رجال في ذاكرة التاريخ:د. محمد جعفر زين : أول رئيس لجامعة عدن

> «الأيام » منجيب محمد يابلي:

>
المولد والنشأة :كانت ولادة الدكتور محمد جعفر زين في قرية الوهط من أعمال السلطنة اللحجية في يوم (...) شهر(...) من العام 1941م أو 1942م وهي معلومة أتعبت زوجته الألمانية لأنها تريد أن تحتفل سنوياً بعيد ميلاد زوجها فشدت الرحال إلى تعز وكانت وجهتها السيد جعفر بن زين السقاف، والد زوجها وسألته عن تاريخ ميلاد زوجها؛ لتعد سنوياً بعد شموع عمره وأفادها بأن العام 1941م هو الأرجح، إلا أنه لا يذكر التاريخ بالضط.
عاش محمد جعفر زين طفولة جميلة في أحضان والدته، ابنه المرحوم عمر حسن مصطفى السقاف، إلا أن القدر حال دون استمرار دفء ذلك الحضن وفي وقت مبكر، عندما توفت والدته أثر حريق نشب في بيت الأسرة في الوهط وانتقل مع أخته من بيت والده (الذي تزوج من امرأة أخرى) الى بيت جده عمر السقاف ونعما برعاية كاملة من الجدين وفي الخامسة أو السادسة من عمره التحق بأحد كتاتيب مساجد الوهط، حيث حفظ القرآن الكريم وتعلم الكتابة والقراءة ونظم والده حفلاً دعا إليه الأهل لتناول الكعك والشراب والقهوة بتلك المناسبة المعتادة في القرية.
تلقى محمد جعفر زين دراسته الابتدائية في الوهط بالنهج المصري على يد التربوي المصري القدير عزت مصطفى منصور الذي سكن ذاكرة العديد من القامات الوهطية أمثال : علوي جعفر زين، وأحمد سالم عبيد، وعبد الرحمن البصري وسالم زين محمد وغيرهم.
عدن مسكونة في ذاكرة الدكتور محمد :
في كتابة الموسوم (مذكرات أول رئيس لجامعة عدن) عبر الدكتور محمد جعفر زين عن ذكرياته الجميلة في سنين طفولته في عدن، حيث كسر رتابة الحياة في القرية بزيارات قام بها إلى عدن برفقة والده أو جده لاستلام العائد المالي للخضار أو الفواكة التي كان يوردها للوسيط (المحّرج) أحمد محمد خليل (والد الصديق العزيز خالد خليل - أبو وليد) الذي كان يبيعها في مزاد علني في سوق البلدية، وكان له مكتب في ذلك السوق، وكان والده أو عمه أبو بكر بن زين ينتهز سويعات بقائه في عدن للتسوق وعندما يحين وقت الغداء والمقيل، كان محمد جعفر يتناول الغذاء مع والده أو عمه في أحد المخابز أو كانا يتناولان الغذاء في بيت أحمد خليل وكانت أسرتا زين وخليل تتبادلان الزيارات وخاصة في زيارة ولي الله الصالح عمر بن علي في الوهط، كما كان محمد يرافق جده إلى عدن لزيارة بيت خالته في كريتر (وكانت متزوجة من أحد التجار من آل الصرفي في شارع الزعفران.
الراديو في بيت جعفر زين والدراسة في بيت بازرعة والبادري :
عندما دخلت الراديو إلى عدن في نهاية أربعينات القرن الماضي كان السيد جعفر زين أحمد السقاف أول من اشترى الراديو في الوهط وكان الكثير من الأهل (الاقارب) يرتادون البيت لسماع الأخبار العربية والعالمية.
قام السيد زين السقاف (جد محمد) بنقل حفيده محمد إلى الخساف بكريتر وذلك بعد موافقة والده حيث أقام في منزل خاله عبدالله عمر حسن السقاف، الذي أهلته معرفته باللغة الأنجليزية للعمل بإحدى الشركات التجارية التابعه لسالم علي عبده (صاحب شركه الباصات العدنية) وربطته علاقه صداقة بنجليه محمد سالم علي وعلي سالم عبده وسكن خاله في شقة بأحدى العمارات التابعه لذلك التاجر العدني.
التحق محمد جعفر زين مديرية بازرعة الخيرية الإسلامية ومن زملاء سالم با صديق، ثم التحق عبد ربه البادري (مدرسه القديس يوسف العالية) وذلك كي ينمي قدراته في اللغة الإنجليزية كي يتعلم المراسلات التجارية أسوة بخاله عبدالله.
وكانت فترة بقاء محمد جعفر زين فترة خصبه طورت مداركه التي بذلها في الوهط وبعد قيام ثورة 23 يوليو 1952م نشطت الحركة الثقافية والسياسية وانتعشت رسالة الصحافة.
البعثات الطلابية اللحجية إلى قاهرة المعز :
أرسلت السلطة اللحجية كوكبة من شباب لحج للدراسة في مصر منهم: ناصرعامر، وعبدالله أحمد شهاب، وأحمد سعيد صدقه، وخالد فضل منصور ولحق بهم مبعوثون من (الاتحاد اليمني) و (نادي الشباب اللحجي)، وقد ضمت البعثة شباناً من الوهط منهم : عمر الجاوي، وخالد محمد عمر حسن السقاف، وأبو بكر السقاف، ولحق بهم محمد جعفر زين مع قريبه علوي جعفر زين، وحامد محمد علوي السقاف،ونزلوا في شقة زملائهم في حي الوفي وكان ذلك في العام الدراسي 1955م - 1954م.
كانت الساحة السياسية والفكرية والثقافية تعج بكبار المفكرين والسياسيين والأدباء من مختلف الأطياف، وكانت الفعاليات الثقافية والفكرية تقام هنا وهناك من القاهرة وإلى جانبها، اكتظت المكتبات بما لذ وطاب من الوجبات الفكرية والسياسية واتسق ذلك مع سخونة الأوضاع التي عاشتها مصر مع السياسات المعادية للغرب واقترابها من المنظومة الاشتراكية بزعامة الأتحاد السوفيتي، فنشط التيار اليساري في مصر وتأثر بذلك التيار كوكبة من الشباب القادمين من الشمال والجنوب ونشأ معها
(رابطة الطلاب اليمنيين)، وتأثر الشباب بالمتغيرات التي عصفت بالمنطقة، وكانت المخابرات المصرية تراقب نشاط الطلاب اليمنيين ومعرفة توجهاتهم الإيديلوجية.
محمد جعفر زين في سجن القناطر الخيرية :
وفي صيف العام 1959م وبعد انتهاء الامتحانات الثانوية العامة، اقتاد مخبرون محمد جعفر زين إلى مبنى الداخلية المصرية في ميدان التحرير المسمى بـ (المجمع)، ومنها إلى سجن القناطر الخيرية وبعد أسبوع واحد نقل إلى مطار القاهره الدولي وهناك وجد عمر الجاوي ومحمد عبدالله باسلامة، وتم ترحيل الثلاثة إلى مدينه تعزعبر بورسودان وأسمرة.
الطلاب العائدون من مصر والإمام أحمد :
نزل الطلاب العائدون من مصر في دار الضيافة الذي كان قريباً من المقام (مقر إقامة الإمام أحمد رحمه الله) ومن هذه المجموعه : علي حميد شرف، وأحمد الحربي، وأبوبكر السقاف، وحمود طالب، وعبدالله حسن العالم، ومحمد جعفر زين، وعمر الجاوي، ومحمد عبدالله با سلامة ومنهم من وصل بحرا إلى ميناء الحديده ومنها إلى تعز.
شكا الطلاب العائدون حالهم إلى جلالة الإمام برفع البرقيات إلى جلالته فعقب عليها في البدايه بما نصه: " ماذا يكون والذنب عظيم؟" وبعد برقيات أخرى عقب عليها بما نصه "لقد أمرنا بما يلزم لمن يلزم"، وغادر الإمام أحمد بعد ذلك إلى إيطاليا للعلاج فأصدر ولي عهده البدر- رحمه الله- بابتعاثهم للدراسة في الخارج.
محمد جعفر يدرس الحقوق في جامعة ألمانية عريقة :
غادر محمد جعفر زين تعز مخلفاً وراءه ذكريات جميلة مع عبدالله عبد الرزاق صاحب صحيفة (الطليعة) والشاعر الكبير محمد سعيد جرادة وروح النكتة وحضور البديهة اللتين تمتع بهما جرادة ليشد الرحال إلى جمورية ألمانيا الديمقراطية (DDR) حيث وصل إلى عاصمتها برلين في أحد أيام خريف 1960م، وكان علوي جعفر زين (الدكتور في الهندسة لاحقاً).
بعد اجتياز العام التحضيري للدراسة الجامعية واقتراب بدء العام الدراسي الجامعي 1963م - 1962م انتقل من مدينة (ليبزج) إلى مدينة (برلين) لدراسة الحقوق في جامعة همبولدت العريقة التي أنشئت في عام1809م
العرض علي محمد جعفر بالبقاء لإعداد رسالة الدكتوراه :
وفي صيف 1967م انتهى محمد جعفر زين من دراسة، الحقوق بتفوق في جامعة همبولدت فعرض عليه البقاء لإعداد أطروحة الدكتوراه في تخصص الدبلوم نقسه (التشريعات الخاصة ببراءة الاختراع) ليكون عنوان أطروحة الدكتوراة (اتجاه البلدان العربية للتكامل الاقتصادي والنتائج المترتبة على ذلك في حقل تطوير التشريعات الخاصة ببراءات الاختراع في الدول العربية) وبقي محمد جعفر في برلين حتى خريف 1968م لإعداد التصور الخاص بالأطروحة.
عاد محمد جعفر زين إلى عدن قادماً من برلين بعد غياب دام خلال الفترة من نهاية 1969 حتى مارس 1972م للتحضير والدفاع عن أطروحة الدكتوراة واجتازها بنجاح وعاد حاملاً لدرجة الدكتوراه الأولى.
الدكتور محمد جعفر زين مع الرئيس علي ناصر محمد :
وصل د. محمد جعفر زين إلى عدن ومعه زوجته، الألمانية وابنته مريم في أبريل 1972م وبدأ في ترتيب أوضاعه في سكن وعمل مناسبين، أما السكن فقد كان في عمارة (بول رايس) في شارع الصعيدي بالمعلا، وأما العمل فقد كان مديراً لدائرة تحفيظ وتنظيم العمل في سكرتارية مجلس الوزراء في عهد الرئيس علي ناصر محمد الذي خلف محمد علي هيثم رحمه الله.
د. محمد جعفر زين أول رئيس لجامعة عدن :
تنقل د. محمد جعفر زين في عده مهام تتعلق بمهامه المباشرة في سكرتارية الوزراء أو المشاركة في أعمال اللجان الوحدوية بدءاً من العام 1972م مع عدد آخر من كبار المسؤولين أو التكنوقراط ودخل الدكتور محمد منعطفاً نوعياً جديداً عندما قررت القيادة السياسية في الشطر الجنوبي بناء على اقتراح من الاخ علي ناصر محمد رئيس مجلس الوزراء حيث صدر القرار رقم (1) لعام 1976م بتعيين الدكتور محمد جعفر زين رئيسا لجامعة عدن، وكانت نواتها أربعه كليات : التربية وتأسست عام 1975م، ثم الاقتصاد وتأسست عام 1974م، وكلية ناصر للعلوم الزراعية وتأسست عام 1972م، بدعم من جمهورية مصر العربية والطب وتأسست عام 1975م، بدعم من جمهورية كوبا وثبت الدكتور محمد نظاماً أكاديمياً وإدارياً وأدار العملية من خلال نائبيه الدكتور جعفرالظفاري، النائب الأكاديمي والدكتور محمد أحمد لكو، النائب للشؤون الإدارية والمالية وأقام علاقات تعاون علمي مع عدد من الجامعات الأجنبية منها: جامعة جينا في ألمانيا الديمقراطية، وجامعة روان في فرنسا واستمرت رئاسة الدكتور محمد لجامعة عدن حتى العام 1969م.
د. محمد جعفر زين والدكتوراة الثانية من جامعة همبولدت :
حصل الدكتور محمد جعفر زين على إجازة أكاديمية لمواصلة الإعداد لرسالة الدكتوراة الثانية من كلية الحقوق من جامعه همبولدت ببرلين وانتهى من إعدادها والدفاع عنها بنجاح في ديسمبر 1984م، وقام بأعادة صياغتها باللغة العربية ونشرها في كتاب عنوانه (نقل التكنولوجيا والدولة) صدر عن دار الهمداني في عام 1985م.
منعطفات صعبة وحقوق ضائعة وصدر رحب :
انفجرت أوضاع الجنوب في 14 يناير 1986م وكان الدكتور محمد جعفر زين في برلين وأرسل برقية طلب من حيدر العطاس رئيس هيئة رئاسة مجلس الشعب الأعلى باعتباره مستشار الرئيس هيئة الرئاسة خلال الفترة 1986م - 1982م، إلا أن طلبه قوبل بالتجاهل فشد الرحال إلى صنعاء حتى قيام دولة الوحده، فعين مستشاراً لوزير التعليم العالي والبحث العلمي د. أحمد سالم القاضي في أول حكومة لدولة الوحدة.
وجد الدكتور محمد الأبواب أمامه موصدة فهو يعرف حيدر العطاس رئيس الوزراء، بل ويعرف حتى مدير مكتبه، وحاول عبر طرف ثالث لمقابلة العطاس إلا أن محاولته باتت بالفشل وكان يريده من أجل مستحقاته المجمدة والتي منحت لآخرين وهو حق مكتسب ولجأ بعد ذلك لوزير المالية علوي السلامي فعقب على طلبه (لا كلام في الماضي) وكان الإمام رحمه الله أكثر عدلاً وإنصافاً من هؤلاء القوم.
قابل الدكتور الجهبذ محمد جعفر زين كل ذلك بصدر رحب وساعد الرئيس علي ناصر في افتتاح مركزه الإستراتيجي للدراسات وشاركه في حضور مؤتمر عمان وشارك في أعمال وثيقة العهد والاتفاق والتقى بعد ذلك كل الذين أوصدوا الباب أمامة واعتذروا عن ما بدر منهم، ولم يكن الأمر والظروف ميسرة لعمل شيء، لأن وزير المالية بالأمس لم ينفذ أوامر العطاس، كما أن وزير المالية اليوم لا ينفذ أمراً لبا سندوة، فالحال اليوم كما هو الحال بالأمس.
سعى باجمال لتعيينه مستشاراً ثقافياً لليمن في برلين في العام 2002م، وباشر مهامه (أي الدكتور محمد)، إلا إن وزير المالية أصر على إلغاء التعيين وكان له ما أراد ويترحم الدكتور محمد جعفر زين على أيام الإمام الذي لم يصادر حقوق رعيته ولم يستخدم عبارة (الماضي لا كلام فيه).
التحق الدكتور محمد جعفر زين بدورات في اللغه الانجليزية والكمبيوتر في برلين على حساب وزارة العمل هناك اعتمدته الحكومه الألمانية (مترجم قانوني) أمام المحاكم الألمانية.
حال الدكتور محمد جعفر زين مع الوطن كحال الثعلب مع الحديقة التي دخلها (ولسان حاله دخلتك وأنا جوعان وخرجت منك وأنا جوعان).
مذكرات الدكتور محمد (مذكرات أول رئيس لجامعة عدن) كتاب جدير بالقراءة، لأنه قدم قراءة من خلال المذكرات للواقع الذي عاشه في الوطن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى