وطن الجُرَع والظمأ والدم

> علي غالب الصبيحي:

>
علي الصبيحي
علي الصبيحي
الماء، الكهرباء، الطريق، التعليم، الدواء ضرورات حياتية تجاوزها العالم ووضع لها استراتيجيات ولم يعد يفكر فيها، بل ربما انصرفت معظم الشعوب للتفكير فيما هو أبعد من ذلك بكثير من أمور الترف والرفاهية ورسم برامج صحية وغذاية خاصة بالحيوانات والقرود والدجاج.. ومما يحضرني هنا خبر قرأته وسمعته قبل أيام أن امرأة بريطانية كانت تمتلك ثلاث دجاجات، ففقدت واحدة منهن فبلّغت الشرطة، وماهي إلا لحظات حتى بحث الأمن عن دجاجها وأعادها سالمة، ونحن نفقد في اليوم أكثر من 100 من البشر بين قتل وخطفٍ وتقطع وتفجير، ويمر الأمر مرور الكرام، ولم نسمع عقب ذلك غير: "مجهولون يقتلون أو يفجرون أو يهاجمون..." ويذيل هذا المصدر بعبارة (.... وسينالون جزاءهم العادل) التي ملتها أسماعنا ولكثرة ما سمعناها أصبحنا نخلط بين معنيي العدل والظلم.
قبل عيد الفطر المبارك تألمت كثيراً وأنا أتحدث مع طفلة صغيرة بالتلفون تدعى (ثريا) بعد أن تحدثت مع والدها وهي لم تتجاوز العاشرة من العمر طالباً منها تحديد شيء معين لأرسل لها.. وعلى الفور لم يذهب تفكيرها عند الحلويات أو الخضروات أو بدلة العيد أو ما إلى ذلك مما ينحصر فيه عقل وقلب الطفل في مثل هذا العمر، لكنها صدمتني بطلبٍ ورد على لسانها البريء وهو من باب الإيحاء أو الكناية عن الألم.. نعم قالت لي: لو (تروح) سيارة من عندكم تريد دبتين ماء!.
أكتب هذا ليس من نسج الخيال والله شاهد على ما أقول، لكنها الحقيقة والحقيقة وحدها، فبالله عليكم ماذا بقي من حقوق الآدمية والطفولة إن كان الطفل تلقي عليه الحياة من أعبائها وآلامها ما لا يتحمله رجل في الأربعين من عمره؟!!.. ماذا بقي للطفل إذا يقضي جزءاً من وقته المخصص للنوم فوق بئر يدوية عادية لا يجتمع فيها على مدار خمس أو 7 ساعات أكثر من 100 لتر من الماء؟.. وما طلع في (الدلو) يكون بالتناصف فنصف ماء والنصف الآخر وحل وجراثيم.. ما قيمة هذه الحياة إذا يقضي جيل أو جيلان أعمارهم وهم يحلمون بشربة ماء أو بحبة دواء أو.... أو..... من ضرورات الحياة التي صارت مبذولة حتى للثعابين في دول العالم الأخرى.
يا أولياء الأمر أزمتنا أزمة أخلاقية قيمية والكثير ممن يتولون أمرنا تجاوزوا كل معاني اللصوصية والفساد، ومن تولى وزارة أو منصبا في مرفق حول ذلك المرفق أو الوزارة دكان شخصي مقدس، والمشكلة لا تكمن في رفع الدعم وأي دعم ترفعوه عن هذا الشعب المسحوق؟!
يا حكومتنا ماذا بقي لنا بعد أن قضى آباؤنا ونحن وأبناؤنا العمر في كفاحٍ مرير مع ظروف الحياة... معركة طويلة لم تهدأ بعد بل تزداد ضراوة وآخر لهيبها (جرعة الموت العيدية).
ياحكومتنا لم تحصل الأجيال على التعليم المجاني ولا التطبيب ولا الكهرباء ولا الماء حتى ترفعي دعمك المزعوم لمشتقاتٍ مسروقة معدومة .. فإلى أين تسيرين بنا؟!
يا حكومتنا لم نعد نحلم بالرفاهية التي يعيشها العالم وحيواناته وقروده ولا نفكر فيها.. مطلبنا هو شربة ماء وكسرة خبز وحبة دواء وتعليم حتى نشعر أننا بشر، وهذا جزء بسيط مما هو لنا وإلا فحقنا الأكبر وطن سلب منا باسم وحدة المكر والخديعة ولن ننساه مادمنا وما دامت الحياة.
يا من ترهلّت كروشكم وانتفخت أوداجكم من أموال الحرام لا تظنوا أن الشعوب ستظل تصفق وتصغي لما تقولون، وقد مضى عليكم دهراً طويلاً وأنتم نواب ووزراء وحكام.. تيقظوا فلحظات الندم والحسرة أمرّ من نعيم الحرام واللصوصية.. احذروا خشية أن تكون جرعتكم هي طوفانكم القادم إن لم تحسبوا لهذا الشعب حسابا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى