مواقع أثرية في مهب الريح (صبر، الدرب، كدمة، أمسيلة) مثالاَ.. ضياع تاريخ أمة .. نهب الآثار في لحج

> الحوطة «الأيام» هشام عطيري:

> لا شك أن لحج تزخر بتاريخ حضاري كبير، لوجود العديد من المواقع الأثرية الهامة، لكن العبث وعدم الاكتراث والسباق المحموم من قبل تجار الآثار، إلى جانب جشع المواطنين ومدعين ملكية الأراضي لبعض المواقع، جعلت المحافظة تتعرض لعملية تدمير ممنهج لتاريخها ومعالمها ومواقعها الأثرية.. ومن خلال هذا الاستطلاع نستعرض بعض المواقع التي تعرضت لعمليات نهب وبسط، دون أن تحرك الجهات المختصة ساكنا.
يوجد في محافظة لحج 143 موقعا أثريا، بحسب تقرير رسمي صادر عن الهيئة العامة للآثار بالمحافظة، تغطي فترات مختلفة من تطور الحياة البشرية في لحج وما جاورها، ابتداء من العصور الحجرية حتى الفترة الإسلامية المتأخرة المنتشرة على ضفتي الوادي الكبير شرقا وغربا.. ثم التنقيب عن بعض تلك المواقع من قبل بعثات ألمانية وروسية وفرنسية ومحلية، لكن هذه المواقع تعرضت لأعمال نهب وتخريب وبناء، في ظل سكوت جهات الاختصاص والسلطة المحلية عما يحدث، رغم العديد من المراسلات والتوجيهات الصادرة من قيادة الدولة لوقف العبث بالمواقع الأثرية بالمحافظة.. لكن دون فائدة.
مكتب آثار بلا إمكانيات
إمكانيات مكتب الآثار بمحافظة لحج وميزانيته لا تغطي حتى 1% لتنفيذ أعمال الحماية لتلك المواقع الأثرية، التي تتعرض لهجمة شرسة من تجار الآثار، ناهيك عن تعرض أقدم مستوطنة بشرية بمدينة صبر التي يرجع تاريخها إلى 1500 ق. م، والتي تبلغ مساحتها حوالي 2 كيلو متر مربع، وتعتبر ـ حسب قول المختصين ـ أكبر المستوطنات القديمة، (أكبر من مأرب عاصمة مملكة سبأ) إلى أعمال اعتداء وبناء في تلك المواقع، التي لم يعد فيها وجود للمعالم الأثرية، حيث يدعي مواطنون ملكيتهم لتلك الأراضي الأثرية، فقد أقدم العديد من المواطنين على عملية البيع فيها دون الاكتراث بمخاطر ضياع تلك المعالم التاريخية التي تحكي تاريخ أمة.
المواطن سالم بن سالم المهتم بالاثار وحمايتها
المواطن سالم بن سالم المهتم بالاثار وحمايتها

فمكتب الآثار لا توجد لديه إمكانيات سوى المراسلات، فيما مدعو الملكية يقولون إن هناك مشاريع سكنية قامت الدولة ببنائها في تلك المواقع الأثرية دون أن يحرك أحد ساكنا، رغم امتلاكهم للعديد من الوثائق الشرعية التي تؤكد ملكيتهم للأرض في تلك المواقع.
بيع التاريخ والهوية
أحد المهتمين بحماية الآثار قال إن الدولة لم تكترث بما يحدث في المواقع الأثرية بمدينة صبر التاريخية ومختلف المواقع الأخرى، فكان من الأحرى بالجهات المختصة معالجة قضية الملكية مع المواطنين، والخروج بحلول تمكن الدولة من بسط سيطرتها على تلك المواقع، بعد التأكد من وثائقهم، من خلال عملية الشراء، والتي لا تكلف الدولة سوى عدة ملايين من الريالات مقابل تاريخ بشري هام، ولكن تأخر الدولة في المعالجة، وما تشهده بعض المحافظات من تدهور أمني شجع مدعي الملكية على القيام بعمليات بيع واسعة في تلك المواقع الأثرية، دون أن تبادر في تدارك ما يمكن تداركه.
عصابات منظمة لنهب الآثار
ويقول المهتم بالآثار سالم بن سالم يوسف إن هناك عدد من المواقع الأثرية والتاريخية تتعرض لأعمال تخريب على أيدي لصوص الآثار، وهو ما يعتبر من أكبر جرائم العبث بالمعالم الأثرية، ومن تلك المواقع ـ حسب قوله ـ منطقة الدرب، وكدمة، وكود أمسيلة، وهي من أعظم المعالم الشاهدة على حضارة عريقة.
فيما يكشف المواطن مهيب أحمد عوض العقربي عن وصول العديد من الغرباء عن المنطقة، ويقومون بأعمال مريبة، وخاصة في جنح الظلام، من خلال تنفيذ أعمال حفر ونبش في تلك المواقع الأثرية القريبة من مشيخة العقربي العريقة، يعتقد أنها عصابات منظمة تقوم بتلك الأعمال غير القانونية.

تاريخ يعود إلى القرون الوسطى
وموقع كود أمسيلة بمنطقة جعولة ـ بحسب ما يطلق على الموقع في الكتب والنشرات العلمية ـ وجد فيه بقايا 12 فرنا، حيث تشير بعض الدلائل التي على السطح والقريبة منه أن أحد تلك الأفران كان يستخدم لصناعة الزجاج، بينما البقية كانت لصناعة الفخار.
وتشير النشرات العلمية الصادرة عن مراكز الأبحاث إلى أن تلك المواقع الأثرية شهدت زيارات واهتمام الباحثين والآثارين، فقد زارها كل من "كارل راتينس" و "فون فيسن" في عام 1931م، كما زارها "أرتر لين" و "روبرت سارجنت" في عام 1941م، واللذان يرجحان أنه كان مصنعا للزجاج، يعود تاريخه إلى القرون الوسطى، كما زار الموقع "بريان دو" الذي قام بعمل مسح للمواقع في عام 1961م، ثم قام بعمل حفريات مصغرة، وقد نشر "دو" خارطة لمبنى من الطين تم اكتشافه في الموقع.. بالإضافة إلى العديد من الزيارات من قبل الباحثين.
يقول الباحث والمهتم بالآثار سالم بن سالم إن مستوطنة الدرب من أشهر المعالم الأثرية، والذي يتميز بما يحتويه من آثار، قامت الأيادي العابثة بإجراء أعمال حفر غير شرعية، وتكسير بعض الجدران، مما أدى إلى تعرضه لأضرار بالغة، فيما شهدت سنوات سابقة قيام بعض المتنفذين بأعمال استصلاح لأراضٍ زراعية، أدى إلى إزالة وطمس كثير من المباني والبرك ومساحة كبيرة من الموقع، الذي يحتوى على الكثير من الفخاريات.
دلت المكتشفات للموقع الأثري بقاء المستوطنة إلى القرن الثاني عشر الهجري، حيث حضي في فترات سابقة بأعمال مسح أثري من قبل مكتب الآثار بلحج وعدن، برئاسة الدكتورة رجاء باطويل، التي وجهت رسائل إلى الجهات المختصة، تفيد بعدم المساس بالموقع الأثري في منطقة الدرب.
الموقع الآخر الذي تعرض لأعمال تخريب في موقع الدرب هو كدمة الجابري، وهو من أقدم المعالم الأثرية في منطقة الدرب، وسمي بـ (كدمة الجابري) ـ بحسب المهتم بالآثار سالم بن سالم ـ نسبة إلى ضريح الولي الصالح الجابري بن محمد، وهو أحد المواقع التي قامت فرق وخبراء بالآثار بالنزول إليه، كونه يعدُّ من المواقع التي يعود تاريخها إلى الفترة الإسلامية.
الموقع تعرض لتدمير الطبقة العليا بواسطة الآليات، من قبل أحد المتنفذين، وتم حفر بئر إرتوازية بالقرب منه، حيث تسببت تلك الأعمال في تعرض العديد من الآثار والبرك والجدران إلى التدمير، بالإضافة إلى تخريب ضريح الولي (الجابري) كاملا، والذي يعدُّ من المزارات الأثرية، بالإضافة إلى تعرض الموقع لأعمال تخريب بغرض التوسع في الزراعة.
ويوضح مصدر في هيئة الآثار أن فريقا من الهيئة العامة للسياحة قد أتمَّ نزوله ـ في فترة سابقة ـ إلى الموقع، وتم تسجيل معالم الدرب الأثرية ضمن المعالم السياحية.

ويقول الباحثون إن قرية الدرب أثرية، هاجر أهلها عندما دفنت البئر عام 1945م، بحسب قول الرجل الصالح علي عوض ناصر مشهور رحمة الله عليه.. ومن معالمها الدار الأثرية القديمة ومبانيها الطينية.
وأهمية قرية الدرب تأتي من كونها منطقة أثرية عريقة بمعالمها ومقابرها، وما تبقى من آثار الأتراك في الحرب العالمية الأولى بالمنطقة، فالدرب كانت أهم النقاط التي تمركز فيها الأتراك من عام 1915- 1918م.
مكتب الآثار ليس بمقدوره عمل شيء سوى رفع المذكرات والرسائل إلى الجهات المختصة لحماية تلك المواقع من العبث، ولكن هناك أيضا مسئولية المواطن الذي يجب أن يحافظ على تاريخه من العبث والنهب.. ما نشرناه ما هو إلا جزء يسير مما يحدث من أعمال نهب منظم لمواقع أثرية عديدة في محافظة لحج.
في الأخير نشكر المهتم بالآثار الأخ سالم بن سالم يوسف، الذي كان رفيق الرحلة إلى تلك المواقع، وتسهيل عمل هذا الاستطلاع.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى