الحراك الجنوبي في اختبار صعب أمام هادي.. من سيكسب الآخر؟

> تقرير/ ماجد الشعيبي

> في السياسية لا قاعدة ثابتة.. انطلاقاً من هذه القاعدة يتعرض الشارع الجنوب للعديد من الصدمات يتلقاها يوماً بعد الآخر بشكل يبدو كما لو أنه منظم، بعد سنوات سبع من الحلم بنيل (...) ناعم عن الشمال، وفي ظل هذه التوجهات الدولية التي لا ترفض قطعاً تحقيق هذا الحلم لكنها تأخرة لأسباب منطقية لا يدركها غالبية الجنوبيين، ومن المهم حالياً كسب الوقت وكسب مزيد من القوة بمختلف الطرق للوصول لتحقيق هذا الحلم.
حينما يريد البعض تقييم وضع الحراك الجنوبي في مرحلة ما بعد تولي هادي رئاسة اليمن، فسيلحظ تغييرا كبيراً ضمن تغيرات
كثيرة في المنطقة، وهنا يمكن الجزم إن اختيار الأخير لم يأتي اعتباطاً بصفته نائب للرئيس السابق، ولكنه كان أحد الخيارات القوية المطروحة كورقة للوصول إلى حل ولو مؤقت لقضية الجنوب، التي اصطدمت بالتغييرات الحاصلة في زمن ثورات الربيع العربي،وبرزت في اليمن كواحدة من أبرز التحديات أمام من يديرون ملف شؤون الشرق الأوسط الجديد.
ظل الحراك الجنوبي خلال السنوات الماضية وخصوصاً في الأعوام الثلاثة الأخيرة الحلقة الأضعف أمام كثير من التحالفات التي نشأت كضرورة لعملية الانتقال السلطوي التي حصلت في البلاد، وعلى الرغم من قدرة الحراك الميدانية في إدارة الشارع الجنوبي والشعبية التي يحظى بها خصوصاً بعد كسره شوكة الإصلاح ميدانياً في عدن وفي الجنوب، ولكن هذه القوة لم تحقق له شيئاً على الأرض، وبرزت العديد من المشاكل، جعلت تحالفات أخرى تستفيد من ضعف الدولة المركزية مكنت تلك القوى من السيطرة ميدانياً على بعض المحافظات الجنوبية.
لم يسع الحراك عبر قياداته إلى عقد أي صفقة مع أقرب القوى المتواجدة في الميدان، باستثناء مشاركة بعض أنصاره في ثورة التغيير كهدف مرحلي لأسقاط المركز،والانقلاب عليها بعد سيطرة الإصلاح وأحزاب المشترك على مجريات الأمور في الشمال، وبقي الحراك كقوة ميدانية تستغلها أطراف كثيرة،وبرزت المليونيات الأخيرة التي حققت الكثير لصالح القوى الأكثر تنظيماً حتى داخل الحراك نفسه، من ضمن تلك القوى مؤتمر شعب الجنوب المكون الجديد الذي جازف بدخوله الحوار اليمني تزامناً مع تنظيم مهرجانات شعبية ضخمة ترفض الحوار الحوار قطعياً،ويعد المكون الذي يرأسه بن علي واحداً من المكونات التي قدمت الكثير من الإيجابيات للحراك الجنوبي عن طريق القوة المنهجية والعلمية في طرح القضية الجنوبية أمام المجتمع الدولي وتعريته للأحزاب التي سعت إلى استنساخ مكونات باسم الحراك لتضمن أن تكون هي الممثلة الشرعية للجنوب وثورته، ومن اطلع على رؤية مؤتمر شعب الجنوب المقدمة في الحوار سيدرك أن مشاركتهم لم تكن من باب الصدفة.
بعيداً عن الإخفاقات التي وقع فيها بن علي ورفاقه إلا أن دخوله الحوار قلب الكثير من الموازين، ورجح كفة القضية الجنوبية ورفع صوتها عالياً،وإذا ما كان استمر قادة الحراك والجنوب بالسير وفق قاعدة لا يعنينا فإن مجريات الأمور كانت سائرة على الأقل من وجهة نظري في طريق اعتبار الحراك الجنوبي واحداً من الحركات المسلحة والتي تعرقل العملية الانتقالية في اليمن.
لا يمكن اعتبار هادي مشكلة بالنسبة للجنوب، كما لا يمكن وصفه حلاً جذرياً لها، فالرئيس اليمني الذي برز كواحد من تحالفات الرئيس اليمني السابق، التي رجحت كفة الأخير في كسب معركة دخوله عدن والسيطرة على زمام الحكم إبان حرب صيف 94 ، وهذه النقطة بالتحديد تصنف واحدة من أهم النقاط التي تضعف هادي في الجنوب أقلها أمام أنصار الحراك الجنوبي.
* تحالفات هادي في الجنوب هل تفهم؟
في حركة شعبية يصعب السيطرة عليها نتيجة عدم وجود قيادة حقيقة لها مثلت هذه النقطة بالنسبة الهادي المدخل المناسب لكسب تحالفات جديدة داخل الجنوب ليعود الرئيس الجنوبي اليمني بما يملكه من قوة من جديد كواحد من أهم الخيارات التي قد تقلب موازين الأمور لصالح أي طرف كان.
يقدم هادي نفسه حالياً كمنقذ وخيار وحيد للجنوبيين قبل الشمالين في العودة إلى المقدمة عبر طي صفحات الماضي واستغلال الدعم الدولي الذي يحظى به الرجل، لجبر الأضرار التي أنتجتها الحرب وحل المشاكل التي ظل يماطل في حلها الرئيس صالح على أقل تقدير،وبالنسبة لهادي ربما تكون من أهم القضايا التي سيسعى لحلها عبر مراحل لكسب ثقة الجنوبيين من جديد.
ماتزال أغلب قيادات الحراك تتعامل مع هادي خارج مربع خياراتها لحل القضية الجنوبية، بيد أن هناك قيادات بارزة في الحراك لملمت أوراقها وسارعت إلى الالتقاء مع هادي في صنعاء سراً، وهي من أبرز القيادات التي تصدح ب(...).
اللقاء الذي جمع هادي برئيس جمعية المتقاعدين العسكريين ناصر النوبة، ضمن لقاءات عديدة مع قيادات الحراك معظمها قد تكون سرية أحدثت هذه المقابلة غير المتوقعة ردة فعل كبيرة في الشارع الجنوبي، ربما الكثير من النشطاء فهمها بشكل إيجابي والأغلب بشكل سلبي، لكنها تصنف كواحدة من أهم الخطوات التي قد ترجح كفة الجنوبيين في العملية الانتقالية الجديدة في طريق استعادة جزء من القوة التي كانت بيد القيادات الجنوبية ذات يوم .
من المهم أن يتعامل الحراك وقياداته الآن بشكل جدي، لتبني تحالف سياسي جديد وبأي صيغة كانت مع هادي للاستفادة من الظروف والمتغيرات الحاصلة، فمزيد من المزايدات والسير وفق طريق مجهولة قد تسقط الجنوب مجدداً في مستنقع الحرب التي لا تنتهي، فنظام صالح هيأ بيئة خصبة لأكثر القوى تطرفاً التي ساهمت كجناح عسكري له إبان اجتياح عدن، وماتزال شوكة تهدد مستقبل الجنوب،وقد تسيطر عليه في أي لحظة.
ويلاحظ ذلك أنه كلما ارتفع الصوت المطالب بالانفصال عن الشمال توسعت أعمال ما تسمى بـ(أنصار الشريعة) وتمددت في الجنوب، وبطبيعة الحال فهذه القوى تستخدم كورق ضغط ضد الرئيس هادي.
وهنا يجب تفهم ذلك من خلال كيف وسعت المجاميع المسلحة من أعمالها في الجنوب،وسعى لإسقاط شبوة وحضرموت نكايته بهادي الذي رفض تدخل الجيش في الحرب ضد جماعة الحوثي، وكيف وقفت قيادات الشمال السياسية والدينية ضد الحرب مع المجاميع المسلحة ووصفتها بغير المبررة.
الامر لا يتطلب ذكاء كبيرا، فالرئيس هادي يحتاج لكسب تحالف قوي في الجنوب عن طريق الحراك الجنوبي، وعلى الحراك وقيادته تفهم هذا التحالف أنه لن يضر بقضية الجنوب، بل سيزيد من قوتها في الميدان، وفي مركز الحكم، والتأكد من أن هذا التحالف إذا لم ينجح فسيخسر الطرفان، وستكسب قيادات صنعاء المعركة مجدداً، وسيخسر الجنوبيون، وعموماً فإن أي تحالف يتم فلن يستمر طويلاً، ومن المهم الاستفادة منه الآن.. يواجه الرئيس اليمني مخططا كبيرا من قبل قيادات الشمال لإفشاله والإطاحة بحكمه بعد تأكدهم أن الرجل يسير في طريق إعادة الجنوبيين للمشهد من جديد، وهو الأمر الذي ظل محرّماً خلال سنوات حكم علي عبدالله صالح، وما حدث في الحادي عشر من يونيو الجاري دليلاً واضحاً على أن المخطط الانقلابي على هادي كان جاهزاً وسيستمر إذا ما ظل الجنوب ضعيفاً وهادي ضعيفاً أيضاً.
التحالف مع الرجل الذي يحظى بدعم دولي غير مسبوق هو تحالف من أجل الجنوب وليس من أجل شخصه، وعلى جميع الأطراف التعامل مع هذا الأمر بحسب هذه القاعدة، فإذا افترضنا أن التحالف تم وفق طريقة معينة فإذا ما كسب الحراك وثورته، فإنه أيضاً لن يخسر شيئاً.
التأكيد على أن هذا التحالف أو قوته لن يؤدي بحسب ما روجه البعض إلى انحسار الحراك الجنوبي وضعف شعبيته، بل على العكس يجب أن يكون عاملاً لكسب المزيد من القوة للجنوب وليس لحساب طرف على الطرف الآخر، وعاملاً في قوة الحراك ومساهماً في رص صفوفه وتعزيز قوته الميدانية والتنظيمية، لأنه كلما كان الحراك ضعيفاً ميدانياً انعكس ذلك على هادي والعكس صحيحاً.. ويجب التفريق بين التحالف الاستراتيجي المنظم وبين التحالف العشوائي الفردي،وعلى الجميع البناء على أن يكون تحالفاً استراتيجياً منظماً،ومن الخطأ أن يكون العكس،أي تحالف له أهدافه الآنية منها والمرحلية والبعيدة، وهذه الأهداف لا تنتقص من حق شعب الجنوب في استعادة الدولة الجنوبية كاملة السيادة على مراحل محددة، فإن نجح فقد أدى مهمته، وإن لم يكتب له النجاح فلن يكون لذلك الفشل نتائجه العكسية على الثورة، ووجب التنويه هنا إلى أن التحالف لا يعني تخلي الحراك عن ثورته أو يعد بمثابة إعلان لعودة الجماهير إلى منازلها، بل يجب أن يظل الشارع على ما هو عليه ويستغل كورقة ضغط لا تنتهي حتى يأتي هذا التحالف بثماره أو يُفقده شرعيته.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى