الدفاع المدني بتعز .. إمكانيات محدودة وموظفون يفتقدون أبسط الحقوق

> استطلاع / فهد العميري

> تفتقر مصلحة الدفاع المدني بتعز لأبسط المقومات الأساسية التي تمكنها من القيام بوظائفها بالشكل المطلوب، ناهيك عن اقتصارها على عملية الإطفاء دون عمليات الإنقاذ والإسعاف اللتين تعدان محورين ضروريين لا يكتمل الدفاع المدني إلا بهما، وبدونهما يكتوي المواطن بمضاعفات الكوارث والحرائق دونما قدرة لموظفي الدفاع المدني على مد يد المساعدة له، وانتشاله من براثن الخطر والحد من تعاظمه.
باستثناء مبنى متهالك فيه حوش واسع تربض فيه عربتا إطفاء وسيارة إنقاذ وعدد من المكاتب كانت اصطبلا للخيول قبل ثورة 26 سبتمبر، فلا شيء يوحي بأنك في مصلحة الدفاع المدني بتعز المنوط بها الإشراف على مدى توافر قواعد الأمن والسلامة في الأسواق والمحلات والمراكز التجارية الكبرى وتقديم العون والمساندة للمواطنين في حالة نشوب الحرائق أو حدوث الكوارث بمختلف مستوياتها.
**لا يوجد دفاع مدني في تعز**
العقيد عبدالقاهر الصهيبي
العقيد عبدالقاهر الصهيبي
العقيد عبدالقاهر الصهيبي مدير مصلحة الدفاع المدني أطلعنا على أحوال مصلحة الدفاع المدني بمحافظة تعز بالقول: “في الحقيقة لا يوجد دفاع مدني في تعز، وما هو موجود لم يعد كونه اسما بلا جسم، ولهذا من المعروف بأن الدفاع المدني يناط به كل ما يخص سلامة المجتمع، وذلك بهدف التقليل من الكوارث التي قد تحدث في المدينة”.
وأضاف: “وفيما يخص أقسام الإطفاء والإسعاف والإنقاذ، فلكل خمسين ألف نسمة كما هو متعارف عليه وحدة متكاملة للدفاع المدني، وفي تعز التي تشكل أكثر محافظات الجمهورية كثافة سكانية بالإضافة لكونها مدينة صناعية لم أجد بها عند تعييني قبل أربعة أشهر سوى سيارة واحد للإطفاء، بالإضافة إلى غياب الأقسام الخاصة بالإسعاف والإنقاذ، وغيره من متطلبات المهنة”، موضحاً بأنه “تم مؤخرا إصلاح أربعة سيارات إطفاء وإدخالها الخدمة، وكذا إصلاح سيارة إنقاذ”، وأشار الصهيبي إلى أن محافظ المحافظة وعد بتوفير ثلاث سيارات.
وعن الإمكانيات الأخرى في مصلحة الدفاع المدني قال: “مخصصات الديزل لم نتحصل عليها البتة، حيث بتنا لا نجد الديزل، وهو من أبسط الإمكانيات”.
وعن مهام الدفاع المدني قال: “الأساس في عملية الدفاع المدني العمليات الاحترازية المتمثلة في الجانب التوعوي، ونحن بحاجة إلى إمكانيات للقيام بذلك، ونتيجة لعدم توفرها وجد حائل بيننا وبين الرقابة على الأسواق والمراكز التجارية”.
وأضاف “عمل الدفاع المدني وفقا للقانون واسع جداً لكن للأسف نفتقد لأبسط المقومات الأساسية والمبنى خير شاهد على ذلك، ولهذا من اللازم أن تكون هناك استمرارية في التدريب والتأهيل للكادر”.
وفيما يخص الخطة المستقبلية للمصلحة قال: “إن مصلحة الدفاع لديها خطة طموحة تهدف من خلالها لتقديم خدمة متكاملة في مجال الإنقاذ كتوفير سباحين، وكذا في مجال حوادث السير، ومجال تهدم المباني وغير ذلك من المختصين في كل ما يخص سلامة الناس”، وأشار في ختام حيثة إلى أن هذه الخطة قد رفعت إلى المحافظ ولقيت تجاوبا وهي في انتظار التنفيذ، بالإضافة إلى إنشاء خمسة فروع في بير باشا والمركز الآلي والمخا، ووسط المدينة.
**تفعيل القانون**
معاذ عبدالرحمن السامعي
معاذ عبدالرحمن السامعي
من جهته أوضح معاذ عبدالرحمن السامعي مدير الشؤون المالية والإدارية بالمصلحة عن جانب من مهام المصلحة بالقول: “إن مهمتنا في المصلحة هي الإشراف على الأسواق الشعبية، ورفع التقارير إلى الجهات المختصة وبالذات الأشغال، والمجالس المحلية بعدم توفر إجراءات السلامة”، واستدرك بالقول: “لكن لا يتم العمل بها، ولا تتخذ الإجراءات العقابية ضدهم، والآن يتم منح التراخيص للأسواق الشعبية تحديدا والمراكز التجارية دون الرجوع إلينا، ونحن الجهة التي تملك فرض إجراءات السلامة قانونا، ولهذا نحاول حالياً تفعيل القانون بحيث لا تمنح أي رخصة عمل أو بناء إلا بعد الرجوع إلى الدفاع المدني”.
وعن مدى توفر إجراءات الأمن والسلامة في الأسواق الشعبية قال: “مجمل الأسواق الشعبية لا تتوفر فيها الإجراءات الخاصة بالأمن والسلامة، وذلك بسبب إهمال المواطن وعدم متابعتنا لهم بسبب قلة الإمكانيات وليس لدينا الاعتماد الكافي للنزول من أجل التفتيش، وفي حال قمنا بالنزول فهذا يعني أننا نضيف على المواطن أعباء إضافية، والواجب أن تتوفر في المراكز التجارية الكبرى مخارج طوارئ وشبكة إطفاء داخلية ووسائل الإطفاء اليدوية كالطفايات”، مشيراً إلى أنها وسائل لا تنفع في المراكز الكبرى والتي تشب فيها حرائق، اللهم كإسعاف، نتيجة تماس كهربائي أو غيره.
وبخصوص عدم توفر المياه في عربات الإطفاء في كثير من الحالات قال: “الماء سلاحنا الوحيد لمكافحة الحريق، فهل يعقل أن نبقى بلا هذا السلاح؟!”. وأردف بالقول: “ولكن حكايات الناس بأننا نأتي بدون ماء هي غير صحيحة، وذلك لكوننا نطفئ لمدة خمس دقائق إلى ربع ساعة، وهذا عائد لحجم الخزان، وهنا تكمن الإشكالية، ولهذا نحتاج إلى تعزيزات، وقد وعدنا رئيس المصلحة بمعالجتها قريبا حيث أفاد برفدنا بصهريج للتعزيز، وهو لا يكفي لكنه جزء من الحل”.
وأضاف “نقوم بالاستعانة بإطفاء المطار وإطفاء الشركات الخاصة والذين دائماً ما يتفاعلون معنا لكنهم يأخذون وقتا بسبب الروتين الإداري”.
**صعوبات وعوائق**
وعن أبرز الصعوبات التي واجهتهم قال: “أكبر مشكلة واجهتنا في مركز التحرير لأنه كان أكبر حريق على مستوى الجمهورية، حيث يتكون المركز من 60 محلا و50 بسطة، وجميعها داخل بدروم مغلق لا تتوفر فيه شروط السلامة ومشبع بكل وسائل الاشتعال “ملابس وأحذية وعطورات ومولدات كهربائية وبترول مخزن”، وقد استغرق إطفاء الحريق ست ساعات ونجم عنه 12 مصابا من أفراد الدفاع المدني وخمسة مواطنين وحالة وفاة واحدة، وكانت من ضمن المعوقات تجمهر المواطنين وعدم رفعهم البسطات من أمام سيارات الإطفاء إضافة إلى حجم الحريق الكبير مقارنة بإمكاناتنا، وقد رفعنا تقريرا بعد الحريق بعدم صلاحية الدور الأرضي من المركز لمزاولة المهن المتبعة، كونه لا تتوفر فيه أي وسائل للسلامة، لكن الأشغال والمجلس المحلي لم يقوموا بدورهم القانوني، وفي مركز السعيد التجاري حصل حريق بسبب تماس كهربائي وقد سيطرنا على الحريق بسرعة بسبب البلاغ المبكر”.
وأضاف قائلا: “نفذنا هذا العام تزامنا مع اليوم العالمي للدفاع المدني حملة توعوية استهدفنا خلالها 22 مدرسة بإجمالي 42 ألف طالب وطالبة، وكانت الأولى على مستوى الجمهورية، وبجهود ذاتية، وندعو جميع منظمات المجتمع المدني لتوعية المواطن ونشر ثقافة السلامة المجتمعية، ومن ضمن الحملة تم تأهيل 60 صديقا من أصدقاء الدفاع المدني بكل وسائل الدفاع المدني، وقد تم الاستعانة بهم في حريق مركز التحرير وهم من الطلاب والمدرسين ومختلف الفئات”.
**انعدام الوعي**
محمد عبدالله الواقدي
محمد عبدالله الواقدي
يظل موظف مصلحة الدفاع المدني عرضة للكثير من المخاطر أثناء قيامه بعمله ولا يتوانى عن التضحية بروحه في سبيل إطفاء حرائق أو إنقاذ مواطنين من أهوال الكوارث، ومع ذلك لا يولي مسئولونا صحته ومهماته واحتياجاته الضرورية أدنى اهتمام، ناهيك عن جملة المشاكل التي تعيق عمله.. عن ذلك تحدث إلينا الأخ محمد عبدالله الواقدي (موظف بالمصلحة) قائلا: “أبرز المشاكل والمعوقات هي انعدام الوعي في الشارع من قبل سائقي المركبات وعدم الوعي من قبل المواطن بأهمية الدفاع المدني حيث لا يقوم المواطن بالإبلاغ مباشرة أثناء وقوع الحريق، بل يقوم بمحاولة الإطفاء، وهذا يأخذ وقتا يصل إلى نصف ساعة بعد ذلك يقوم بالسؤال عن رقم الدفاع المدني ويتواصل معنا، وفي هذه الحالة يكون الحريق قد التهم البيت بالكامل، لأنه في علم الإطفاء يصنف الحريق بالدقائق، ففي الدقيقة الأولى يمكن إطفاؤه بكوب ماء وفي الدقيقة الثانية بدلو، وفي الدقيقة الثالثة يحتاج إلى خزان فما بالك بعد مضي نصف ساعة من اندلاع الحريق كما أن معظم البلاغات لا تأتينا مباشرة، وإنما تأتي عن طريق عمليات إدارة الأمن، وهذا نتاج نقص الوعي لدى المواطن”.
وأضاف: “تبعية الدفاع المدني للنجدة أدت إلى حرماننا من مهماتنا العسكرية منذ عشر سنوات، والمفروض أن تكون لنا معاملة خاصة بما يتعلق بالمهمات والملابس العسكرية وملابس الوقاية كونها تنتهي سريعا بفعل الحرائق، كما حرمنا من علاوة بدل المخاطر والمعاناة أثناء الحريق، حيث يصاب الكثير من أفراد الدفاع المدني بالإغماء نتيجة الدخان والعادم ولا يوجد لنا عناية صحية حتى في المستشفيات يطلب منا شراء العلاج من الخارج، والفرد في الدفاع المدني محصور وليس له إلا راتبه، وهو لا يكفي لسداد مصاريف أولاده، فالأعباء كبيرة جدا”.
**الإطفائيون والمخاطر**
عبد الباسط الشميري
عبد الباسط الشميري
صعوبات لا تنتهي ومواقف تثير الدهشة ولا تخلو من الطرافة والغرابة وكأنها في عوالم الخيال تواجه موظفي الدفاع المدني أثناء قيامهم بواجباتهم، حدثنا عن ذلك مساعد أول عبد الباسط الشميري بالقول: “من ضمن اكثر المواقف الصعبة والمخاطر التي تعرضنا لها في باب موسى وفي بدروم تحت الأرض عند شركة الأدوية كانت هناك اختناقات للكثير من الأفراد، وفي مصنع الكيماوي في الثمانينات تعرضنا لأصعب المخاطر حيث كنا نطفئ وتهتز البراميل وبعد أن نقفز من فوقها تنفجر مباشرة وأثناء التحركات هناك العديد من المعوقات منها عدم ابتعاد السائقين من الخط، ويقولون لنا “ما فيش معكم ماء أصلا” كما نجد أن هناك شوارع مغلقة أو فيها حفريات أو حواجز أمنية ولا نعلم عنها إلا بعد وصولنا إليها، كما أن (الونانات) موجودة في الكثير من السيارات المدنية والموتورات لذلك أكثر السيارات عندما تسمع صفارات الإنذار لا تفسح لنا الطريق، وقد حصل حريق في مدينة النور وكنا نقول للسائق “اركن على جنب”، ورفض لمسافة طويلة، وكان يرد علينا “طير من فوقي”، ولم يكتف بذلك بعد أن أوقفه رجل المرور بل قام بمتابعتنا وإذا به يجد بيته يحترق وأحد أولاده محاصر بين النيران وتم إنقاذه، فكان يبكي جدا بسبب تصرفاته وإعاقته لسيارة الإطفاء، إضافة إلى عدم تفعيل حنفيات الإطفاء الموجودة في الشوارع من قبل مؤسسة المياه ليتم تغذية السيارات بأسرع وقت وانعدام المهمات العسكرية، فنحن لا نتسلمها منذ 12 عاما”.
وأضاف: “نطالب وزارة الداخلية بالنظر إلى الدفاع المدني كونه جهازا مهما في الدولة، وصرف علاوات بدل المخاطر التي صدر بها قرار جمهوري في بداية التسعينات، ولم يفعل حتى الآن أو تصرف، كما نطالب محافظ المحافظة بسرعة توجيه مشروع المياه وتفعيل فوهة الدفاع المدني في الشوارع للتغذية السريعة منها، وسابقا كنا نتحرك بطقم حماية أمنية ليتم إبعاد الناس والقيام بواجباتنا بسهولة، بعكس ما هو حاصل الآن”.
**خـلاصـة**
وحدها الجهات المسئولة في وزارة الداخلية ومحافظة تعز بمستطاعها إنقاذ المواطنين والتخفيف من تداعيات الكوارث والحرائق وذلك من صميم واجباتهم القانونية والأخلاقية من خلال استكمال تطوير وحدة الدفاع المدني بحيث تصبح وحدة متكاملة تشتمل على قسمي الإسعاف والإنقاذ إضافة إلى قسم الإطفاء وتوفير كافة التجهيزات والعربات واللوازم الضرورية والكادر المدرب والتأهيل المستمر للكادر العامل ومنحهم كافة الاستحقاقات التي تستلزمها طبيعة عملهم والتوعية المستمرة بثقافة الأمن والسلامة لتكون المصلحة قادرة على القيام بمسئولياتها على أكمل وجه دون تأخير وتوفير الإسناد والإنقاذ العاجل للمواطنين، وأملنا في ذلك كبير.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى