كيف نجر اليمن من حافة الهاوية

> بقلم/ مايكل شانك:

> بناء الأمة بعد ثورة مثل الربيع العربي ليس سهلاً، خصوصا بوجود فساد مستشري وسكان يتضورون جوعا، ومياه تنضب في البلاد. لكن هذا هو بالضبط ما تحاول اليمن القيام به وفي غضون بضع سنوات. ربما تبدو المهمة مستحيلة. ولكن المواطنين في صنعاء مصرون على أن ليس لديهم خيار آخر. إذا لم يتم صياغة دستور جديد بحلول نهاية هذا العام، يقره استفتاء و يتبعه انتخابات رئاسية وبرلمانية، فإن البلاد قد تنحدر بسهولة شديدة إلى صراع واسع النطاق.
إذا أراد المجتمع الدولي منع هذا النوع من تداعيات الربيع العربي الذي تشهده سورية ومصر، فيجب علينا أن نحتشد نيابة عن اليمن، و بسرعة، و قبل انتهاء عام 2014. فهذا هو النوع من الإلحاح الواجب علينا.
عندما زرت اليمن مطلع هذا الشهر شملت لقاءاتي البرلمانيين، والعاملين في القطاع الخاص والمشايخ والمجتمع المدني ووسائل الإعلام والأوساط الأكاديمية والمسئولين الحكوميين والمجتمع الإنمائي الدولي وغيرها. كلهم أشاروا إلى مجموعة شاملة من العقبات التي يجب معالجتها على الفور، وتتطلب دعما دوليا حقيقيا على أرض الواقع.
المحادثة لا يمكن أن تحدث فقط في لندن، حيث ناقش "أصدقاء اليمن" الأسبوع الماضي توزيع الأموال وتقييم التقدم السياسي، ولكن على أرض الواقع في اليمن كذلك.
بغض النظر عن مدى مرونة اليمن (ودون سؤال الناس في هذا البلد فقد عانوا أسواء من ذلك)، فخلال زيارتي القصيرة كنت شاهداً هذه المرة على أن هنالك فرصة واحدة في كل عقد أو قرن، لتؤثر بشكل إيجابي على بلد ما، وتسعى إلى ضبط مساره نحو التقدم السياسي والاقتصادي. ومن أجل القيام بذلك يجب أن تعالج عدد من الأصعدة والميادين، على الجبهة السياسية، فإن اليمن تكافح الآن للوقوف بعد أن قوضت من قبل الرئيس السابق علي عبد الله صالح، الذي ضعف المؤسسات السياسية والسلطة، وعزز القبائل وخلق ثقافة عدائية تجاه القطاع الخاص.
اتفاق الحصانة لصالح و مؤيديه يشكل سابقة إشكالية للعدالة الانتقالية، كما أن بنود في الدستور القائم مثل (المادة 65) "السماح لهؤلاء في البرلمان تمديد فترة ولايتهم"، وهو ما فعلوه طوال خمس سنوات، من دون إعادة انتخاب.
وكما قال أحد النواب التقدميين لي في الأسبوع الماضي إن هذا البرلمان مجرد صورة للديمقراطية، لا شيء أكثر من ذلك، في حين أن عملية الحوار الوطني تستحق الثناء بجلبها على الطاولة كل الأطراف (بما في ذلك التيار الإسلامي المعتدل والتوجهات الأكثر تطرفا) إلى طاولة الحوار، فإن ذلك عرض في الصورة قدرا كبيرا من التوازن في القوى، وكل شيء يعتمد الآن على وجه السرعة على صياغة مسودة الدستور، وإجراء الانتخابات وإدارتها بشكل صحيح. وإذا لم يتحقق نوع من الفيدرالية - اللامركزية ـ مع التمثيل السياسي العادل للمحافظات على المستوى المحلي، فإن ذلك سيقود إلى انعدام الثقة العامة وسط النخب السياسية المتابعة في العاصمة صنعاء.
وعلى الصعيد الأمني فإنه من الواضح أن البلاد مشبعة بالسلاح بالملايين من الأسلحة الهجومية في أيدي المواطنين. هذا الوضع يجعل الوضع أكثر اشتعالا.
هنالك تاريخ غني من الانفاق العسكري وبرامج التدريب (بما في ذلك مساهمة الولايات المتحدة الأمريكية في تدريب وصقل المهارات للقوات الخاصة التي كانت تتبع صالح، وهي نفسها التي تم استخدامها في العام 2011 ضد المتظاهرين الذين أشعلوا الثورة)، وهي رغم ذلك قوات لم تفعل شيئا يذكر للحفاظ على أمن الدولة.

القيادات من الضباط وكذلك الجنود لديهم القليل من الولاء الوطني للدولة، فهم وبدلا من ذلك لم يقوموا بالرد على الزعامات القبلية والفئوية، ولم يسجلوا استجابة متماسكة لأي من التهديدات الأمنية الأكثر صعوبة. وعلاوة على ذلك، ووفقاً لحسابات أخرى، كانت هنالك بعض القيادات من الضباط أكثر حرصا على الاستفادة من وضعهم من خلال التركيز على توفير الأمن لشركات النفط في المنطقة الشرقية بدلاً من توفير الأمن للمواطنين.
جهاز الشرطة ليس أفضل أو أيسر حالاً، هنالك ما لا يقل عن نصف مساحة البلاد لا تغطيها أجهزة الشرطة على الإطلاق، والناس غالباً، ما تعتمد على التقاليد اليمنية للمصالحة، والتي تتعامل مع الجريمة من خلال الاعتراف بالذنب، أو تقديم الدفع، ولكن ليس بالسعي إلى قوانين العقاب أو الملاحقة.
لا وجود للشرطة في المناطق، وغالبا ما تتصف عناصرها بالأمية، والتقدم في السن، ويهمها أن تتقاضى أجورا، كما ينقصها الموارد والتدريب الكافي. ومن خلال مشاهدة قريبة لدوريات المراقبة في شوارع صنعاء خلال الأسبوع الماضي، خصوصا بعد حالات متعددة من محاولات اختطاف مواطنين روس وألمان، من الواضح أن الشرطة لا تلقي بالاً لهذا النوع من الجرائم العنيفة التي ترتفع بشكل متزايد.
أكثر ما تقوم به الشرطة مجرد محاولات يائسة في الحفاظ على السلام، مثل حظر عشرات الآلاف من الدراجات النارية، بسبب أنها في كثير من الأحيان هي النوع المناسب من المركبات التي يتم اختيارها لتنفيذ الاغتيالات، وهي بالفعل محاولات أمنية غير فاعلة.
ما وراء الجيش والشرطة، هنالك عدد من التهديدات الأمنية الأخرى التي يجب معالجتها بما في ذلك النزاعات المتصاعدة على المياه، والموقف الأمريكي المتهور وعلى نحو متزايد - في تعامله مع ملف تنظيم القاعدة في اليمن.
إن كلا من القضايا التي تسبب المزيد من العنف تنتجها استراتيجيات عنيفة، مع القليل من التركيز والاهتمام، وهي استراتيجية مثيرة للجدل هنا.
وعلى الصعيد الاقتصادي، فإن الحكومة تسعى جاهدة لتوفير الخدمات مع تزايد عدد السكان الذي يتجاوز 25 مليون نسمة. ويسجل اليمن المرتبة الثانية في العالم في معدلات سوء التغذية، كما يسجل أعلى معدل للفقر والأمية في العالم العربي، وزيادة نسبة الشباب العاطلين عن العمل، وهي إشكاليات صعبة يواجهها البلد. ووفقاً لأحد رجال الأعمال الناجحين: لا توجد في الحكومة العقول الاقتصادية.
وبين نقص البراعة الاقتصادية، وسريان الفساد، وببساطة، ليس هنالك ما يمكن أن يتبقى من المال في بنك البلد. ومع الإنفاق الذي تقوم به ما يقرب من ثلثي الصناديق القائمة في تمويل وصرف الرواتب الحكومية ودعم الوقود، مع القليل جدا من صناديق دعم البنية التحتية وفرص العمل، أو الخدمات الاجتماعية، يمكن القول إن النظام الحالي غير قابل للاستمرار تماما.
ميزانية الحكومية المنية المقدرة بـ 13 مليار دولار والناتج القومي المقدر بـ 36 مليار دولار يمكن أن تكون أعلى من ذلك بكثير، فالحكومة اليمنية بحاجة ماسة إلى إيرادات، وضريبة مبيعات أعلى (التي تجمع حاليا معدلا تافها من الناتج المحلي 5%)، وهي إن تمت إعادة النظر فيها يمكن أن توفر آلية سهلة في مساعدة الحكومة.
فرجال الأعمال جاهزون ومستعدون للدخول في شراكة مع الحكومة في مشاريع الطاقة المحلية، لكن الحكومة ترفض هذا النوع من الشراكة، على الرغم من تصاعد الشعور بالإحباط العام والمستمر جراء انقطاع التيار الكهربائي المتكرر.
ولايزال على الحكومة سن قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص - مثل معظم البلدان - إلا أنها لا تزال تفشل في النظر في القواعد والإجراءات المناسبة بهذه الشراكة، كما تفشل حتى من خلال منح القطاع الخاص عددا من اللوائح والقواعد اللازمة التي يمكن الاعتماد عليها في قيام هذا النوع من الشراكة، التي يمكن أن تكون متناسقة في جميع أنحاء البلاد بغض النظر عن المنطقة التي من الممكن فيها أن تقدم هذه الخدمات.

على الرغم من كل ذلك فالطريق لبناء الدولة اليمنية لا ينبغي أن يملأه الشعور بالإحباط أو التخوف، أو تقديم النتائج الوخيمة، مادام المجتمع الدولي على استعداد كامل لتشمير السواعد والقيام بالعمل على أرض الواقع والمساعدة والتفاعل مع طموحات الشعب اليمني في البناء.
سياسياً: يشمل هذا من خلال إجبار الحكومة على ضمان تحقيق مبدأ الشفافية، والاهتمام بتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين، وهذا أمر لا بد منه.
عسكرياً: يعني تقليص حجم وعدد القوات والاهتمام ببنائها وتدريبها النوعي، بينما يجب الانتقال إلى بناء جهاز للشرطة أكثر ملاءمة وقدرة على ضمان نفاذ القانون.
اقتصادياً: يتطلب ذلك خلق فرص عديدة للعمل من خلال مشاريع البنية التحتية التي يمكن لها أن توفر فرص عمل كثيرة.
إن حصل وتمت كل هذه المعالجات الشاملة، لا يمكن للعالم أن يستمر في مشاهدة اليمن من 30 ألف قدم، أو من نافذة طائرة بدون طيار محلقة في السماء، أو من وراء جدران عازلة.
الدكتور مايكل شانك المدير المساعد للشئون التشريعية في لجنة أصدقاء التشريع الوطني

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى