سنوات من التقاعد الإجباري وعشرات اللجان الصورية ومظالم تنتظر العدالة (1)..المتقاعدون العسكريون والمدنيون في المحافظات الجنوبية .. مظالم بحجم وطن

> إعداد / قسم التحقيقات

> قضية الجنوبيين المبعدين قسراً عن وظائفهم، ليست مجرد قضية حقوق يطالبها البعض، بقدر أنها مأساة جماعية مست حياة وأوضاع عشرات الآلاف من الأشخاص الذين تعرضوا لأسوأ صنوف الظلم والإقصاء والتهميش، التي مارسها حيالهم النظام السياسي السابق في صنعاء.
ومازالت هذه القضية تشكل اليوم أبرز التحديات الشائكة للرئيس التوافقي عبدربه منصور هادي، حيث إنها كانت من الملفات المعقدة التي نوقشت في إطار مؤتمر الحوار الوطني، وشكلت لأجلها اللجنة الرئاسية الخاصة بمعالجة قضايا المقعدين من العسكريين والأمنيين والمدنيين في نطاق يضمن لهم العودة إلى وظائفهم، وضمان استلام كامل حقوقهم واستحقاقاتهم.
في سياق لقاءاتنا الميدانية الواسعة التي استهللناها في جمع محتوى هذا الملف، لتضمين أكبر قدر من آراء المتقاعدين العسكريين والأمنيين والمدنيين، ممن شملهم أو لم يشملهم القراران الجمهوريان الأخيران، ومعرفة مواقفهم إزاء مهام اللجنة الرئاسية المكلفة في معالجة قضاياهم.
* قاعدوني وعمري 35 عاماً، وخدمتي لا تتجاوز 15 سنة
البداية مع العقيد علي أحمد قلعوط، الذي تحدث لنا مستعرضاً ما تعرض له من أزمة نفسية ومعاناة أسرية ظلت تلازمه طيلة 20 عاماً، منذ أن تم إحالته للتقاعد الإجباري عام 1994م.
يقول العقيد قلعوط: "بدأت الخدمة في الكلية العسكرية في دولة الجنوب آنذاك كمعيد فيها، قبل انتقالي في تلكم المرحلة إلى معسكر "الثلايا" قسم التدريب والتخطيط، وعقب إعلان الوحدة اليمنية أحالوني للعمل في صنعاء، ثم أعادوني مجدداً إلى عـدن، ولم أكن أدرك أن ذلك سيكون تمهيداً لتوقيفي عن الخدمة نهائياً، وحرماني من مستحقاتي العسكرية والمادية، والتي أستحق اليوم أن أكون برتبة (عميد)".
ويضيف: "عانيت الكثير من الأضرار النفسية جراء ذلكم القرار الجائر، والذي بسببه رضخت أمام أوضاع وظروف قاسية وصعبة مازالت تلازمني منذ 20 عاماً، بعد أن جرى توقيفي عن الخدمة العسكرية، وعمري لا يتجاوز الـ 33 سنة، وخدمتي لا تتعدى سوى 15 عاما فقط، وحالياً مازلت ضمن المتقاعدين القابعين في المنزل".
وحول رأيه في القرار الرئاسي الذي قضى بإعادة عدد من المتقاعدين العسكريين إلى وحداتهم السابقة، قال: "لو كانت هناك نية صادقة من قبل الحكومة الحالية لمعالجة قضيتنا، فإنه كان يتوجب عليها قبل كل شيء إعادة المؤسسات العسكرية المدمرة في الجنوب حتى يتمكن المتقاعدين من منتسبيها السابقين العودة إليها".
* أين معسكراتنا وتعويضاتنا المستحقة
يقول العقيد عارف محمد أحمد، أحد الذين تضمنهم القرار الرئاسي بالعودة إلى وظائفهم: "استبعدت عن الخدمة عام 2001م، حين كنت برتبة (رائد)، وعمري لا يتجاوز الـ 37 عاماً، ومدة خدمتي لا تزيد عن 20 سنة".
وأضاف بالقول: "دخلت الخدمة في يناير عام 1981م، موظفاً في الدائرة السياسية للقوات المسلحة في جمهورية اليمن الديمقراطية (سابقاً)، وواصلت العمل حتى حظيت بدورة خارجية عام 1987م لدراسة تخصص (فني تسليح)".
ويواصل: "بعد قيام الوحدة واصلت الخدمة لمدة عام واحد في لواء المجد في منطقة باجل، وجرى نقلي عام 1992م إلى إدارة التوجيه المعنوي شعبة "المسرح والثقافة"، والتي ظللت أعمل فيها حتى شملني التوجيه القسري بإحالتي إلى التقاعد المبكر، ما سبب لي صدمة نفسية قاسية لشعوري بأنني أصبحت في تعداد الكوادر العسكرية الجنوبية الذين تم إحباط معنوياتهم، وتدمير وحداتهم العسكرية".
ووصف العقيد عارف مضمون القرار الرئاسي الأخير بـ "الإيجابي"، لكنه تساءل قائلا: "أين تلكم المعسكرات والوحدات التي ستستوعب عودتنا ؟!".
ويضيف: "أنا أحد الذين شملهم القرار بالعودة، وتم ترقيتي إلى رتبة (عقيد)، لكنني لم أستلم حتى الآن التعويضات ومستحقات فارق الرتبة، ولا نعرف ما هي العراقيل في تنفيذ ذلك".
وقال مختتماً: "آمل أن يتم إعادة وحداتنا العسكرية السابقة، وأن يكمل رئيس الجمهورية جهوده بالتوجيه المباشر لتسريع عملية صرف التعويضات والمستحقات عن كل سنوات إيقافنا، لأننا لم نحصل حتى اللحظة سوى على الرتبة والترقية".
إقصاؤنا خطة ممنهجة
يقول العقيد أحمد سعد سعيد إن استبعاده عن الخدمة عام 1994م كان بقرار سياسي، هدفه إقصاء وتجميد كل الكوادر العسكرية الجنوبية، وضمن سياق خطة ممنهجة ومدروسة، حد تعبيره.
ويضيف: "التحقت بالخدمة العسكرية في الجنوب عام 1972م، حيث عملت في (سلاح المدرعات)، وكنت أول من ساهموا في تشكيل سلاح الدروع الثقيل في (الكتيبة الأولى السرية)، بعد ذلك انتقلت للعمل في وزارة الدفاع بدائرة التدريب القتالي في عدن، وتوظفت في قسم التخطيط للمناهج والوسائل العسكرية".
ويواصل قائلا: "في عام 1976م سافرت إلى الاتحاد السوفيتي في منحة دراسية استمرت 5 سنوات، وفي (روسيا) درست تخصص (إدارة مراكز ثقافية)، وعدت إلى بلدي للعمل في مجال تخصصي، حتى جاء موعد توقيفي تعسفياً من الخدمة عام 1994م، حين كنت برتبة (رائد)".
ويكمل: "هذا التوقيف أفقدني ـ على مدى 21 عاماً ـ الكثير من استحقاقاتي العسكرية، والتي أستحق أن أكون اليوم برتبة (عميد)، إضافة إلى أنه حرمني من الحصول على منصب قيادي في مجال تخصصي، بسبب أنه لم يكن هناك اعترافا بهيكلة المناصب القيادية في القوات العسكرية، بعد أن دأب النظام السابق في صنعاء ـ عقب حرب 1994م ـ إلى منحها وتخصيصها لصالح الولاءات المناطقية والحزبية".
ويردف بالقول: "هناك من يتحدث بأنه تم صرف مستحقات الموقوفين المتضررين، وهذا الكلام لم نفهمه حتى الآن، والتسويات التي تحصلنا عليها لم تراعِ التعويضات المادية التي ينبغي احتسابها قانونياً من الفترة التي جرى إقصاؤنا فيها".
قرارات تهدئة وإسكات النفوس
يبدي العقيد صادق أحمد الوادي شعوره بعدم التفاؤل من قرار تشكيل اللجنة المعنية بمعالجة قضاياهم، معتبرا صدوره "مجرد محاولة لإسكات الأصوات، وتسكين النفوس المقهورة"، حسب تعبيره.
وقال: "إن القرارين الصادرين بشأن إعادة الموقفين العسكريين إلى وحداتهم لم يطبقا حتى اللحظة بصورة عملية وواقعية، حيث إننا لم نرَ تعويضات صرفت لرد الضرر والاعتبار".
ووصف العقيد الوادي حجم الضرر المعنوي والنفسي الذي عاناه منذ إحالته للتقاعد الإجباري عام 2005م، ومكوثه لأعوام في منزله دون عمل، لافتاً إلى المسؤوليات التي تقلدها أثناء عمله في السلك العسكري، حيث قال: "كنت منخرطاً في العمل ضمن (لواء الصواريخ) في منطقة ردفان، كنائب لقائد الكتيبة، وتم نقلي عام 1996م إلى (لواء 55 مدفعية) في محافظة تعز، حينها كنت برتبة (عقيد)، أعقب ذلك جرى تحويلي إلى (الحرس الجمهوري) في منطقة السواد، حتى جاء قرار ترقيتي إلى رتبة (عميد) مقترناً بإحالتي إلى التقاعد عام 2005م".
ويواصل مستغرباً: "لكنني فوجئت بأن رتبتي العسكرية جرى تقليصها إلى رتبة (عقيد) في القرار الرئاسي الذي صدر ونشر في الصحف الرسمية، بدلاً من رتبتي السابقة (عميد).. ولولا التقاعد الإجباري الذي مسني لكنت اليوم حاصلاً على رتبة (لواء) وفقاً للقانون العسكري"،
مناشدا عبر «الأيام» رئيس الجمهورية، وأعضاء اللجنة المكلفة بمعالجة قضاياهم، بـ "ضرورة توفر عناصر الجدية والإنسانية والإنصاف في تصحيح أوضاع المبعدين".
وقال مختتماً حديثه: "إذا لم تكن هناك نوايا جادة لمعالجة القضية من جذورها، فإن المشكلة ستظل قائمة، وقد تسهم ـ إلى حد كبير ـ في زيادة الهيجان الشعبي".
أما العقيد محمد أحمد حاضر، فقال: "إن الدولة لم تكن جادة في النظر إلى تظلمات المتقاعدين العسكريين في المحافظات الجنوبية والشمالية، وإنما تسعى بقرارها فقط إلى تهدئة الوضع المحتقن في الجنوب، وبأسلوب مهادن حتى لا ينفذ المتقاعدون مسيرات احتجاجية"، حسب تعبيره.
عشرون عاماً وأتقاضى 15 ألف ريال شهرياً
وفي سياق ما أدلى به بعض الضباط العسكريين، نجد أن الوضع أشد حزناً ومرارة على الجنود الذين شملهم أيضاً قرار الإقصاء والاستبعاد عن وظائفهم.
حيث تحدث لـ«الأيام» الجندي عدنان مهدي باعشن، موضحاً بالقول: "أنا أحد الجنود الذين مازالوا منذ عام 1994م قابعين في بيوتهم، والمعاش الشهري الذي مازلت أتقاضاه منذ ذلكم الحين لا يتعدى 15.000 ريال، وهو راتب زهيد مقارنة بما يستلمه اليوم الجندي العامل من راتب شهري".
ويضيف: "قبل اندلاع الحرب في صيف 94م، كنت أعمل برتبة (رقيب أول) في لواء النقل العام بخور مكسر، وعندما أحالوني إلى التقاعد أنزلوني إلى رتبة (مساعد أول)".
ويسرد الجندي عدنان جانباً من معاناته الذاتية التي لخصها بشيء من الألم والوجع، قائلاً: "عانيت الكثير جراء هذا الظلم، خصوصاً من حيث الراتب التقاعدي الضئيل الذي أستلمه من معسكر التموين العسكري في صنعاء".
ويواصل: "الأضرار النفسية والأسرية التي أعاني منها اليوم تفوق قدرة الإنسان على تحملها، حيث إنني مازلت عاجزاً عن الوفاء بكل متطلبات واحتياجات أطفالي وعائلتي، من زاد ومسكن وكساء وعلاج، لدرجة أصبحت غير قادر على السفر إلى صنعاء لمتابعة موضوع تسوية راتبي".
ويختتم حديثه بالقول: "مازلت بانتظار رد اللجنة المكلفة بتسوية أوضاعي، بعد أن بادرت إلى تقديم ملف تظلمي لها، وإلى الآن لم أحصل على رد !".







> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى