تعز.. الهجرة الداخلية ثقافة مترسخة أو انعدام التنمية !!

> تقرير/ أحمد النويهي

> أرتبطت الهجرة في لأسيما في تعز بالموروث الثقافي والشعبي وهو ما تلخصه (المهاجل) الشعبية المتداولة بين أوساط
الناس في هذه المحافظة، والمعبرة عن الغربة الداخلية إلى عدن أو الخارجية لدول الجوار وغيرها، وما تخلفه من معاناة للمغترب وأهله خاصة إذا كان المغترب هو الشخص المعيل للأسرة، ومما تناقلته الألسن في التراث الشفاهي التعزي على لسان امرأة تخاطب زوجها المغترب، وتطلب منه العودة بالقول: “ساروا عدن وفلتوا الغواني.. وأني من الجملة وذا بياني.. أرض الحجاز هدّوك بالمجارف.. شدوا الشباب وسيبوا المكالف.. نزلوا الرياض وسافروا لجدة.. قل للحبيب كم له سنين ومدة”.
ولأن عامل الفقر والعوز كان سببا رئيسيا في ترك المواطن لريف هذه المحافظة حيث مسقط رأسه، والسفر إلى مدن وبلدان بعيدة للبحث عن لقمة العيش لأهله وعائلته، وكانت ولا تزال المعاناة سيدة الموقف لتغدو الهجرة ثقافة لدى أبناء تعز فهم يتواجدون الآن في مختلف المحافظات وكذلك دول الخليج وغيرها.
وربما أن هذه الملالاة تقدم صورة واضحة عن تلكم المعاناة بلسان امرأة ريفية من باطل الغربة “ليته قريب يرجع... وكفايتي لو عاش غرب شاقنع.. ماشاش أني الروتي ولا خبز طاوة ..
ولا أشتي الخلطة ولا الحلاوة..
يا طائرة ياجازعة أمانة ..
لو داخلك عبده قولي له فلانة..
طال صبرها هل من أمل شيرجع..
أو قد حبل الوصل بيننا تقطع..
الله يجازي من غربه عني..
هل الطمع أغراه ولا زعل مني..
وأني وحيدة والله العليم بحالي..
لا اني براحة ولا قليبي سالي..
بس منتظر لعودتك وعبده..
وأني أسألك يا رب برحمتك ترده”.
**الهجرة الداخلية**
لم يقتصر الأمر على الهجرة إلى خارج البلد بل أن هناك هجرة من الأرياف إلى المدن تزداد
باضطراد مع انحسار عملية التنمية الريفية وقلة المشروعات المساعدة على البقاء وتوفير فرص العمل، فكانت تعز هي المحافظة الأولى طاردة لأبنائها، وبحسب دراسة أعدتها الدكتورة عفاف الحيمي - الأستاذ المساعد بقسم الاجتماع بجامعة صنعاء أشارت فيها إلى أن المركز الأول في الهجرة الداخلية كان من نصيب محافظة تعز.
وأرجعت الدراسة السبب إلى الكثافة السكانية في المحافظة، وضعف توفر فرص العمل مقارنة بعدد السكان، وشحة المياه،
ومحدودية المستوى الثقافي والتعليمي لدى غالبية السكان، إضافة إلى أن نسبة كبيرة منهم من ذوي الحرف والمهارات التي مكنتهم من الانتشار والعمل في العديد من محافظات الجمهورية.
**اختلالات التنمية**
من جهة أخرى يؤكد الدكتور محمود البكاري - أستاذ علم الاجتماع في جامعة تعز بأن “الهجرة من الريف إلى المدينة في بلادنا أصبحت تعكس وجود اختلالات كبيرة في عملية التنمية تدفع سكان الريف إلى الانتقال للمدينة نظرا لعدم توفر الخدمات الأساسية في الريف من كهرباء ومياه ومنشآت طبية وتعليمية وطرقات حديثة، حيث لا تزال نسبة الريف إلى الحضر في المجتمع اليمني بحدود 70 % ريف و 30 % حضر وهي نسبة ضئيلة بكل المقايييس قياسا بالفترة الزمنية منذ قيام الثورة اليمنية عام 1962 م..
والسؤال أين ذهبت خطط وبرامج التنمية منذ ما يقارب الخمسين عاماً ؟!”. تمدين الريف إذا كان المجتمع اليمني لا يزال معظمه مجتمعا ريفيا والأصل أن يكون هناك خطط وبرامج لتمدين الريف بدلا من ترييف المدن، حيث إن زيادة نسبة الهجرة من الريف إلى المدينة، انعكست سلبا على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمدن، وحدث ما يمكن تسميته بترييف المدينة، وحال مدينة تعز شاهدا على ذلك. [img]market.jpg[/img
ويضيف: “هذه المحافظة التى يطلق عليها عاصمة الثقافة تبلغ مساحتها حوالي10008 كيلومتر مربع، وهي تتكون من 23
مديرية، 3 مديريات حضرية، و 20 ريفية، تكتنز فيها ما يقارب ربع سكان اليمن، وأمام هذه المعطيات والحقائق علينا أن نفكر كيف يمكن أن يكون عليه حال مدينة تعز، ولذلك مطلوب إنزال مخططات حضرية جديدة لإنشاء مراكز حضرية على حواف المدينة وتزويدها بالخدمات اللازمة للتخفيف من حدة التدافع للسكن في المدينة”.
ويقترح الدكتور البكاري عدداً من العوامل أبرزها الاهتمام بالريف بدعم الزراعة الريفية، وإيجاد فرص عمل فى غير القطاع الزراعى وتوفير الخدمات الاجتماعية الأساسية، والاهتمام بالمراكز الحضرية الثانوية للتخفيف من الضغط على المدن الرئيسية، وإعداد دراسات عن الهجرة الريفية الحضرية فى مناطق أخرى من اليمن.
**غياب الاقتصاد الريفي**
يلاحظ أن الهجرة الداخلية مستمرة ومدينة تعز تعاني كغيرها من المدن من مظاهر تدفق الوافدين، وتعاني من البناء العشوائي، والازدحام الشديد، والأسواق العشوائية، وتدني الخدمات، ومشكلة شحة مصادر المياه، والسبب الرئيسي للهجرة من الريف هو البحث عن فرص عمل دائمة والحصول على خدمات أفضل نتيجة تدهور الاقتصاد الريفي وتراجع الزراعة، وارتفاع تكاليف العمالة بالنسبة للمزارعين وضعف التسويق، وظواهر بيئية أثرت على الزراعة من تصحر، وجفاف ناتج عن تقلبات الأمطار، واستنزاف المياه الجوفية، واضمحلال حرف كان يعتمد عليها كثيرون في الريف. حيث كان الاقتصاد الريفي يمثل نسبة عالية من اقتصاد البلاد ويلعب دوراً مهماً في مواجهة البطالة في الريف، حيث إن نسبة 70% في الريف يعملون في الزراعة أو الحرف.
**اختفاء الأسواق الشعبية**

كانت الأسواق الشعبية تبدأ بعدد أيام الأسبوع من سوق السبت إلى سوق الجمعة، ويتم فيها تبادل سلع منتجة في الريف.
ولم تكن الهجرة كما هي اليوم، ويتطلع الريفيون والعمال إلى المدن والعمل فيها بجهد أقل وعائد أكبر إلى جانب تعدد الخيارات في المدن، هذا كان له أثره في ارتفاع إيجار الشقق وازدحام المدارس في أطراف المدن.
**تدنى التنمية الريفية**
بحسب دراسة أجرتها الأخت عفاف الحيفي فإن من الأسباب التي تقف وراء تنامي ظاهرة الهجرة الداخلية (من الريف إلى الحضر)تتركز في تدني مستوى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في المناطق الريفية، وتزايد فرص العمل بالأجر اليومي في الحضر خارج القطاع الزراعي، إضافة إلى تمركز المشروعات الصناعية والخدمية في المدن، وأن أثر الهجرة قد بدى واضحا في نمو السكان بالمدن الرئيسية الذي شهدته خلال الثلاثة العقود الماضية، منها مدينة صنعاء التي تزيد بمعدل نمو سكاني سنوي 01 % .
**خصائص الهجرة الداخلية**
في رسالة ماجستير عن الهجرة توصل الباحث عبد الملك الضرعي إلى أن أكبر المحافظات مساهمة في الهجرة الداخلية إلى أمانة العاصمة هي محافظات صنعاء
26.73 % تعز، 19.01 %، إب 17.85 %، ذمار 12.08 %، وقد شكلت هذه المحافظات نسبة 75.67 % من حجم الهجرة الداخلية إلى
أمانة العاصمة، بينما شكلت بقية محافظات الجمهورية 24.33 % فقط. وبينت الدراسة التي تعد محاولة علمية لمعرفة خصائص الهجرة الداخلية إلى أمانة العاصمة صنعاء، من خلال تياراتها والعوامل المؤثرة فيها وآثارها الحالية والمستقبلية، لا سيما وأن العوامل الاقتصادية تعتبر من أقوى العوامل تأثيرا في مسار الهجرة الداخلية إلى أمانة العاصمة.
وذكرت الدراسة أن وجود الخدمات في أمانة العاصمة مثل التعليم والمياه والصحة والكهرباء، وغيرها تعد أحد أهم الدوافع
للهجرة الداخلية، وبحسب الدراسة فإن الأهمية الإدارية والسياسية لأمانة العاصمة كانت سبباً مباشراً لهجرة حوالي 7.4 % من
العينة المبحوثة.
**البحث عن الاستقرار**
لم تقتصر الدراسات عند هذا الأمر، بل أن الكثير منها قدمت رؤى أخرى تقف وراء تنامي الهجرة الداخلية لعل أبرزها البحث عن فرص عمل التي أصبح من الصعب الحصول عليها في الأرياف نتيجة محدودية الأنشطة، وعدم وجود سياسات حكومية لتنمية
المنتجات الريفية أو تنويعها، بالإضافة إلى رغبة البعض وتطلعهم مستقبلاً في الحصول على مستوى معيشي أفضل وخدمات ملائمة،
وفرص لتحقيق الذات، والحصول على مكانة في المجتمع منها مواصلة التعليم والعمل في المدن، ومستوى تعليمي جيد للأبناء. **الأمن الغذائي**
لم يعد الريف قادراً على توفير مستوى معيشي جيد من المحاصيل الزراعية التي ينتجها أبناء الريف، كما لا توجد أنشطة إنتاجية أخرى مدرة للدخل تجعل الريفيين يفضلون البقاء في قراهم. وإن حققت زراعة القات نوعاً من الاستقرار لبعض الناس نظراً لربحيته المرتفعة إلا أنه كان سبباً في إهدار واستنزاف الموارد المائية، وسبب عزوفاً عن إنتاج المحاصيل الغذائية
مثل الحبوب والخضار والفواكه ليزيد الاعتماد أكثر على المنتجات المستوردة، زد إلى ذلك أن شحة مصادر المياه أدت إلى زيادة الصراع عليه، كما أن نمو الريف وأعداد أفراد الأسر أدى إلى زيادة الهجرة بدافع المسئولية الأسرية لإعالة أسرهم في الأرياف.

**سلبيات الهجرة**
يشير الكثير من علماء الاجتماع إلى وجود جملة من الآثار السلبية للهجرة الداخلية، حيث تحدث زيادة مضطردة لسكان المدن
والضغوط على الخدمات، وتولد صعوبات أمام الحكومة على صعيد تلبية الزيادة السكانية المتسارعة في هذه المدن، ما يضعف
القدرة على استيعاب الوافدين من أجل إقامة دائمة، كما يؤدي ذلك إلى ضعف الخدمات المتوفرة وخاصة شحة المياه وتردي
الخدمات الصحية والكهرباء، وصعوبة إيجاد السكن الملائم، إضافة إلى التأثير على النوع الاجتماعي من حيث تغيير التركيبة السكانية في المدن والأرياف، وما يؤدي أيضاً إلى انتشار البطالة السافرة والمقنعة والهيكلية في المدن لعدم قدرة سوق العمل على استيعاب العمالة الوافدة من الأرياف.
وتبرز ظواهر انتشار عمالة الأطفال في المدن والأرياف، إلى جانب تأنيث الأسر الريفية نتيجة تدفق العمالة من الريف إلى المدن، وقصور الإنتاج الزراعي عن تأمين احتياجات سكان الريف والمدن، ما يزيد من استيراد الغذاء والاعتماد على الخارج.
من خلال ما خلصت إليه الدراسات فإنه بات من الواجب على السلطات المحلية في اليمن، وخصوصا في محافظة تعز ومديرياتها، إعادة النظر في عملية التنمية الريفية والعمل بجدية إلى إحداث نقلة نوعية في مستوى الخدمات العامة في الريف، وتوفير فرص عمل وتشجيع الإنتاج الزراعي من خلال بناء السدود والحواجز المائية حتى يستطيع المواطن في الريف الحصول على
فرص عمل والاهتمام بالأرض ورفع شعار (نأكل مما نزرع).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى