وزير الصناعة والتجارة: المانحون لا يستطيعون الاستمرار بدعمنا والحكومة تدفع ما بين 300 و 400 ألف راتب لـ(الموظفين الوهميين)

> حاوره / ذويزن مخشف:

> التقت «الأيام» وزير الصناعة والتجارة د. سعد الدين بن طالب، وأجرت معه حوارا تناول عددا من المحاور الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في اليمن.
ورد الوزير على أسئلة واستفسارات الصحيفة المتعلقة بهموم ومتطلبات واحتياجات المواطنين، خصوصا مع قرب حلول شهر رمضان المبارك.. إليكم تفاصيل ما جاء في سياق الحوار.
- يحل رمضان هذا العام في ظل وضع اقتصادي متردٍ يتزامن مع عدة أزمات وتصاعد مستمر للأسعار.. ماذا تقولون؟
أولا أنا سعيد بلقاء «الأيام» مثلما سعدت بعودة صدورها، وأتشرف جداً بأن أكون ضيفاً على هذه الصحيفة العزيزة والكبيرة التي تمثل أحد أعمدة الصحافة في اليمن وأيضاً أحد أعمدة الوجدان في عدن.
بالنسبة لسؤالك هو سؤال عام كبير يشمل الوضع الاقتصادي طبعاً، سأرد عليه ليس فقط كوزير للصناعة والتجارة، ولكن كوزير في الحكومة، لأنه يعني الوضع الاقتصادي مسؤولية الحكومة، بالتأكيد لا بد من شرح طويل لكيف وصلت الحالة الاقتصادية إلى هذا المستوى من الانحدار، وهذا له تاريخ في الأساس يعود إلى سوء الإدارة التي تمكنت من الاقتصاد على مدى ثلاثة عقود، سواء كان في الشمال أم في الجنوب.
المشكلة الحقيقية تكمن في طبيعة اقتصاد اليمن والقواعد الاقتصادية التي بني عليها، وهو في الأساس أو بدرجة أساسية اقتصاد ريعي منذ اكتشاف النفط، فالدولة اعتمدت على إيراد النفط وكأن ذلك النفط ستصبح به اليمن مثل دول الجوار، معتقدين أن لدينا مخزونا كبيرا من النفط، وأننا لا نحتاج إلى تطوير القطاعات الأخرى في الاقتصاد.
بالطبع لازم ذلك التوجه الخاطئ فساد كبير في إدارة الاقتصاد وفي طبيعة النظام السياسي الذي كان يستحوذ على المقدرات الأساسية للبلاد ولم تخلق البيئة المناسبة لجعل رأس المال الوطني أو رأس المال الأجنبي يشارك في العمل من داخل الاقتصاد لتنمية الاقتصاد عموماً.. التنمية الاقتصادية تأتي من قواعد أساسية،أولا الاستثمار الحقيقي، وهنا أتحدث عن التنمية في مجال التنمية الإنتاجية وليس التنمية الاقتصادية المعتمدة على الريع مثل الاعتماد على قطاع نفطي أو على بيع أصول كمشتقات النفط والغاز أو الذهب أو غير ذلك، في البيئة السياسية والبيئة التشريعية حتى البيئة الأمنية خلال العقود الماضية لم تهيئ لعمل تطور في القطاع الخاص كتطور طبيعي حتى يكون ذاك الإنتاج بكل قطاعاته
مثل الصناعة والتجارة والخدمات والسياحة وغير ذلك من القطاعات الاقتصادية، والتي تشمل أيضا الزراعة والأسماك.. أعتقد أنها لم تجد الفرصة المناسبة في النمو حتى تحقق تحسنا في المستوى المعيشي للناس وإيرادات كبيرة للمجتمع والدولة.
اكتشف اليمن أو قل إنه تنبه كمجتمع من انحدار مستوى إنتاجية النفط على الأقل منذ 10 سنوات، ولكننا لم نقم بالإجراءات المناسبة لإصلاح ذلك الوضع.. وقد نبهنا المانحين بأننا مقدمون على فشل في الدولة إذا لم نراعِ تلك التنمية في كل المناحي، أقصد بذلك التنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية والتنمية السياسية والتنمية البشرية، ذلك لا يكون إلاّ عن طريق خطة تستهدف خلق فرص عمل وخلق فرص استثمار جادة وجاذبة على الأقل منذ 2006 م واليمن يعاني مما سمي باحتمالية فشلها كدولة، تلك الاحتمالية بعد مرور نحو 8 سنوات تأكدت وقامت فعلاً ثورة وقامت أحداث خلال الثلاث السنوات الماضية اقتربنا جداً من الانهيار الكامل في منظومة الدولة،ونحن الآن في مرحلة انتقالية تراعي أهمية العودة إلى أخذ خطوات في الاتجاه الصحيح إن شاء الله.
- هل هناك أسباب تؤدي إلى تقلب أسعار المواد الغذائية أو يتم التلاعب بها من قبل التجار؟
هذا غير صحيح، أنا لديَّ قائمة أسبوعية بأسعار السلع ولا يمكن لأي مخلوق تجاوزها، في حقيقة الأمر الموضوع مرتبط أولا بقضية التضخم وهي قضية اقتصادية بدرجة أساسية وهي إما بسبب قلة الإنتاج الوطني من السلع والخدمات أو قلة القدرة الشرائية أو الدفع المالي الكبير، دفع مالي بدون إنتاج متنامٍ، ذلك العنصر يؤدي إلى التضخم، بمعنى أن النقود أكثر من السلع، هو الذي يدفع إلى التضخم، تدرس الأسباب، ما سبب تواجد تلك النقود في السوق أكثر من السلع.. هذا لا يؤدي الى التلاعب، لا أحد يستطيع التلاعب بالأسعار.. السوق مفتوحة لكل حاجة والمواد الأساسية كلها بسعر أقل، السوق حر.
- أين دور الوزارة؟ كيف تضبط العملية؟
دور الوزارة رقابي.. كما قلت لك في البداية إن قضية التضخم هي في وجود نقود متوفرة في السوق أكثر من السلع ومعظم السلع تكاد تكون باستثناء سلع قليلة جداً في السوق أسعارها محددة من قبل الدولة مثل الديزل والبترول أو أسطوانة الغاز.. وليس هناك سلع محتكرة،فالذي يتحكم في الأسعار في اليمن هو السوق، هذا أولاً.. أما دور الوزارة فهي التأكد من أن التاجر عندما يعرض السلعة يكون سعرها عليها، ثم يأتي دور السلطات المحلية.. في المواسم المهمة مثل رمضان وغير ذلك وما وجدته فعلاً في رمضان العام الماضي نجد كثيرا من السلع انخفضت أسعارها لأن المعروض أكثر من النقود، القدرة الشرائية كانت هي الضعيفة حتى بعض الأسعار انهارت وسببت خسائر لبعض التجار.. لا نرى اختلافا كبيرا مع أسعار هذا العام باستثناء سلع قليلة جداً زادت الأسعار فيها وبنسب قليلة جداً مثل القمح الأمريكي فقط مائة ريال في الكيس من 5 آلاف أو 6 آلاف ريال في الكيس،وذلك لا يمثل تغيراً كبيراً فيها إلى حد كبير برغم توتر الحالة الأمنية والحالة السياسية وحالة الخدمات، إلاّ أننا نستطيع التأكيد على أن كثيرا من الأسعار مستقرة إلى حد كبير، مع شرحي لدور الوزارة وإمكانياتها بأننا لسنا جهة ضبط أسعار إلاّ في السلع المحدد أسعارها من قبل الدولة. هناك أعباء أخرى تضاف على تسعيرة المنتجات مثل منتجات المصانع المحلية والمستوردة، وهي طرق النقل التي فعلاً تتعرض لتقطعات وتتعرض لكثير من الأعباء وأيضاً في أحيان فرض الإتاوات، أنا أسميها بدون وجه حق في بعض المحافظات، مثلاً يأخذون 10 أو 15 ريال في كل كرتون من البضاعة التي تمر بمحافظاتهم، أحياناً بعض السلع تواجه أزمات مثل إذا كانت سلعة زراعية واجهت أزمة مطر أو أزمة إنتاج، وهذا أيضاً له مواسم لكن دعني أقل لك بأن إنتاج هذا العام من المانجا المتزايد بشكل كبير سبب انخفاضا كبيرا في أسعارها بالذات الأنواع الرخيصة منها ما سبب في الحقيقة خسائر كبيرة للمزارعين بالذات، فكل المزارعين واجهوا أزمة حادة في الوقود وتلك مشكلة أخرى تسببت في رفع أسعار بعض المنتجات أو بعض السلع.. دعني أطمئن المواطنين بأن الأسعار المتواجدة والمتوافرة في الأسواق في رمضان هذا العام وبمراجعتنا كما نفعل كل عام قبل رمضان جيدة جداً ولن تكون هناك أزمة في السلع التي يحتاجها الجمهور بشكل لافت.. أما السلع المحددة الأسعار مثل الديزل وأسطوانة الغاز وذلك بسبب الأزمة المالية التي تعانيها الحكومة قد تجد فيها بعض الاختناقات والتغيير في أسعارها، تغير غير رسمي، لأن الأسعار محددة من قبل الدولة.
- إذن ما سبب الأزمة المالية التي أصابت الحكومة وقد تؤدي إلى إفلاسها؟
سؤال جيد.. أولا ليس هناك إفلاس لا يمكن لدولة أن تفلس، إنما تقدر تقول ما سبب انخفاض موارد الحكومة حتى أنها عجزت عن تغطية التزامات مهمة، السبب يعود إلى عوامل عدة أولاً انخفاض الكمية المنتجة من النفط الذي نعتمد عليه اعتمادا أساسيا في تغطية الموازنة نتيجة للهجمات المتكررة التي تستهدف أنابيب النفط ما سبب عجزا في التصدير، وذلك يقلل من الإيرادات.. ثانيا تزايد الالتزامات الحتمية على الحكومة بسبب ما يحدث الآن مثل توسيع الجهاز الوظيفي بالنسبة لمؤسستي الأمن والجيش وأيضاً في الجهاز الوظيفي للدولة ما سبب عبئا كبيرا على موازنة الدولة.. بمعنى آخر حدث انخفاض غير متوقع
للإيرادات، حيث بدأ يظهر في أواخر العام الماضي وتأكد هذا العام، مما يؤدي إلى عجز كبير في الموازنة لا تستطيع الحكومة تغطيته.. أحد مناحي تلك الالتزامات فاتورة دعم المشتقات النفطية التي تصل إلى حدود 20 ٪ من الموازنة التي اعتمدت ولكنها الآن ستصبح 30 ٪ من الموارد المتوقعة، يعني إذا كنا نتوقع مثلاً أن الموازنة كانت في حدود ثلاثة ترليون وكنا نتوقع 2.4 أو 2.5 ترليون كإيراد على أن يغطي الباقي من الموارد غير التضخمية، ولكن عندما تنخفض الإيرادات إلى أقل من ترليونين بمعنى أن هناك عجزا بترليون ريال فلا بد على الحكومة التفكير كيف تتصرف في ترليونين بينما التزاماتها بحدود 90 مليار بدءا بالمرتبات ثم 600 مليار في دعم المشتقات النفطية و 600 مليار أخرى في تغطية فوائد وديون محلية وخارجية وتلك التزامات حتمية لا نستطيع تجاهلها.. بالطبع أدى ذلك إلى تقليص النفقات حتى لا نلجأ إلى مسارات تضخمية مثل طباعة نقود ستؤدي حتماً إلى تضخم كبير جداً وإلى انهيار في سعر العملة، ولذلك كان الصراع الذي دام عدة أشهر من أين نغطي وكيف نغطي؟ وطبعا أصبح واضحاً أن المانحين لن يقوموا بسد ذلك العجز قبل أن تقوم الحكومة بإصلاحات جذرية حقيقية تؤدي إلى رشادة في النفقات.
- على ذكر المانحين.. هل هم يطالبون برفع الدعم؟
المانحون بالفعل يطالبون بإصلاحات عميقة بعدد من المجالات تتركز في إصلاح الجهاز الإداري للدولة فيما يتعلق بمن يتسلمون مرتبات من الدولة (الموظفين الوهميين).. وهذا يمثل رأس المشكلة، فالمانحون لا يستطيعون الاستمرار بدعمنا والحكومة تدفع ما بين 300 و 400 ألف مرتب بدون وظيفة مقابلة، ذلك هو إهدار لموارد الدولة وما يسمى بمال الناس أو مال الشعب، طالب المانحون بالرشادة وليس التخلص من الدعم بمعنى أن يكون الدعم موجهاً بشكل أفضل لا أن يغطي أو يذهب إلى ما لم يؤدِّ إلى مردود إيجابي، مثلاً أنا أستطيع أن أقول بالإمكان دعم القطاع الزراعي لأنه منتج يمكنه دعم قطاع صناعي،ولكن يصرف ذلك الدعم بطريقة تصل فيه الفاتورة إلى ثلاثة مليارات، ونحن نطلب من المانحين أقل من مليار.. يقول المانحون كيف يصرف هذا المبلغ والكثير من تلك المشتقات تجد طريقها إلى التهريب ويستفيد منها بعض أصحاب النفوذ، وذلك يمثل عيباً أو خللاً أساسياً.. هناك أيضاً إصلاحات متعددة وكل ذلك منصوص عليه فيما يسمى بمصفوفة المسؤوليات المتبادلة بين الحكومة والمانحين، وللأسف أننا لم نكن بدرجة عالية من التطبيق للمصفوفة أو المسؤولية على عاتق الحكومة منها أيضاً مكافحة الفساد ومنها إصلاحات متعددة في مجالات مختلفة مثل إصلاح قطاع الطاقة وذلك أيضاً ثقب أسود يلتهم كثيرا من الموارد دون تبرير واضح.. إلى أين تذهب تلك الأموال في قطاع الطاقة؟ تلك هي الملامح الرئيسية لطلبات المانحين.. هم في الحقيقة لا يطلبون إلاّ أن نصلح أنفسنا لأنه بدون إصلاح أنفسنا لا يستطيعون إهدار أموال بلادهم على موازنة غير رشيدة.. وقفت الحكومة هنا ربما لعجز أو لعدم تنفيذها لتلك الالتزامات المهمة.. لذا نأمل من المانحين ونحن نشهد أزمة منذ أكثر من شهرين أو ثلاثة أشهر المساعدة خلال شهر واحد، بحيث يقومون بتغطية هذا العجز لأننا لا نستطيع كدولة أن ننفذ تلك الطلبات خلال شهر واحد.. ببساطة نفقاتنا أكثر من إيراداتنا ونفقاتنا غير رشيدة، لن يساعدنا أحد إلاّ أن نرشد نفقاتنا وهذه تقريباً الخلاصة.
- تسلمتَ الوزارة نهاية 2011 بعد أحداث دامية عاشتها اليمن بدأت مع مطلع العام نفسه كيف وجدتموها؟
عندما تسلمتُ الوزارة في ديسمبر 2011 م طبعاً المبنى الأساسي كان في الحصبة وقد تعرض للدمار نتيجة تلك الأحداث، انتقل مبنى الوزارة إلى مكان ضيق جداً مستأجر، ووجدت أن الوزارة تعمل ب 12 أو 14 جهاز كمبيوتر، فكان أول مهماتنا تولية الجانب اللوجستي الاهتمام الأفضل للسير بعمل الوزارة على أكمل وجه.. والحمد لله حققنا ما نريد والآن أصبحت الوزارة تعمل بحوالي 120 جهاز كمبيوتر يؤدي الموظفون أعمالهم بشكل طبيعي، لازلنا مخنوقين داخل ذلك المبنى الجديد ونتمنى طبعاً العودة إلى مقر الوزارة الرسمي بالحصبة الذي توقفت عنه أعمال الترميم والإصلاح حاليا بسبب الأزمة المالية، إذ لم تستطع الحكومة دفع مستحقات المقاولين.. أتمنى انفراج تلك الأزمة لأن الأداء داخل ذلك المبنى سيكون أفضل بكثير.. لا ننسى أن الأوضاع الاقتصادية والسياسية في ذلك الوقت والأمنية بدرجة أساسية وحتى الأوضاع الحالية تعيق رؤيتك وتطلعك نحو مستقبل أفضل.. مازالت الأجواء غير مستقرة، إذ إن البلاد خرجت مما يشبه حربا أهلية، معظم الصناعات تواجه الانهيار، كثير من الخدمات معطلة والحكومة والوزارة كان يجب عليها التنبه إلى الأساسيات، هناك نجاحات تمت وهناك أشياء لم نوفق في استكمال النجاح فيها، مثلاً خلال العامين الماضيين تم استكمال المفاوضات في منظمة التجارة العالمية ويوم 26 يونيو هو موعد انضمام اليمن كاملاً إلى هذه المنظمة وذلك بعد مجهود دام أكثر من 15 عاما لمحاولة الوصول إلى تلك العضوية التي تؤهلنا لأن نستفيد منها بالمستقبل عندما نحاول الاندماج تجارياً وصناعياً واقتصادياً مع دول العالم المختلفة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى