> نجمي عبد المجيد:
لهذا الجانب قراءة المحور البريطاني الذي رسم لعدن هوية المرحلة التاريخية المرتبطة ذلك الحضور، فهو لم يكن فعل السياسة المنفردة بقدر ماتداخلت معه مسافات دولية سعت لمد تواجدها في هذه المنطقة عبر حقب من صراعات الدول الغربية على عدن، وهي حسابات لم تغلق معادلاتها حتى اليوم.
وفي هذا المضمار المتصارع، أثارت أهداف بريطانيا التوسعية مقاومة كبرى من طرف الدول الأخرى المتنافسة، ولا سيما فرنسا وإيطاليا اللتان لم ترغب في الانفراد البريطاني، وكذلك التخلي عن مصالحهما في المشاركة، ومد النفوذ في الجزيرة العربية.
وقد جاءت المبادئ الأساسية لسياسة بريطانيا بعد الحرب العالمية الأولى، فيما يتصل بالعلاقة مع حكام الجزيرة العربية في تلك البرقية المرسلة من قبل وزارة الخارجية البريطانية بتاريخ 9 يوليو 1919م إلى الجنرال هنري اللنبي المندوب السامي في مصر، وتتلخص هذه الأهداف في التالي:
1- تضطلع بريطانيا بدور التحكيم في جميع الخلافات بين حكام الجزيرة.
2- تدافع عنهم عند الهجوم الخارجي.
3- تتمتع بحق مراقبة علاقاتهم الخارجية.
4- بدون موافقة بريطانيا لايجوز منح الأراضي، والامتيازات للأجانب.
ومما باء في تلك البرقية هذه العبارات المحددة لدور بريطانيا السياسي في المنطقة، والتي لعبت عدن فيه دور القاعدة السياسية والعسكرية :"إن الوفد البريطاني في مؤتمر الصلح في باريس ينوي إدراج هذه المبادئ ضمن المعاهدة مع تركيا بغية أضفاء الشرعية على حقوق بريطانيا في الجزيرة العربية، والحيلولة دون دخول الدول الغربية الأخرى إلى هذه المنطقة الإستراتيجية الهامة".
وفي كتاب مرسل إلى وزير شؤون الهند، قال ممثلوا السلطات الانكلو هندية:" إن سياسة حكومة صاحب الجلالة بعد الحرب، تمليها النية في منع الدول الأجنبية الأخرى من الحصول على نقاط ارتكاز في الجزيرة العربية، والنية في ملء الفراغ السياسي الناشئ عن طرد العثمانيين من الجزيرة".
في الفترات من عام 1901م، حتى عام 1914م من الصراع بين بريطانيا، والدولة العثمانية على ترسيم حدود المناطق في جزيرة العرب، أرغمت بريطانيا الباب العالي على الاعتراف بأن إمارات الجنوب المحمية ليست جزءاً من اليمن، وجعلوه يوافق على تحديد المسافات السيادية بين عدن واليمن، وكان هذا الفعل حصيلة لصراع واسع بين بريطانيا، والدولة العثمانية من أجل السيطرة على جنوب شبه الجزيرة العربية.
في أواخر عام 1901م اتخذت كل من حكومة بريطانيا، والدولة العثمانية قراراً بتشكيل لجنة انكلو عثمانية، لغرض رسم الحدود، وكانت تقع عليها مهمة تعين الحدود الفاضلة بين اليمن ومحمية عدن.
أما المسألة التي وقفت أمام كل طرف، هي تحديد المسافات بين الجغرافيا والسياسية، فكل مسافة ترسم على الأرض جغرافيا هي فعل سياسي في إدارة حدود هذه المواقع.
حتى عام 1902م ظلت الدولة العثمانية تدعي حقها في مناطق الجنوب، ماعدا عدن والمناطق المتاجمة لها، وكانت السلطات البريطانية قد أصرت بدورها على حدود تجعل أراضي القبائل التسع المتواجدة على مقربة من عدن داخل في إطار منطقة النفود البريطاني.
قرر الحكام في لندن، حتى يرسمو هذه الحدود أن يستفيدوا من نتائج المسح الميداني الذي قدمه أحد ضباط القوات البريطانية فيما بين 1891- 1892م حول تحديد المسافات الحدودية بين اليمن وعدن، والتي أطلق عليها اسم ((خط وهاب)) غير أن هذه الحدود لم تحدد على خريطة عام 1892م، وقد جاء وصفها فقط في التقرير الذي تقدم به رئيس البعثة الطوبوغرافيىة العقيد عبد الوهاب في مطلع شهر يناير 1902م اجتمع وزير شوؤن الهند البريطاني هاملتون مع السفير العثماني في لندن، وعرض عليه خريطة ((خط وهاب)) واعتبرها هي أساس الحدود التي تريدها بريطانيا بين محمية عدن واليمن.
أما إذا رجعنا إلى الدوائر البريطانية في الهند تحت قيادة نائب ملك الهند اللورد كيرزون، فهي خلافاً للندن، حيث تتمسك بنهج توسعي أكثر قوة في قضية تعيين تلك الحدود، لأنها تدخل ضمن خطط التوسع، وهناك من وجد في هذه التناقضات مجرد نوع من اللعب في المواقف، والأحداث على طاولة المناقشات والمحاور السياسية، ذات طابع تكتيكي وليس استراتيجياً.
وقد ظهرت خصوصًا في وتائر السياسة البريطانية، فإن مجلس الوزراء البريطاني، مثل شأن السلطان البريطانية في الهند، كان لديه طموح التوسع، ولكن خلافاً للفعل الإداري في بومباي، وعدن يعمل حسب مراعاة الأوضاع الدولية، والموقف العام من هذه الأحداث، ومدى الاهتمام بمصالح بريطانيا في المنطقة، والمناطق الأخرى من العالم.
لقد هدف اللورد كيرزون في استخدام (( خط وهاب)) بوصفة مجرد وسيلة تقريب يهنوي بها إلى نقطة تسمح له للتوصل إلى تنفيذ ماهو أبعد من ذلك، ولدى توفر أول فرصة فسوف يندفع في المد نحو أقصى الحدود الممكن من أراضي المستعمرات البريطانية في الجنوب وجنوب الجزيرة العربية، وعدن هي محور هذا الامتداد البريطاني لذلك كان لابد من وضع حدود لها لتحديد اتجاة العمل السياسي في المنطقة.
فيما كانت تجري من أحداث في هذا المكان، كان التنافس الدولي على الشرق الأوسط يحمل الكثير من المراهنات السياسية على تقسيم هذه المنطقة، ولم تكن علاقة بريطانيا مما ترضى فرنسا فقد اعتبر الفرنسيون تأسيس دولة عربية في دمشق من نوايا لعبة الإنجليز، القصد منها التضيق على المصالح الفرنسية، وكذلك تخفيف العب عن التحرك البريطاني.
ومما لاينكر أن الدوافع القومية التي دعت إلى خروج العرب عن حكم الدولة العثمانية هي ذاتها التي أوجدت الدول القطرية، والقومية المعززة لمشروع الإنقسام السياسي وذلك لعب فيه القلم الإداري البريطاني أهم الأدوار إلى جانب الفرنسي.
لقد كان للتوسع المصري أثراً واسعاً في جزيرة العرب بعد مادحر إبراهيم باشا الوهابين واتجه نحو اليمن، فما كان من بريطانيا أن سارعت إلى أخذ عدن مع أن اهميتها كميناء وكمحطة للفحم في الطريق إلى الهند. كانت تدعو إلى الدخول إليها قبل ذلك.
ولم تكن جزر البحر الأحمر القريبة من عدن والواقعة عبر حدود الملاحة الدولية بعيدة عن دائرة هذا الصراح الدولي، حيث ثم احتلال جزيرة بريم عام 1857م للمرة الثانية، عندما كان يناقش مشروع قنات السويس، وأنشئت فيها منارة بحرية ومحطة تلغراف، وبعدها أخذ النفوذ البريطاني يمتد نحو الشرق من عدن، إلى المكلا والشحر، وأقيمت محمية من هاتين المقاطعتين، وقد سبق أن احتلت جزيرة سقطرى، ولكنها هجرت وبعد ذلك عادت إلى الاهتمام البريطاني عندما بدأ الألمان في توسعاتهم الإقليمية، فحسب معاهدة عام 1876م سمح لبريطانيا من هذه الجزيرة، ولكن بعد عشرة أعوام ضمت إلى الحماية البريطانية.
من قراءة هذه الأوضاع ندرك أن مسافات عدن مابين البحر والبر تطلبت أكثر من إدراك لقيادة هذه المدينة، فالحدود هي المستقبل السياسي والاقتصادي لعدن، وبسقوطها ينتهي فعل السيادة، وتبدأ صراعات المصالح العاجزة عن فعل القيادة.
ف ييناير عام 1876م زار المقيم السياسي البريطاني في عدن البريجدير جنرال سي. د بليوتر يمنهير والذي حكم عدن من عام 1872م، حتى عام 1877م جزيرة سقطرى، ثم توجه إلى القشن، وفي مارس عام 1884م قام مساعد المقيم السياسي في عدن في عهد البريجدير جنرال جيه بلير الذي حكم من عام 1882م حتى عام 1885م بزيارة للجزيرة لاختيار موقع مناسب لاقامة فنار بحري للسفن، وفي إبريل 1886م وقع سلطان المهرة معاهدة حماية مع الحكومة البريطانية في عدن.
مابين الأعوام 1882 حتى 1885م شهدت أحداث سياسية على حدود ومناطق البحر الأحمر، حيث احتلت بريطانيا مصر وأجزاء من ساحل البحر الأحمر الغربي حتى سواكن بالإضافة إلى تأسيس الصومال البريطاني، وعليه فقد أضطرت بريطانيا إلى اتباع سياسة الحذر في بلاد الصومال المواجهة لعدن، نظراً لأن وقوع أي من زيلع أو بربرة في قبضة السيطرة الألمانية قد يدخل المنطقة في حالة من الفوضى والمواجهات المسلحة.
حتى تضمن بريطانيا نفوذها الدائم في هذه الجزر وضعت عدة اتفاقيات مع حكامها، ونقدم هنا نص إحدى الاتفاقيات التي نقرأ من خلالها المشروع البريطاني المنطلق من عدن نحو مسافات من البر والبحر.
* عدن - سقطرى والقشن - رقم (75) - 1888م رقم (75) معادة حماية مع قبيلة المهرة - 1888م
( رغبة من الحكومة البريطانية وعلي بن عبد الله بن سالم بن سعد بن عفرير المهري، سلطان قشن وتوابعها، في توطيد عرى الصداقة وتوطيد الأمن والاستقرار، فقد سمت الحكومة البريطانية وعينت البريجادير جنرال ادم جورج فور بس هج ((سي.بي)) المقيم السياسي بعدن، ليبرم معادة بهذا الغرض.
وقد اتفق البريجادير جنرال آدم جورج فور بس هج، سي.بي، والسلطان علي ابن عبد الله بن سالم بن سعد بن عفرير المهري المذكور، على النبود التالية:
المادة (1) نزولاً عند رغبة السلطان علي بن عبد الله بن سالم بن سعد بن عفرير المهري، فقد وافقت الحكومة البريطانية أن تبسط الحماية، والرعاية الملكية الكريمة على قشن وتوابعها التي تقع تحت أمر السلطان وقضائه.
المادة (2) يوافق السلطان المذكور علي بن عبد الله بن سالم بن سعد بن عفرير، ويعد عن نفسه وورثته وخلفائه، أن يمتنع عن الدخول في أية اتصالات أواتفاقات أو معاهدات مع أية أمة أو دولة أجنبية إلا بمعرفة وموافقة الحكومة البريطانية، كما يعد السلطان أيضاً أن يبلغ فوراً المقيم السياسي بعدن أو أي ضابط بريطاني آخر عن أية محاولة لأية دولة أجنبية للتدخل في شؤون القشن وتوابعها.
المادة(3) يسري مفعول هذه المعاهدة من تاريخه، وبحضور الشهود ثم التوقيع، ووضع الأختام في القشن في الثاني من مايو 1888م.
أ.ج. أف هج بريجادير جنرال.
المقيم السياسي بعدن.
الشهود: فردريك روب ليفتانست في البحرية الملكية.
سفينة صاحبة الجلالة ((أو سبري)).
إبهام السلطان علي بن عبد الله بن سالم بن سعد بن طوارى بن عفرير، سلطان قشن وتوابعها.
إبهام طوارى بن عمرو بن طوارى بن عفرير سعد بن سالم بن عمرو بن طوارى بن عفرير
سعيد بن مبارك بن سعدين، قاضي قشن.
الشهود: أم.أس.جعفر،المساعد المحلي للمقيم السياسي بعدن.
لانسد أون، نائب الملكة والحاكم العام لحكومة الهند.
تم التصديق على هذه المعاهدة من قبل نائب الملكة والحاكم العام لحكومة الهند، في المجلس، في فورت وليام، في السادس والعشرين من فبراير 1890م.
د بليو.جي.كنتجهام.
السكرتير الرسمي لحكومة الهند، دائرة الشؤون الخارجية.
عندما تم افتتاح قناة السويس في 17 نوفمبر عام 1869م أصبح نقطة تحول محورية في الملاحة العالمية وبالذات في منطقة البحر الأحمر، إذ عملت إنجلترا على توسيع نفوذها في القناة بشراء أسهم مصر، ثم اندفعت نحو السيطرة على شؤون مصر متذرعة بأكثر من غرض، وسبب، حتى تسيطر من خلالها على هذا الممر المائي الهام مفتاح البحر الأحمر الشمالي، وفي الوقت ذاته تحتفظ بعدن مفتاحه الجنوبي، لقد ارتبط النشاط في البحر الأحمر بالصراعات الدولية وبالتطاحن الاستعماري في الجنوب العربي، وفي إفريقيا عامة وساحلها الشرقي بنوع خاص.
لقد عملت بريطانيا بين الحربين العالميتين، على بسط نفوذها على جميع هذه المناطق كي تحقق استراتيجيتها، وما تمليه عليها أهدافها في المنطقة، حيث أطلقت على سياستها اسم (سياسة شرق السويس).
فدخلت في علاقات مع قبائل المناطق القريبة، وبالذات المقيمة على سواحل البحر الأحمر، ومضيق باب المندب، وكانت المعاهدات جزءاً من السياسة البريطانية في هذا الاتجاه، أصبحت كلها تحت نفوذها.
لهذا التاريخ جوانبه التي مازالت حتى الآن بحاجة إلى عمليات بحث وكشف عن الوثائق، والمراجع العاملة على تصحيح عدة مسارات في هذا المضمار.
وعدن في السياسة البريطانية، تعني حقبة مغايرة لما سبقها من فترات التاريخ، لأنها نقطة الارتكاز التي أدخلتها مع العصر الحديث، واستعادة لموقعها في السياسة والاقتصاد والتحركات العسكرية، وهذا الشكل من التاريخ لاتسقط أهدافه وأزماته بتقادم الأوضاع، حيث تظل منطلق التحدي لكل قادم بعدها، وتلك هي خاصية عدن، منطقة نفوذ، ولكنها لعبة الرهانات الصعبة في معادلات السباق الدولي نحو هذا المكان.
وفي هذا المضمار المتصارع، أثارت أهداف بريطانيا التوسعية مقاومة كبرى من طرف الدول الأخرى المتنافسة، ولا سيما فرنسا وإيطاليا اللتان لم ترغب في الانفراد البريطاني، وكذلك التخلي عن مصالحهما في المشاركة، ومد النفوذ في الجزيرة العربية.
وقد جاءت المبادئ الأساسية لسياسة بريطانيا بعد الحرب العالمية الأولى، فيما يتصل بالعلاقة مع حكام الجزيرة العربية في تلك البرقية المرسلة من قبل وزارة الخارجية البريطانية بتاريخ 9 يوليو 1919م إلى الجنرال هنري اللنبي المندوب السامي في مصر، وتتلخص هذه الأهداف في التالي:
1- تضطلع بريطانيا بدور التحكيم في جميع الخلافات بين حكام الجزيرة.
2- تدافع عنهم عند الهجوم الخارجي.
3- تتمتع بحق مراقبة علاقاتهم الخارجية.
4- بدون موافقة بريطانيا لايجوز منح الأراضي، والامتيازات للأجانب.
ومما باء في تلك البرقية هذه العبارات المحددة لدور بريطانيا السياسي في المنطقة، والتي لعبت عدن فيه دور القاعدة السياسية والعسكرية :"إن الوفد البريطاني في مؤتمر الصلح في باريس ينوي إدراج هذه المبادئ ضمن المعاهدة مع تركيا بغية أضفاء الشرعية على حقوق بريطانيا في الجزيرة العربية، والحيلولة دون دخول الدول الغربية الأخرى إلى هذه المنطقة الإستراتيجية الهامة".
وفي كتاب مرسل إلى وزير شؤون الهند، قال ممثلوا السلطات الانكلو هندية:" إن سياسة حكومة صاحب الجلالة بعد الحرب، تمليها النية في منع الدول الأجنبية الأخرى من الحصول على نقاط ارتكاز في الجزيرة العربية، والنية في ملء الفراغ السياسي الناشئ عن طرد العثمانيين من الجزيرة".
في الفترات من عام 1901م، حتى عام 1914م من الصراع بين بريطانيا، والدولة العثمانية على ترسيم حدود المناطق في جزيرة العرب، أرغمت بريطانيا الباب العالي على الاعتراف بأن إمارات الجنوب المحمية ليست جزءاً من اليمن، وجعلوه يوافق على تحديد المسافات السيادية بين عدن واليمن، وكان هذا الفعل حصيلة لصراع واسع بين بريطانيا، والدولة العثمانية من أجل السيطرة على جنوب شبه الجزيرة العربية.
في أواخر عام 1901م اتخذت كل من حكومة بريطانيا، والدولة العثمانية قراراً بتشكيل لجنة انكلو عثمانية، لغرض رسم الحدود، وكانت تقع عليها مهمة تعين الحدود الفاضلة بين اليمن ومحمية عدن.
أما المسألة التي وقفت أمام كل طرف، هي تحديد المسافات بين الجغرافيا والسياسية، فكل مسافة ترسم على الأرض جغرافيا هي فعل سياسي في إدارة حدود هذه المواقع.
حتى عام 1902م ظلت الدولة العثمانية تدعي حقها في مناطق الجنوب، ماعدا عدن والمناطق المتاجمة لها، وكانت السلطات البريطانية قد أصرت بدورها على حدود تجعل أراضي القبائل التسع المتواجدة على مقربة من عدن داخل في إطار منطقة النفود البريطاني.
قرر الحكام في لندن، حتى يرسمو هذه الحدود أن يستفيدوا من نتائج المسح الميداني الذي قدمه أحد ضباط القوات البريطانية فيما بين 1891- 1892م حول تحديد المسافات الحدودية بين اليمن وعدن، والتي أطلق عليها اسم ((خط وهاب)) غير أن هذه الحدود لم تحدد على خريطة عام 1892م، وقد جاء وصفها فقط في التقرير الذي تقدم به رئيس البعثة الطوبوغرافيىة العقيد عبد الوهاب في مطلع شهر يناير 1902م اجتمع وزير شوؤن الهند البريطاني هاملتون مع السفير العثماني في لندن، وعرض عليه خريطة ((خط وهاب)) واعتبرها هي أساس الحدود التي تريدها بريطانيا بين محمية عدن واليمن.
أما إذا رجعنا إلى الدوائر البريطانية في الهند تحت قيادة نائب ملك الهند اللورد كيرزون، فهي خلافاً للندن، حيث تتمسك بنهج توسعي أكثر قوة في قضية تعيين تلك الحدود، لأنها تدخل ضمن خطط التوسع، وهناك من وجد في هذه التناقضات مجرد نوع من اللعب في المواقف، والأحداث على طاولة المناقشات والمحاور السياسية، ذات طابع تكتيكي وليس استراتيجياً.
وقد ظهرت خصوصًا في وتائر السياسة البريطانية، فإن مجلس الوزراء البريطاني، مثل شأن السلطان البريطانية في الهند، كان لديه طموح التوسع، ولكن خلافاً للفعل الإداري في بومباي، وعدن يعمل حسب مراعاة الأوضاع الدولية، والموقف العام من هذه الأحداث، ومدى الاهتمام بمصالح بريطانيا في المنطقة، والمناطق الأخرى من العالم.
لقد هدف اللورد كيرزون في استخدام (( خط وهاب)) بوصفة مجرد وسيلة تقريب يهنوي بها إلى نقطة تسمح له للتوصل إلى تنفيذ ماهو أبعد من ذلك، ولدى توفر أول فرصة فسوف يندفع في المد نحو أقصى الحدود الممكن من أراضي المستعمرات البريطانية في الجنوب وجنوب الجزيرة العربية، وعدن هي محور هذا الامتداد البريطاني لذلك كان لابد من وضع حدود لها لتحديد اتجاة العمل السياسي في المنطقة.
فيما كانت تجري من أحداث في هذا المكان، كان التنافس الدولي على الشرق الأوسط يحمل الكثير من المراهنات السياسية على تقسيم هذه المنطقة، ولم تكن علاقة بريطانيا مما ترضى فرنسا فقد اعتبر الفرنسيون تأسيس دولة عربية في دمشق من نوايا لعبة الإنجليز، القصد منها التضيق على المصالح الفرنسية، وكذلك تخفيف العب عن التحرك البريطاني.
ومما لاينكر أن الدوافع القومية التي دعت إلى خروج العرب عن حكم الدولة العثمانية هي ذاتها التي أوجدت الدول القطرية، والقومية المعززة لمشروع الإنقسام السياسي وذلك لعب فيه القلم الإداري البريطاني أهم الأدوار إلى جانب الفرنسي.

ولم تكن جزر البحر الأحمر القريبة من عدن والواقعة عبر حدود الملاحة الدولية بعيدة عن دائرة هذا الصراح الدولي، حيث ثم احتلال جزيرة بريم عام 1857م للمرة الثانية، عندما كان يناقش مشروع قنات السويس، وأنشئت فيها منارة بحرية ومحطة تلغراف، وبعدها أخذ النفوذ البريطاني يمتد نحو الشرق من عدن، إلى المكلا والشحر، وأقيمت محمية من هاتين المقاطعتين، وقد سبق أن احتلت جزيرة سقطرى، ولكنها هجرت وبعد ذلك عادت إلى الاهتمام البريطاني عندما بدأ الألمان في توسعاتهم الإقليمية، فحسب معاهدة عام 1876م سمح لبريطانيا من هذه الجزيرة، ولكن بعد عشرة أعوام ضمت إلى الحماية البريطانية.
من قراءة هذه الأوضاع ندرك أن مسافات عدن مابين البحر والبر تطلبت أكثر من إدراك لقيادة هذه المدينة، فالحدود هي المستقبل السياسي والاقتصادي لعدن، وبسقوطها ينتهي فعل السيادة، وتبدأ صراعات المصالح العاجزة عن فعل القيادة.
ف ييناير عام 1876م زار المقيم السياسي البريطاني في عدن البريجدير جنرال سي. د بليوتر يمنهير والذي حكم عدن من عام 1872م، حتى عام 1877م جزيرة سقطرى، ثم توجه إلى القشن، وفي مارس عام 1884م قام مساعد المقيم السياسي في عدن في عهد البريجدير جنرال جيه بلير الذي حكم من عام 1882م حتى عام 1885م بزيارة للجزيرة لاختيار موقع مناسب لاقامة فنار بحري للسفن، وفي إبريل 1886م وقع سلطان المهرة معاهدة حماية مع الحكومة البريطانية في عدن.
مابين الأعوام 1882 حتى 1885م شهدت أحداث سياسية على حدود ومناطق البحر الأحمر، حيث احتلت بريطانيا مصر وأجزاء من ساحل البحر الأحمر الغربي حتى سواكن بالإضافة إلى تأسيس الصومال البريطاني، وعليه فقد أضطرت بريطانيا إلى اتباع سياسة الحذر في بلاد الصومال المواجهة لعدن، نظراً لأن وقوع أي من زيلع أو بربرة في قبضة السيطرة الألمانية قد يدخل المنطقة في حالة من الفوضى والمواجهات المسلحة.
حتى تضمن بريطانيا نفوذها الدائم في هذه الجزر وضعت عدة اتفاقيات مع حكامها، ونقدم هنا نص إحدى الاتفاقيات التي نقرأ من خلالها المشروع البريطاني المنطلق من عدن نحو مسافات من البر والبحر.
* عدن - سقطرى والقشن - رقم (75) - 1888م رقم (75) معادة حماية مع قبيلة المهرة - 1888م
( رغبة من الحكومة البريطانية وعلي بن عبد الله بن سالم بن سعد بن عفرير المهري، سلطان قشن وتوابعها، في توطيد عرى الصداقة وتوطيد الأمن والاستقرار، فقد سمت الحكومة البريطانية وعينت البريجادير جنرال ادم جورج فور بس هج ((سي.بي)) المقيم السياسي بعدن، ليبرم معادة بهذا الغرض.
وقد اتفق البريجادير جنرال آدم جورج فور بس هج، سي.بي، والسلطان علي ابن عبد الله بن سالم بن سعد بن عفرير المهري المذكور، على النبود التالية:
المادة (1) نزولاً عند رغبة السلطان علي بن عبد الله بن سالم بن سعد بن عفرير المهري، فقد وافقت الحكومة البريطانية أن تبسط الحماية، والرعاية الملكية الكريمة على قشن وتوابعها التي تقع تحت أمر السلطان وقضائه.
المادة (2) يوافق السلطان المذكور علي بن عبد الله بن سالم بن سعد بن عفرير، ويعد عن نفسه وورثته وخلفائه، أن يمتنع عن الدخول في أية اتصالات أواتفاقات أو معاهدات مع أية أمة أو دولة أجنبية إلا بمعرفة وموافقة الحكومة البريطانية، كما يعد السلطان أيضاً أن يبلغ فوراً المقيم السياسي بعدن أو أي ضابط بريطاني آخر عن أية محاولة لأية دولة أجنبية للتدخل في شؤون القشن وتوابعها.
المادة(3) يسري مفعول هذه المعاهدة من تاريخه، وبحضور الشهود ثم التوقيع، ووضع الأختام في القشن في الثاني من مايو 1888م.
أ.ج. أف هج بريجادير جنرال.
المقيم السياسي بعدن.
الشهود: فردريك روب ليفتانست في البحرية الملكية.
سفينة صاحبة الجلالة ((أو سبري)).
إبهام السلطان علي بن عبد الله بن سالم بن سعد بن طوارى بن عفرير، سلطان قشن وتوابعها.
إبهام طوارى بن عمرو بن طوارى بن عفرير سعد بن سالم بن عمرو بن طوارى بن عفرير
سعيد بن مبارك بن سعدين، قاضي قشن.
الشهود: أم.أس.جعفر،المساعد المحلي للمقيم السياسي بعدن.
لانسد أون، نائب الملكة والحاكم العام لحكومة الهند.
تم التصديق على هذه المعاهدة من قبل نائب الملكة والحاكم العام لحكومة الهند، في المجلس، في فورت وليام، في السادس والعشرين من فبراير 1890م.
د بليو.جي.كنتجهام.
السكرتير الرسمي لحكومة الهند، دائرة الشؤون الخارجية.
عندما تم افتتاح قناة السويس في 17 نوفمبر عام 1869م أصبح نقطة تحول محورية في الملاحة العالمية وبالذات في منطقة البحر الأحمر، إذ عملت إنجلترا على توسيع نفوذها في القناة بشراء أسهم مصر، ثم اندفعت نحو السيطرة على شؤون مصر متذرعة بأكثر من غرض، وسبب، حتى تسيطر من خلالها على هذا الممر المائي الهام مفتاح البحر الأحمر الشمالي، وفي الوقت ذاته تحتفظ بعدن مفتاحه الجنوبي، لقد ارتبط النشاط في البحر الأحمر بالصراعات الدولية وبالتطاحن الاستعماري في الجنوب العربي، وفي إفريقيا عامة وساحلها الشرقي بنوع خاص.
لقد عملت بريطانيا بين الحربين العالميتين، على بسط نفوذها على جميع هذه المناطق كي تحقق استراتيجيتها، وما تمليه عليها أهدافها في المنطقة، حيث أطلقت على سياستها اسم (سياسة شرق السويس).
فدخلت في علاقات مع قبائل المناطق القريبة، وبالذات المقيمة على سواحل البحر الأحمر، ومضيق باب المندب، وكانت المعاهدات جزءاً من السياسة البريطانية في هذا الاتجاه، أصبحت كلها تحت نفوذها.
لهذا التاريخ جوانبه التي مازالت حتى الآن بحاجة إلى عمليات بحث وكشف عن الوثائق، والمراجع العاملة على تصحيح عدة مسارات في هذا المضمار.
وعدن في السياسة البريطانية، تعني حقبة مغايرة لما سبقها من فترات التاريخ، لأنها نقطة الارتكاز التي أدخلتها مع العصر الحديث، واستعادة لموقعها في السياسة والاقتصاد والتحركات العسكرية، وهذا الشكل من التاريخ لاتسقط أهدافه وأزماته بتقادم الأوضاع، حيث تظل منطلق التحدي لكل قادم بعدها، وتلك هي خاصية عدن، منطقة نفوذ، ولكنها لعبة الرهانات الصعبة في معادلات السباق الدولي نحو هذا المكان.