عدن.. الرصاص الراجع مستمر بإزهاق الأرواح البريئة

> تقرير/ قسم التحقيقات:

> لم تعد ظاهرة إطلاق الرصاص والمفرقعات النارية في سماء محافظة عدن أثناء حفلات الأعراس، مصدر فوضى وإزعاج للمواطنين، لكنها باتت تشكل أيضاً مصدر خطر على حياتهم، خصوصاً بعد أن سجلت الأحداث وقوع عدد من الوفيات، والإصابات الناتجة عن ما يُعرف بخطر (الرصاص الراجع).
والواضح أن ظاهرة حمل السلاح وإطلاق الذخائر الحية في أجواء مدينة عدن، لم تعد اليوم من التجاوزات التي يعاقب عليها القانون، حيث لا يزال أولئك المسلحون يحملون أسلحتهم اليوم ويتجولون بها في الشوارع والأسواق العامة دون تراخيص رسمية، بل ويتجاوزون بإطلاق أعيرتها القاتلة بكل حرية دون أن تتخذ بحقهم ضوابط أمنية رادعة.
يضاف إلى ذلك، ظاهرة إطلاق الألعاب، والمفرقعات النارية ذات الألوان والأصداء القوية، والتي غالباً ما تتسبب بإقلاق السكينة والطمأنينة العامة،فهذه الألعاب المرعبة هي الأخرى أصبحت تباع في الأسواق المفتوحة وبأسعار زهيدة أمام نظر السلطات الأمنية، ومتوفرة بين فئات العابثين من الكبار والصغار.
أحداث مؤسفة ومآسي قاسية سمعناها خلال العامين المنصرمين عن مصرع ضحايا من فئات عمرية مختلفة سقطوا برصاصات طائشة، وآخرون توفوا نتيجة (الرصاص الراجع).
 رامي المصري
رامي المصري
ولإعطاء نماذج ودلائل على ذلك فقد شهد قبل نحو 5 أشهر مقتل امرأة في مديرية (الشيخ عثمان) إثر تلقيها إصابة بليغة في الرأس برصاصة مجهولة المصدر، ومقتل رجل مسن في مديرية (دار سعد) برصاصة شجت رأسه، إضافة إلى حوادث شهدها العام المنصرم بتعرض الطفل صبحي عبدالكريم ذو العام والثمانية الأشهر، إلى رصاصتين راجعتين
سقط إثرها مصابا بإصابة خطيرة في كل من الرأس والظهر، حينما كان يلعب في فناء منزله بمديرية دار سعد، أعقبته حادثة مماثلة عن تعرض الطفلة سعاد قيس، البالغة من العمر 10 سنوات بمديرية دار سعد إلى طلق ناري راجع، استقر في أمعائها أثناء خلودها للنوم بمعية أسرتها في ساحة الحوش.
تلا ذلك مقتل طفل يبلغ من العمر 11 سنة من سكان (كريتر)إثر إصابته بعيار ناري راجع، رجح أنها كانت إحدى زخات الرصاص التي أطلقها مبتهجون في حفلة عرس بحارة (القاضي) بمدينة كريتر.
لكن تبقى أكثر الأحداث مأسوية، هي مقتل أم ل 5 أطفال، إثر إصابتها بالرأس نتيجة رصاصة راجعة وتوفيت قبل إسعافها إلى المستشفى، إلى جانب مقتل الشاب صقر من أبناء مدينة كريتر، وهو في ريعان عمره برصاصة راجعة أيضاً.
وهكذا تتولى المآتم والمآسي في مدينة عدن، محبكة بتفاصيلها عناوين بارزة عن مدى حالة الاستهتار بأرواح الناس في ظل صمت أمني مطبق، وتزايد نشوة أولئك المسلحين الذين يتسابقون بالضغط على الزناد للتعبير عن أفراح مجنونة ترقص على إيقاع أعراس تقام وسط الأحياء، بينما في أحياء وبيوت مجاورة يسقط ضحايا من الرجال والنساء والأطفال وهم آمنون، والطامة أن كل الأحداث المتعلقة بجرائم الرصاص الراجع تقيد في السجلات الجنائية ضد مجهول !!.
* الضحايا في ازدياد مضطرد
من الصعوبة تحديد على وجه الدقة عدد القتلى أو الجرحى الذين راحوا ضحية الرصاص العشوائي، أو بما يعرف بالرصاص الراجع، خلال العاميين الماضيين.
اسرار عباد
اسرار عباد
والأسباب في ذلك عدم وجود سجلات رسمية توضح معدل الأرقام، نتيجة غياب آلية شفافة في توضيح معدلات الضحايا ضمن دوائر واختصاصات أجهزة الأمن،التي غالباً ما تكون ذرائعها، أن مثل تلك القضايا لها أبعاد جنائية وذات خصوصية لا يمكن الكشف عنها نظراً لإجراءات التحقيق والتحرز!!.
لكن ما ذكره مصدر طبي في مستشفى الجمهورية التخصصي بعدن، عن وجود حالات عديدة تصل إلى المستشفى في أيام وأسابيع متقاربة، وعن وجود 17 حالة ما بين إصابة ووفاة استقبلها المستشفى في أقل من شهرين، وهذا ما يؤكد أن الضحايا في ازدياد مضطرد، لاسيما وأن هناك مصادر طبية أخرى تتحدث عن وجود حالات تعرضت لإطلاق رصاص من جهة مجهولة تستقبلها المشافى العامة، والخاصة في أوقات متقاربة، خصوصاً في كل من مستشفى الوحدة (الصداقة سابقاً)، ومستشفى أطباء بلا حدود.
يقول الطبيب (ع/س): “إن الضحايا الذين يتم إسعافهم إلى قسم طوارئ مستشفى الجمهورية، يجرى تعيين حالتهم بوجود ممثلين عن إدارة البحث الجنائي باعتبار أن قضاياهم جنائية”، موضحاً في ذات السياق أن دور الطاقم الطبي المناوب يقتصر فقط على العلاج والتشخيص وتحرير التقارير الطبية بشأنها، ومن ثم تسليمها لجهات الإختصاص الأمنية التي بدورها تقوم بجمع البيانات والاستدلالات والتحقيق حول ملابساتها.
ويستطرد الطبيب الذي طلب عدم الإفصاح عن اسمه لأسباب عمله في المستشفى، أن إدارة المستشفى لا يوجد لديها معايير عمل مهنية وأخلاقية تسمح بموجبها إحصاء عدد ضحايا الرصاص المجهول أو الراجع الذين يتم ترحيل ملفاتهم مباشرة إلى أجهزة الأمن كونها الجهة المعنية في جمع المعلومات والتفاصيل وحصر الأسماء والأعداد.
وبخصوص الإحصائيات التي توردها المشافي الخاصة إلى سجلات الأمن والنيابة العامة، فإن ذلك من الصعوبة الحصول عليها لأن من خصوصية الإجراءات المتخذة في المستشفيات الخاصة عدم الإفصاح عن أية بيانات إلا عبر توجيهات قضائية. تشير بعض إحصائيات وزارة الداخلية إلى أن ضحايا العبث بالسلاح في الأعراس على مستوى محافظات اليمن ارتفعت خلال النصف الأول من العام الجاري بنسبة تفوق 75 % عن الفترة نفسها من العام الماضي،حيث بلغ عدد الضحايا حتى شهر مارس الماضي نحو 101 شخص،من ضمنهم 27 طفلاً، و 6 نساء.
* الدولة معنية بالحق المادي
ولفهم موقف القانون في التعامل مع مثل هذه القضايا الجنائية، التي دائماً ما تقيد ضد مجهول، يوضح المحامي رامي المصري بالقول: “إن التكييف القانوني لمثل هذه القضايا تعتبر جناية قتل خطأ، ويتم التحفظ عليها في النيابة العامة نتيجة عدم معرفة الفاعل”.
عدد من ضحايا (الرصاص الراجع)
عدد من ضحايا (الرصاص الراجع)
وحول حقوق أسر الضحايا القانونية والمادية، يقول رامي: “إن على أولياء الدم في حالات القتل برصاص مجهولة الرجوع إلى رفع دعوى على الدولة لضمان حقهم في الجانب المادي، وتتحمل الدولة الدية ودفع كافة التعويضات بصفتها المسؤولة عن أمن وحماية كل المواطنين، بموجب النصوص والمواد القانونية الموضحة بهذا الخصوص”، حد تعبيره.
ويضيف: “لكن للأسف أولياء الضحايا وبمجرد إبلاغهم من قبل الجهات الأمنية أن قضية مقتل ولدهم حفظت بالنيابة ضد مجهول، فإنهم يوكلون أمرهم لله معتقدين أن قضيتهم في عدم معرفة القاتل، وصلت إلى نهاية المطاف” مكملاً: “وهذا يحدث بالطبع دون علمهم بوجود إجراء قانوني آخر وهو حق تحريك دعوى ضد الدولة،وقلة علم الكثير من أسر الضحايا عن هذا الإجراء نابع عن عدم وجود وعي شعبي بالقانون وبالإجراءات التي تحفظ حقوق أولياء الدم”.
* بلاغات يتم تجاهلها
وعن دور منظمات المجتمع المدني بشقيه (الحقوقي والإنساني) إزاء القتل المتنامي والتي غالباً ما يخلفها الرصاص العشوائي أو ما يسمى بالراجع، وتقيدها بكل الأحول ضد مجهول.
تقول المحامية أسرار عبدالله عباد،منسق عام ائتلاف الشباب للدفاع عن حقوق الإنسان، في عدن: “نحن كمنظمات مجتمع مدني نؤدي دورنا بحرص على تحقيق شراكة وتنسيق مع إدارة الأمن بالمحافظة،ولكننا للأسف.. كلما قمنا برفع بلاغات وشكاوي لأجهزة الأمن والنيابة العامة،عن تزايد ضحايا الرصاص العشوائي والراجع، ونطالب بنزع الأسلحة من أيدي المسلحين، ومنع ظاهرة انتشار (الطماش) نجد الجميع من الجهات التنفيذية والأمنية تصك آذانها وترفض التفاعل بإيجابية مع بلاغتنا”.
وتضيف عباد “لقد بادرنا من سابق في تقديم بلاغات متكررة إلى (النائب العام) شكينا فيها عن مدى الضرر الذي يعانيه المواطنون البسطاء إزاء انتشار ظاهرة حمل السلاح وإطلاق الأعيرة القاتلة أثناء حفلات الأعراس، لكننا لم نحصل منه على إفادة، أو أننا سمعنا أنه قام على الأقل بتوجيه الجهات المختصة بضبط المخالفين وإجراء التحقيقات القانونية معهم”.
وحول عدد البلاغات المقيدة لدى المنظمات الحقوقية في عدن، والوفيات المتعلقة بالرصاص الراجع، تجيب عباد “لا توجد هناك بيانات واضحة بشأن تلك القضايا، لأن كل جهة أمنية ترمي بمسؤوليتها لجهة أخرى، تحت مبرر أن إطلاق الرصاص لم يتم في نطاق صلاحيتها في المديرية، بالتالي فإنها لا تعرف تحديد مصدر الرصاص الراجع، الذي غالباً ما يطلق في مديرية ويسقط مداه في مديرية أخرى مجاورة” !!.
وتطالب أسرار الأجهزة الأمنية في عدن أن تقوم بمسؤوليتها بحفظ الأمن وملاحقة من يحملون السلاح ويطلقون أعيرته في السماء بمناسبة أو بدون مناسبة، لأن ذلك من شأنه يتسبب بمقتل أبرياء آخرين خصوصاً مع تزايد انتشار الحبوب والمخدرات بين أوساط الشباب والمراهقين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى