لماذا يجب أن تكون اليمن دولتين؟

> أديب السيد

> بعيداً عن الإسهاب في الحديث عن “الوحدة اليمنية”، وشكلها، ولونها، وما اقترفه نظامي الدولتين الجنوبية والشمالية بحق شعبيهما بتلك الوحدة الارتجالية الهشة، أود الحديث هنا عن شيء يسير من سقوط تلك الوحدة قانونياً، فضلاً عن سقوطها شعبياً وسياسياً، وأهمية أن تكون اليمن “دولتين” حرصاً على إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وذلك بشكل مختصر لأن المجال لا يكفي لشرح كل التفاصيل، ولدينا بحث متكامل في هذا الشأن سننشره بوسائل الإعلام في وقت آخر.
ولعلّ ما قدمه “ابن خلدون” على مستوى النظرية السياسية لأنواع الدول في التاريخ العربي الإسلامي يصلح منطلقاً لفهم آلية الصراع الاجتماعي/ السياسي الآيل إلى حالة من حالات ( الوحدة ) أو (التجزئة): حالة التوحد في دولة ذات (عصبية عامة) كما يقول، أو حالة (الانقسام).
فتجربة الوحدة في الدول التقليدية أو الأقطار العربية الحديثة أظهرت التقاطع في الوعي القومي العربي مشاريع (وحدات قسرية) بأنها لا تملك عناصر استمراريتها ونجاحها، وإن ادعت استمداد (شرعيتها) من التاريخ أو من الدين، بل إن الإلحاق أو التغلب كان مدخلاً لحروب إقليمية وأهلية لا مستقبل لها.
وقانونية سقوط “الوحدة اليمنية” بدأت منذ نشأتها لانعدام التدرج فيها أولاً، وثانياً لفقدانها مبدأ القبول الشعبي القانوني أي “الاستفتاء”، وذلك يجعلها بشكل كبير تشبه الوحدة “السورية المصرية” التي تفككت بسلام وبرضا طرفيها دون أي “استفتاء”.
ولكون الجنوب وقع قانونياً في وحدة “اندماجية” جعلته في ورطته، إلا أن تلك الورطة انحلت عنه قانونياً بعد انحلالها سياسيا وشعبياً منذ حرب 94م، وذلك من خلال إجراءات التجزئة التي وقع فيها الشماليون بما يسمى “مؤتمر الحوار اليمني”، وأكد عليها قرار “مجلس الأمن 2140” حينما أقروا تحول دولة “الوحدة – أي الاندماجية” إلى دولة “اتحادية – أي فيدرالية أو كونفدرالية أو منح استقلال”.
فضلاً عن أن الشعب الجنوبي بح صوته، ولا يزال ينادي بالسلام من أجل استعادة دولته، وصارت دولة الوحدة القسرية مفرغة دستوريا نتيجة لأحداث الفترة الأخيرة، فسقطت كل القوانين، وحتى الدستور الوحدوي سقط، وما تلاه من تعديلات أيضاً.
عادة في قضايا الدول، وفي علم السياسة عندما ترى دولة لا تقدر على حماية حدود الدولة، وسيادتها، وأراضيها تلجأ إلى تقسيم الدولة لمقاطعات، أو انفكاك عقد “الاتحاد بين الدول المكونة للدولة الاتحادية”، وفي حالة مثل “الجمهورية اليمنية” فالأمر بات مهيئاً تماماً، خاصة وأن الجنوب الذي كان دولة بات مستعداً بل ومطالباً باستعادة دولته.
ومما أدى إلى تأخير حل القضية الجنوبية بشكل جذري وعادل هو تعالي صنعاء وعدم انصياعها للحقيقة الواقعة، وكذا تعدد أطرافها، كما ساهمت التباينات داخل الحراك الجنوبي في نفس المشكلة إلى جانب تداخل العامل (الجيوسياسي والإستراتيجي).
من هنا يبدو أن معالجة قضية “الجمهورية اليمنية” الناشئة عن اتحاد دولتين يريد شعب إحداهما أن يفك ارتباط دولته من المشروع الفاشل أمر سهل وليس شائكاً إذا ما جدّت الأطراف في ذلك من أجل إنقاذ الدولتين والشعبين من الكارثة المدمرة، إذ يتطلب الأمر (عقلانية واستماع إلى لغة المتغيرات السياسية والواقعية وعدم التعصب) إلى جانب (حسن النوايا والتهيؤ لقبول الواقع كما هو) مع ضرورة إيجاد قيادة سياسية حقيقية من الطرفين للتفاهم في هذا الأمر.
إن الأجدر والأفضل أن يصير اليمنيون شعباً واحداً بدولتين، وليس شعبين بدولة واحدة تنتهج بنهج الغاب والظلم والبطش والطغيان.
**أديب السيد**

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى