التلوث البيئي في طور ينذر بكارثة.. فهل من منقذ؟

> استطلاع/ علي الجبولي:

> مدينة طور الباحة، حاضرة الصبيحة بمحافظة لحج، التي تكالب على إنهاكها والعبث بها تحالف الفساد والخوف وشحة المياه وغياب الكهرباء، والتردي المرعب للنظافة والتلوث البيئي، الذي أصبح ينذر بكارثة بيئية وصحية مدمرة، بعد أن اجتاز التلوث درجة التلوث العادي إلى درجة التلوث الخطر، طال المدينة وقرى المنطقة بأسرها، وهو نتاج لفساد أجهزة السلطات المحلية المتعاقبة، إذ تتبدى أسباب تردي النظافة وتلوث البيئة في النشوء المشوه لهذه المدينة الصغيرة، وفي عشوائية البيئة المشيدة ومكوناتها من مبان وشوارع وطرقات ومرافق خدمات، وفي افتقار المدينة لأبسط مظاهر التخطيط العمراني السليم، والبنية التحتية لخدمات الصرف الصحي من حمامات وشبكات مجارٍ.
تردي النظافة وتلوث البيئة في مدينة طور الباحة، لا يهدد سكانها فقط، وإنما كل سكان القرى في ضواحيها بالإمراض وعدواها.. مئات من الماشية بمختلف أنواعها اتخذت من شوارع المدينة زريبة لها ليل نهار، وما نفق منها بالمرض ودهس السيارات تظل جثتها مرمية في الشوارع لأيام حتى تتعفن وتتحلل، ونادرا ما يتطوع فاعل خير بسحبها لبضعة أمتار، لتكتمل صورة التلوث البيئي في محيط المستشفى، الذي أصبح هو الآخر محطة وباء أكثر من كونه مكانا للاستشفاء.
المستشفى بيئة موبوءة
إن تردي نظافة مستشفى طور الباحة وأقسامه بتلك الصورة المخيفة جعل من أقسامه و مرافقه جزءا من المخاطر الصحية، بدلا من الوقاية منها، فالقمامة ومخلفات المستشفى تتناثر أمام أبوابه وداخل ردهاته وأقسامه وممراته وعياداته. مرتادو المدينة وسكانها يقضون حاجتهم خلف أقسام المستشفى وعياداته وحماماته المعطلة والمفتقرة إلى الماء.. وأفضع ما يثير الاشمئزاز مشاهد الدماء ومخلفات الولادة والمجارحة تترك على أرض عيادات المستشفى وأقسامه وممراته، دون أن تراق عليها قطرة ماء بسبب شحة المياه، أما ما نقل منها فيرمى في العراء وعلى أطراف مزارع المواطنين وقنوات ري مزارعهم.
ولأن المدينة تكاد تفتقر إلى كهرباء حقيقية، لجأ أهلها إلى الاستعانة بمولدات تعمل بالديزل، حيث تنتشر عشرات من مولدات الديزل، إلى جانب طواحين الحبوب ومئات الدراجات النارية وورش إصلاح السيارات، وكلها تنفث ـ طيلة اليوم ـ كميات كبيرة من الأدخنة والغازات الضارة.. فضيق المدينة وعشوائية الأسواق وحالة الانفلات وازدحام الباعة والسيارات والدراجات في شوارعها، إلى جانب ضجيج مولدات الديزل والطواحين والورش والسيارات والدراجات تضيف للمدينة نوعا آخر من ملوثات الغازات والضجيج.

معدات بلا تعقيم
معدات وأدوات أقسام مستشفى طور الباحة وعياداته ومختبراته جميعها تفتقر إلى التعقيم والنظافة، إما لعدم توفر مياه كافية لتنظيفها، وإما نتيجة الإهمال.. ففي محيطه الخارجي وبجوار سوره وأمام أبوابه وخلف جدران أقسامه وعياداته تتكدس توالف الأسماك والدجاج ومخلفات شوارع المدينة، جنبا إلى جنب مع ركام المخلفات الآدمية. هذه المظاهر حولت المدينة إلى مرتع خصب للماشية والكلاب والقطط، تعبث بالمخلفات وتضيف إليها مخلفات إضافية.
المزارع والآبار ومخاطر المخلفات
مع أن فرع مؤسسة المياه والصرف الصحي الحكومي بطور الباحة قد انهار كليا، وتوقف عن العمل منذ يناير 2009م، فقد أدى ذلك خطر تلوث مياه الشرب، وتفاقم بصورة أكبر يوما بعد يوم، فقد انتقل تهديد التلوث إلى مزارع المواطنين وآبارهم الارتوازية في ضواحي المدينة، والتي أضحت المصدر الوحيد لمياه الشرب.
أثناء تجوالنا في المدينة والمزارع القريبة منها لاحظنا أكواما من القمامة والمخلفات، بما فيها مخلفات المستشفى وجثث الحيوانات النافقة تتكدس وسط المدينة وأطرافها، وفي وادي معادن بشرقها، ووادي معبق بغربها، وفي قنوات ري مزارع المواطنين وآبارهم، ومجاري مياه الأمطار. هذه المخلفات والنفايات الصلبة والسائلة تحملها الكلاب والقطط والرياح، وتجرفها سيول الأمطار إلى أراضي المزارعين وآبارهم الإرتوازية، فتلوث مصادر مياه الشرب والمحاصيل الزراعية، وتدمر خصوبة الأرض، وتسبب مرض الماشية ونفوقها.
غياب الوعي البيئي
تفتقر المنطقة إلى أبسط أنشطة التوعية بأهمية نظافة البيئة والصحة البيئية، ونشر الوعي لخلق بيئة نظيفة ومحيط صحي آمن، إلى جانب توعية المجتمع بمخاطر تلوث البيئة وأضرار تردي النظافة، كما تفتقر إلى أبسط نشاط توعوي لنشر التثقيف البيئي للحفاظ على البيئة ومواجهة مشكلاتها، وما يترتب على تدهور البيئة من مخاطر وأضرار في البيئة والإنسان.

صندوق نظافة بلا موظفين
لا يوجد عمال موظفون للنظافة، وإنما هناك (تسعة) عمَّال متعاقدين بأجور غير منتظمة، مع أنها ضئيلة ولا تزيد عن سبعة عشر ألف ريال شهريا، بعضهم مضى على تعاقده أكثر من 12 سنة على أمل توظيفه. كما أكد العامل لبيب أحمد سالم الدحماني الذي قال: "سلمنا ملفات تحوي إجراءات التوظيف إلى مكتب الخدمة المدنية في 2011م، لكن يبدو أن هناك عراقيل سببها متنفذون أعاقت توظيفنا، فقد أضافوا أسماء وهمية لمقربين بغرض توظيفهم، مما عطل توظيفنا نحن المنظفين المتعاقدين الفعليين".
يتولى هؤلاء المتعاقدون تنظيف الشارع الرئيسي فقط من حين إلى آخر، لكن الشارع ذاته قد لا يعرف النظافة لأكثر من أسبوع، فلا يوجد مكبُّ قمامة وإنما تجمع القمامة والمخلفات في طربال لترمى بجوار سور المستشفى وخلف المباني العامة والخاصة، أو في قنوات ري الأراضي الزراعية.. أما الأزقة والشوارع الخلفية وجوار المدارس والمرافق الحكومية فلا يشملها التنظيف بل هي مجمع له.
يجمعون المخلفات بأيديهم
مشاهد مؤلمة لتسعة من متعاقدي النظافة وهم يجمعون مخلفات المدينة بأيديهم العارية، ويحملونها فوق ظهورهم وغالبيتهم حفاة، لا يملكون سوى جاريا واحدا (عربية يدوية)، وطربال ممزق يجمعون بداخله القمامة ثم يحملونها فوق ظهورهم، أو يضعونها على جارٍ ليتعاونوا على دفعها إلى خلف سور المستشفى أو خلف المباني العامة والخاصة، أو إلى أطراف أعبرة الأراضي الزراعية، وأحيانا يحرقون ما تكدس من المخلفات في شوارع المدينة، فيحترق ما كان قابلا للاحتراق لينتج تلوثا جديدا من غاز ثاني أكسيد الكربون، وما لم يحترق يتراكم ليشكل مرتعا جديدا للقوارض والذباب والحشرات، ومصدرا للروائح الكريهة.

ذات يوم تبرع صندوق النظافة بمحافظة لحج بسيارة نقل (قلاب) لنظافة مدينة طور الباحة، لكن جماعة مسلحة نهبتها منذ عامين من وسط المدينة جهارا نهارا دون أن يلومها أحد، لا من رجال القبائل ولا من رجال السلطة على فعلتها المعيبة، ومن يومها لم يعد للمنظفين ما ينقلون به القمامة سوى ظهورهم وجارٍ واحد.
معظم موارد النظافة تهدر خارج مصارفها
تجبى يوميا رسوم النظافة من المفارش والمحال التجارية والخدمية ومن سيارات نقل البضائع، فتوفر مبالغ كبيرة، لكن معظمها لا يسخر لخدمة النظافة والحفاظ على البيئة، فمحصلو الإيرادات يستحوذون على نصيب الأسد منها، وما زاد تتقاسمه شلة النافذين، ويهدر رشاوي وهبات، وفي أبواب لا صلة لها بالنظافة.
هل من منقذ ؟
تلكم هي حال البيئة في عاصمة الصبيحة (طور الباحة)، والتي لم تكتف الجهات المختصة بتهميش أوضاع المواطن فيها لتزيد فوق كاهله حمل تلوث البيئة، ليزداد فوق فقره بلاءً ومرضا .. فهل من منقذ للمواطن من بيئته الموبوءة في طور الباحة؟!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى