لابد من الإسهام في بعض البنايات التي أرتبطت بهذا الحضور مثل بناء المساجد، وقد ذكر مؤلف الكتاب مسجد الصومال والذي عرف سابقاً باسم مسجد الأحمدية الذي يقع في الشارع الخلفي من منطقة المعلا، والذي بناه كما يقول من أدرك تلك الحقبة، بأنه الشيخ محمود يوسف من أبناء الجالية الصومالية، وقد كان من اتباع الطريقة الصوفية - الأحمدية، وقد جمع قيمة البناء من تبرعات أبناء الجالية الصومالية في عدن.
• كما عرفت عدن مطاعم ومقاهي صومالية كانت لها شهرتها الواسعة في هذه المدينة، ومنها مطعم النيل، وكان يملكه علي حاشي، ويقع في التواهي، وقد ذاعت شهرة هذا المطعم بشكل كبير.

مقهى محمد علي دجولي : وقد أشار عفّان إلى أنه كان يباع فيه الشاي، واللحوح الصومالي والحليب البقري، وكان موقعه في الشارع الخلفي في المعلا، وقد افتتح في نهاية الأربعينات من القرن الماضي.
مطعم صالحو : وكان يقع في مدخل حافة الشريف أمام منزل الموسيقار أحمد قاسم بعدن. مطعم ومقهى الصومال : وموقعه أمام عمارة قهوجي بجانب مبنى التربية والتعليم في التواهي في فترة الخمسينيات وكان صحابه محمد حسن جامع وشريكه عبد اللاهي.
أما عن تأسيس الأحزاب والنوادي وغيرها من التجمعات الصومالية في عدن ومنها : مقر الجالية الصومالية والذي أسس في عام 1920م وكان موقعه في تلك الفترة في شارع الشيخ عبدالله المحامي في كريتر بعدن.
رابطة الشباب الصومالي : وقد أسس هذه الرابطة الحاج عبده محمد قاسم منصور.
اتحاد الشعب الصومال: وهو فرع للحزب الرئيسي الموجود في الصومال وكان مقر الفرع في القلوعة، كذلك جبهة التحرير الصومالية كان موقعها في القلوعة.
يعد هذا الكتاب الأول الصادر بالعربية عن الجالية الصومالية في عدن، وهذا الجانب من تاريخ هذه المدينة (الجاليات) لو استمرت فيه البحوث والكتابات، لأصبح لدينا عدة مراجع توضح ما كان لعدن من علاقات مع شعوب العالم، وهذه الجهود قد يدفع بكل من يهتم بتاريخ عدن الكتابة حول هذا الجانب، عدن والعالم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى