عدن.. تاريخ وطن وحكاية إنسان 1839 - 1967

> نجمي عبدالمجيد:

> يفتح تاريخ عدن أمام الباحث والكاتب مجالات متعددة للدراسات والترجمات، والتي إن استمرت إصداراتها لأصبح لدينا موسوعة عدنية، تشمل مختلف الاتجاهات المواكبة للأحداث والقضايا المرتبطة بتاريخ هذه المدينة.
تصدر الطبعة الثانية من كتاب الباحث بلال غلام حسين (عدن تاريخ وطن.. وحكاية إنسان) في حقبة نسعى فيها لاستعادة جوانب من هوية مدينة ظلت علاقتها مع التاريخ مرتهنة بدرجة الوعي الذي يدرك خاصية عدن في اتصالها مع العالم، وتلك نقطة ارتكاز تجمع بين السياسة وإعادة حق الانتماء.
في هذا الكتاب لا نستعيد المعالم العدنية فقط، بل ذاكرة الحقائق التي تصبح من مستندات المواجهة أمام كل من حاول إفراغ عدن من تاريخ الحقبة البريطانية، وجعلها مجرد تشوهات في الفكر، بينما هي بوابة فتحت على الكونية والإنسانية، الجاعلة من عدن المركز الذي لا يتم تجاوزه في حسابات الثقافة والاقتصاد والسياسة والتاريخ، وذلك ما يقدمه لنا بلال في هذا الجهد المرجعي، الذي يجعل من كتابه أحد المؤلفات الهامة التي صدرت عن عدن في فترة الحكم البريطاني، وفي هذا التقديم نقف أمام بعض المعلومات التي جاءت في هذا المجلد التاريخي.
من المعارف التي يقدمها لنا الكتاب، ما يتصل بتاريخ متحف عدن، حيث يقول الباحث بلال: ( في عام 1931م أنشأ متحف عدن في منطقة الطويلة في كريتر، والذي كان يدار من قبل جمعية عدن التاريخية، ويعرض مجموعة عشوائية من القطع الأثرية قبل افتتاحه بفترة وجيزة من العام 1930م من قبل المقيم السياسي بعدن ـ حينها ـ السير جورج ستيوارت سايمس.
وقد لاقت مبادرة افتتاح المتحف في بداياته الأولى انتقادات حرجة، من خلال تقرير أعد من قبل السيد أتش. هار جريفز، المسئول في جمعية المتاحف في بريطانيا، والذي أرسله إلى السيد أور مسبي جور، وزير الدولة لشؤون المستعمرات عقب زيارته الأولى لمستوطنة عدن في أكتوبر 1935م، يشرح فيه عن الحالة المتردية التي كان المتحف عليها في تلك الفترة، وعدم إيلائه الاهتمام اللازم من قبل المسئولين في مستوطنة عدن.
وبعد تعيين السيد برنارد رايللي حاكماً لعدن في عام 1937م، وتحويل إدارته من حكومة بومباي إلى وزارة المستعمرات في لندن، عمل برنارد رايللي حينها بالتواصل بصورة مستمرة مع السيد جي.ال.ام.كلوسن، وكيل وزارة المستعمرات في لندن، ومساعده السيد كيه.دبليو.بلكستر، ليعرب لهم عن اهتمامه الشخصي للتنقيب والبحث على آثار منطقة جنوب الجزيرة العربية. وقد تسبب التقرير المرسل من قبل هارجريفز بحالة من الإحراج الشديد لحاكم عدن برنارد رايللي وأمين المتحف آنذاك (جيه ونكن) أحد موظفي رجل الأعمال الفرنسي انتوني بس، والذي انتدب للعمل في متحف عدن، وكان في الوقت نفسه أحد أعضاء مجلس مستوطنة عدن، مما دعاهم للقيام بإدخال تحسينات جزئية على المتحف وإعادة تأهيله بشكل أفضل).
كان صاحب فكرة إدخال القطار إلى عدن هو السيد روبرت نايير في عان 1868م، وقد امتدت مسافة 29 ميلاً من سكة الحديد في الفترة من 1916م حتى 1929م، وكان صاحب الفكرة قد أشار إلى أهمية مثل هذا العمل الذي سوف يوصل ما بين منطقة الميناء في التواهي وحتى خورمكسر لغرض الأهداف العسكرية الداخلة في خدمات عدن، والمناطق البعيدة، كما اقترح نقل سكة الحديد التي كانت تستخدم في الحبشة إلى عدن، وقد شحنت بالسفن وفرغت في ميناء التواهي، ولكن لم تنفذ هذه العملية، ولكن عاد هذا المشروع مرة أخرى ليظهر في عام 1906م، ولكنه لم ينفذ وظلت المراسلات مستمرة منذ ذلك العام وحتى عام 1913م بين مكتب القائد جاكوب المقيم السياسي بعدن بالإنابة ومساعد المقيم السياسي الأول وسكرتارية حكومة بومباي.
يعود تاريخ صناعة السجائر في عدن إلى عام 1886م، عندما رأت أول شركة لهذا النوع من البضائع، بأنه من الممكن الاستفادة تجارياً من موقع عدن الاقتصادي في هذا العمل، حيث أقيمت ست شركات مصرية ويهودية لصناعة السجائر وتصديرها، بالإضافة إلى ذلك فتحت عدة معامل صغيرة، ولكن يهود عدن لا نواهم أصحاب السيطرة على هذا المجال.
أما عن بدايات دخول السيارات إلى عدن يذكر الباحث بلال: ( كانت البدايات الأولى لدخول السيارات إلى عدن في العام 1907م بشكل ضعيف، حيث لم يكن أحد من سكان مستوطنة عدن يملك سيارات غير القلة القليلة من طبقة رجال الأعمال وحكومة مستوطنة عدن.
صورة قديمة لبوابة عدن
صورة قديمة لبوابة عدن

وفي العام 1925م صدر القانون الخاص بتسجيل كافة المركبات الميكانيكية في مستوطنة عدن والمنشق من قوانين بومباي لتسجيل السيارات والصادر في 1 سبتمبر 1909م، وإجراء إحصائية رسمية بأعدادها. وبحسب التقرير الصادر من الغرفة التجارية الأمريكية في واشنطن بتاريخ 11 أغسطس 1916م الذي أشار إلى أن معظم السيارات التي تم استيرادها إلى مستوطنة عدن في السنة التقويمية 1915م بلغت 200 سيارة أمريكية الصنع.
من شخصيات رجال الأعمال التجارية التي جاءت إلى عدن وأسهمت في نهضة هذه المدينة، يقدم لنا الكاتب بلال عدة معلومات عن التاجر انتوني بس، والذي كان في تاريخ 26 يونيو 1877م في مدينة كاركاسون في فرنسا.
كان عام وصوله إلى عدن 1899م، وفيها أقدم على تنفيذ عدة أعمال مثل: 1- قيامه في عام 1934م بشراء مصنع قديم للصابون في عدن، وبعد بناء المصنع الجديد في المعلا، تم نقل المصنع القديم وضمه إليه.
2- أسس مصنعاً للقوارب الشراعية عام 1936م تعمل بمحركات الديزل.
3 - في الفترة من 1937 - 1938م قام ببناء مصنعين حديثين، واحد لإنتاج زيت جوز الهند والآخر لصناعة الجلسرين.
4 - عام 1941م فاز على منافسيه بمقاولة استيراد الأغنام من بربرة، بالإضافة إلى امتلاكه أسطولا من القوارب والسفن الشراعية وخمس قاطرات وبناء رصيف عائم.
وكان السابق في إدخال العديد من الخدمات الحديثة إلى عدن، فهو أول من أدخل المكيفات الهوائية إليها، وأول من امتلك سيارة حديثة، وأول من ابتكر السباكة الحديثة، عندما وضعت البنية التحتية لأنابيب المياه في عدن، وأول من أدخل ثلاجات الفريزر في عدن، ومن أوائل رجال الأعمال الذين قاموا ببناء سفينة صيد من الفولاذ الخاص، من خلال شركته (عدن دوكيار المحدودة )، كما قام ببناء مستوصف البس الخيري عام 1948م، كذلك مدرسة للبنات في الشيخ عثمان عام 1941م، ومركز البس لتدريب وتأهيل المدرسات في الخليج الأمامي كريتر، بناء مدرسة ابتدائية للبنات في الطويلة، بناء المعهد التقني للأولاد في المعلا، وكانت وفاته في 2 يوليو 1951م
عن بداية دخول الخطوط الجوية إلى عدن يقول الكاتب بلال : ( للوصول إلى البدايات الأولى لمرحلة الطيران المدني في مستعمرة عدن يجب المرور عبر مراحله الأولى لمرحلة الطيران المدني في مستعمرة عدن يجب المرور عبر مراحله الأولى والتي كانت بداياته عسكرياً عندما أنشئ سلاح الجو الملكي البريطاني في مطار عدن العسكري في خورمكسر والتي كانت المحطة الرئيسية لخطوط الإمداد والتموين لطائرات سلاح الجو الملكي البريطاني، وأرسلت حينها أولى الطائرات المقاتلة للسرب الثامن في فبراير عام 1927م لتتمركز في مطار خورمكسر العسكري.
وتعود البدايات الأولى لدخول الطيران المدني الفعلي إلى العام 1936م حينما قام رجل الأعمال الفرنسي انتوني بس بإنشاء شركة الخطوط الجوية العربية المحدودة برأس مال وقدره خمسة آلاف جنيه إسترليني).
من المعالم التي ارتبطت بمرحلة الحكم البريطاني، فنار معاشيق والذي يرجع تاريخه إلى عام 1866م في منطقة حقات وكانت حكومة بومباي قد فوضت شركة الإخوة شانس لهندسة الفنارات من مدينة برمنجهام البريطانية ببناء هذا الفنار.
عام 1867م تم تشغيل الفنار لأول مرة، وفي عام 1904م خضع الفنار لعملية تجديد شاملة بإضافة مصباح جديد.
في الجانب الثقافي من تاريخ عدن نتعرف في هذا الكتاب على تاريخ مكتبة ليك، والتي يعود زمن افتتاحها إلى عام 1951م وهي تحمل أسم القائد البريطاني الكولونيل ليك، كانت مقسمة إلى ثلاثة أقسام في اللغات الانجليزية والعربية و الأردية، وقد بلغ عدد الكتب في البداية حوالي 12,000 كتاب في قسم الإعارة، بالإضافة إلى 500 كتاب في قسم المراجع والأبحاث، وتم إضافة 2500 كتاب بعد ذلك، وفي الفترة ما بين 1955 - 1956م بلغ عدد الأعضاء المسجلين في المكتبة من الذكور والإناث نحو 550 عضواً.
عن الفرق الموسيقية الشعبية التي عرفتها مدينة عدن في تلك الفترات يذكر بلال قائلاً : ( تشكلت في مدينة عدن العديد من الفرق الموسيقية المختلطة مع الانصهار السريع والمتجانس بين أبناء عدن من الهنود والعرب من خلال المصاهرة والعيش والسكن فيما بينهم.
ولهذا نجد أنه مع شهرة هذه الفرق التي صارت محل إعجاب من قبل الأهالي واستدعائهم للمشاركة في الكثير من النشاطات الاجتماعية و حفلات الأعراس والمناسبات للبيوت العدنية كتقليد شعبي لأهالي وأبناء عدن، وقلما كنت تجد حفل عرس أو مناسبة لا يتواجد ضمن مشاركيها فرق الجمت أو الليوة أو فرقة الصيادين، وكانت أشهر وأولى هذه الفرق التي تأسست في أربعينيات القرن الماضي هي فرقة الأستاذ هاشم شاه والتي تكونت من عازفين محليين وعازفين وافدين من الهند، وفيما بعد فقد تم إرفاد هذه الفرقة بعازفين من فرقة موسيقى القرب العسكرية كمشاركين في الحفلات الخاصة ومنهم قائد الفرقة المايسترو حسن شرابي والأستاذ شمس الدين حيدر أبادي والأستاذ رحيم داد والأستاذ يوسف العزف على الالات الموسيقية الهندية والغربية.

وفي نفس الفترة ظهرت فرق أخرى وهي فرقة الاستاذ مصطفى أحمد محمد شريف وأخيه حيدر السيد أحمد، وفرقة الأخوة ياسين وحامد وغازي فيران وفرقة الفنان المحضرم محمد مصطفى السيد وبالإضافة إلى ذلك ظهرت هناك فرق نسائية مشهورة تقدم حفلاتها الغنائية في البيوت للنساء ).
عن أذاعة عدن والتي ظهرت إلى الوجود في 7 أغسطس 1954م، حيث كانت البداية اعتماداً على البرامج العربية التابعة لهيئة الاذاعة البريطانية بي بي سي، ولكنها عملت بعد وقت على إنتاج البرامج المحلية لمدة تصل إلى ساعتين وفي عام 1956م وصل البث إلى ثلاث ساعات ونصف وفي عام 1958م وصل البث إلى ست ساعات وفي عام 1960م إلى احدى عشر ساعة.
عند التأسيس كان بث البرامج عبر الارسال الاذاعي الخاص بشركة (كيبل اند وايرليس، عبر الموجة المتوسطة بقوة 250 وات، وفي عام 1957م قامت المحطة بشراء جهازي إرسال نوع ماركوني بقوة 5 كيلوا وات.
من تاريخ مناطق عدن، يتحدث الكاتب عن البريقة وفي هذا الصدد يقول ( الدكتور كرو كايل في تحقيق نشره عن حياة السكان في منطقة عدن الصغرى والذي أشار فيه بأنه وقبل بناء مصفاة عدن، كان يوجد في شبه جزيرة عدن الصغرى أو جبل إحسان كما كان معروفاً حينها مركزان رئيسيان من مراكز تجمع السكان والمكزان هما قرية الصيادين في بئر فقم ومنطقة البريقة، ولافساح المجال لبناء المجمع السكني في منطقة الغدير أنتقل سكان قرى البريقة إلى مجمعات سكنية جديدة بنيت لهم في منقطة الخيسة، وتشير الدراسات إلى أنه وعلى الرغم من وجود أدلة دامغة تشير الى وجود الانسان في منطقة عدن الصغرى يعود تاريخه إلى العهد النحاسي من 3000 ق م - 4500 ق م إلا أن الاستيطان بها بدأ مع بدايات القرن التاسع عشر الميلادي عندما بدأ أجداد القرويين الحاليين بإنشاء مجتمعاتهم في تلك المنطقة، وفي تلك الفترة كانت ملكية الأرضى تعود إلى قبائل العقارب الذين أنفصلوا عن سلطنة لحج في العام 1770م تحت قيادة الشيخ مهدي وانشئوا ولا يتهم المستقلة ومركزها بئر أحمد).
يحتوي هذا الكتاب عن الكثير من الصور والجداول والمراجع البريطانية التي تعد المصدر الأأول في قراءة تاريخ عدن في فترة الحكم البريطاني.
ذلك ما يعطي لهذا الكتاب المرجعية البحثية التي تعطي مساحات من المعارف العامة عند الاتقارب من هذا النوع من الدراسات وهذا الكتاب يطرح علينا أكثر من تساؤل حول علاقتنا بتاريخ عدن في فترة الحكم البريطاني، لأعادة تقييم الأمور في جوانب التاريخ والسياسة تعتمد على المعلومة قبل وجهة النظر، وتصحيح الرؤية لا يكون إلا عبر إستعادة الذاكرة من خلف الستار الحديدي الذي فرض عليها لحقب من الأزمنة، وذلك ما اقدم عليه بلال غلام حسين في هذه الرحلة التاريخية إلى فضاءات ممتدة من كونية عدن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى