القرآن ومعجزاته

> محمد حسين دباء:

> ونحن في هذا الشهر الكريم سننهل من معين بلاغة القرآن الكريم، فقد أخذنا في الحلقة السابقة كلمة (قسورة) ومدى مناسبتها ووضعها في مكانها اللائق، والله تبارك وتعالى عندما يستعمل كلمة في موضع فإنه يستعملها للدلالة على معنى أراده، وإذا أردت أن تأتي بمرادف لتلك الكلمة لا تؤدي المعنى الذي أراده الله تبارك وتعالى.
وفي قول الله تبارك وتعالى “فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ الإِ دَابَّةُ الأرض تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا الْعَذَابِ الْمُهِينِ” (14) سبأ، في هذه الآية يبين الله تبارك وتعالى أن الجن لا يعلمون الغيب، وضرب لذلك مثلاً عملياً واقعياً؛ المثل العملي الواقعي أن نبي الله سليمان الله تبارك وتعالى قد سخّر له الجن “يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ” (13) سبأ، أراد الله أن يؤكد أن الجن لا يعلمون الغيب فأنهى الله تبارك وتعالى أَجَلَ نبيه سليمان، وهو واقف متكئ على عصا تلك العصا سمّاها الله (منسأته)، وما علموا أنه قد مات إلا بعد أن أكلت دابة الأرض تلك المنسأة فوقع، فعلموا جينئذ أنه قد مات، قال الله تبارك وتعالى “فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا الْعَذَابِ الْمُهِينِ”. لكن وقفتي مع كلمة (منسأة) لماذا سمى الله العصا هاهنا منسأة، بينما سماها في قصة موسى (عصا)، “وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُو (17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أتََوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأهَُشّ بِهَا عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أخُْرَى (18)” طه، فلماذا سمّاها الله هاهنا (منسأة) هل لمجرد التنوع، كما قد يزعم البعض أحياناً أن القضية قضية تنوّع؟! كلا؛ كلمة (منسأة) اسم للعصا بلُغة الحبشة، لماذا استعملها في هذا الموضع؟، أصل (منسأة) من نسأ ومعنى نسأ أخّر ف(المنسأة) تعطي معنى التأخير، فالله تبارك وتعالى عندما أراد أن يشير إلى أن تلك (المنسأة) أي تلك العصا كانت سببًا في تأخير علم الجن بانتهاء أجل نبي الله سليمان، أتى بكلمة (منسأة) لأن المنسأة اسم للعصا بلُغة الحبشة،وهي العصا التي يؤخَّر بها الشيء، إذا كانت العصا مما يؤخَّر بها الشيء تسمى (منسأة) لأن أصلها من نسأ بمعنى أخَّر.
تدبر لماذا قال الله تبارك وتعالى منسأته هاهنا ولم يقل عصاه !، بينما في قصة موسى معنى التأخير لم يكن مرادًا، وإنما المراد أنها عصا ستتحول إلى حية ثم كأنها جانٌّ ثم إلى ثعبان،فلأن معنى التأخير غير مراد في قصة موسى سماها الله عصا حتى لا يختلف فيها أحد وحتى لا يقال بأنها منسأة كان فيها دلالات معينة، وإنما هي عصا يتوكأ عليها، ويهش بها على غنمه. فتلك دقة في اختيار الكلمة في موضعها، لو أن القرآن الكريم من كلام البشر - وحاشا له أن يكون من كلام البشر - أما كان من الممكن أن يستعمل البشر كلمة (منسأة) في موضع قصة موسى وكلمة (عصا) في موضع قصة سليمان؟!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى