دشن حملة (أحياء تحت الأرض) للبحث عن الأسرى والمخفيين منذ 94

> تقرير/ ماجد الشعيبي

> ذات يوم ليس ببعيد، يثق أيمن أحمد فضل مشحيري - ناشط في الحراك الجنوبي - أنه سيلتقي والده المخفي قسراً منذ عام 1994، وهو العام الذي شهد حربا طاحنة بين نظامي الشمال والجنوب، بعد خلاف على مشروع الوحدة اليمنية.
عشرون عاماً مضت على اختفاء أحمد فضل، والد أيمن، إلا أن الأخير لم يفقد الأمل في عودة أبيه إلى المنزل، ويبذل الشاب (العشريني) الكثير من الجهد في الحصول على معلومات توصله إلى الحقيقة.
كل هذه السنوات يقول أيمن إنه لم يحصل على معلومة تؤكد أن والده مات، وبالعكس يؤكد أن ثمة معلومات تحصل عليها تؤكد أن والده ما يزال على قيد الحياة، وإن كان ذلك غير صحيح، فربما يقضي الشاب حياته في البحث عن بصيص أمل قد يوصله إلى والده.
يتذكر أيمن رحلة البحث عن والده المفقود عندما رحل مع والدته إلى العاصمة صنعاء للبحث في سجون الأمن السياسي، بعد تأكدهم أن أحمد فضل اعتقل في تعز ونقل إلى صنعاء، وزاد من ذلك التأكيد ظهور والدهم في تصريح صحفي نشرته إحدى القنوات العربية، كان ذلك في مايو 1994 أثناء فترة اعتقاله في صنعاء، أي قبل أيام من إعلان علي سالم البيض بيان فك الارتباط.
نشر أيمن على مواقع التواصل الاجتماعي صورة له تجمعه بوالده، وكتب يقول "هذه الصورة الوحيدة التي تجمعني مع أبي المخفي قسراً".. وعلى الرغم من أن الصورة هي عبارة عن صورتين متلاصقتين إلا أن أيمن يشعر كما لو أنها صورة واحدة التقطت له برفقة والده منذ وقت.
دشن أيمن منذ فترة حملة أسماها "أحياء تحت الأرض" للبحث عن الأسرى والمخفيين منذ 94، ومن خلال هذه الحملة أنشأ صفحة خاصة على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، داعياً الجميع إلى جمع معلومات وصور عن المخفيين قسراً منذ حرب صيف 94، وقد استطاع خلال الأيام الماضية جمع عدد كبير من الأسماء والمعلومات حول مصير أكثر من 120 اسما عسكريا جنوبيا مخفيين قسراً في سجون صنعاء منذ 20 عام.

وسيدشن أيمن ومعه مجموعة من الناشطين حملة مناصرة للكشف عن مصير العشرات من المخفيين قسراً يقضون ما تبقى من حياتهم في غياهب السجون.
أيمن ليس الوحيد من يبحث عن والده، فهناك العديد من الأشخاص في عدد من محافظات الجنوب يبحثون عن أبائهم وأقربائهم، ربما تكشف قادم الأيام مصير حياتهم التي غيبها النظام السابق لسنوات.
تفاصيل حياة أيمن وعائلته
كشك صغير يبيع أيمن بداخله الأشرطة (السيدي) والعطور وبعض الإكسسوارات، مهنة جديدة يكتسب منها أيمن ما يستطيع بها البقاء على قيد الحياة هو وعائلته التي تعيش وضعاً صعباً بعد غياب والدهم.
«الأيام» زارت أيمن إلى مكان عمله الخاص، وعاشت معه بعض التفاصيل التي يعيشها يومياً، وعرفت منه الكثير من التفاصيل اليومية وكذلك تفاصيل اختفاء والده الذي ذهب منذ عشرين عاما ولم يعد حتى هذه اللحظة.
شكل غياب أحمد مشحيري ظروف حياة جديدة بالنسبة لأيمن وعائلته ليتحمل عبئا كبيراً، فما تتسلمه عائلته من مرتب شهري من الحكومة يعادل أربعين ألف ريال، بالكاد تكفي إيجار للمنزل ومصاريف الماء والكهرباء.. حياة صعبة تعيشها عائلة أيمن، إلا أنهم بصبرهم وتحملهم يواصلون حياتهم كباقي الأسر التي فقدت أقرباء لها في حرب صيف 1994.
قبل فترة ليست ببعيدة تقدم أيمن للحصول على منحة دراسية في كلية الطيران التي يحلم أن يواصل فيها مشوارا بدأه والده منذ سنوات، إلا أن ممارسات إقصائية رفضت ملفه أكثر من مرة.
حكاية اختفاء أحمد فضل مشحيري
يروي أيمن قصة اختفاء والده قبل 20 عاماً من خلال ما استجمعه من تفاصيل حصل عليها من أفراد أسرته، نقلاً عن شهود عيان وشخصيات عسكرية مطلعة على الحادث، الذي تعرض له والده الذي كان يعمل طياراً في سلاح الطيران التابع للواء التاسع طيران في قاعدة العند - محافظة لحج إبان حرب صيف 94م.

كان والدي ـ يروي أيمن القصة ـ يقود طائرة (ميج - 21)، انطلق بها من العند إلى تعز، لكنه لم يتمكن من العودة إلى قاعدته سالماً، حيث تعرضت طائرته للإسقاط في منطقة تتوسط منطقتي (ورزان والراهدة) بتاريخ 13 مايو 1994م، أثناء تنفيذه لمهمة حربية.. وأثناء سقوط الطائرة تمكن والدي من القفز بالمظلة لكنه تعرض للإصابة في إحدى ساقيه، فلم يتمكن من السير، ليجد نفسه محاطاً من قبل أفراد فرقة للجيش من القوات الشمالية، وتم اعتقاله، ثم نقل الطيار الجريح إلى مستشفى الثورة في محافظة تعز، وهناك جرى التحقيق معه من قبل الاستخبارات.
ويضيف أيمن: "ولا نعلم ما الذي حدث لوالدي بعد خروجه من مستشفى الثورة، وما طبيعة الظروف التي مر بها حينها، لكنه يذكر أن ما حصل عليه من معلومات تؤكد تعرضه للاعتقال والتعذيب أثناء التحقيق معه، وأنه بعد ذلك التحقيق تم نقله إلى صنعاء ليقبع هناك في السجون السرية للمخابرات، وما يزال مصيره حتى اليوم مجهولاً.. ولا يعلم أحد شيئاً عن ظروف سجنه أو طبيعة وسائل التعذيب النفسي والجسدي التي يكون قد تعرض لها".
ويقول أيمن: "راتب الوالد ، وهو الآن عقيد مستحق عميد طيار لا يتجاوز 40 ألف ريال فقط، نحن ثلاثة أولاد أنا أكبرهم، ذهب والدي وأنا لم أتجاوز الرابعة، ومنذ حرب 94م ونحن مشردون بلا سكن، متنقلين على بيوت الإيجار إلى يومنا هذا، ولم تلتفت لنا الجهات المختصة ولو بقطعة أرض، وللعلم الإيجار 25000 خلاف فواتير الماء والكهرباء والمستلزمات المعيشية الأخرى.
طيار جنوبي ذهب ولم يعد
طيار جنوبي ذهب ولم يعد

لما يقارب العقدين من الزمن، يعيش أحمد فضل بعيداً عن أسرته وربما بعيداً عن الشمس أيضاً، بيد أن الجميع هنا ينتظر عودته بفارغ الصبر، ومايزال الأمل بعودته يراودهم ليل نهار وللحظة اللقاء شوقاً لا يستطيع أحد وصفه، لقاء طال انتظاره طويلاً، وهو بحسب إجابة أيمن الذي سألته هل يعتقد أن والده سيعود أجاب بابتسامة تملأ وجهه بأن ذلك لن يكون بعيداً.
انتهى حديث أيمن، ولكن بحثه لم ينتهِ، فهو يومياً ينشط في صفحات التواصل الاجتماعي، ويقوم بالتواصل مع عدد من المنظمات التي تهتم بحقوق الإنسان، وبالذات المخفيون قسراً، لعل جهده هذا يلقى نتيجة بعد كل هذا السنوات من الانتظار
سيرة ذاتية :
اسم المخفي قسراً : أحمد فضل عبدالله ناصر مشحيري
الرتبة العسكرية: نقيب طيار
تاريخ الميلاد 23 / 11 / 1961م
المحافظة: لحج
الحالة الاجتماعية: متزوج ولديه ثلاثة أولاد.
المستوى الدراسي: دبلوم عالي من الاتحاد السوفيتي تخصص طيران.
نقيب طيار في معسكر اللواء التاسع طيران العند.
تاريخ الاختفاء: 13 مايو 1994م.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى