هيئة علوم البحار والأحياء المائية في عـدن ..أبحاث علمية مهملة.. وثروة سمكية مهددة بالانقراض

> استطلاع / معتز إقبال الميسوري:

> تأسست الهيئة العامة للأبحاث وعلوم البحار والأحياء المائية، بخور مكسر محافظة عدن، بقرار جمهوري عام 2007م كهيئة علمية متخصصة بعلوم البحار والأحياء المائية.
وتتركز أساسيات المهام التي أنشئت الهيئة من أجلها، في القيام بدراسة الأحياء البحرية، والبيئة البحرية، واللذين يعتبران الركيزتين الأساسيتين للحفاظ على الثروة السمكية، التي تعد الرافد الاقتصادي الهام لبلادنا.
حيث يقوم مركز "تربية الأحياء المائية" في منطقة الغدير بمديرية البريقة، بإجراء تجارب الاستزراع، وإنتاج يرقات "الجمبري" بكميات تجارية، وتربيتها حتى الحجم التسويقي، كما يقوم بإنتاج أعلاف تغذية الأحياء المستزرعة من مواد متوفرة محلياً، والتوصل للتركيبة المثلى المسرعة لنمو الأحياء المستزرعة، والطرق المثلى لإنتاج الهائمات النباتية والحيوانية الخاصة بالتغذية الأولية ليرقات الأحياء البحرية.
في سياق زيارة قامت بها "الأيام" لمقر الهيئة في عـدن، تحدثنا مع عدد من الموظفين العاملين، الذين بدورهم أشاروا إلى جملة من الهموم والأوضاع المتدهورة التي تعيق الهيئة من القيام بأنشطتها ومهامها الرئيسية في الحفاظ على الثروة السمكية وتطوير القطاع السمكي في بلادنا.
يوجد في "هيئة أبحاث علوم البحار والأحياء المائية" في عـدن، باحثون وكوادر علمية متخصصة في الاستزراع السمكي والمخزون والأبحاث، تقوم عليها الاستراتيجية السمكية لوزارة الثروة السمكية، ولها أهميتها الكبيرة في إحداث نقلة نوعية هامة للقطاع السمكي، مما يستدعي على الحكومة إيلاء الاهتمام والرعاية لهذه الهيئة، باعتبارها صرحا علميا وأكاديميا كبيرا يخدم متطلبات التنمية.
تدمير قوارب الأبحاث بالكامل
البداية كانت مع الأخ صالح سالم عوض - نائب رئيس الهيئة - الذي رحب بزيارة الصحيفة، مقدماً لها نبذة مختصرة عن طبيعة عمل الهيئة، حيث قال: "كما تعرفون أن هيئة أبحاث علوم البحار، تأسست كدائرة للأبحاث عام 1983م، في عدن، وصدر القرار الجمهوري عام 2007م بإنشاء الهيئة العامة للأبحاث وعلوم البحار والأحياء المائية، لتتولى دراسة الأحياء البحرية، والبيئة البحرية".
وتابع متطرقاً إلى ما تعانيه الهيئة من صعوبات في الوقت الحالي، قائلا: "خلال هذه الفترة أصبحت الهيئة تعاني من أوضاع سيئة نتيجة تدهور العمل الميداني الخاص بالأبحاث، والاستزراع السمكي، وكذلك عدم توفر الميزانية وتضييع الفرص المتاحة لاستمرارية العمل الآمن"، مضيفاً: "واليمن دولة بحرية تحظى بثروة سمكية هائلة، لهذا أنشئت الهيئة بقرار جمهوري لأجل الحفاظ على الثروة السمكية من الاصطياد الجائر، ووقف أعمال الصيد العشوائي، ودراسة الأسماك وتربيتها بمزارع سمكية خاصة".

وحول مهام مركز تربية الأحياء المائية الكائن في "منطقة الغدير" بالبريقة، قال صالح: "من أعمال هذا المركز تربية واستزراع الأسماك، وإجراء البحوث العلمية لها، ودراسة البيئة البحرية والمناخ البحري للأسماك"، ويضيف مستطرداً: "طبعاً هذا كان مع بداية إنشاء المركز عام 1983م، والذي كانت تمارس فيه النشاطات السمكية والدراسات العلمية، لكن خلال الفترة الأخيرة بدأ نشاط الهيئة يتدنى ويتدهور، وهناك إهمال متعمد يمارس بحق الكوادر والخبراء، إضافة إلى أن قوارب الأبحاث السمكية تم تدميرها بالكامل، ومثالاً على ذلك قارب "ابن ماجد" كان يتم فيه عمل أبحاث ودراسات سمكية في البحر، قاموا بتدميره لأسباب عدة، وعبر نافذين يعملون في المجال البحري".
نطالب بوقف منهجية التدمير
ويواصل نائب رئيس الهيئة حديثه عن الخطط والأهداف التي يأملون على إنجازها للنهوض بأنشطة المركز، قائلاً: "نتمنى أن نتوسع بشكل كبير في إعداد الدراسات العلمية للأسماك في البحر العربي والبحر الأحمر، وإنشاء مختبرات علمية تهتم بتغذية واستزراع الأسماك بمختلف أنواعها، وكذلك تشجيع الباحثين على التطور التكنولوجي في مجال الأبحاث وتربية الأحياء المائية، وتوفير ميزانية خاصة للأبحاث والبرامج العلمية، وتشجيع الأعمال والأنشطة الميدانية في البحار اليمنية، وكذا إعادة تأهيل البنية التحتية"، مضيفا: "هذا كله لاشك سيعمل على تنمية القطاع الخاص بالاستثمار في مجال زراعة الأسماك وأبحاثها وتصديرها للخارج".
ويختتم حديثه مناشداً الجهات المعنية بـ "وقف ما تتعرض له الهيئة من إهمال وتدمير"، وقال في سياق مناشدته: "نوجه مناشدة عاجلة لرئيس الحكومة، ووزير الثروة السمكية، ومحافظ عدن، بوقف التدهور الممنهج الذي تتعرض له الهيئة، ووضع حلول لمشكلاتها تضمن العمل على إعادة تشغيلها، وعودة موظفيها للعمل مجددا".
تحطيم الكوادر والخبراء
وفي نطاق زيارتنا تحدث الأخ زكي محمد علي، باحث ومتخصص في المخزون السمكي، مشيراً إلى ما تعانيه الهيئة من تدمير، والذي وصفه بـ (الممنهج)، معبراً بالقول: "تمر هيئة أبحاث علوم البحار بأوضاع سيئة للغاية، وهذا يعود إلى عدم اهتمام قيادة الهيئة ممثلة برئيسها المكلف من أعضاء المجلس الإداري، وهذا نابع من عدم المسؤولية واللامبالاة بأهمية عمل ونشاط الهيئة، حيث أن رئيسها لا يحضر للعمل بشكل متكرر، وتهمه مصلحته أكثر من مصلحة العمل العلمي، الذي ما يزال معطلا"، حد قوله.
ويستطرد: "نشعر بالأسى لمثل هذه الأوضاع المؤسفة التي تعتري صرحا علميا وأكاديميا شامخا، يعني بشؤون الدراسات العلمية السمكية وشؤون البيئة البحرية"، ونناشد الإخوة في رئاسة الوزراء، ووزير الثروة السمكية، "إيجاد حل لهذه الإشكاليات والتعسفات التي يمارسها رئيس الهيئة، والوقوف ضد التدهور والإهمال اللذين تمر بهما الهيئة حاليا".
غياب الحرص والاهتمام
الباحث إقبال عبدالكريم حسين، رئيس قسم الفنيين ومسؤول مختبر (البلانكتون) في مركز تربية الأحياء المائية، تحدث للصحيفة مبيناً أن: "اليمن دولة بحرية تعتمد على البحر كمورد اقتصادي هام، ولديها رقعة مائية واسعة تطل على ثلاثة بحار، هي البحر الأحمر، والبحر العربي، وخليج عدن، وبطول ساحلي يقدر بـ 2350 كيلو متر، وبعمق بحري واسع".
ويواصل: "إضافة إلى ذلك وجود حوالي 150 جزيرة، تحيطها شواطئ ذات مياه ضحلة ومناطق بحرية خصبة لنمو الأسماك، وبيئة وتيارات بحرية تتغذى عليها الأسماك بتنوعها الكبير والنادر ذات الجودة العالمية والقيمة التجارية المرتفعة".
ويكمل كلامه: "في ظل المتغيرات المناخية والبيئية الحاصلة اليوم فإنه يتحتم على مسؤولي بلادنا اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لحماية ثروتها السمكية واستغلالها الاستغلال الأمثل، وهذا لن يكون إلا بوجود حرص واهتمام لتنشيط دور الهيئة العامة للأبحاث وعلوم البحار، وتمكينها من إجراء المسوحات والأبحاث التي تغطي كل مياهنا الإقليمية، ودراسة كل أنواع الأسماك والأحياء البحرية، ودراسة البيئة البحرية وبنيتها، لما لها من أهمية في الحفاظ على الثروة السمكية".

إنجازات لم تقدر
ويؤكد رئيس قسم الفنيين بمركز الأحياء المائية في سياق حديثه، أن "غياب الدور الحيوي الذي تلعبه الهيئة في مجال تخصصها العلمي، سيؤدي إلى نضوب الثروة السمكية، وسيزيد من تلوث البيئة البحرية، وسيفقد البلد موردا اقتصاديا مهما تعتمد عليه شريحة واسعة من سكان المناطق الساحلية".
ويضيف: "للأسف الهيئة تعاني من شحة الاعتمادات والإمكانيات المادية، مع أنه تتوفر فيها كوادر وطاقة بشرية، وإن كانت بحاجة إلى تأهيل في بعض التخصصات، لكن عدم وجود ميزانية تشغيلية، وعدم توفر قارب متخصص ومزود بالأجهزة الحديثة اللازمة، يعرقل نشاط الهيئة والمركز من إجراء البحوث والمسوحات العلمية في المناطق البحرية".
ويستطرد موضحاً النشاط الأساسي الذي تستند عليه الهيئة، قائلاً: "الهيئة تمارس نشاطها بمجالين حيويين، قسم الأحياء البحرية الذي يختص بدراسة أنواع الأسماك والأحياء البحرية الأخرى، من حيث الناحية البيولوجية، ودراسة المخزون السمكي وهجرة الأسماك وأنواعها، وإجراء المسوحات لمناطق تكاثرها، وبه توجد أقسام الفيزياء البحرية والكيمياء البحرية و"الهائمات الحيوانية البحرية"، وهي حيوانات تسبح مع تيار المياه، وتمثل غذاءً رئيسياً للأسماك، كما توجد شعبة (القاعيات)، وتعنى بدراسة الصدف البحرية وما شابهها".
ويضيف: "أما القسم الثاني، قسم علوم البحار، ويهتم بدراسة الناحية البيئية والعوامل المؤثرة على حياة الأسماك (نموها، تكاثرها، أماكن وجودها، ومراعيها)، ويوجد فيه مركز تربية الأحياء المائية، ومختبر إنتاج الحيوانات النباتية والبحرية (البلانكتون)، حيث يقوم باستزراع وإنتاج الطحالب البحرية والكويلارا، وقد قام المركز بعدة أبحاث ناجحة منها جلب عينات من منطقة (المملاح)، وفحص عينات البحيرة المالحة، وتغيير نسبة الملوحة".
وواصل حديثه: "عملنا أيضاً على إجراء فحوصات الظاهرة الكونية التي تجعل من البحر أخضر اللون، وهي تجربة أشاد بها البنك الدولي وبالدور الهام الذي يقوم به مختبر تربية الأحياء البحرية".
ينقصنا الدعم والرعاية
ويصف محمد عبدالله سعد ـ أحد الموظفين - الأوضاع التي تمر بها الهيئة، بأنها "قضايا ذاتية ترتبط بالأبحاث العلمية والبرامج البحثية التي تحتاج إلى دعم لوجستي ورعاية دائمة ومخصص مالي".
وقال: "هناك مشكلة نواجهها في البحث العلمي تتعلق بالميزانية التشغيلية للأبحاث السمكية"، مضيفاً: "لقد حضر وزير الثروة السمكية إلى مقر الهيئة ولم يعجبه الوضع، وطالب بعودة المشاريع البحثية للهيئة وإعادة تشغيلها، لكن قبل ذلك لابد من توفير موازنة مالية، وتوفير كل الإمكانيات المتاحة لبدء العمل والقيام بأبحاث ومشاريع تطوير القطاع السمكي".
ويواصل: "كل مناشداتنا واحتياجاتنا جرى تهميشها وتجاهلها من قبل الجهات المعنية، بعد أن تم تهجير الباحثين والخبراء السمكيين وتركهم في بيوتهم دون عمل".
ويتحدث محمد عبده سعيد، وهو متقاعد كان يعمل في مركز تربية الأحياء المائية، موضحاً: "هناك إهمال كبير تتعرض له الهيئة حتى باتت أوضاعها متردية للغاية، وحالتها المالية صعبة، ولا يزال المركز مغلقاً، والسبب في ذلك يتحمله رئيس الهيئة باعتباره المعني بالأمر" حد تعبيره.
ويشاركنا أحد العاملين المتعاقدين في المركز ويدعى "الفقمي"، والذي شكا للصحيفة قائلاً، "أنا أعمل منذ 16 عاماً ولم يتم تثبيتي حتى الآن، وهذا يعتبر تعسفاً لحقوق المتعاقدين القدماء"، وأضاف: "أدعو وزير الثروة السمكية إلى تثبيت عملي رسمياً، باعتباري من أوائل العمال الذين خدموا في المركز".

مطالب وتساؤل
منذ إنشاء مركز أبحاث علوم البحار وتحويله إلى هيئة رسمية مستقلة، وتعيين رئيسها الحالي، تعرضت أنشطة الهيئة إلى تدمير كامل، ولم تعد هناك إنجازات عظيمة تفخر بها الهيئة، سيما وأن المخصصات المالية ـ بحسب كلام الموظفين ـ تذهب أدراج الرياح، ولا يعرفون إلى أين تصرف".
حيث إن ميزانية الأبحاث السمكية ـ كما يقولون - تقدر بـ "مليون وخمسمائة ألف ريال"، وهناك مبالغ كبيرة أخرى تصرف للتوعية والإرشاد السمكية، دون استشارة المختصين بالبرامج العلمية، وهناك مسائل أخرى بحاجة إلى مراجعة الحسابات، بحسب مطالب الموظفين.
ويبقى السؤال الذي يتبادر إلى أذهان العديد من موظفي الهيئة "لماذا لا يتم إنشاء كلية لعلوم البحار والأحياء المائية في محافظة عدن، بعد أن تم إنشاؤها في محافظة الحديدة، على الرغم من أن الحديدة لا تمتلك أي مركز أبحاث للتطبيق العملي، بخلاف عدن التي يوجد بها المركز العلمي ومقر الهيئة الرئيسي ؟".. سؤال بحاجة إلى التمعن فيه!!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى