قناة عدن.. أهم الأعمال التي وثقتها منذ تأسيسها تعرض على قنوات حديثة في صنعاء

> قسم التحقيقات/ خاص

> تلفزيون عدن التاريخي (قناة عدن الفضائية حالياً) - التي تأسست في 11 سبتمبر 1964 م ، تترجم اليوم وبطريقة مثلى حكمة (المعاناة تولد الإبداع) من خلال الإصرار على العمل في ظروف صعبة ومضنية للغاية . فهذه القناة التلفزيونية التي ستحتفل في سبتمبر القادم، بالعيد اليوبيلي (الخمسين) وهي تحمل مسيرة نصف قرن من العمل الإعلامي والثقافي، والذي جسدته كصرح وثّق للوطن كل مراحله، منذ عهد الاستعمار البريطاني مروراً بفترة الكفاح المسلح، وانزلاقاً إلى مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية في الجنوب، حتى ولادة الحزب الطليعي من طراز جديد، وبناء الحزب الاشتراكي اليمني.
وكانت حينها قناة (دولة وجمهورية) حتى عام 1990 م، لترتبط بمسار الوحدة الاندماجية المهرولة ، وتتحول فيما بعد من قناة رائدة إلى قناة ثانية ، حتى جاءت حرب 1994 م ، لتلعب دورا خاصاً في عملها الإعلامي المتوهج بنيران الحرب، التي جاءت عليها أكثر من غيرها.
في هذا التحقيق نتلمس معاناة موظفي ومبدعي قناة عدن الفضائية، وكيف أنهم مازالوا يواصلون العمل بإصرار دائم لبقاء قناتهم مستمرة بعد عقود من تأسيسها.
* عربة النقل في النفق
مع بداية ثمانينات القرن المنصرم،وتحديداً في مارس عام 1981 م، شهد تلفزيون عدن نقلة نوعية كبيرة بتحوله من نظام (الأبيض والأسود) إلى التلفزيون الملوّن.
وتم الاتفاق مع شركة (N.E.C) اليابانية، على تحديث أستديو رقم (3) كأستديو للأخبار، ولتنفيذ البث المسائي،وشراء عربة نقل خارجي مع مولد لنقل وتسجيل الفعاليات الخارجية، واستغلت هذه العربة في تسجيل السهرات والبرامج من أستديو رقم (1).
وفي عام 1982 م تم شراء عربة ثانية،وكان مخصص لها أن تكون عربة نقل إخبارية، حيث كانت مجهزة بكاميرتي ((NEC M) وكاميرتي) ،(NEC/ MNC82 وجهازي فيديو (4/ V.MATC 3) البوصة،ومكسر صوت (مازج)، بالإضافة إلى 4 كشافات إضاءة (ألف وات).
ونتيجة للعمل الميداني الذي يعتمد على التصوير المحمول للكاميرا، كانت الأخبار لا تستخدم هذه العربة كثيراً إلا لنقل وتسجيل الفعاليات الرسمية، ومباريات كرة القدم التي يشهد لقناة عدن إلى اليوم تسجيلاتها للعصر الذهبي الثاني للكرة العدنية، كما كانت تستخدم لتسجيل الأعمال الفنية والسهرات التلفزيونية والاحتفالية.
ومع دخول القوى المنتصرة عدن في صيف 1994 م، وُجِدت هذه العربة موقوفة في نفق (جولدمور) بعد أن تم (تشليحها) كاملا بعد الحرب، وبقربها مولد الطاقة الخاص بها، وتم استعادتها وبقاياها التي ظلت مهملة في حوش القناة التليد بدون قطع غيار جديدة أو بديلة لمدة خمس سنوات عجاف، بعدها طعمت بأجهزة مستخدمة، وتم إعادة صيانتها وتأهيلها للعمل المؤقت، وظلت عربة الوحدة الثانية تعمل وتساعد بجانب الوحدة الأولى حتى عام 2003 م، حيث توقفت العربة نهائياً عن العمل نتيجة للإهمال، وبحجة تحولات فنية لنظام التلفزيون من (الأنالوج) إلى نظام (الديجيتل).
إلا أن الإصرار على إعادة عملها ظل هماً ملازماً للمهندسين والفنيين في القناة، لتستمر المحاولات بالعمل على نظامين، حتى توقفت نهائياً عام 2005 م لِقِدَم الأجهزة.
وهاهي اليوم وبنفس الكوادر من شباب القناة الجدد الذين لم يتوظفوا بعد - تعود للعمل بعد إجراء صيانة تامة لها وتزويدها بقطع غيار (ملقّطة) لتغطي بعض الاحتياجات التسجيلية للقناة في رمضان القادم.
* قصة الأشرطة المسروقة !!
لم تنتهِ الحرب وممارسات فيد 1994 م،والتي لم تقتصر فقط على نهب الأراضي والمصانع والشركات الحكومية في الجنوب، حتى تحول عام 1996 م، إلى فيد إعلامي من نوع خاص.
حينما تم نقل أكثر من (تسعة آلاف وخمسمائة شريط) عبر فترات بسيارات نقل (دينا) محملة بالكامل بالأشرطة القديمة التي كانت ولا زالت الرصيد التاريخي والثقافي والفني للفترة من عام 1967 م وحتى عام 1994 م، وذلك بحجة نقل المواد القديمة التي كانت بمقاس البوصة و 4/ 3 البوصة إلى أشرطة حديثة للاستفادة منها وعودتها للقناة، لكنها منذ ذلك الحين لم تعد إلى يومنا هذا.
وعلى الرغم من الوعود الأخيرة،والاتفاقات المبرمة والاتصالات التي تقوم بها رئاسة قطاع قناة (عدن) مع قطاع قناة (اليمن) والتي بدأت مؤخراً بعد التشهير في الصحف، بمحاولة الاستجابة ودرء الجرم برمي المسألة على القيادات السابقة التي استغلت وظيفتها العامة، والظرف الاستثنائي في نهب عدن وكل ما فيها.
حتى جاءت الوعود في منتصف يونيو الحالي بإعادة 3500 شريط كمرحلة أولى؛ لنشاهد خلال الأعوام الماضية كل الأعمال الفنية التي سجلت في تلفزيون عدن تعرض على قنوات (اليمن) و(السعيدة) و(آزال) وغيرها من القنوات اليمنية ببثها الفضائي التي لم تنشأ إلا في عهد قريب، ومنها قناة (اليمن) الرسمية (الأولى) عام 1979 م.. وتم تشليح ونقل الأعمال الخاصة بعدد
من الفنانين الكبار، وكذا نقل أشرطة توثق لتاريخ اليمن الجنوبي ونضالاته وخطابات رجالات الدولة منذ الاستقلال حتى عام 1989 م، وهكذا رحلت إلى صنعاء ولازالت بقاياها في المكتبة التلفزيونية لقناة (اليمن) الأولى، بعد أن تم نقل أهم ما فيها وأجمل ما سجل عليها، ولكن (الفيد قد قيد في القيد!).
* التهميش والإقصاء
ونظراً لوجود كمية كبيرة من أشرطة التسجيلات القديمة (الفيديو) بمقاس (واحد بوصة) في مكتبة تلفزيون (عدن) والتي تأكسدت بعضها وفاحت رائحتها القاتلة لعدم وجود تكييف شامل في الفترات الماضية، وهي تحتوي تسجيلات مختلفة لأعمال فنية غنائية ودرامية ومسرحية وأدبية وثقافية ورياضية وسياسية، والتي لم يستفد منها في الفترة الماضية وفي طريقها للضياع والأكسدة والتلف، تولى الأخ محمد غانم رئاسة القطاع وعمل مع المهندسين المختصين على محاولة إصلاح الجهاز الوحيد لتشغيل هذه الأشرطة والمتوقف عن العمل لأكثر من عشرين عاما، حيث كان ضمن عداد الأجهزة المشطوبة.
وعلى مدى شهرين متتالين تم البحث عن قطع الغيار والعمل على صيانة هذا الجهاز التسجيلي النادر وتهيئته للعمل،وتم نقل المواد الباقية في المكتبة التي يمكن للمشاهد اليوم مشاهدتها باستمرار من أغانٍ قديمة لفنانينا الكبار أمثال أحمد قاسم، والمرشدي، ومحمد سعد، والزيدي وغيرهم، وأيضا مشاهدة مباريات كرة القدم والرقصات الشعبية لفرقة الرقص الشعبي وفرقة الإنشاد، وتوثيق الأعمال من نظام الواحد بوصة إلى النظام الحديث الرقمي (الديجيتل)، وقدرة مهندسي قناة (عدن) بخبراتهم المتراكمة من سنين على تبديل قطع الغيار اللازمة بالاستفادة من الأجهزة القديمة.
رغم التهميش والإقصاء وعدم تعزيز القناة بالأجهزة الحديثة أو بناء الاستديوهات الجديدة أسوة بقناة (اليمن) الأولى التي تعتبر لدى القيادة السياسية السابقة ووزارة الإعلام هي القناة الأم والرسمية - من عام 1990 حتى عام 2011 م، بعدها انفرطت المسبحة بقنوات تملأ الفضاء ولم يعد الفضاء محتكرا لأحد.
أما قناة عدن (تلفزيون عدن التاريخي) ما هو إلا محصلة تاريخية وجدت كرقم ثانٍ ليس له أهمية إلا وقت الاحتياج النادر، ولم تأتِ تسمية القناة الثانية من فراغ بل جاءت لإلغاء دورها ووظيفتها الإعلامية وموقعها الخاص في الجنوب (عدن) إحدى أهم مدن الجزيرة العربية إعلاميا في فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.
* الصورة التلفزيونية(GROUND LOOP AND HUM)
تعرضت قناة عدن الفضائية، وبصورة مستمرة في بثها الفضائي والمتحكم به من (كنترول البث الفضائي في صنعاء) منذ العام 2007 م، عندما بدأت القناة تدرج ضمن باقة القنوات الرسمية الأربع في 18 مارس 2007 م، وذلك عبر خط (الميكرويف) إلى كثير من الأعطاب والتشويش ورداءة الصورة الملونة، وحاول المهندسون عمل المستحيل، وبعد متابعة خاصة من رئيس القطاع وكفاءة المهندسين في القناة استطاعوا أخيرا من معالجة بعض التراكم الخطي في الصورة أو ما يسمى بـ(GROUND LOOP AND HUM) أو ما يسمى باختصار (هم الصورة) وهو ظهور خط أسود في الصورة بشكل ملفت أحيانا أو لا يمكن إدراكه إلا بصورة دقيقة لعدم وجود إمكانية تحديث المنظومة الكهربائية للإرسال والبث الذي يكلف الملايين، ولكن بجهد خاص تم معالجة ذلك وبأقل تكلفة تذكر خلال الشهرين الماضيين.
* معاناة تخلق الإبداع
لقد أثبت العاملون في تلفزيون عدن من مبدعي القناة الإعلاميين والمهندسين والفنيين والإداريين خلال الأعوام الماضية وتحديداً منذ عام 1994 م، وتحت الضغط الوظيفي المستمر وإحباطات الأزمات السياسية ومتغيراتها وتأثيراتها المتكررة أثبتوا أنهم بقناتهم المتواضعة مازالوا يعملون بصمت هادٍ وروعة لاتتكرر،وبإمكانات لا زالت تحمل بصمة الترقيع والتبديل والمثابرة على الصيانة والعمل رغم كل التجاهل والإقصاء والتهميش.
إنها حكاية فتاة جميلة تبلغ من العمر الخمسين، لكنها بجمال عمرها تزداد أناقة وروعة وإصرارا... قصة قناة اسمها (عدن).. ببوابة عدن أو بمنارة عدن أو بقلعة صيرة أيا كان لوح شعارها.. وقد حاولوا تغيير اسمها ظلما بتسميات اخترعوها حتى تنسى اسمها التاريخي (عدن)، والذي تأسس عام 1964 م وبأمزجة حاقدة عليها سميت (القناة الثانية) إلى تسميتها بـ(22 مايو) إلى (يمانية).. حتى الاسم كانوا يمتنعون أن يسمّوها باسمها (عدن).
وحملت هذه القناة معاناة وتاريخ شعب سجلته في أرصدة الزمان لأولى المدن العربية في الإعلام (عدن)، ومع كل ذلك لا زال موظفو ومتعاقدو ومساهمو قناة عدن العاملون فيها ينتظرون الفرج.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى