رحلة في كتاب (عدن التاريخ والحضارة) 2-2

> استعراض/ صلاح السقلدي:

> في هذا الجزء الثاني والأخير من قراءتنا في كتاب (عدن التاريخ والحضارة ) الذي ألّـفه الرئيس علي ناصر محمد نستعرض في السطور التالية جانب آخر من تاريخ عدن الزاخر.
الخدمات الصحية بعدن
الخدمات الصحية في عاصمة الجنوب العربي (عدن) أخذت عدة أشكال تقدمها المسشفيات والمستوصفات، حيث كان عام 1885م هوالعام الذي تأسس فيه أول مستشفى بمدينة الشيخ عثمان على هيئة (كمب)، وأعيد ترميمه عدة مرات إلى أن أتى عام 1958م الذي تم فيه افتتاح مستشفى الملكة فيكتوريا (مستشفى الجمهورية ) بخور مكسر بسعة 500 سرير حينها ، ومستشفى عبود الذي بنى على شكل هناجر لخدمة الجنود البريطانيين وبقي بعد الاستقلال وحتى عام 94م يعمل بشكل طبيعي قبل أن تعبث به الأيدي العابثة بعد هذا التاريخ، وفي جبل هيل بالتواهي تم إنشاء مستشفى القوات الجوية البريطانية الذي تحول بعد الاستقلال إلى مستشفى القوات المسلحة لدولة الجنوب وأخذ مطلع السبعينات اسم الشهيد باصهيب حتى اليوم.
مستشفى البريقاء التابع لشركة المصافي تأسس عام 1956م ولا زال حتى اليوم يعمل بصورة جيدة.
مستشفى الشعب في كريتر هذا المستشفى الذي عرف باسم مستشفى (الصين) بقي بحالة جيدة حتى عام 92م، وقد تم إنشاؤه لخدمات النساء والولادة، فضلاً عن مستشفيات أخرى كمستشفى الليوي (مستشفى النصر) لاحقاً وهو المستشفى الذي تم إنشاؤه لخدمة قوات المحميات في معسكر (شامبيون) النصر خورمكسر عام 1940م.
النقابات في عدن
قبل إصدار الإدارة البريطانية قانون النقابات عام 1942م كانت قد سبقت ذلك تشكيل جماعات عمالية دشنتها شركة الملح البريطانية عام 1889م، وفي عام 1939م شُـكّـلت أول جمعية عمالية بواسطة العمال المشتغلين بالتجارة وبناء السفن الشراعية .
تطور العمل النقابي بعد ذلك بشكل ملحوظ حتى عام 1956م، وهو العام الذي أرّخ لميلاد الطبقة العاملة في النقابات بانعقاد(مؤتمر عدن للنقابات) ، حيث تـكّـون هذا المؤتمرمن عشرين نقابة ، وحتى بعد اندلاع ثورة الجنوب عام 1963م لم تتأثر هذه النقابات بالصراع بين الجبهة القومية، وجبهة التحرير، بل استمرت هذه النقابات بمواقفها لمقاومة الاستعمار وبرز فيها رموز نقابية عديدة منها: زين الأهدل - عبد الله الأصنج - مسوط - الزليخي - على جرجرة - عبده خليل - السلفي - عبد القادر أمين - منصور الصراري ـ سلطان الدوش.
الحركة النسائية بعدن
تأسست الجمعية العربية للنساء برئاسة زوجة المندوب السامي البريطاني وعضوية كل من: رقية على محمد ناصر وسعيدة عمر جرجرة وغيرهن،ثم تأسست بعد ذلك جمعية المرأة العربية برئاسة رضية إحسان، وعضوية صفية لقمان وليلى جبلي وأخريات، وكانت هذه الجمعية تأخذ البعد السياسي بعملها : ومن رموز الحركة النسائية الجنوبية نذكر أمثلة وليس للحصر: فطوم يابلي - نور حيدر- لولة باحميش - فوزية جعفر - أنيسة أحمد سالم - أمنة يافعي - أنيسة الصايغ - ثريا منقوش - عائدة يافعي - الشهيدة نجوى مكاوي - نجلاء شمسان - نفيسة منذوق - والشهيدة عائشة كرامة و فتحية باسنيد ،حيث ساهمت المرأة بدور بارز في عملية التحرير.
الحركة الرياضية في عدن
شكلت عدن مركزاً رياضياً متقدما بالمنطقة من حيث قدم ممارسة كثير من الألعاب الرياضية فيها، حيث كان عام 1905م هوالعام الذي تأسس فيه نادي الاتحاد المحمدي (التلال)، كون الرياضة في هذه المدينة كانت قد استفادت من النشاط الرياضي للفرق الرياضية البريطانية حتى أن عدد من الفرق العربية فرضت على السلطات البريطانية سن قانون الجمعيات الرياضية لكرة القدم برزت أسماء منها:
في كريتر: المحمدي - القعيطي- الحسيني -الأحرار -الأهالي – الشباب_ في الشيخ عثمان: نادي الهلال ونادي الشبيبة (الواي) ،في المعلا :نادي الجزيرة -نادي الروضة . في التواهي: نادي شباب التواهي ـ الشعب. في البريقاء: نادي شباب البريقا ءـ وبعد الاستقلال تم دمج العديد من الأندية ببغضها البعض، وعقد عام 1973م المؤتمر الرياضي العام في الجنوب بمبادرة من رئيس الوزراء حينها علي ناصر محمد كإعادة إنطلاقة الحركة الرياضية التي بقيت في تطور دائم حتى غداة 22 مايو 1990م لتصاب بعد هذا التاريخ الحركة الرياضية بعدن والجنوب عموماً بشتات وإهمال متعمدين.
أحياء عدن ومعالمها
تزخر عدن بالعديد من المعالم والمآثر المختلفة من مساجد،وقباب وصهاريج، وسدود ،وأسواق،وقلاع وحصون ودور ،وأسواق تساير أزمنتها ومراحلها القديمة والإسلامية والحديثة،ولاتزال معظمها باقية إلى يومنا هذا،على الرغم مما طال بعضها من عبث لمساجدها ومواقعها الأثرية وعملاتها القديمة خصوصاً بالعقدين الأخيرين.
باب عدن: وهي عقبة عدن التي كانت تسمى بباب الزيارة ،وتقع على مقربة من باب عدن الرئيس (البغدة) قام الرسوليون ،ومن بعدهم الأتراك بتوسعة هذا الباب،ليغدو ممرا للمركبات الثقيلة.
الصهاريج: وهي من أهم معالم المدينة الضاربة جذورها بعمق التاريخ وهي من أجل حاجة عدن للمياه، كونها في منطقة لا زرع فيها ولا ماء، استدعت الحاجة لإقامتها حيث تؤكد عدة مصادر بأن الحميريين هم أول من أنشأ هذه الصهاريج، وجاء ذكر الصهاريج في صفة جزيرة العرب للهمداني ،وكذلك فعل ابن بطوطة بأن أشار إلى عدة صهاريج في عدن ،وذلك أثناء مروره بعدن عام 1329م وللغرض ذاته في تخزين المياه توجد بعدن عدة آبار جوفية منها: بئر علي بركات ـ بئر أحمد بن المسيب ـ بئر المقدم ـ بجوار جامع أبان بكريتر ـ بئر مور بحقات ـ بئر السلامي بئر الزنوج.
منارة عدن: تنتصب منارة عدن في كريتر بجوار البريد العام للمدينة ويعتقد أنها كانت فنار لهدي السفن المارة بعدن، ولكن ثمة مصادر ترجح بأنها عبارة عن مأذنة لمسجد بناه الحسن بن سلامة وسمي مسجد عمر بن العاص بأيام الخليفة الخامس عمر بن عبدالعزيز، وتتكون من ستة طوابق،فضلاً عن المعالم المهمة الآتية:
سور عدن ـ قلعة صيرة التي أنشأت في القرن الخامس عشر الميلادي كأداة فعالة لحماية المدينة من الغزوات مثلما حدث عام 1513م حين هاجم المدينة البرتغاليون، وتصدى لهم جند القلعة.
ميناء عدن
يعتبر ميناء عدن معلم تأريخي للمدينة اكتسب شهرته العالمية والتاريخية من موقعه الجغرافي الفريد وخصوصاً بعد افتتاح قناة السويس وإنشاء خزانات الوقود وإنشاء الرصيف السياحي والأحواض القائمة وإنشاء البنوك، فضلاً عن تأسيس المركز الحر لعدن.. أعلنت عدن ميناءً حراً عام 1850م.!
قطار عدن
في عام 1915م تأسس قطارعدن الذي ما لبث أن تم الاستغناء عنه بعد مرور أقل من خمسة عشر عاماً، حيث كان هذا القطار مكون من عشرعربات بخط سكة حديد تمتد من مدينة المعلا (حي الريل) حتى منطقة الخداد بمحافظة لحج ويقال حتى منطقة الحبيلين، ومن بين أسباب توقف هذا القطار الذي أسسته شركة سلك حديد البنجاب الهندية هي كثرت الاختلاسات المالية.
مطار عدن
بالإضافة إلى موقع مدينة عدن الهام، اكتسب مطار المدينة أهمية كبرى من حيث محاذاته للبحر من جهتي الإقلاع والهبوط، ليشكل أحد أهم المطارات بالمنطقة خصوصاً بعد إنشاء أول طيران مدني من أربع طائرات 3DC ،وفي عام 1952م تأسست شركة خطوط عدن الجوية المملوكة للخطوط البريطانية، وكان مكتبها في (أسمره) مطلع الستينات من القرن الماضي،وكانت شركة (باسكو) قد اشترت أسهم طيران عدن وأصبحت المشغل الرسمي لطيران الجنوب حتى بعد الاستقلال الوطني وتحديداً مطلع السبعينات حين صدر قانون التأميم لتؤول هذه الشركة لملكية الدولة، وتحولت إلى شركة (اليمدا)،حيث تم بعد ذلك شراء العديد من الطيران الحديث من طراز بوينج وغيرها.
بعد إنشاء منشآت تزويد البواخر بالوقود والزيوت قامت شركة بي بي البريطانية ببناء مصفاة عدن عام 1954م بتكلفة 45 مليون جنيه استرليني بطاقم أمريكي إنجليزي وعدد من العرب والهنود، حتى عام 1977م حين آلت ملكية هذه المنشأة إلى دولة جمهورية اليمن الديمقراطي ليعين حينها الراحل فيصل بن شملان كأول مسؤول يمني وارتفع حينها إنتاج المصفاة إلى 4,5طن سنوياً باعتمادها على تكرير نفط مستورد حتى اكتشاف النفط بالجنوب عام 1982م بمنطقة شرمة وبترول شبوة عام 87م.
ثم يذكر المؤلف في كتابه عدداً كبيرا من معالم المدينة يطول التطرق لها بالتفصيل، منها أسماء مبان لا تزال قائمة وإن تغيرت أسماؤها منها: معسكر طارق الذي كان يسمى معسكرات سنغافورة ـ ومعسكر النصر بخورمكسر الذي كان يحمل اسم شامبيون ـ ثانوية لطفي بكريتر كانت ثكنة للفرقة الهندية ـ معسكر عبدالقوي بالشيخ عثمان الذي كان اسمه معسكر (ليك) تابع لجيش الليوي.
منزل علي سالم البيض بجبل كريتر كان مسكن لمدير البنك الشرقي.
غاندي في عدن
لفت المؤلف في كتابه إلى الزيارة التاريخية التي قام بها الزعيم الهندي الأسطورة المهاتما غاندي إلى عدن حين حل ضيفا على المدينة 1931م عبر مينائها وكان الراحل محمد علي لقمان في استقباله ومرافقته إلى المناطق التي زارها في عدن- بالشيخ عثمان والتواهي- ولقائه بالجالية الهندية وأهالي عدن، وتحدث عن الأوضاع في بلاده الواقعة تحت الاحتلال البريطاني حينها، وكان يناضل بطريقته السلمية المعروفة لنيل الاستقلال.
اتحاد إمارات الجنوب العربي
على الرغم من سلسلة الفشل الذي منيت به السلطات البريطانية لإنشاء اتحاد بالجنوب يضم إماراته ومشيخاته وسلطناته منذ أن رعت عام 1930م مؤتمراً لأمراء وسلاطين وقبائل الجنوب بالضالع وحتى فبراير 1959م حين تكللت جهودها بالنجاح برغم المقاومة الرافضة لهذا الاتحاد حيث أقيم (اتحاد إمارات الجنوب العربي) من ست ولايات هي: الضالع، ومشيخة العوالق العليا، وإمارات بيحان، و سلطنة العواذل، وسلطنة الفضلي،و سلطنة يافع السفلى ـ شكل هذا الاتحاد حكومة اتحادية أو ما سمي بالمجلس الأعلى الاتحادي وكانت رئاسته تتداول بين الأعضاء، ولم تنضم عدن بشكل فعلي إلى هذا المجلس وإن كانت انضمت بوقت متأخر إلى الاتحاد نفسه وبقيت محتفظة باستقلاليتها وتدار برئاسة رئيس وزرائها الذين تناوبوا على التوالي وهم : حسين بيومي ـ زين باهارون ـ عبدالقوي مكاوي، ومن أشهر وزرائها: عبدالله باسندوة، عبدالرحمن جرجرة -عبده الأهدل -محمد سالم علي-عبدالله صعيدي -حسن خدابخش - سعيد مدي -أبوبكر كعدل،حتى يوم الاستقلال لتقام على أنقاض هذا الاتحاد جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية.
جيوش محمية عدن
شكلت محمية عدن جيش (جيوش) لحمايتها الداخلية منذ الحرب العالمية الأولى حين شكل ما سمي حينها بالكتيبة الأولى أو(فص يمن) وما قبل ذلك حين حدثت احتكاكات مسلحة بين القوات البريطانية، والقوات التركية التي كانت تحتل الشمال في منطقة الضالع، حتى عام 1928م حين انشأت بريطانيا جيش الليوي الذي تكون من قبائل العوالق بقوام 200 فرد وزود بستين جملاً ومن أشهر الضباط في تلك الفترة مبارك السحم - سالم العزاني -على العولقي -عوض العولقي -محمد سهيل العوذلي، ومن بعدهم محمد سعيد يافعي - عبدالقوي المفلحي ـ-محمد بن موقع -سالم العبدلي، ثم تطورت تشكيلة الجيش في عدن والجنوب عموماً بعد الاستقلال الوطني من حيث التدريب والتأهيل والتسليح وقد شغل وزراء دفاع جيش الجنوب منذ الاستقلال حتى عام 1990م كل من: علي سالم البيض - محمد صالح عولقي - علي ناصر محمد - على عنتر - صالح مصلح قاسم ـ وصالح عبيد أحمد.
عدن والثورة
وفي هذا الفصل يفرد المؤلف حيزاً واسعاً لدورعدن الريادي بمسيرة تحريرالجنوب من الاحتلال البريطاني بانطلاقتها يوم 14 أكتوبر 1963م من جبال ردفان، ومن قبل ذلك التاريخ كانت عدن تشهد أشكالا مختلفة لمقاومة الاحتلال، حيث كانت عدن ومعها قبائل العبدلي والفضلي قد هاجمت قوات الاحتلال في 8 أكتوبر 1893م بأربعة آلاف مقاتل. بقيت عدن في قلب المقاومة حتى اشتعال الثورة المسلحة عام 1963م بعموم الجنوب لتكون أهم الجبهات بالجنوب وخصوصا بعد تشكيل الجبهة القومية في اغسطس 1963م من عدة تشكيلات مقاومة، وتمكنت هذه الجبهة في عدن، وبقية جبهات القتال بالجنوب بعد أربعة أعوام من الكفاح المسلح إلى جانب جبهة التحرير التنظيم الشعبي ومختلف القوى السياسية لتتويج يوم النصر الكبير في 30 نوفمبر 1967م يوم استقلال الجنوب.
ويذكر المؤلف الدور المصري بدعم الثورة بالجنوب وما رافق ذلك من نجاحات وإخفاقات.
عدن والاستقلال
في هذا الفصل يتحدث المؤلف عن دور دولة الاستقلال بالجنوب في عام1967م وما حدث فيها من نجاحات شملت المجالات المختلفة برغم ما اعترت هذه الفترة من أحداث وخلافات بين شركاء الدولة منذ يوم الاستقلال الذي أعلنه وفد الجبهة القومية العائد من مفاوضات جنيف، ويسبر المؤلف أغوار هذه الفترة بشرح تفاصيل مجرياتها على مستوى الدولة والجبهة القومية بمؤتمراتها المتلاحقة، حتى تأسيس الحزب الاشتراكي في أكتوبر 1978م (الذي قاد عملية التحولات بالجنوب حتى أقدم على قرار إعلان الوحدة بطريقة مرتجلة أطاحت بالحكم الوحدوي مثلما أطاحت هذه الطريقة بحلم الجنوب في إقامة دولة موحدة يسودها العدل والمساواة والندية).
طعّـم المؤلف هذا الفصل بكثير من الصور والوثائق الهامة لفترة تعد من أهم وأبرز محطات تأريخ عدن والجنوب، ثم ينتقل المؤلف إلى دور عدن بالوحدة اليمنية من أول اتفاقية وحدودية عام 1972م التي وقعها رئيس وزراء دولة الجنوب علي ناصر ورئيس وزراء الشمال محسن العيني بالقاهرة إلى اتفاقية 30 نوفمبر 1989م التي عمل بها رسمياً يوم 22 مايو 1990م.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى