عدن السوق العالمي منذ العصور القديمة

> نجمي عبدالمجيد:

> عبر عهودها في مراحل التاريخ، ظلت عدن السوق العالمي القادمة إليه تجارة الشرق والغرب.
فمن موقعها الجغرافي حددت مركزيتها في إدارة الحركة الاقتصادية في العالم، وذلك ما جعلها ساحة تصارع بين أطراف محلية وأقطاب دولية، حتى أصبحت عملية السيطرة على عدن تعني وضع اليد على موقع الغنيمة في هذا الجزء الممتد عبر البحار إلى قواعد التسويق العالمية.
ومن صفحات تاريخ عدن في تلك العصور تستشرف بعضاً من تلك الأحداث التي لا تنقضي بمرور الأزمنة طالما ظلت أهمية المكان تدخل في معادلات التسابق على هذا الموضع لنفس الأسباب الجانب الاقتصادي والعسكري ومد النفوذ ما بين البر والبحر، وفي هذا تمركز للقوى التي تدير امتياز مقدرة ميناء عدن على الجمع بين قوة الدولة في دور المال كقوة تعيد تحديد المسافات في لعبة القيادة السياسية، وما ماضي عدن في هذا الجانب إلا جزء من تلك الأزمة التي ظلت لقرون تلقي بنارها على هذه المدينة.
هي من أسواق العرب التي عرفت قبل الإسلام، وكانت تقام بعد النصف من شعبان، فلا تحتاج إلى جند لحراستها، بفعل وجود دولة مركزية منظمة فيها، وذلك في عهد ملوك اليمن التبابعة، فكان العشور يدفع لملكها من حمير.
وفي هذا النظام دليل على تقدم مدينة عدن في مجال الإدارة الاقتصادية، وانتظام أحوالها السياسية قبل ظهور الإسلام، وقد استمر ميناء عدن محافظاً على مكانته في التجارة العالمية حتى بعد الإسلام، حيث تحول إلى أضخم المستودعات للبضائع الواصلة من مصر وشرق إفريقيا والهند، بعد أن اتخذ منها التجار ممراً رئيساً لهم ولسفنهم.
هذه العوامل جعلت الإمارات الإسلامية التي انفردت بحكم اليمن تدرك أهمية عدن ومميزاتها الاقتصادية، فقد قام الأمير محمد بن زياد مؤسس الإمارة الزيادية في زبيد بنشر وسائل الأمن والحماية حول عدن، مما جعل السفن التجارية تتجه إليها، بسبب قربها من موانئ المحيط الهندي وبالرغم من تحول الملاحة في بعض الفترات التاريخية عن عدن إلا أنها لم تفقد مكانها، بل كانت سرعان ما تعود وتستعيد مكانتها التجارية لقد ظل ارتباط تاريخ عدن مع البحر الأحمر،الشريان الأهم لخطوط المواصلات الدولية ما بين الشرق والغرب، فهي بحكم موقعها الممتاز تمد سيطرتها على مدخله الجنوبي،وتمتلك القدرة على التحكم فيه، وملتقى قارتي آسيا وأفريقيا، كما ظلت لقرون من الأزمنة السوق الكبير للجزيرة العربية، كما عرفت أيضاً بأنها عين اليمن، بفعل أهميتها كمنفذ طبيعي لها على بحر العرب والمحيط الهندي إضافة إلى تحكمها في طريق البحر الأحمر.
ومن الحقب التي ازدهرت فيها التجارة في عدن، عهد الدولة الرسولية، حيث ارتكز هذا النشاط على الميناء (الفرضة) والتي قال عنها ابن المجاور واصفاً قوة الحركة الاقتصادية (الفرضة كالمحشر فيه من المناقشة والمحاسبة والوزن والعد) وهي منطقة مفتوحة على البحر، حيث كانت ترسو فيها السفن التجارية ويقع أمامها جبل صيرة،وبفعل هذا الرسم الجغرافي هي أخدود كبير مكانه بين جبل صيرة وسهل عدن والجبل الأخضر المطل على الفرضة.
وفي هذا تصبح مثل بحيرة مائية واسعة ما بين جبل صيرة وساحل أبين، وهذا الاتساع يسمح بدخول وخروج السفن التجارية قد تصل إلى (80) سفينة من الحمولة الكبيرة.
وقد كانت هذه الفرضة مفتوحة على البحر عدن السحتى ج واء إلى عد قن عم ر ب ان عثم لان الز عنجابيلي لمي منذ العصور القديمة وبنى سوراً عليها من الساحل باب الصناعة إلى جبل حقات وركب في السور 6 أبواب التي عرفت باسم أبواب عدن، وهي : باب الصناعة، باب حومة، باب السكة، باب الفرضة، وكانت منه تدخل البضائع وتخرج، باب مشرف وباب حيق.
ويلاحظ من هذا الوصف أن ميناء عدن يقع تحت حماية قلعة صيرة وجزيرتها والثاني داخلي يعرف باسم خليج عدن (الخليج الأمامي) ويعرف عند العرب بالبندر، وهو المكان الذي توجد فيه الفرضة،وقد قدر اتساعه من الشمال إلى الجنوب بنحو 6 كيلو مترات، ومن الشرق إلى الغرب 13 كيلو متراً، وبلغ عمق الماء ما يقارب 9 كيلو مترات،وكان قادة السفن يستطيعون مشاهدة عدن على بعد 111 كيلو متراً.
كل هذا أوجد عند أهل عدن خبرة واسعة في المعاملات التجارية، وفي هذا يقول الدكتور محمد كريم إبراهيم الشميري في كتابه (عدن - دراسة في أحوالها السياسية والاقتصادية - 1083 - 1229 م) الصادر عن جامعة عدن عام 2004 م : لما كانت عدن ميناء تجارياً مهما ذا حركة نشطة، فقد اشتهر أهلها بخبرة تجارية متميزة، فكان كثير منهم يعملون في الميناء بمختلف الأنشطة والفعاليات ذات العلاقة بالعمل التجاري كالبيع والشراء وما يتبعهما من السمسرة أي الوساطة التجارية، كما تدير هذه المدينة مختلفة بسبب طبيعة أعمالهم في الميناء جنسيات مختلفة بسبب طبيعة أعمالهم في الميناء من استيراد وتصدير والتقاء بالعملاء والوكلاء التجاريين، فنتج عن اختلاط أجناس متعددة فيها، وهذه صفه تتميز بها معظم الموانئ والمدن الواقعة على السواحل، فتصبح ملتقى الأجناس متباينة لمؤثرات متنوعة تنعكس على مجتمعها نتيجة انتقال كثير من القيم والعادات الاجتماعية والخلقية الخاصة بالسكان المهاجرين للمدن التجارية والساحلية الواقعة على البحار، والمحيطات.
كانت الحركة التجارية مركزة في جبل صيرة وساحلها وكانت السفن تلقي مراسيها،وقد أمدنا ابن المجاور بمعلومات طريفة عن حياة عدن قبل أكثر من ثمانية قرون، فكان هناك حراس يقفون في أعلى جبل المنظر وحصن الخضراء على جبل الخضراء وعيونهم الحادة البصر ترقب في أفق البحر البعيد السفن التجارية القادمة إلى ميناء عدن، وكانوا لا يتمكنوا من رؤية السفن إلا وقت طلوع الشمس وغروبها، لوقوع شعاع الشمس على سطح البحر، فيتضح على بعد مساحة الشيء القادم.
عبر هذا، أصبحت عدن مدينة عالمية لها علاقات تجارية مع الكثير من دول العالم القديم، إذ لا يمر أسبوع دون أن تدخلها أنواعاً كثيرة من البضائع، وكان لوصول السفن وإقلاعها مواسم معروفة.
لعب البحر الأحمر في علاقة عدن، ونشاطها التجاري مع الشرق الأقصى حيث تبحر سفنه تلك الأرجاء،وكانت عدن الميناء الأول للسفن القادمة من هذه الطريق ، حتى أن المؤرخ المقدسي وصفها بأنها (دهليز الصين)، أما أهم البضائع الواصلة إلى عدن من الصين، الحرير والقصب، وكانت تتبادل مع البضائع مع اليمن وعمان وبلاد فارس، كذلك كان لعدن علاقات تجارية مع شرق أفريقيا ومصر وشبه القارة الهندية.
شهدت العلاقات التجارية بين عدن والهند عدة نشاطات واسعة خلال القرنين السادس والسابع للهجرة، الثاني عشرة الثالث عشر الميلادي إبان حكم بني زريع وبني أيوب لليمن.
فمن عدن يكون السفر بحر العرب ثم إلى المحيط الهندي، المتصل بالبحر الأحمر بواسطة المحيط الهندي حيث يكون الوصول إلى سواحل السند والهند.
لقد أفاض المؤخرون والرحالة العرب وغيرهم في وصف أهمية ميناء عدن وموقعها الجغرافي على طرق المواصلات العالمية ومستوى علاقاتها بالجزر والبحار والأقاليم والمدن القريبة منها، فوصفوها بأنها فرضة الهند والزنج والحبشة وعمان وكرمان وكيش وفارس، ولموقعها على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر وعلى تقاطع خطوط المواصلات البحرية تأثيره الكبير في أكثر من جانب، وقد وصفت عدن بانها مدينه مشهورة على ساحل بحر الهند من ناحية اليمن، وبعد ميناء عدن وهو الميناء الطبيعي، المنفذ الأوحد على المحيط الهندي لكامل المنطقة العدنية،وهي أغنى مقاطعات جنوب بلاد العرب، كما ذكرت مصادر التاريخ في تلك العهود، لقد ظلت للمراكب الراحلة من بحر عدن أو الداخلة إليها تتبع مواسم عرفت بها، وهي توضح مكانة عدن ونوعية الحركة التجارية فيها، وقد قال صلاح الدين الحكيم عن منزله عدن في هذا المجال (ولا يخلو أسبوع من عدة سفن وتجار واردين عليها، وبضائع شتى ومتاجر منوعة والمقيم بها في مكاسب وافره، وتجارة مربحة، ولحط المراكب عليها وإقلاعها مواسم مشهورة) ازدهرت عدن في عهد الحكم الأيوبي لأنها كانت مركزاً تجارياً مهماً لكونها تعد أحدى موانئ اليمن الهامة،والتي اشتهرت بكثرة مواردها من رسوم التجارة بسبب وصول السفن التجارية اليها من مختلف أرجاء العالم، وقد شكلت هذه المداخيل المالية عصب الحياة الاقتصادية لمدنيه عدن، مما عكس ذلك على سياسة الدولة الأيوبية في اليمن.
وفي هذا العهد ازداد عدد سكان عدن من العرب وغيرهم من التجار والعاملين في الوسط التجاري من أجناس مختلفة، وكانت الحركة التجارية واسعة النشاط متسعة داخل المدينة ومينائها، أدت إلى توسع ثراء أهلها وتحسن نوعيه حياتهم في جانب أمورهم المعيشية، وقد أستغل هذا الدخل الاقتصادي من الميناء في تطوير عدن فحفر الناس فيها الآبار وأقاموا المساجد وكذلك الأسواق والدكاكين، وأصبحت الحياة في عدن تتمتع بمكانة متميزة وسمعه واسعة، كما كثرت فيها العمارة، وفي عام 1175 م كانت عدن أكثر أماناً وتحصيناً من أي موقع تجاري عربي آخر في الجزيرة العربية.
وفي العصر الأيوبي لعدن حدت تطور عمراني بما يخص المنشآت التي لها صلة بالميناء، حتى يؤدي دوره وخدماته بشكل أفضل نتيجة التسارع الهائل في ازدياد الحركة التجارية فيه، وتحقيق حالة الأمن والاستقرار بفعل قيام الدولة الأيوبية التي تولي هذه المدينة عناية خاصة لموقعها الاقتصادي.
وفي عهد عثمان الزنجيلي ازدهرت عدن وعظم شأن مكانتها، وأراد أن يجعل منها قاعدة مهمة للبيع والشراء. حيث قام ببناء العديد من المراكز الاقتصادية ذات الصلة الوثيقة بحياة الناس.
وأشارت المراجع التاريخية، أن عدن في عهد الأيوبي قد شيدت فيها الفنادق والقصاريات بشكل رائع، وقد أشاد السلطان سيف الإسلام طغتكين قيصارية جديدة للعطارين في عدن جمع فيها عدداً من الدكاكين ولعابات يغلق في الليل، وجدد المعتمد في الدين محمد بن علي التكريني نائب بني أيوب في عدن بناء هذه القيصارية، مما يدل عليه هذا الوصف، هو مدى التطور الأمني والحضري من خلال إغلاق باب السوق ليلا ووضع حماية للمال والتجارة داخل مدينه عدن، لان عمليه مثل هذه هي إجراء امني متطور ما يزال يعمل به حتى اليوم في كثير من المدن التجارية الهامة والمراكز الاقتصادية الحيوية فيها،وعدن كانت من المدن السابقة في هذا الجانب المتحضر في العلاقة بين الأمن والاقتصاد. صفحات من تاريخ عدن في تلك العصور القديمة وعبر كل الأزمات ظلت عدن صورة لذاتها وهي الارتباط بين الإنسان والمكان،بين الاقتصاد والدولة ، بين القيم والعمل.
وكلما ذهبنا إلى تلك المساحات من تاريخ عدن نشحن الذاكرة بعبير تلك الحقب ما صاحب مراحلها من استقراء في حياه الناس، فعدن مدينه لا يأتي الخير إليها، إلا عندما تحكمها يد السلام، والعدل وعندما يذهب هذا الوعي، فهي من ملوحة بحارها ونار شمسها تحرق أنفس وأجساد من عبثوا بها، وتلك حكاية أخرى لمدينة البركان عدن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى