منطقة العجيلة بتعز.. عروس بني حماد الحزينة

> استطلاع/ محمد العزعزي

> العجيلة قطعة خضراء تزين بني حماد في المواسط بتعز تعتمد على الزراعة ويقصدها السياح صيفا لقضاء الأوقات في الوديان القريبة من الشارع الإسفلتي الذي يربط الشمسرة بقدس، كما تستقبل زيارات حولية لضريح الشيخ عثمان العجيل.
كانت هذه المنطقة بؤرة إشعاع ثقافي، إلا أن الإهمال والتهميش الذي تعرضت له وقلة الموارد يؤرقان روعتها ومناظرها الخلابة الجميلة، إنها بني حماد التي تعد من المناطق الزراعية والتاريخية الموغلة في القدم، حيث اتخذها الأمويون والأتراك والأئمة مركزا للسيطرة على المناطق المجاورة بهدف جمع أموال الضرائب والزكاة وبنوا فيها الحصون فكانت منارة للعلم تهفو إليها القلوب.
يحد العجيلة ببني حماد بمديرية الشمايتين بتعز من الشرق قدس ومن الغرب الأيفوع ومن الشمال جبل الصرم بقدس ومن الجنوب ذبحان ووادي الضباب، وهي ذات تضاريس جبلية معقدة بين الجبال العالية والهضاب والوديان العميقة التي تجري بها المياه على مدار العام، ومن أهم جبالها: الشوار، قحفة، هضبة قزوران، الصيار، الكريس، جبل السار، عساعس.

وتضم عزلة العجيلة عدة قرى متناثرة هي: النوبة، عدهن، دار سنان، الحريق، العنين، العدوف، الحمرين، القحاف، النبيرة، وغيرها.
أما عدد سكانها فبلغ (6000) نسمة حسب الإحصائيات القديمة، يعملون في الزراعة ورعي الماعز والأغنام وتربية الماشية وترتفع نسبة النوع للإناث 63%، وإعالة الأطفال وكبار السن ما أدى إلى زيادة الفقر بين السكان والهجرة الداخلية والخارجية لمساعدة الأسر.
**هيمنة المركز**
فرضت المركزية الشديدة دورها السلبي على هذه المنطقة وسكانها ويشعرون بأنهم تعرضوا إلى أعمال القمع السلطوي للنظام السابق لفرض سياسة التجهيل والتجويع والعزلة خلال نصف قرن مضى، فكرس المشكلات وخلع أهمية هذه المنطقة، وأظهر هذا في علاقة التابع الذي يعطي ولا يأخذ أبسط الحقوق ما أدى إلى هجرة العديد من المواطنين إلى عدن التي كانت حاضنة، وإلى الدول المجاورة لنيل الحرية والعلم والعمل، وبرز العديد من الرموز الاجتماعية التي يشار لها بالبنان منهم على سبيل المثال لا الحصر المرحوم أحمد عبدالجليل العجيل الملقب بالسيد غني الذي تعرض للملاحقات والسجون بسبب انتمائه للتنظيم الشعبي قبل الوحدة، وطبيب القلب عبده محمد علي والدكتور عبدالكريم سلطان والدكتور عبدالحكيم عبدالجليل أستاذ الفيزياء في علم الجوامد والدكتور علي محمد عبدالله أستاذ جيولوجيا النفط والمعادن والدكتور صلاح أحمد عبدالجليل أستاذ علم الإحياء والدكتور هشام شرف وزير التعليم العالي والدكتورة الفاضلة حورية مشهور وغيرهم الكثير.
**صيحة طالبة**

أطلقت الطالبة الشابة أحلام شرف محمد ناجي الحمادي نداء استغاثة إلى وزير التعليم العالي والأستاذ الدكتور محمد محمد الشعيبي رئيس جامعة تعز ونائب رئيس فرع الجامعة بالتربة جاء فيه: “أنا طالبة متفوقة ولدي طموح وحب شاغف لتحقيق أمنيتي وحلمي الوحيد في الدراسة الجامعية لكن للأسف أصبحت أواجه العوائق والمصاعب بسبب الوساطة والمحاباة، حيث تقدمت للتسجيل في كلية العلوم الطبية المساعدة قسم المختبرات بفرع الجامعة في التربة لكن دون جدوى للمرة الثالثة، وأذكركم أن شهادتي الثانوية صارت على وشك الانتهاء ..فماذا أنتم فاعلون”.
**أبرز الهموم**
الشاب مازن شرف الحمادي قال: “منذ أن تخرجت من جامعة تعز عام 2007/2008م وأنا أحلم بوظيفة وأتقدم لتجديد القيد في الخدمة المدنية كل عام..وأقوم بالتدريس طوعا في مدارس بعيدة عن سكني منذ أربعة أعوام”.
كما أكد المواطن عادل محمد قاسم الحاصل على الثانوية العامة عام 1994م أنه “لم يستطع إكمال تعليمه الجامعي فلجأ للعمل الحر بالأجر اليومي وهو يعول ثمانية أطفال”.
إلى ذلك قالت الطفلة زينب عبدالكريم ضبعان (11) عاما: “إنها تدرس بالصف السادس الأساسي وتقطع سيرا على الأقدام مسافة طويلة مدتها أربع ساعات، وتمنت أن تكون طبيبة في المستقبل”.
وقال صقر الحمادي: “تخرجت من جامعة الحديدة عام 2007م تخصص حاسوب إلى اليوم لم أتحصل على درجة وظيفية”.
أما الشاب ريان عادل محمد فقال: “عندما يمرض إنسان يتم إسعافه إلى أماكن بعيدة، ونحمل المرضى من كبار السن على جنازة الموتى ولا يوجد في هذه المنطقة وحدة صحية”.
وفي الطريق المؤدي إلى الحصن وجدنا أطفالا يذاكرون دروسهم على قارعة الطريق ويرعون الماعز، وقالت الطفلة ماريا خلدون أحمد ثابت: “إنها ستواصل دراسة الجامعة لتكون معلمة”.
وجدنا في الطريق بين الجبال العالية بائع آيس كريم يدعى فخر عبدالله من أهالي الراهدة يشتري هذه السلعة من تعز ويمشي مسافات بعيدة بين القرى من أجل الحصول على لقمة العيش”.
**حصن العرمة التاريخي**

عاقل الحصن عبدالكريم ناجي علي مرشد قال: “يقع هذا الحصن في هضبة مرتفعة عما جاورها، ويشرف على الوديان الزراعية الخصبة”.
ويعتقد السكان أن هذا الحصن يعود إلى عصر ماقبل الإسلام وأعادت بناءه الدولة الأموية والعثمانية وبه آثار معمارية كأماكن الحراسة من جهاته الأربع وغرفة تفتيش في مقدمة الحصن ونقش الصليب على البوابة الخارجية ما يدل على قدمه وطرق المتاهات التي كانت تستخدم وقت الحروب إلى جانب وجود السقايات والمدافن لخزن الطعام والمتارس”.
وأضاف قائلا: “يسكن الحصن عدد من الأسر حوالي(60) نسمة، والمهاجرون أكثر من(120) شخصا يتعرض أكثرهم لخطر البرق”.
وطالب الحكومة والجهات المهتمة بالآثار بـ «إعادة الترميم وبناء السور الذي تعرض للهدم بفعل عوامل التعرية والبرق الذي يصيب هذه القلعة التاريخية للحفاظ عليه كونه من الحصون الأثرية التي تعني التراث الإنساني العالمي”.
**هدم ضريح الشيخ عثمان**
قال محمد عقلان العجيل: “إن الحوطة ومسجد الشيخ العلامة عثمان بن أحمد بن موسى العجيل تعرض للهدم فترة حكم الإمام أحمد حميد الدين بدعوى أن القائمين عليه يحرضون الناس على الثورة ومناهضة الحكم، ويعود ضريح الشيخ إلى فترة الدولة الرسولية، وكان يقام في هذا المسجد تدريس العلوم الشرعية واللغة العربية، ويقصده الزوار من كل مكان لإقامة الموالد والحضرات الصوفية”.
**أضرار السيول**
قال التربوي مازن الحمادي: “تتعرض الأرض الزراعية لأضرار السيول كل عام فتجرف التربة، ويصاب الأهالي بخسائر مالية كبيرة، وناشدوا وزارة الزراعة والري القيام بدورها بإعادة تأهيل المدرجات الجبلية وصيانة التربة من خطر الجرف في وادي المعافر وقرى العجيلة بشكل عام، والحفاظ على المياه الجارية بإقامة السدود والحواجز المائية حتى لا تذهب هدرا إلى البحر الأحمر”.
**شحة المياه**
قال عبدالكريم ضبعان (قرية العرمة): “نعتمد على مياه الأمطار الذي نقوم بتخزينه أيام هطول الأمطار صيفا في سقايات وخزانات، ويستخدم لشرب الإنسان والحيوان، ونعاني من شحة المياه شتاء، وقد قمنا بإيصال الأنابيب من مشروع مياه المحسن الكبير عبدالكريم الأسودي كلفنا 120 ألف ريال قبل 12 عاما لكن القائمين عليه قطعوا الماء منذ سبع سنوات كون القائمين عليه يمثلون الحرس القديم للنظام السابق وسعر الوحدة 1500ريال، والناس لا تستطيع السداد لارتفاع سعر التعريفة”، وأضاف “تقوم النساء بجلب الماء على رؤوسهن وظهور الحمير في فترة الجفاف من أماكن بعيدة”.
الكهرباء خدمة مفقودة
قال ريان عبدالكريم: “الكهرباء لا توجد في هذه المنطقة المحرومة من الضوء، ونعتمد على الفوانيس والقماقم، وقبل عشر سنوات نصبوا لنا الأعمدة بالأسلاك لكن لا يوجد فيها روح، وكانت عبارة عن دعاية انتخابية”.
**وعورة الطريق**
أشرف شرف الحمادي قال: “الطرق وعرة في أرض جبلية، وتحتاج هذه العزلة المحرومة إلى شق ورصف وسفلتة الطرق حتى ندخل الألفية الثالثة، ونكسر حاجز العزلة المفروضة قسرا”.
**مدرسة آيلة للسقوط**
جلال عبدالعزيز شرف (تربوي) قال: “افتتحت مدرسة السلام عجيلة بني حماد عام 1996م الآيلة للسقوط على رؤوس الطلبة، وهي أساسية وعدد المعلمين (14) وعدد الطلبة أكثر من 370 طالبا وطالبة، وبلغ العجز في الكادر التربوي للمواد التخصصية 14معلما، ويفترش الطلبة الأرض لانعدام المقاعد الدراسية والوسائل التعلمية، ولا يوجد شربة ماء”، وأضاف “هذه المنطقة تحتاج مدرسة ثانوية حتى لا تحرم البنات من مواصلة الدراسة”.
**المقابر**
تتعرض المقابر في المنطقة لجرف السيول خاصة مقبرة الصدر ومقبرة الشيخ عثمان، وتحتاج هذه المقابر إلى تسوير احتراما للموتى.
**الوجبات الشعبية**

قال الوالد حميد عبده أحمد سعيد (فلاح): “يعتمد الأهالي على وجبة أساسية هي العصيد والإدام الوزف أو الحقين اللبن والخبز الذي يعد في التنور الشعبي المصنوع من الطين، ويستخدم الحطب كوقود أساسي، وكذلك خبز الطاوة والكدر والفتة واللحوح والأرز”.
أما عن المهور فقال: “لا يوجد غلاء في المهور ويبلغ المهر( 300 ) ألف ريال لكن الشباب بلا عمل، ولهذا ارتفعت نسبة العنوسة بين الشباب”.
يعاني الكثير من الناس خصوصا الشباب مناخ الهزيمة والفشل فيحيا بلا أمل وبلا عمل ولا مستقبل واضح، وتحول بعضهم إلى ممارسة الغيبوبة الدينية هروبا من الواقع الأليم والعيشة الضنكة، وهذا هو الخطر في زمن الإحباط والقهر.. أما من يعيش على أمل المستقبل فيواجه الأبواب المغلقة.
هذه هي بني حماد المنهكة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى