أخر تحديث للموقع
الاثنين, 19 مايو 2025 - 02:18 ص بتوقيت مدينة عدن

مقالات الرأي

  • نظرة سريعة لزيارة ترامب للمنطقة.. اليمن وموقعها من موجة التغيير في المنطقة

    عبدالله محمد الجفري




    من خلال متابعاتنا لزيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال الأيام الماضية كانت زيارة استثنائية للمنطقة، واختياره لثلاث دول في الخليج هي (السعودية - قطر - الإمارات) ليخصها بزيارته الأولى بعد انتخابه ليست عفوية، وإنما اختارها كونها دول نموذجية في الجزيرة ومنطقة الشرق الأوسط، قطعت شوطا ملموسا في مجالات التطور والتأقلم والتعايش مع العالم، كانت ثلاثة أيام حافلة بالزيارات لمناطق الفعل الاقتصادي والمعالم الحضارية والتاريخية في تلك الدول، بل شاهد أثناء زيارته صروحًا بنيت لتعكس روح التسامح الديني والتعايش مثل البيت الإبراهيمي ومسجد الشيخ زايد، وخلال الزيارة القصيرة عقدت الصفقات الاستثمارية بمليارات الدولارات لصالح تلك الدول في تحقيق عائدات مجزية لها، ولصالح الولايات المتحدة في تشغيل ملايين الأيدي العاملة في مصانع الطائرات والصناعات الأخرى التي اتجهت لها الاستثمارات، وبذلك حل ترامب بعض المشاكل الداخلية له مثل البطالة والتضخم، فالمليارات هي استثمار وليس كما يروج لها المرجفون أنها منحة أو إتاوة سلمت لترامب .. حقيقة الزيارات للثلاث الدول كانت مبهرة جدا، في بروتكولاتها، وكلماتها واتفاقياتها وجلساتها الاستثمارية .. كل دولة وجهت صفقاتها الاستثمارية في اتجاه حاجاتها الفعلية، فعلى سبيل المثال الإمارات اتجهت استثماراتها في مجال عصري مهم جدا بل هو عصب التقدم والتطور اليوم وفي الغد القريب هو "الذكاء الاصطناعي وشراء رقائق الموصلات، والفضاء" كما وجهت استثمارات في مجال تصنيع الألمنيوم بالولايات المتحدة، فالإمارات دخلت مجال الذكاء الاصطناعي في وقت مبكر وأنجزت البنى التحتية اللازمة له، وكذلك إنشاء مركز للذكاء الاصطناعي، وبناء جامعة هي الأولى من نوعها في العالم للذكاء الاصطناعي، واستحداث وزارة خاصة به، وفي زيارة ترامب تم تدشين بناء مجمع ضخم للذكاء الاصطناعي في أبوظبي سيعد الأكبر في العالم لتكون الإمارات منطلق لخدمة المنطقة في هذا المجال ..

    الزيارات واللقاءات والتصريحات لترامب ومسؤولي الدول، أوحت بأن القادم هو عصر التغيير الشامل للشرق الأوسط، والولوج إلى عالم جديد ..

    دول الجوار سلكوا طريق التغيير والتطور منذ عقود خلت، وزيارة ترامب كانت تتويجا للدخول إلى مراحل اكثر تقدما في مجالات عصرية مهمة مثل الذكاء الاصطناعي واقتصاد المعرفة والفضاء والتصنيع والتنمية المستدامة وغيرها ..

    هنا نتساءل أين وضع اليمن في وسط جوار يتحرك إلى الأمام للولوج في العالم الجديد بتوجهاته التكنولوجية والاقتصادية والسلمية.. ؟

    اذا ما درسنا واقع اليمن، سنرى بفعل نخبها السياسية المتسمة بنسبة عالية من المزيج القبلي والديني غير المتجانس المؤثر - تم جرها منذ عقود لبؤر التطرف الديني والتخلف الاجتماعي، وللأسف أيضا تم جر محافظات أخرى - كانت مؤهلة إلى حد ما للتغيير - لنفس البؤر وخاصة بعد الوحدة عام 1990،قد يظهر مبررون ليقولوا بأن الخارج له دور في إبقاء هذا الواقع ...! نعم قد يكون له بعض الدور تخوفا وحماية لمصالحه من مخاطر التطرف، ولكن حقيقة للنخب الدور الأكبر ،فكثير من الدول نهضت بفعل نخبها من تحت الأنقاض، وجعلت لنفسها مكانا تحت الشمس ..

    ولكن في اليمن كل النخب السياسية وخاصة خلال العقد الأخير تتحمل مسؤولية الوضع، فهذه النخب للأسف ركزت على جني الثروات لحساباتها الخاصة، وتركوا البلد لمصيرها، لذلك اليمن بحكم تأصل القبلية المشوهة وحلولها محل الدولة، وتعمق التطرف الديني جعل المحيط والعالم ينظر لها كبلد متعبة ومزعجة لأنها تحتضن جماعات مارقة بما حوته من تطرف سني وشيعي، لذلك يتم التردد في قبولها في أي تكتل إقليمي، ويصعب انخراطها في ركب التغيير الحادث في المنطقة، لذلك على النخب السياسية والعسكرية أن تعي هذا الواقع المؤلم، والعمل الجاد على تغييره .. هل ستتحرك الدماء الوطنية في تلك النخب لتستوعب واقع التغيير الحالي والقادم في المنطقة ..؟ وهل ستقوم بدورها ..؟ وهل النخب العسكرية ستتخلى عن جعل الحروب مجالا للمغانم والمكاسب الشخصية والعائلية، اعتقد دول الجوار وفقا لنظرتها للمستقبل أرادت أن تمسك بيد جارتها اليمن لتخليصها من خطر المد الفارسي المتطرف لشعورها بخطورته ليس على اليمن فحسب، وإنما سيطالها، وللأسف الواقع السياسي والعسكري المربك في اليمن، ومنها أن قوات ما تسمى بالشرعية بسبب تداخلات تركيبتها الإخوانية، وولاء بعض قادتها للهضبة الزيدية وميولهم للحوثي، جعل تلك القوات تخفق في حربها ضد الحوثي.

    اذا على النخب السياسية أن تنظر بحرص لهذا الواقع المرير لليمن الذي يعرقل انسجامها مع الإقليم واللحاق بركب التغيير الذي يحصل في المنطقة قبل فوات الأوان، وعليها أن تدرك انه لن يتم إدخال بلد ممزق بالتطرف والتخلف إلى حلبة التغيير الذي له متطلباته واستحقاقاته، لأن تبنيه وجره يعد حملا ثقيلا على تلك الدول، وقد يؤثر على مسير التغيير والتطوير..

    هل ستتحرك الدماء الوطنية في النخب لتستوعب واقع التغيير الحالي والقادم؟ هل ستتخلى النخب العسكرية عن جعل الحرب مغانم ومكاسب شخصية وعائلية لتحقيق النصر، اعتقد دول الجوار وفقا لنظرتها للمستقبل أرادت أن تمسك بيد جارتها اليمن لتخليصها مما هي فيه، ولكن لم تفلح لتعقيدات الواقع.

    على النخب السياسية لعب دورًا حازمًا وحاسمًا في ردم الهوة وجعل البلد مهيئة للمشاركة ولو بخطوات معينة في تغيير وجه المنطقة، كما هو حاصل في بعض البلدان الشبيهة إلى حد ما لوضع اليمن مثل سوريا والعراق ،كفى النخب السياسية سنوات الرخاء والاسترخاء وتضخيم الأرصدة الشخصية، والا سيتم حشر اليمن في زوايا الجبال والكهوف مع عصابات التطرف والتخلف، والعمل على تقليص أي إمكانيات وقدرات ستستخدم في الهدم لا البناء، والحد من تأثيرها على مشاريع التطور والتقدم في الإقليم والشرق الأوسط مثل وقف العبث الذي يقوم به الحوثي اليوم لإرباك الملاحة الدولية.

المزيد من مقالات (عبدالله محمد الجفري)

Phone:+967-02-255170

صحيفة الأيام , الخليج الأمامي
كريتر/عدن , الجمهورية اليمنية

Email: [email protected]

ابق على اتصال