في دائـرة الضـوء..خوليت.. زهرة الزنبق السمراء!

> «الأيام الرياضي» متابعات:

> في بلاد الزنبق، يُستعمل رمز الزهرة الوطنية في كل المجالات، إذ تحيل على الحب عندما ترتبط باللون الأحمر، وترمز إلى الإعجاب في حال ظهورها بألوان مختلفة، بينما تمثل الأمل عندما تميل إلى الصفرة. أما حين تكون سوداء اللون، فإنها تحيل على الازدهار، كما تبين جلياً في كتاب أليكساندر دوما الشهير أو من خلال لقب رود خوليت وهو في عز مسيرته الكروية الحافلة بالإنجازات.
من هارلم إلى جروزني، مروراً عبر ميلانو ولندن ولوس أنجلس، حقق النجم الأسمر مشواراً متميزاً في ملاعب الساحرة المستديرة، وهو الذي فاز بلقب بطولة أمم أوروبا مع منتخب بلاده عام 1988، محرزاً في الوقت ذاته كأس أوروبا للأندية الأبطال مرتين مع إي سي ميلان بقيادة الداهية أريجو ساكي. ولم يكتف خوليت بإنجازاته فوق أرضية المستطيل الأخضر فحسب، بل نجح في إكمال مهامه بامتياز في كل المجالات التي شارك فيها، حيث خاض بعض التجارب في عالم التدريب، كما أفلح في لعب دور الاستشارة والتعليق في مختلف القنوات التلفزيونية، علماً أنه ساهم في أداء بعض أغاني موسيقى الريغي لفائدة القضايا الخيرية كذلك، قبل أن يترأس لجنة ترشيح بلاده لاستضافة كأس العالم . وقد أوضح أن انخراطه في مختلف الأنشطة والمجالات نابع من حبه الشديد "للتعلم واكتشاف أشياء جديدة، إضافة إلى الرغبة في الاستمتاع إلى أقصى حد".
ورغم تنوع مهاراته ومواهبه، إلا أن اسم رود خوليت ظل مرتبطاً بملاعب الساحرة المستديرة التي ترك فيها بصمة خالدة مازالت تشكل موضوع حديث الخاص والعام بين أوساط عشاق الرياضة الأكثر شعبية في العالم. فبعد مرور سنوات طويلة على اعتزاله، مازالت الجماهير تتذكر جدايل شعره وهي تتراقص مع رياح ميونيخ في تلك الليلة التاريخية التي دخل فيها ابن أمستردام نادي الأساطير وهو يقود الكتيبة البرتقالية لاعتلاء منصة التتويج الأوروبية، إذ لم تذبل زهرة الزنبق السمراء منذ ذلك اليوم، بل ازدادت إيناعاً يوماً بعد يوم.
*** من مركز الليبرو إلى هداف بارع
كانت البداية في هارليم، حيث اكتشف خوليت مدى توطد علاقته بالكرة وهو يوقع أول عقد احترافي في حياته. كان عمره لا يتجاوز السادسة عشرة حينها، ولم يتأخر في الانضمام إلى منتخب الشباب، إلى جانب الأخوين كومان. وبعدما اكتملت مرحلة النضج في صفوف دور فيلسكراخت ستيرك، تعززت سمعة أصغر لاعب في تاريخ النخبة الهولندية عندما خاض ثلاثة مواسم ناجحة في حظيرة الدوري الهولندي الممتاز. ورغم أنه كان يلعب في مركز الليبرو، إلا أنه كان يسجل هدفاً كل ثلاث مباريات تقريباً، مما دفع فينورد روتردام للإسراع في التعاقد معه، حيث وظفه الأسطورة يوهان كرويف في موقع وسط الميدان الهجومي.
وسرعان ما اختير خوليت أفضل لاعب في هولندا بفضل أهدافه الأربعين من أصل 101 مباراة، مساهماً في قيادة "العملاق النائم" إلى الظفر بالثنائية عام 1984، ليعانق ابن حي جوردان المجد والألقاب لأول مرة منذ انطلاق الشرارة الأولى من مسيرته المشرقة. وفي غمرة تطور مردوده وتحسن مستواه، انضم رود إلى صفوف الغريم أيندهوفن بعد مضي سنة واحدة على حمل قميص فينورد، إذ تزامن انتقاله إلى قلعة فيليبس ستاديوم مع بزوغ نجمه بشكل كامل على الساحة القارية والدولية.
وبعد معانقة درع الدوري الهولندي مرتين، وتسجيل 54 هدفاً في 75 مباراة، عاد صاحبنا للظفر لقب أفضل لاعب هولندي قبل أن يخطف الكرة الذهبية في نسخة 1987، علماً أن مغامرته مع أيندهوفن لم يمر عليها سوى موسمان فقط. وتابع خوليت تألقه فوق الملاعب الخضراء بفضل موهبته الفذة وبنيته الجسدية الخارقة وقامته الفارعة (1.86م)، التي لم تعهد الجماهير رؤيتها في صانع الألعاب، ليتمكن ابن أستاذ العلوم الاقتصادية من توقيع صفقة انتقال مغرية مع العملاق الإيطالي، إي سي ميلان.
وبرحيله إلى عاصمة لومبارديا، أصبح النجم الهولندي وجهاً من الوجوه المشهورة في عالم الساحرة المستديرة، إذ خلب ألباب الجماهير بلمساته الساحرة وأهدافه الحاسمة، كما شد إليه أضواء المتتبعين وعدسات الكاميرا من خلال ابتسامته الشبيهة بتلك التي ترتسم على وجوه نجوم السينما في هوليود. ثم جاء ذلك اليوم الخالد من أيام يونيو\حزيران 1988، الذي قاد فيه منتخب الطواحين الهوائية إلى قمة المجد الأوروبي لأول مرة في تاريخه برأسيته المركزة في الدقيقة 33 من عمر المباراة النهائية، مستفيداً من تمريرة رينوس ميكلس.
*** عهد الإمبراطورية
لم يكتفِ خوليت بإنجازه القاري مع كتيبة بلاده على الأراضي الألمانية، بل أتى على الأخضر واليابس بقميص نادي ميلان خلال الموسمين التاليين، بفضل انسجامه الكبير مع رفيق دربه في أيام الصبا، فرانك رايكارد، وزميله في الهجوم البرتقالي، ماركو فان باستن، حيث رسم الثلاثي الهولندي الذهبي خارطة الطريق لتربع أبناء قلعة روسونيري على عرش إيطاليا وفرض هيمنة مطلقة على الساحة الأوروبية. فقد عمل الداهية أريجو ساكي على ابتكار أسلوب كروي جديد، مستوحى من الفلسفة التي اعتمدها آياكس خلال عقد السبعينات، ليبسط سيطرة تامة على جميع المنافسات، إذ شكل ريال مدريد أول ضحايا هذه الثورة الحاشدة فسقط زعيم الأندية الأسبانية بخماسية في سان سيرو ضمن نصف نهائي كأس أوروبا للأندية الأبطال في موسم 1989، قبل أن يليه شتيوا بوخارست بالأربعة في موقعة الحسم على ملعب كامب نو في برشلونة، حيث سجل خوليت ثنائية لوحده مساهماً في قيادة أبناء لومبارديا إلى المجد القاري.
ثم تكرر الإنجاز في العام الموالي، ولو أنه لم يكن بنفس السهولة، حيث مر ميلان إلى المربع الذهبي بشق الأنفس أمام بايرن ميونيخ، قبل أن يفوز في النهائي على بنفيكا بهدف يتيم دون رد (من توقيع فرانك رايكارد). لكن خوليت دفع ثمن موسميه المثقلين بالألقاب والتحديات، فكان أداؤه باهتاً في مونديال إيطاليا 1990 وبعد الإخفاق مع المنتخب الهولندي، جاء الإقصاء من كأس أوروبا على يد أولمبيك مارسيليا ليشكل بداية النهاية لعهد ذهبي مع ساكي داخل إمبراطورية ميلان، فتوالت الانتكاسات الواحدة بعد الأخرى، حيث بدأت لياقة رود تتراجع مع مرور الأسابيع، فتراجع معها مستوى المنتخب الهولندي، الذي سقط في نصف نهائي بطولة أمم أوروبا بركلات الترجيح على يد الدنمارك.
*** طي صفحة الماضي
في ظل تواضع أداء خوليت مع ميلان، بدأ النجم الأسمر يجد نفسه حبيس دكة البدلاء أكثر من أي وقت مضى، بينما كان النادي يتجه نحو عهد جديد، مما اضطر الداهية الهولندي للانتقال إلى سامبدوريا، قبل أن يعود إلى حضن سيلفيو بيرلوسكوني، الذي لم يلبث فيه إلا أسابيع معدودة، لتنتهي مغامرة ابن أمستردام مع أبناء قلعة روسونيري بشكل نهائي.
لكن فك الارتباط بنادي ميلان لم تكن لتعني القطيعة مع ملاعب الكالتشيو، حيث عاد صاحبنا لارتداء قميص سامبدوريا مجدداً، مسجلاً مع عملاق مدينة جنوة ثمانية أهداف في موسم واحد، قبل أن يضع حداً لمغامرته الإيطالية التي امتدت لثماني سنوات من العطاء، مقرراً الانضمام إلى صفوف تشيلسي الذي لم يكن حينها إلا نادياً متواضعاً يكافح في وسط ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز. وبينما كان الجميع يرى في هذا الخطوة سبيلاً إيجابياً لعودته إلى سابق عهده والتألق مجدداً في مسابقات الأندية والمنافسات الدولية على حد سواء، تفاجأ المراقبون بقرار خوليت القاضي بعدم مرافقة المنتخب الهولندي لخوض مونديال الولايات المتحدة الأمريكية عام 1994 بسبب خلافات مع المدرب ديك أدفوكات.
وسرعان ما تحول خوليت من نجم آفل إلى لاعب ومدرب في قلعة ستانفورد بريدج بعد رحيل جلين هودل لتولي إدارة المنتخب الإنجليزي، حيث تمكن الداهية الهولندي من قيادة كتيبة البلوز إلى رفع كأس الاتحاد عام 1997. وبينما كان الفريق يحتل المركز الرابع، تخلى تشيلسي عن خدمات لاعبه ومدربه، فانتقل رود إلى نيوكاسل لموسم واحد فقط، بعدما أعلن اعتزاله اللعب نهائياً عن عمر يناهز 35 ربيعاً. وعقب إقالته من إدارة كتيبة ماكبايز، أعرب عن خيبة أمله في كرة القدم، مؤكداً أنه لن يعود إلى التدريب أبداً.
لكن فينورد نجح في إقناع نجمه السابق بتغيير رأيه عام 2004، ليعود خوليت إلى الوقوف بجانب خط التماس، قبل أن ينتقل إلى لوس أنجلس جلاكسي (2007\2008)، ومن ثم تولي رئاسة لجنة بلاده لاستضافة كأس العالم 2018 مناصفة مع الجارة بلجيكا، لينتهي به المطاف في الشيشان حيث وقع عقداً لتدريب تيريك جروزني مطلع العام الجديد، في مفاجأة جديدة من مفاجآت زهرة الزنبق السمراء.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى