رحلة في كتاب.. (عدن التاريخ والحضارة) 1-2

> متابعات «الأيام» صلاح السقلدي :

> (عدن التاريخ والحضارة ) هذا هو عنوان الكتاب الذي ألّـفه الرئيس علي ناصر محمد بطبعتين, كانت الطبعة الثانية عام 2010م من 550 ورقة من الحجم الكبير، قدم لهذا الكتاب وزير الثقافة اليمني السابق د. محمد أبوبكر المفلحي.
قراءة هذا الكتاب الذي يشبه الموسوعة هي رحلة على ضفاف نهر التاريخ بل قل هي عملية غوص في أعماق مراحل الزمن العدني, نلتمس منها الفائدة والإمتاع.
سنستعرض (بتصرف) هنا على صفحات صحيفة الأيام العدنية الغراء أبرز ما ورد في أبواب هذا الكتاب وفصوله وذلك تعميماً للفائدة عن تاريخ عدن القديم والحديث والمعاصر ومساهمة متواضعة لصون أوراق سفر التاريخ العدني الجنوبي من البعثرة والضياع والطمس المتعمد. أكرر لفت الانتباه إلى أننا هنا سنستعرض هذا الكتاب بتصرف إلى حد كبير.
- مدخل تأريخي:
عدن كمنطقة استيطان قديم ترِجِع بعض الروايات أنها أقدم موطن للبشر، حباها الله بموقع جغرافي متميز كقِبلة للوافدين من الشرق والغرب جعلها أن تكون منطقة نشاط تجاري وملتقى التيارات الإنسانية المختلفة. فحتى منتصف القرن الـ 19 هيأت الإدارة البريطانية عدن التي كانت احتلتها عام 1839م لتصبح موقعاً عصرياً في المنطقة، وتركت التوجهات البريطانية في الجوانب السياسية والاقتصادية آثاراً اجتماعية واضحة (إنشاء المدارس والأندية والجمعيات والأسواق والصحف والمستشفيات وتخطيط المدن وغيرها..).
بعد هذه التوطئة السريعة يعرج المؤلف على المصادر التاريخية التي أجمعت على أهمية عدن كموقع تجاري هام وملتقى ملاحي دولي يربط الشرق بالغرب, حيث يذكر المؤلف عدة مصادر منها ما ذكره الهمداني في صفة جزيرة العرب بقوله: (أن عدن مدينة تهامية جنوبية وهي أقدم أسواق العرب),ويذهب الروائي الفرنسي (بول نيزان) إلى وصف عدن :(بأنها شقيقة جبل طارق).وحول تسمية عدن بهذا الاسم فإن كثيراً من المصادر رجحت بأن التسمية مأخوذة من (العدون) أي الإقامة والاستقرار والسكن في الأرض، وهذا ما أكده المؤرخ المرحوم عبدالله محيرز , حيث ذكر ما أوردته كثير من المعاجم اللغوية من معنى كلمة (عدن) منها ( عـدنَ في الأرض) أي دخلها وأقام فيها و(عدن البلد) أي سكنها, غير أن ثمة مصادر تقول بأن اسم عدن منسوب لعدن بن عدنان كما ذكره الطبري_ربما يقصد المؤلف كتاب (تفسير الطبري)_.
- تأثير الدول الإسلامية القديمة على عدن:
تأثرت عدن بأحداث الدول اليمنية الإسلامية القديمة بدءاً بالدولة الزيادية -818م 1012م- التي عهدت بإدارة عدن الى ولاة من بني معين الذين كانوا يؤدون خراج عدن إلى أمراء دولتهم (الزيادية) ونسب لهذه الدولة أنها جددت جامع المنارة في كريتر الذي بناه الخليفة الخامس عمر بن عبدالعزيز، حتى الدولة الطاهرية التي انتعشت عدن في عهدها انتعاشاً ملحوظا وأهتم ولاتها بالعلم والعمران مثل القلاع والحصون وبناء صهاريج خارج صهاريج الطويلة ومد قنوات للشرب في المدينة حتى سقطت هذه الدولة بيد الأتراك بحادثة السفينة التي شنق فيها والى هذه الدولة الطاهرية في عام 1538م واستمرت دولة الأتراك حتى طردهم الأئمة عام 1645م ثم خضعت عدن للسلطنة العبدلية من عام 732م حتى 1839م يوم دخول بريطانيا المدينة وتحديداً في 19 يناير.
عدن والاحتلال:
كانت عدن محل أطماع القوى الاستعمارية من أول محاولة للبرتغاليين عام 1513م الفاشلة مروراً بالاحتلال العثماني الأول عام 1538م ومحاولات الهولنديين والفرنسيين وصولاً إلى الاحتلال البريطاني عام 1839م والذي مر عبر مراحل من أول ممثل سياسي له الكابتن (هينس) حتى آخر مندوب هو فوري (همفوري تريفيليا) .شهدت هذه الحقبة من عام 1839م ـ 1967م تراكماً نوعيا في مسيرة التطور التدريجي لعدن، حيث كانت قوى المجتمع من خلال ممارستها لحقها المدني والديني تأسس للنظام والاستقرار والقانون والتسامح الديني بين كل الأديان. ففي عام 1932م تأسس المجلس التنفيذي كأول حكومة في عدن وإن كان حاكم هذه الحكومة معين من التاج البريطاني حتى إنشاء المجلس التشريعي عام 1947م الذي بقي يمارس مهامه حتى عام 1966م. ومن أهم القضايا التي مرت على هذا المجلس في نقاشاته: أنه من حق شعب جنوب الجزيرة العربية أن يزاول حقه في تقرير مصيره على أن يتم مناقشة هذا الحق بين جميع السكان.
عدد سكان عدن:
بلغ عدن سكان عدن وفقاً لإحصائية عام 1955م 144114 شخص موزعون على التركيبة السكانية للمدينة أكثرهم عرب يمنيون ـ عرب عدنيون ـ عرب المحميات على التوالي، وأقلهم الجالية اليهودية (474) التي أفرد لها الكتاب حيزاً للتعريف بتاريخها بالمدينة حيث يشير إلى أن هذه الجالية كانت تتواجد في عدن قبل الاحتلال البريطاني على شكل شركات وبيوت تجارية. وزادها التعاطف البريطاني في عدن نفوذاً أكثر,حيث بلغ نفوذ هذه الجالية ذروته مطلع القرن العشرين على يد الحاخام (بنيامين ميس)ا مؤسس شركة الأسهم اليهودية بالوطن العربي حيث انشأت هذه الجالية لها في عدن مقار معاملاتها التجارية والمالية فضلاً عن دور العبادة اليهودية. أستمر نشاط الجالية بوتيرة عالية حتى أواخر عام 1947م حين أحرقت مدرسة الملك جورج الخامس التابعة للجالية بحادث يعتقد أنه مدبر للضغط على الجالية للهجرة إلى فلسطين عبر رحلات الهجرة المسماة (بساط الريح).
الحرف في عدن:
توزعت الحرف في عدن وخاصة بعد الاحتلال البريطاني على النحو الآتي:
- الحضارم: الحوانيت والتجارة والمواد الغذائية والوكالات التجارية.
- الأعروق: الحديد والخشب.
- دبع: تجارة، حجارة.
- بني شيبان: مخابيز.
العزاعزة في المقاهي.
أما الخضروات فمعظم من يعمل بها هم من الوازعية .والتصوير من مهنة أهل الحجرية.أما الصيدلة وبيع الخمور فكانت من نصيب الفرس.وعصارة السليط من نصيب أهل لحج. والجيش والأمن من نصيب شبوة والضالع. العدنيون في الصحة والتربية والجمارك. ولأهمية التحرك التجاري كانت قد تأسست لهذا الغرض عام 1866م غرفة تجارية في المدينة هي أقدم الغرف التجارية بالمنطقة.
* العملات في عدن:
منذ دخول بريطانيا عدن كانت العملة المستخدمة فيها هي (الروبية والعانة) إلى عام 1951م حين استبدلت بعملة (الشلن شرق أفريقي) إلى عام 1964م حين أصدر إتحاد الجنوب العربي عملته الجديدة " الدينار والفلس" وظلت هذه العملة هي عملة دولة الجنوب بعد الاستقلال إلى عام 1990م.
* النوادي والمخيمات في عدن
يشير الكتاب في هذا الفصل أن هذه النوادي والمخيمات التي ظهرت في عدن بعد الحرب العالمية الأولى لعبت الدور الإيجابي الفاعل في رفع الوعي الاجتماعي العام بالمدينة، ومن هذه النوادي حسب ما ورد في الكتاب: نادي الأدب العربي الذي أسسه الأمير القمندان عام 1925م بمعية السيد محمد علي لقمان، ونادي الإصلاح العربي في الشيخ عثمان أسسه أحمد الأصنج، ومخيم أبي الطيب الذي عني بالشعر والأدب ومن مؤسسيه محمد عبده غانم وعلي لقمان والصافي والحازمي والسعيدي، فضلاً عن النوادي الآتية: كرمة المعري وحلقة شروقي ونادي الشباب بالشيخ عثمان الذي أسسه جرادة وحنبلة والشبوطي. نادي الشباب الأدبي في كريتر أسسه باصديق ومحمد عبدالباري وعلي لقمان ـ والرابطة القومية العربية من مؤسسيها محمد سالم باسندوة والأصنج ومسواط والصباغ وعبدالملك إسماعيل وطه مقبل..
* الماسونية في عدن
يوثق كتاب عدن التاريخ والحضارة للماسونية في عدن بذكره أن محفل الماسونية الذي كان في عدن بمدينة المعلا والذي أقيمت على انقضاه مبنى وزارة التجارة " مقر المحافظ اليوم كأقدم المحافل الماسونية بالعالم، ومن حين تأسيس هذا المحفل ظلت تنسج حوله القصص الخيالية التي تدخل الخوف في قلوب السكان بسبب السرية التي أحيط بها هذا المحفل ورواده.!
* المطابع والمكتبات
زخرت عدن عبر تأريخها المعاصر بعدد كبير من المطابع والمكتبات التي تعتبر بحق الينبوع الذي ظل يغذي فكر ومعرفة ووعي الناس بعدن منذ تأسست شركة قهوجي اولى هذه المطابع عام 1954م. ومن هذه المكتبات والمطابع التي لا تزال معظمها موجودة حتى اليوم:
مكتبة فتاة الجزيرة التي أسسها المرحوم/ محمد علي لقمان عام 1938م ومطبعة (بالنجي دنشو) التي أنشأت لغرض تجاري عام 1940م ـ ومطبعة النهضة بشارع حسين علي بكريتر عام 1946م، ومطبعة الهلال لمواطن هندي أسمه سمار، ومطبعة اليقظة لعبدالرحمن جرجرة، ومطبعة دار الحرية لمالكها عبدالشكور خالد ثم لشخص آخر أسمه مقبل صالح الضالعي ومطبعة أنغام لصاحبها علي أمان، ومطبعة الأيام التي أسسها الراحل محمد علي باشراحيل عام 1958م لطباعة صحف( الأيام والريكورد) والغد وفتاة شمسان والرقيب. ومطبعة الحظ لصاحبها الحاج عبدالكريم لالجي في كريتر عام 1948.

* وسائل الإعلام
كانت عدن منارة إشعاع ثقافي وفكري وإعلامي, وخصوصاً في مجال الصحافة كدائرة في وسائل الإعلام المتعددة بالمنطقة حيث مثلت بحق آية كل الأزمان في هذه المدينة ساهم بإرساء قواعدها كثير من الكتاب والأدباء والشعراء مثل: لقمان - باشراحيل - لطفي أمان - باخبيرة - الجاوي - مسواط - الحريري - عوزر- عبدالله فاضل - الدحان -كتبي - جرادة - محمد عبده غانم وآخرون كثر، حيث جعل هؤلاء من صفحات الصحف ساحات للنقاشات الفكرية الحوارية الأدبية التي طورت النقد وخلقت جواً ملائماً لتقبله، نشير هنا إشارات عابرة إلى بعض هذه الصحف: فتاة الجزيرة التي أسسها محمد علي لقمان عام 1940م، صوت اليمن التي أسسها الزبيري، صحيفة الفضول عام 1940م، صحيفة الفضول عام 1948م لصاحبها عبدالله عبدالوهاب نعمان، صحيفة النهضة التي أسسها المرحوم جرجرة، وصحيفة الجنوب العربي أسبوعية آسية أسسها أحمد بافقيه وصحيفة الأيام تأسست عام 1958م لصاحبها الراحل محمد علي باشراحيل إلى جانب صحيفة الرقيب التي سبقتها بعامين تقريباً، صحيفة صوت الجنوب التي أسسها الكاتب أحمد شريف الرفاعي، صحيفة الطريق أسسها الشهيد محمد ناصر وهي صحيفة مستلقة لسان حال اليسار صدرت عام 1966م ولا تزال حتى اليوم تصدر برئاسة نجل أيمن، صحيفة القات وهي صحيفة سياسية مستقلة أسسها عام 1956م علي ناجي محسن، صحيفة الحلة، صحيفة العمال للأستاذ محمد سعيد باشرين، صحيفة الحقيقة لباسندوة، صحيفة الصباح للجريك، صحيفة الثوري وصحيفة 14 أكتوبر هاتين الأخيرتين أسستا نهاية الستينات من القرن الماضي مع مرحلة الاستقلال الوطني كناطقتين باسم الجهة القومية ودولة الجنوب حتى عام 1990م.
*الإذاعة والتلفزيون
تأسيس الإذاعة والتلفزيون شكّـل إضافة قوية لوسائل الإعلام بالمدينة حيث تأسست الإذاعة عام 1947م كواحدة من أقدم الإذاعات بالمنطقة ومن ثم طورت إمكانيات الإذاعة بعد الاستقلال عام 1967م مع ترافق إنشاء إذاعات محلية بكل المحافظات، ومن أبرز رواد هذه الوسيلة: أحمد زوقري - حسين الصافي -عمر مدي -أبوبكر العطاس -محمد بلجون –باجنيد- خالد محيرز ـ ومن النساء الأوائل بهذا المجال: صفية لقمان -ماهية نجيب- سعيدة باشراحيل -عديلة بيومي ـ-فوزية جبواني ونوال خدابخش. وكانت وكالة أبناء عدن قد تأسست بعد الاستقلال الوطني عام 1970م كوكالة رسمية لجمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، شغل الراحل محمد ناصر أول رئاستها عام 1972م حتى تعيينه رئيسا للبعثة الدبلوماسية في بيروت وأصدر من هناك مجلة شهرية باسم اليمن الديمقراطي.
التلفزيون: تأسس تلفزيون عدن عام 1964م بآلات قديمة كانت تنقل بثها من إحدى القواعد البريطانية في قبرص، إلى ان بدأ البث التلفزيوني الملون عام 1981م وتحديداً بشهر مارس.
* عدن والتعددية السياسية
كانت عدن منذ مطلع العقد الرابع من القرن العشرين ساحة للعمل السياسي تموج فيها مختلف التيارات السياسية، وكانت الصحف هي منابر للتنظيمات السياسية، في طليعة هذه الصحف كانت فتاة الجزيرة والنهضة التي اسسها (عائد باسنيد) ، وكانت الجمعية العربية هي باكورة تلك التنظيمات السياسية تأسست عام 1949م برئاسة على بيومي قبل أن تتحول إلى المؤتمر الشعبي العام عام 1954م، تلى ذلك تأسيس الحزب الوطني الاتحادي والجمعية الإسلامية التي من رموزها:الشيخ البيحاني ـ الشيخ محمد عبدالله كما ظهرت رابطة أبناء الجنوب العربي عام 1951م ومن مؤسسي هذه الرابطة محمد الجفري والحبشي ثم تأسس حزب الشعب الاشتراكي الديمقراطي برعاية عبد الله بأذيب عام 1961م .وحزب البعث وحركة القومين العرب عام 1959م بقيادة فيصل عبد اللطيف وسيف الضالعي والسلامي وسلطان أحمد عمر. وقبل هذا كانت الجبهة الوطنية المتحدة قد أعلنت عن قيامها عام 1955م لغرض إفشال انتخابات ديسمبر 1955م الفيدرالي الذي منع أبناء الشمال من خوضها باعتبارهم وفق القوانين البريطانية أجانب.
وفي التنظيم القانوني والإداري للمدينة فقد كانت كثير من القوانين فيها من قانون الشركات الهندية لعام 1913م إلى أن شهدت عدن انعطافا تشريعيا عام 1937م وهو العام الذي أصبحت تتبع وزارة المستعمرات بدلاً من الارتباط إرادتها من الهند وتم من حينها تعديلات مستمرة لدستور عدن أخرها تعديل عام 1955م ليكتمل حينها البنية القانونية لعدن بصدور (قوانين عدن) في خمسة مجلدات وبقيت كثير من هذه القوانين سارية المفعول من بعد الاستقلال مع تعديلات تواكب المرحلة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى