حـان أوان الانـشـطـار!!

> عوض بامدهف

>
عوض بامدهف
عوض بامدهف
هذا الجو القاتم والغائم.. كم يشعرني بالانقباض والضيق والتبرم والضجر.. أشعر فيه بأني أختنق.. أفقد قدرتي على التأقلم لكل ما يحيط بي والمرونة في الحركة.. ويجعلني أبدو فيه.. كالعرائس الخشبية.. التي تتحرك بفعل حركة الأنامل من وراء وخلف الستار في تلقائية الشد والجذب!!.
كم أتمنى أن تنقشع كل هذه الغيوم المحيطة بي ذات مرة وبصورة نهائية.. لأجد نفسي على حقيقتها في نهاية الأمر والمطاف.
ردد هذه الكلمات.. وهو مستلق على سريره المتهالك.. وهو يتسلى بالنظر تارة إلى سقف الغرفة المتداعي وتارة إلى جدرانها الصماء التي نحت عليها الزمن تجاعيده وبدقة متناهية وتارة أخيرة إلى ضوء المصباح الخافت الذي بالكاد ينير جزءا يسيراً من الغرفة الضيقة أصلاً.
وفجأة ودون مقدمات ردد بصوت عالي النبرات: “هنا وفي هذا المجال الضيق.. هذا الحيز الصغير والضيق والواضح الملامح.. أجد نفسي وتظهر أمامي حقيقتي عارية مجردة وواضحة وبدون أي رتوش.
لا أحد هنا يجبرني على أن أغدو كعرائس المولد بالسكر المذاب، والحلاوة في المذاق، هذا في الظاهر، ولكن يكمن الألم والعذاب والنشوية في الباطل.
هنا فقط تنقشع كل الغيوم وتصفو السماء والأجواء ولو للحظات قصيرة.. أعيشها بكل جوارحي وأتمتع بكل لحظة فيها إلى أقصى مدى.
حقاً إنها كل لحظات العمر الصافية النقية.. أعيشها بلا مساحيق أو رتوش أو غيوم أو نفاق أو رياء أو خداع.. أضحك طويلاً من القلب وبصفاء نادر.. فلا قيود ولا حدود لتصرفاتي، حيث انطلق في الأجواء الرحبة.. لا أنه لا وجود هنا لأي أحد يفسرها بالمقلوب وعلى هواه ومزاجه”.
وأرخى عضلات وجهه وكل عضلة في جسمه.. تماديا منه في استغلال فسحة الصفاء والنقاء القصيرة إلى أبعد الحدود.
ونظر إلى باب الغرفة الموصد بإحكام.. حيث وراء هذا الباب تقبع كل أساليب التمثيل والنفاق.. وفجأة سمع طرقا على الباب، ويصل إلى مسمعه صوت أجش وخشن يقول له:
“صاحبك ينتظرك بالباب، جاء حسب الموعد الذي بينكما”.
أجاب بفتور: “حاضر.. حاضر.. لحظة من فضلك”، والتفت نحو المرآة الكاحلة حيث انعكست صورته عليها، وبالكاد كانت تُرى، وردد قائلاً:
“أيتها الغيوم تلبدي.. وأيتها المساحيق والرتوش جاء دورك لتساعديني على أن أقوم بدوري خير قيام.. وما أصعب دوري في هذه المسرحية الرتيبة والمملة.. ونظر إلى المرآة.. وردد بنشوة واضحة:
“عظيم.. عظيم.. كل شيء على ما يرام.. المكياج المتقن قد تم وضعة.. ولقد حانت لحظة الانشطار.. وداعا يانفسي الموحشة.. فإنني أنشطر الآن.. مهلاً.. مهلاً إني قادم.. قادم.. فقد أتممت عملية الانشطار بنجاح باهر”.
ولحظتها تدوي في أرجاء الغرفة الضيقة بينما هو يغلق بابها المتهالك والمنخلع أصلاً.. أصداء موجة قوية من التصفيق الحار والحاد في نفس الوقت.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى