نساء يقدن التغيير في مناطق مختلفة باليمن

> التقتهن/ بشرى العامري

> لم تمنع البيئة المحيطة بالمرأة اليمنية مهما كانت صعبة من أن تشق طريقها بنفسها وتحقق طموحاتها وتتصدر مشهد العمل المجتمعي في الوسط الذي تعيش فيه، بالرغم من قساوته ووجود الكثير من العراقيل التي تقف في طريقها.. فكثير من النساء يعملن في أنشطة متنوعة وحيوية تخدم مجتمعها المحيط في عدد من المناطق الريفية أو الحضرية التي تتسم بالعادات والتقاليد المنغلقة والمتشددة ضد نشاط المرأة ونيلها المراتب العملية والعلمية العليا. يحملن أحلاما وطموحات تعانق السماء، ويحفرن في الصخر لتحقيقها في ظل مجتمع يعزز من تهميشهن وتقليص دورهن على المجالات النمطية التقليدية.
ومع ذلك يزددن إصرارا على النجاح والتميز وينخرطن في العمل الجاد في عدد من المجالات التي قد يعجز عن خوضها المئات من الرجال.
في السطور الآتية نستعرض قصص بعض تلك النساء ونسلط الضوء على تجاربهن الفريدة والتي كشف عنها مشروع تحديد وإبراز القيادات النسائية اليمنية الذي ينفذه منتدى (القرن الواحد والعشرون) بدعم من السفارة الهولندية، خصوصا في الأرياف والمناطق النائية من جميع التخصصات.
من مدينة إب الخضراء الساحرة بطبيعتها الخلابة والصارمة بتقاليدها النمطية فيما يخص المرأة حتى اليوم، تبرز الدكتورة نورية محمد الأصبحي (39 عاما) كنموذج مشرف للمرأة الطموحة المثابرة والتي سعت حثيثا وناضلت من أجل أن توجد مكانا مميزا لها في هذا المجتمع التقليدي، فهي اليوم استاذ مساعد في قسم الإدارة والتخطيط التربوي بكلية التربية بمدينة إب ورئيسة مؤسسة انطلاقة للتنمية المجتمعية والتي تعمل في مجال التوعية والتدريب وحل الإشكاليات المجتمعية وتقديم الاستشارات ومناصرة القضايا الحقوقية ومساعدة المزارعين في تقديم المشورة لهم.
ولم تكتف الدكتورة نورية بهذا النشاط بل سعت كثيرا لتصبح باحثة أكاديمية متخصصة وناشطة في قضايا الإعلام والمجتمع، وهي كاتبة صحفية متميزة في عدد من الصحف الورقية والمواقع الإلكترونية وعضو اللجنة المركزية لاتحاد نساء اليمن.
ومرت الدكتورة نورية ككثير من بنات جنسها بالعديد من الصعوبات لتصل إلى ما وصلت إليه اليوم ابتداء من نظرة المجتمع المحيط بها للفتاة المتعلمة أولا والموظفة ثانيا، ثم تاثير زواجها المبكر على إمكانية تلقيها التعليم بشكل أفضل ومع ذلك قاومت كل ذلك ولم تقف للحظة.. تقول: “محافظة إب من المحافظات التقليدية حتى اللحظة وتضطر المرأة أن تنجز أولا جميع مسئولياتها الأسرية على حساب وقت راحتها الذي تقضيه في تحقيق طموحاتها وبناء نفسها الذي غالبا ما يكون مصحوبا بعدم الرضا من المحيطين بها”.
وتؤكد في الوقت ذاته أن “الفتاة التي تنجح في تخطي ذلك وتصل الى مرتبة مشرفة يفتخر بها جميع من حولها ويتبدل موقفهم تماما تجاهها ويصبحون فيما بعد أكثر دعما لها”.
وتدعو كل فتاة يمنية لأن تشق طريقها بشكل صحيح في هذه الحياة دون ان تلتفت لما يقال، فهي في الاخير حتما ستكون الفائزة، وعندما تحقق اي انجاز علمي او عملي ستشعر بقيمة هذا الانجاز وانه يستحق فعلا كل العناء الذي بذلته للوصول اليه وستحظى باحترام وتقدير الجميع.
ومن محافظة تعز ذات الطابع الاكثر انفتاحا نسبيا في مجال المرأة والعمل تشق إلهام طه الزريقي طريقها في مجال التنمية البشرية وبرامج تدريب المدربين، ولعل الهام كانت اوفر حظا في انها لم تجد الكثير من العراقيل او الصعوبات في طريقها اثناء تحقيقها لذاتها وتقديما الكثير من الخدمات لمجتمعها، ولكنها تجد بعض المضايقات والمشاحنات التي تنم عن الغيرة من اقرانها وخصوصا الذكور لتميزها في تقديم برنامجها التدريبي (المدرب النجم) والذي تخرج من خلاله خمسون متدربا ومتدربة ليصبحوا مدربين معتمدين في عدد من المشاريع بحسب معايير دولية معتمدة.
وبرغم صغر سنها الذي لايتجاوز الاثنين وثلاثين عاما الا ان الهام تدرب العديد من النساء ايضا في مجال الكوافير في بعض المؤسسات الخيرية والتنموية وهي تستمتع بهذا العمل المفيد جدا لكثير من النساء المحتاجات، وهي ايضا تعمل في الغرفة التجارية بتعز كمدربة وتساندها في نشاطاتها مديرة مركز تعز بالغرفة سمية الشرجبي واروى العمري في ادارة سيدات الاعمال، واعتمدت اروى كمدربة في الادارة.
تقول الهام: “خرجت المرأة اليمنية بقوة الى مختلف ميادين العمل وتقلدت مناصب حساسة وكانت كفؤة بمعنى الكلمة وحتما سيكون لها دور فاعل في الايام القادمة”.
وتطمح الهام بان تكون قيادية ناجحة لها بصمات في صناعة ملامح المستقبل. ومن غيل باوزير بمحافظة حضرموت تبهرنا عواطف سالم عمر الرامي بنشاطها المنقطع النظير فهي بالاضافة الى عملها كمعلمة ومربية تعمل ايضا كمسئولة للانشطة المدرسية والتي تميزت بخروجها عن اطار المدرسة لتشمل الاحياء المجاورة لها ايضا والتي وصلت الى 40 نشاطا اساسيا مختلفا، كحملة (أفشوا السلام بينكم) والتي قام خلالها طلاب المدرسة بتوزيع الورود وعبارات تنادي بافشاء السلام على المارة والسائقين في الاحياء المجاورة للمدرسة بمنطقة فوه في المكلا، كما فعّلت الاذاعة المسائية التي كانت مهملة تماما.
وتعمل ذات الستة وعشرين ربيعا كمتطوعة ايضا في مركز التوحد بمؤسسة العون، ولديها فريق (نور حياتك بالخيرات) الذي يهدف الى فعل الخير وتحسين البيئة، ونظمت عددا من الحملات كحملة (هيا نزرع بأيدينا) و(كن مبدعا) و(كن نظيفا)، بالاضافة الى تقديم المعونات المختلفة للاسر الفقيرة والسعي في فتح مشاريع صغيرة لتحسين دخلهم وبناء مصلى للنساء في منطقتها.
وبالرغم من الصعوبات التي تواجه عواطف من ضيق الوقت وكثرة الالتزامات وعدم تفهم المجتمع لكل ما تقوم به، وعدم التفات الاعلام لجميع الانشطة التي ينظمها فريقها والحملات القوية التي يطلقونها وعدم انتظام الموارد إلا ان طموحاتها اكبر من ذلك فهي تطمح الى ان تشمل انشطتها وحملاتها المنطقة التي تعيش فيها بأكملها.
وتدعو عواطف كل فتاة لأن تكمل تعليمها حتى مراحل متقدمة وألا تستسلم للظروف مهما كانت، كما تدعو الجهات المعنية الى الاهتمام بالتعليم النوعي ومحو الامية، ورعاية وتبني المشاريع الصغيرة لمحدودي الدخل.
ومن مدينة المكلا وتحديدا المعهد الوطني للعلوم الادارية يبرز لنا جليا نشاط وتفوق نادية محمد بن عثمان والتي تعمل اليوم كمعيدة بالمعهد واستاذة بجامعة الاندلس فرع حضرموت.
فنادية تحمل مؤهل بكالوريوس ادارة اعمال وتطمح لان تستكمل دراستها طالما وانها متفوقة دوما في كل المجالات العلمية والعملية التي تخوضها، ولكن طابع المنطقة التي تعيش فيها وصعوبة السفر والانتقال للدراسة في محافظة اخرى بسبب العادات والتقاليد والاوضاع الامنية المتدهورة يحول امام تحقيق طموحها في تحضير رسالة الماجستير والدكتوراه في مجال ادارة الاعمال لعدم وجود هذا التخصص في منطقتها، ومع ذلك لم تيأس نادية من تحقيق هذا الحلم الذي اكدت بانه سيتحقق قريبا لا محالة.
تقول نادية ان “كثيرا من بنات جنسها في منطقتها توقفن عن التعلم في مراحل مبكرة وتم تزويجهن في سن صغيرة، وتدهور الاوضاع المعيشية والامنية زاد من هذه الحالات”.
نادية اليوم هي مدير المعهد الوطني فرع حضرموت وتقيم دورات تدريبية متميزة في ادارة الاعمال والقيادة الادارية والحكم الرشيد ضمن اتحاد نساء اليمن بشكل طوعي.
ومن المكلا ايضا بمديرية بروم ميفع تفاجئنا مروى راضي سالم بن دحمان ذات الثلاثة والعشرين ربيعا بنشاطها وكأنها نحلة لاتتوقف عن العمل فهي رغم صغر سنها خبيرة في التدريب بمجال ادارة الازمات والضغوطات ومهارات الكوافير والكمبيوتر والخياطة والتفصيل، وتجيد اللغة الانجليزية بطلاقة وهي خريجة كلية البنات بجامعة حضرموت لهذا العام، لكنها في الوقت ذاته كانت رئيسة اللجنة النسوية بجمعية الامل الخيرية ببروم والتي هي الان متوقفة في اطار التحول من جمعية الى مؤسسة، ومتطوعة في مؤسسة الامل النسوية وميسرة في مؤسسة آراء للتنمية ومنسقة لمنظمة سول في مدينة بروم ومتطوعة في جمعية الحكمة.
تؤمن مروى بأن الانسان خلق ليكون خليفة في الارض وليعمرها ولا يقتصر ذلك على الذكر دون الانثى، فكلاهما سواسية في اداء هذه الرسالة دون استثناء.
وتتمنى ان ينهض الجميع وأن يجتهدوا في كل عمل قد يطور ويقود البلاد الى التقدم والتطور.
وتشير الى ان هناك الكثير من الصعوبات التي تواجهها الفتاة في منطقتها بسبب تمسك الاهل ببعض العادات والتقاليد التي تقيد حركة المرأة في الخروج الى سوق العمل بشكل عام وفي العمل الطوعي بشكل خاص، إلا انها تؤكد ان اصرار البعض يدفع بالمجتمع لقبولهن وهناك نماذج عديدة يفتخر بها ابناء المنطقة ولكنهن لازلن قليلات نسبة لعدد النساء في المنطقة واحتياج المنطقة الملحة لمثل هذه الجهود.
ومن منطقة تهامة ومديرية زبيد بمحافظة الحديدة نلقي الضوء على فاطمة حسن عمر فص كإحدى ابرز الناشطات في تلك المنطقة بمجال التعليم والتوعية المجتمعية، فهي الاكثر خبرة في منطقتها في مجال التدريس لمادة الرياضيات والادارة المدرسية وهي وكيلة لمدرسة ماء السماء بزبيد ولعلها نسبة الى منطقتها الاكثر فقرا وتشددا كانت الاوفر حظا بان ولدت وتلقت التعليم الاولي في المملكة العربية السعودية وعندما قدمت في العام 90 الى اليمن وعادت للعيش في منطقتها لم يثنها عن مواصلة تعليمها الجامعي وجودها في منطقة شبه منعزلة بشرق زبيد وبعد المسافة بين منطقتها والجامعة وواصلت تعليمها بكلية التربية بزبيد حتى حصلت على دبلوم متوسط.
تقول فاطمة ان منطقتها كانت حينها تفتقر كثيرا لوسائل المواصلات وطرقها غير معبدة وتتسرب الكثير من الفتيات من التعليم بعد الاساسي بسبب عدم وجود مدارس اعدادية وثانوية في ذات المنطقة.
لكن مع اصرار البعض ومواصلتهن وتحسن الظروف حاليا استطاعت العديد من الفتيات تخطي كل ذلك واكملن تعليمهن خصوصا في تواجد المدارس الاعدادية والثانوية حاليا ووجود فصول متخصصة للبنات.
تعمل فاطمة ايضا في اعمال طوعية مختلفة من اجل مساعدة الكثير من الاسر الفقيرة والمحتاجة سواء عبر انشطة داخل المدرسة او خارجها وتتمنى ان تكون مسئولة عن برامج خدمية في منطقتها لتستطيع تقديم الافضل لابناء منطقتها الذين يعانون كثيرا، وتدعو الحكومة والجهات المعنية لأن تكون جادة في دعم وجود المرأة بشكل اكبر وتوفير الامن والاستقرار ليتسنى للمرأة العمل في بيئة اكثر استقرارا.
قامت فاطمة بالعديد من المنجزات بمساعدة عدد من الاهل والمعلمات والصديقات من اهمها فتح مدرسة لمحو الامية في مدرسة الفلاح لمدة ثلاث سنوات استفادت منها ثمانون امرأة استطعن محو اميتهن وتعلم القراءة والكتابة واقناع اهالي اكثر من ستين فتاة من اهالي قرية محو المحاجبة بتدريس بناتهن وفتح مدرسة لهن هي عبارة عن عشة، بالاضافة الى تعليم الفتيات الاعمال اليدوية والتطريز واعمال الصوف، وفتحن ايضا مدرسة لمحو الامية في منزل تم وقفه للمشاريع الخيرية وتديره فاطمة وتدرس فيه أيضا وتستفيد من هذه المدرسة ثمانون امرأة في المنطقة.
التقتهن/ بشرى العامري

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى