بدأ نشاطهم دينيا واستثمروا فراغ السلطة والانقسامات!! تقرير الحلقة (1)..الحوثيون: من صعدة إلى صنعاء

> قسم التحقيقات:

> تنشر «الأيام» تقرير (مجموعة الأزمات الدولية( من )الحوثيون.. من صعدة إلى صنعا) باتفاق خاص وحصري لصحيفة «الأيام» ونشر التقرير في 10 يونيو، وتم نشر الملخص التنفيذي في حينه، والآن ننشر التقرير كاملاً على حلقات.. و (مجموعة الأزمات الدولية) هي منظمة مستقلة غير ربحية وغير حكومية، تضم حوالي 150 موظفاً في خمس قارات يعملون من خلال التحليل الميداني وحشد الدعم وممارسة الإقناع على المستويات العليا من أجل منع وتسوية النزاعات الخطيرة.
لم يكن الحوثيون، وهم جماعة زيدية في شمال اليمن، يتمتعون بجاذبية أو نفوذ كبيرين خارج معاقلهم الشمالية قبل انتفاضة عام 2011 ، حيث تمتد جذور الحركة إلى نزعة إعادة إحياء المذهب الزيدي، فإنها سعت في البداية إلى حماية التقاليد الدينية والثقافية مما يعتقد أعضاؤها أنها تعدّيات سلفية/وهابية وتدخّل غربي في العالم الإسلامي. ثم وتحت قيادة حسين بدر الدين الحوثي، وبتأثير من الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 ، تحولوا من النشاط الديني/الثقافي إلى النشاط السياسي. في عام 2004 ، أدّت محاولة فاشلة لاعتقال حسين الحوثي إلى ست جولات من المواجهات القاسية مع الحكومة اليمنية. انتهت الأعمال العدائية رسمياً باتفاق لوقف إطلاق النار في فبراير 2010 ، إلاّ أن المظالم لم تختف. تركّز الصراع في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي للحوثيين، وكان يعود في جذوره إلى تراجع الطبقة الاجتماعية الهاشمية، في أعقاب ثورة عام 1962 ضد الإمامة الزيدية، وفشل الدولة في إدارة التعددية الدينية، والانعدام المزمن للتنمية، والقابلية للتأثر بالصراعات الإقليمية على السلطة وظهور لاعبين دينيين جدد، بما فيهم السلفيين. في هذه البيئة المعقّدة، اتخذ القتال طابعاً مذهبياً، وق مية الباردة بين السعودية وإيران.
حتى وقت قريب، لم يكن لدى الحوثيين أجندة سياسية واضحة ولم يكن لهم نفوذ كبير خارج معاقلهم في محافظة صعدة ومنطقة حرف سفيان في محافظة عمران الشمالية.
منذ بداية الانتفاضات العربية تطوّرت الحركة بسرعة تطوّر سياقها السياسي. في عام2011 ، عندما انضم الحوثيون إلى الاحتجاجات ضد علي عبد الله صالح، أقاموا علاقات مع النشطاء المناهضين للنظام في سائر أنحاء البلاد. استفادوا من الفراغ في السلطة الذي تركته النخب المنقسمة المكوِّنة للنظام القديم، ووسعوا سيطرتهم على الأرض وعملوا على توسيع قاعدتهم الشعبية،ووضع برنامج سياسي والمطالبة بمكان لهم في صناعة القرار الوطني. يمكن المجادلة بأن الحركة خرجت الرابح الأكبر من الانتفاضة.
خلال المرحلة الانتقالية، انضم الحوثيون إلى العملية السياسية دون التخلي عن المعسكر الثوري. شاركوا في مؤتمر الحوار الوطني الذي تدعمه الأمم المتحدة، ما أكسبهم شرعية محلية ودولية ومكّنهم من تطوير أجندة إصلاحية. في مجموعة العمل حول قضية صعدة، وهي واحدة من مجموعات العمل في إطار مؤتمر الحوار الوطني، وافقوا على مبادئ لتسوية الصراع في الشمال، بما في ذلك نزع سلاح جميع اللاعبين من غير الدولة.
وفي الوقت نفسه، رفضوا من حيث المبدأ مبادرة مجلس التعاون الخليجي التي طُرحت في نوفمبر 2011 والتي منحت صالح الحصانة من الملاحقة القضائية وشكّلت ائتلافاً حاكماً عُرف بـ(حكومة الوفاق) التي قُسمت مناصفة بين حزب المؤتمر الشعبي العام بزعامة صالح وكتلة المعارضة السابقة، اللقاء المشترك.
يلقى استمرار معارضتهم لحكومة التوافق صدى لدى شرائح أوسع من السكان المحبَطين من بطء إيقاع التغييرات، وبسبب انتشار وعمق الفساد وغياب الأمن.
بينما يشارك الممثلون السياسيون للحوثيين في المرحلة الانتقالية، فإن مقاتليهم احتفظوا بالأسلحة الثقيلة ووسعوا سيطرتهم على الأرض بشكل كبير. في عام 2011 ، أصبحوا السلطة الحاكمة بحُكم الأمر الواقع في صعدة، وعيّنوا حاكماً، وجمعوا الضرائب، وأشرفوا على عمل الحكومة المحلية وأداروا الجهاز القضائي.
بحلول عام 2012 ، توتّرت العلاقات داخل التحالف المناهض لصالح بين الحوثيين وخصومهم التقليديين الإصلاح، وعلي محسن وآل الأحمر. تصاعدت التوترات بشكل متقطع بين أنصار المعسكرين في محافظات الجوف،وعمران وإب، وذمار وصنعاء.
اشتدت أعمال العنف مع اقتراب الموعد النهائي لاختتام مفاوضات مؤتمر الحوار الوطني في 18 أسبتمبر 2013 ، حيث حاولت جميع الأطراف تجيير مخرجات المؤتمر، والأهم من ذلك تنفيذها لصالحها.
في بعض الأحيان، تحوّلت الصدامات المحدودة إلى صراع واسع الانتشار كما حدث في أكتوبر 2013 عندما اندلع القتال بين المقاتلين الحوثيين والسلفيين حول دار الحديث، وهو معهد ديني في دماج، محافظة صعدة. اتهم الحوثيون السلفيين بتجنيد مقاتلين أجانب والتحضير للمعركة؛ وزعم السلفيون من جهتهم أن الطلاب المتدينين المسالمين تعرضوا لعدوان غير مبرر. عزز الصراع الذي انتشر بسرعة تحالفين متنوعين داخلياً: الحوثيون ورجال القبائل المتحالفون معهم، والعديد منهم من أعضاء المؤتمر الشعبي العام بزعامة صالح، ضد المقاتلين السلفيين، وعائلة الأحمر،والمقاتلين المرتبطين سياسياً بالإصلاح وعلي محسن. بحلول يناير 2014 ، اندلعت المعارك نحو الشمال: من الحدود مع السعودية في كتاف، صعدة ومن ثم إلى محافظات عمران، وحجة والجوف إلى أبواب صنعاء في منطقة أرحب خرج الحوثيون منتصرين بشكل واضح.
في يناير، وبعد حصار قاس على معهد دار الحديث، وافق السلفيون على إخلاء المركز والانتقال مؤقتاً إلى صنعاء. كما انتصر الحوثيون في معركة كتاف، وأكملوا بذلك سيطرتهم على محافظة صعدة. هزموا مقاتلي آل الأحمر في بلدتهم خمر، وأحرقوا أحد منازل آل الأحمر، وحصلوا على مخزونات أسلحة كبيرة وأجبروا مقاتلي آل الأحمر على الانسحاب إلى صنعاء.
مع الاستثناء البارز للواء 310 من الجيش اليمني في عمران، المتحالف سياسياً مع علي محسن والداعم للتحالف المعادي للحوثيين، فإن الدولة كانت غائبة بشكل شبه تام. رغم دعوات الإصلاح وآل الأحمر للحكومة لوقف العنف، فإن الرئيس هادي تجنب التدخل العسكري الذي كان من شبه المؤكد أنه سيعقّد ويطيل القتال مع نتائج غير مضمونة في أفضل الحالات. بدلاً من ذلك، ركّز على إكمال مؤتمر الحوار الوطني،الذي اختُتم في 21 يناير 2014 ، بينما بعث بلجان الوساطة للتفاوض والتوصل إلى اتفاقيات وقف إطلاق نار محلية.
بحلول منتصف فبراير، هدّأت مجموعة من اتفاقيات وقف إطلاق النار خصوصاً في دماج، وأرحب وعمران من حدة العنف، رغم الانتهاكات المتكررة لهذه الاتفاقيات.
في أبريل 2014 ، أرسل الرئيس وفداً إلى عبد الملك لمعالجة العنف المستمر ولمناقشة تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، بما في ذلك نزع السلاح وإدماج المقاتلين الحوثيين. كما قدّم الوفد طلبات إضافية لم يغطها المؤتمر الوطني للحوار،بما في ذلك تشكيل الحوثيين لحزب سياسي. كان رد عبد الملك إيجابياً بشكل عام، رغم أنه لم يتم التوصل حتى الآن إلى اتفاق حول التفاصيل. إلاّ أن تجدد العنف، خصوصاً في عمران، يهدد بتقويضالمفاوضات التي لا تزال في مراحلها الأولى.
في مايو، أدت المعارك بين الحوثيين واللواء 310 مدعوماً برجال القبائل المؤيدين للإصلاح وآل الأحمر إلى مقتل العشرات. ثم في يونيو وفي تصعيد كبير، قصفت القوات الجوية اليمنية مواقع للحوثيين. نجح المفاوضون، بمن فيهم وزير الدفاع، في التوصل إلى اتفاق جديد لوقف إطلاق النار في 4 يونيو بين الأجهزة الأمنية والحوثيين في عمران، رغم أن المقاتلين على جانبي الصراع يح وّرضن لتجدد الصدامات.
* تعرّفوا على الحوثيين!
الحوثيون، الذين كانوا في الماضي مجموعة صغيرة، باتوا الآن حركة في مرحلة تحوّل،واكتسبت أشكالاً جديدة من الدعم والتعاطف.
تحتفظ الحركة بنخبة دينية عقائدية تعتبر عبد الملك الحوثي زعيمها الروحي، وتُجِل تعاليم شقيقه حسين الحوثي (الذي قُتل في المعارك عام 2004)وتدفعها مشاعر معادية للغرب. إلاّ أن الظروف التاريخية وخصوصاً الاستياء من مراكز القوى في حقبة صالح أتاحت فرصاً جديدة،وسمحت للحركة بتوسيع تحالفاتها السياسية والقبلية بشكل جذري.
مع توسيع الحوثيين لنفوذهم السياسي وتعزيزهم لقوتهم العسكرية، فإن نجاحهم اجتذب العديد من الانتهازيين والبراغماتيين،الذين يسعى بعضهم إلى إعادة تشكيل الحركة ويسعى آخرون إلى التحالف مع طرف رابح.
قد تكون أفضل طريقة للنظر إلى أنصار الله،المصطلح الذي يستعمله الحوثيون لوصف أنفسهم، على أنهم يشكّلون مظلة سياسية لتيارات متنوعة وحتى متنافسة.
ثمة جدل كبير حول أسباب التوسّع الجذري لسيطرة الحوثيين. هم يدّعون بأنهم يكسبون بفضل قوة أفكارهم. يقولون إن اليمنيين تعبوا من الفساد وانتهاكات الماضي ويفهمون أن أنصار الله يمثلون الحرية والعدالة. أما خصومهم فيروون حكاية مختلفة، حيث يصرّون على أن المكاسب الحوثية ما هي إلا نتاج القوة والإكراه، بدعم من المال والتدريب العسكري الإيراني. إلاّ أن توسع الحوثيين بعد عام 2011 أكثر تعقيداً مما توحي به أي من هاتين الروايتين. تفسير المكاسب السياسية والجغرافية التي حققها الحوثيون.
1. تقلص نفوذ الدولة
يتمثل أوضح العوامل التي أدت إلى توسّع المكاسب الجغرافية للحوثيين في ضعف سلطة الدولة في أعقاب انتفاضة عام 2011 . الحكومة المركزية، التي لم تكن يوماً قوية وكانت دائماً مضطرة للتفاوض مع مراكز القوى المحلية، تقلّصت بشكل جذري عندما انقسم الجيش بين صالح وعلي محسن ولم يستعد قوته على المستوى الذي كان عليه قبل الانتفاضة. مع تركيز الطرفين على السيطرة على العاصمة، ملأ الحوثيون، مع غيرهم من اللاعبين من خارج الدولة الفراغ، في صعدة، عزز الحوثيون قبضتهم على معظم أنحاء المحافظة، بما في ذلك مدينة صعدة، التي لم يكونوا يسيطرون عليها في الماضي. وحدث الشيء نفسه، إلى حد أقل، في محافظة الجوف المجاورة، حيث حصل الحوثيون ورجال القبائل الموالون للإصلاح على أسلحة من القواعد العسكرية.
في ظل رئاسة هادي، استمر ضعف الدولة،لقد ركزت حكومة المؤتمر الشعبي العام اللقاء المشترك أكثر على تقاسم مغانم الدولة من تركيزها على تعزيز الأمن وتقديم الخدمات. أحد شيوخ حاشد البارزين صوّر مكاسب الحوثيين على أنها إحدى نتائج القوة العسكرية وضعف الدولة: “عندما كانت أسماك القرش الكبيرة تتصارع، أصبحت الدولة ضعيفة وتمزق الجيش والأجهزة الأمنية. في تلك الأثناء، استولى الحوثيون على الأرض والناس بالقوة”. الأهمية النسبية للإكراه موضع جدل، لكن مع تشرذم النُخَب وتلاشي سلطة الدولة، لم يكن هناك الكثير مما يمكن أن يقف في طريق الحوثيين.
2. توفير الأمن والعدالة
لقد اكتسب الحوثيون أيضاً دعماً سياسياً لأنهم يوفرون الأمن والعدالة في مناطق أحبطها لوقت طويل عدم استعداد الدولة لفعل ذلك.
أحد رجال القبائل من الجوف قال: “لقد تمكن الحوثيون من الانتشار في الجوف بسبب المظالم الموجودة هناك. يوفّر الحوثيون الأمن في منطقة لم تكن تعرف الأمن من قبل. يعملون بنزاهة مع الناس ويركّزون على تلبية احتياجاتهم، مثل وضع حد لعمليات الثأر. كما يُصدر الحوثيون الأحكام في المحاكم المحلية. في شمال اليمن، الأمر الأهم هو حل المشاكل بين الناس، مثل قضايا الثأر، وتوفير الأمن. هذان هما الأمران اللذان يحتاجهما الناس أكثر من أي شيء آخر، والحوثيون يوفّرون ذلك”.
خصوم الحوثيين يزعمون بأن عدالة الحوثيين غير عادلة، وأن الحركة لا تُظهر أي قدر من التسامح وأنها تهاجم وتسجن أعداءها. لقد أكدت منظمات غير حكومية محلية ودولية حالات احتجاز غير قانوني وهجمات ضد الخصوم. رغم ذلك، وفي مناخ من انعدام الأمن وانعدام وجود الدولة لتوفير العدالة، فإن الحوثيين اجتذبوا أنصاراً يثمّنون قدرة الحركة على توفير هذه الخدمات الأساسية.
3. الخطاب المعادي للنظام
لقد ارتدى الحوثيون عباءة الثورة واستفادوا من الإحباط واسع الانتشار والاستياء من فساد، ومحسوبية وظلم النظام القديم. في المرتفعات الشمالية، تتجلى المشاعر المعادية للنظام في معارضة خصوم الحوثيين، آل الأحمر، وبشكل عام، الشيوخ الأقوياء والطبقة السياسية التي استفادت في ظل حكم نظام صالح. في أعقاب الانتفاضة، استمر الاستياء بالتنامي بالنظر إلى بطء إيقاع التغيير، واستمرار الفساد وتردّي الوضع الاقتصادي والأمني في ظل حكومة التوافق. أحد أنصار الحوثيين شرح قائلاً: “أنصار الله حركة يمنية من أجل الحرية والكرامة. الشعب اليمني ضد النظام القديم الفاسد برمته، وليس فقط ضد شخص واحد (صالح) لكن حتى الآن حافظت مبادرة مجلس التعاون الخليجي على نفس النمط من الفساد. لقد كانت المرحلة الانتقالية مرحلة تقاسم المغانم بين القوى التقليدية (المؤتمر الشعبي العام، وأحزاب اللقاء المشترك وحلفاءهما).
يسيطر الحوثيون الآن على جزء كبير من الشمال، لكن بالنظر إلى صداماتهم المتكررة مع النظام القديم، فإن موقفهم المعلن، وهو أنهم لا ينتمون إلى أي من المعسكرين، يلقى صدى حقيقياً لدى العديد من اليمنيين: “ذهب الحوثيون إلى الميادين وتحدثوا نيابة عن المضطهدين. الأحزاب التقليدية انضمت إلى الثورة أيضاً، لكنها الآن في الحكومة وانتقل الفساد إلى أيديها. الحوثيون ليسوا جزءاً من هذا؛ إنهم ليسوا فاسدين”.
لقد دفعتهم مواقفهم المعادية بشدة للنظام إلى عدد من التحالفات التي لم تكن متوقّعة، بما في ذلك تعاونهم مع الشباب ذوي الميول الليبرالية ونشطاء المجتمع المدني الذين يطالبون بحكومة جديدة. كما أنهم تحالفوا مع نشطاء الحراك الجنوبي الذين يهدفون إلى قلب النظام السياسي من خلال تشكيل فيدرالية بين الشمال والجنوب أو حتى استقلال الجنوب. في مؤتمر الحوار الوطني، شكلت المجموعتان ائتلافاً،وصوتتا معاً في مجموعتي العمل حول الجنوب وصعدة لزيادة وزنهما السياسي ضد الحزبين السياسيين المهيمنين، الإصلاح والمؤتمر الشعبي العام.

غداً الحلقة الثانية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى