كتـــاب «المنظر من التواهي» للسير شارلز جونستون

> خالد سيف سعيد

> تناول العديد من المؤرخين والكتاب والساسة البريطانيين في كتاباتهم ومؤلفاتهم المصالح الاستراتيجية والعسكرية والسياسية للمملكة المتحدة، والصراع الدولي للقوى الكبرى في منطقة البحر الأحمر في القرن الثامن عشر، وسعي بريطانيا في إبعاد هذه القوى المتصارعة وفرض سيطرتها واحتلالها لعدن في العام 1839م.
وكتاب “المنظر من التواهي” للسير شارلز جونستون (1912م - 1986م) من تلك الكتابات والمؤلفات، والذي صدر في بداية ستينيات القرن الماضي.. فالسير شارلز جونستون من الكُتاب والساسة البريطانيين (شاعر - مترجم) عمل سفيرًا للمملكة المتحدة في الأردن من الفترة (1956م - 1960م)، وأثناء تواجده كسفير لبريطانيا توج عمله بإصدار وتأليف كتابه “الأردن في الحافة” تطرق في كتابه عن السياسة البريطانية والمصالح الاستراتيجية البريطانية وعلاقته بالملك حسين ملك الأردن.
وبعد ذلك أصدر المرسوم الملكي بتعيين جونستون خلفا للسير وليام هنري لوس كمندوب سامٍ والحاكم العام لعدن، واستمرت ولايته من الفترة (1960 - 1962م)، وبعد انتهاء ولايته كمندوب سامٍ لعدن أصدر كتابا عن عدن بعنوان “المنظر من التواهي” تطرق فيه إلى السياسة البريطانية في عدن وبدايات المحادثات بين وزراء عدن والاتحاد بشأن انضمام عدن للاتحاد.. وسأسرد لكم ما جاء في ثنايا الكتاب كالآتي:
تطرق السير شارلز جونستون في كتابه عن عدن قائلاً: “نحن ـ البريطانيين ـ أدخلنا إلى المنطقة مميزات اصطناعية من النوع الإداري بين المحمية الشرقية والمحمية الغربية، وفوق هذه وتلك كانت عدن في تاريخها القديم قد مرت بأدوار الوجود المنفصل عن الداخل حين استولى عليها الكابتن هينس للملكة فكتوريا في 1839م فإنها كانت جزءا من الولاية المجاورة العبدلية لحج.
وعلى كل حال فإن عدن الآن (حينذاك) قد ارتبطت بالمحمية، وأصبحت كل منهما تعتمد على الأخرى، فحمل ماء عدن ونسبة كبيرة من عمالها وأكثرها فواكهها وخضارها تأتي من الاتحاد المجاور والطريق الذي يربط عدن ذاتها بعدن الصغرى التي ألغت جزءا من المستعمرة، أيضًا تقع على حد الاتحاد من جانب واحد، بل إنها تمر فعلاً أمام المدخل إلى عاصمة الاتحاد”. ويضيف قائلاً: “وبالمثل فإن الاتحاد يعتمد كليًا على عدن من أجل المواصلات مع العالم الخارجي بحرًا وجوًا، بل إن السفر الأسرع من جزء إلى جزء آخر من الاتحاد عن طريق عدن”.
كما تطرق السير جونستون المندوب السامي السابق لاتحاد الجنوب العربي في كتابه عن التطور الدستوري لعدن وكتب قائلاً:
“بيد أنه كان واضحًا أن التطور الدستوري يجب أن يستمر بصورة من الصور فإن حكومة عدن بقبولها قرار المجلس التشريعي في الصيف الماضي (آنذاك) وجدت نفسها ملزمة باتخاذ السبيل، بل إنه كان من الضروري لنا أن نسير في ضوئه لا بسبب المبادئ البريطانية والرأي العام العالمي ولكن لأننا كنا سنفقد الزعماء الديمقراطيين المعتدلين الذين كانوا أصدقاءنا الحقيقيين في عدن، وأن زعماء الرأي المعتدل في عدن أدركوا حاجة الضم إلى الاتحاد ولكنهم رفضوا قيامه بشكل يفقد عدن ذاتها المتمردة لاسيما معاهدها السياسية والاجتماعية المتقدمة نسبيًا وزعماء الاتحاد في الجانب الآخر كانوا في قلق حتى لا يسفر التقدم الدستوري بعدن في المستقبل عن حكم مستقل معاد قد يقطع عنهم السبيل الوحيد للخروج إلى العالم، فكانت الحساسية شديدة على الجانبين”.
وبعد أن تناول المؤلف معارضة الدستور لعدن تحدث عن الوزراء العدنيين قائلاً:
“لقد اعتقدت أن التقدم الدستوري في عدن سيطور في وزراء المستعمرة مميزات لا تزال خفية وليس ثمة سبب يمنع الشعور بأنهم لن يتطوروا لمواجهة المسؤولين الذين تقع على كواهلهم”.
وأضاف قائلاً: “بعد الحديث عن كيفية اتحاد عدن والاتحاد بأنه بعد أن يتم الزواج بين عدن والاتحاد بنجاح فإن الخطوة الثانية هي جلب السلطنة القعيطية والكثيرية في المحمية الشرقية، وفي نفس الوقت شعرت أن هناك زيادة محسوسة في المساعدة البريطانية أمر مرغوب فيه لأن التقدم الاقتصادي السريع في الاتحاد أمر مطلوب لاستتباب الاستقرار بل لزيادة رخاء المستعمرة لأنها الميناء الاتحادي الكبير حتى يعوض من تجارة الترانزيت التي خسرتها عدن تدريجيًا بسبب الموانئ المجاورة كعصب وجيبوتي”.
وكما أشار السير شارلز جونستون إلى القاعدة البريطانية بعدن كتب قائلاً: “ومن وجهة نظرنا البريطانية فإن قاعدتنا العسكرية تقع في عدن فإننا نحتاج إلى الاتحاد أيضًا وكلاهما أشبه بمنحدر بين القاعدة في عدن واليمن وكمنطقة تجنيد لجيش محمية عدن والحراس الاتحاديين وهما قوتا الأمن العربيتان للدفاع عن الحدود مع اليمن وحفظ الأمن داخل الاتحاد”. وأضاف قائلاً: “وهكذا فقد كانت كل من عدن والاتحاد مكملة للأخرى والعاصمة الطبيعية في حاجة إلى داخلها الطبيعي، وبالعكس ووجود الانفصال الإداري كانتا أشبه بجسد فصل عن رأسه وفي مثل هذه الحال فإن أحسن سبيل إلى الاتحاد في وحدة منفردة مع علاقة خاصة ببريطانيا يكفل لنا بقاء وسائلنا الاستراتيجية إلى أطول مدى نحتاجه إليها”.
وكما تناول المؤلف في كتابه الموقف في عدن والجنوب خلال عام 1961م كتب قائلاً: “إن إرسال قوات بريطانيا إلى الكويت في يوليو 1961م أثبت عزمنا ومقدرتنا على حماية تلك الدولة وآبار نفطها إذا دعا الأمر للدفاع، وأظهرت بصورة مؤكدة أهمية القاعدة في عدن التي لولاها لما أمكن قيام عملية الدفاع عن الكويت بتلك السرعة”.
مدينة التواهي عدن
مدينة التواهي عدن

وأضاف قائلاً: “وفي نفس الوقت فإن تحسبًا محسومًا قد طرأ على علاقات عدن مع اليمن.. فمنهما كان ظننا في سياسات الإمام الداخلية وأساليبه، فقد كانت من مصلحة عدن والاتحاد المثبتة أن تنشأ علاقات سلمية مع جار قريب كهذا وليست للمصلحة السياسية فحسب ولكنها اقتصادية أيضا، فإن اليمن سوق هام لمختلف البضائع المستوردة عن طريق عدن، فقد قررنا أن نتخذ إجراءات صارمة للحيلولة دون نشاط المهاجرين اليمنيين إلى عدن ضد حكم الإمام، فصدر إنذار قوي ثم أخرج من عدن بعض البارزين من محدثي القلاقل، وهذا العمل الذي اقتضته في الواقع واجباتنا حسب الاتفاقات القائمة مع اليمن أقنع الإمام بأننا نقصد حقًا أن نحصل على شروط أحسن معه وفي الطرف ذاته كانت علاقاته مع الجمهورية العربية المتحدة تتدهور من السيئ إلى الأسوأ، وفي ديسمبر 1961م قمع الرئيس ناصر الرابطة التي جمعت البلدين في الدولة العربية الموحدة”.
كما تناول المندوب السامي لعدن في اتحاد الجنوب العربي ما أسماه بالفرصة السانحة في كتابه قائلاً: “إن جهود المستر رونالد بيلي الممثل البريطاني في تعز وجهود عدن تُؤيد مساعيه في تغيير لهجة معاملاتهم مع جارهم الشمالي قائلاً: فقد شجعنا شراء القات اليمني بدل القات الحبشي، وقمنا بتحسين الطريق بين عدن والحد اليمني، وكانت الخطوة الأولى أن تمد الطريق من عدن إلى لحج وتأسيس خط طيران يومي بين عدن وتعز في مطلع عام 1962م، وقد عرفت عدن دائمًا بعين اليمن، ومن ثم عالج نتائج هذه العلاقات الحسنة وأثرها على الثوار الذين افتقدوا العون من اليمن”.
كما تحدث السير تشارلز جونستون عن دولتي القعيطي والكثيري قائلاً: “إن سلطنتي القعيطي والكثيري وحدهما في جنوب الجزيرة نظام طبقي تقليدي سائد في أجزاء البلاد العربية، فهناك الأسرة الحاكمة ثم السادة الذين يمتازون بنفوذ خاصة في هاتين السلطنتين فإقطاعية التجار والفلاحين والبدو الرحل”.
كما تناول في كتابه أيضا إقليم المهرة وزيارته لجزيرة سقطرى وأشار إلى أنه لم يعرف منطقة المهرة إلا من الجو، فلم يكن في عهده يستطيع زيارتها لأنه لا يوجد إدارة فيها، بيد أن السلطان عيسى المقيم في جزيرة سقطرى تعهد بإمكانية قيام شركة بان أمريكان بالتنقيب عن الزيت في المنطقة، ولذلك وجب قيام أمن هناك.. وأنه زار سقطرى جواً حيث التقى بالسلطان عيسى ووصف رحلة السلطان وحاشيته بالهيلوكبتر لزيارة البارجة حاملة الطائرات بلورك البريطانية.
كما تناول الحديث في كتابه عن جزيرتي ميون وكمران وكتب قائلاً: “إن ميون وكمران أقل إيحاء للخيال بل هما بقايا مجد تليد، فميون ضمت إلى بريطانيا في عام 1856م لأهميتها الحربية وإمكانية زيادة قيمتها بعد تنفيذ قناة السويس”. كما تطرق المؤلف إلى عقدهما الزاهر ما بين 1880م - 1930م حيث كانتا مركز وقود الفحم، وكيف تحولتا الآن إلى مركز فيه فنارات تقوم بها أمانة ميناء عدن وآلة تقطير المياه وقرية صيد مسحة من غبرة”.
أما عن جزيرة كمران فاستعرض المؤلف شارلز جونستون قائلاً: “كمران قد غزاها جنود الهند حين كان الأتراك يحكمونها في حركة غير دامية في الحرب العالمية الأولى فظلت جزءا من الامبراطورية البريطانية”.
كما أشار المؤلف في كتابه إلى نجاح الاتحاد واتساع نفوذه وكتب قائلا: “وكان من جراء هذا النجاح أن استمر الاتحاد يمتد نفوذا واتساعا وعقد الاتحاد أول اجتماعاته في العاصمة الاتحادية في شهر يونيو، وفي نوفمبر تسلم جيش محمية عدن في عرض عسكري رائع ثم سمي جيش الاتحاد النظامي، وكان لانضمام الواحدي المتوقع دفع آخر لسير الاتحاد”.
وتطرق المؤلف لموقف المؤتمر العمالي من القانون الصناعي الذي حرم الإضراب وضرورة تمسك الحكومة ببقاء القانون.. ثم ذكر المؤلف الانتخابات في الشيخ عثمان ونجاحها رغم المحاولات للمقاطعة، وأشار أيضا إلى الشكوك بوجود فساد في مجلس عدن البلدي وتشكيل لجنة التحقيق برئاسة القاضي بلاند فورد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى