بني شيبة أنارت الدنيا ماضيا وظلمت حاضراً فمن يعيد لها الشباب؟!

> استطلاع / محمد العزعزي

> تقع منطقة السويقة في بني شيبة الشرق بمديرية الشمايتين بمحافظة تعز وتحيط بها الجبال العالية من الشرق والشمال، وتشتهر بالزراعة وزيارة الأولياء، ولقد أنارت هذه المنطقة الدنيا في الماضي، غير أن هذا النور خفت وتلاشى عنها في الحاضر، حيث ماتزال محرومة من جميع الخدمات الأساسية كالمياه والصحة وغيرها، وهو ما جعل أهلها يعانون الظلم والحرمان بعد أن كانوا يتطلعون إلى مستقبل أفضل يرد لهم الاعتبار بتوفير أبسط تلك الخدمات، وما زاد من تلك المعاناة تعرض أراضيهم لجرف السيول وهي الأخرى لم تلق اهتمام وإعانة الجهات المختصة لحلها رغم أنها تشكل مصدر دخل رئيس لكثير من المواطنين في هذه المنطقة المحرومة.
«الأيام» استطلعت هموم أبناء هذه المنطقة وخرجت بالآتي.
تتكون منطقة السويقة في بني شيبة الشرق بمديرية الشمايتين من عدة قرى مترامية الأطراف أبرزها منطقة الأكمة، لبرح، كعدة، قماحة، الذنبة، القحفة، والجند وغيرها من القرى، وأشهر جبالها: نقيل تماح، الليما، الكسر، العشة
جبل مخروق
جبل مخروق
حيث يُعد أكبر جبل يفصل بين السويقة ودبع الداخل والخارج، في حين بفصل جبل ظفار بين بني شيبة الشرق والغرب وهو من الجبال التاريخية التي كانت مأهولة بالسكان، حيث يحتوي على كثير من النقوش المكتوبة والمرسومة على حجارة والتي قد تعرض كثير منها إلى النهب.
**تهديم لفظ الجلالة**
المواطن ياسين سيف أحمد أحد أبناء المنطقة تحدث لـ«الأيام» عما كانت تزخر به جبال هذه المنطقة من نقوش تاريخة وأخرى تشكلت بها تلك الجبال حين تكونها في الأزل كما هو الحال في جبل مخروق والذي كان به إلى عهد قريب لفظ الجلالة (الله) قبل أن يتم تهدمها بفعل شق الطريق واستخدام (الديناميت) بشكل كبير.
ويضيف: “لقد كان للفظ الجلالة هذا قيمة كبيرة لدى المزارعين، والذين كانوا يستطيعون تحديد دخول مواسم الزراعة من خلال اختراق الضوء له”.
**سد عبيرة لم ينتفع منه**
سد عبيرة
سد عبيرة

المواطن يوسف إبراهيم الغوري أوضح لـ«الأيام» عن سد عبيرة الذي يوجد في المنطقة وما سببه من مشكلات لدى المواطنين بالقول: “سد عبيرة يقع إلى الشمال من وادي (عبر) بني شيبة كلف إنشائه عشرات الملايين من الريالات كمنحة من دولة اليابان الصديقة، ويرتفع الحاجز المائي (15) مترا تقريباً كمرحلة أولى ولعدم وجود حواجز أمامه فقد طمر حوالي (4)متر بفعل عوامل التعرية ومخلفات السيول، أما سعته التخزينية فتبلغ حوالي (70)ألف لتر مكعب.
وأضاف: “عمر هذا السد خمسة عشر عامًا لم يستفد منه حتى الآن في الإنتاج الزراعي بسبب عدم وجود شبكة تصريف المياه وإيصالها للمزارعين الذي أنشأ من أجلهم. ويتابع: “يمتاز هذه السد بعين ماء تسمى (الثوارة) يستمر جريان مياها على مدار العام، غير أن هذا السد تحول مؤخراً إلى وكر للبعوض وهو ما تسبب بانتشار العديد من الأمراض وفي مقدمتها مرض الملاريا، كما أن هذا السد قد شهد حالات وفاة غرقاً بلغت ثمان حالات كلهم من الأطفال بينهم ثلاث فتيات من أسرة واحدة”.
**الطرقات وزيادة الحوادث**
جرف الأرض
جرف الأرض

وفي مجال خدمة الطرق في المنطقة قال السائق عبدالله الشيباني: “تجري حالياً سفلتة طريق المركز بني شيبة، وصلت إلى قرب من مدرسة 26 سبتمبر السويقة على بعد مائة متر تقريباً.
وأضاف: “هناك مشروع رصف الطرق الفرعية والتي اعتمدت المناقصة لها ولكي لا نقع في الالتباس فإن مشروع رصف الطرق الفرعية بالحجارة لعدد من القرى منفصل تماماً عن مشروع السفلتة والمشروعان على نفقة الصندوق الكويتي”.
أما علي إبراهيم أحمد فقال بخصوص طرق المنطقة: “لقد زادت الحوادث في الآونة الأخيرة، وكان آخرها وفاة شابتين، وإصابة ست أخريات بعدد من الجروح وذلك بسبب ضيق الطريق، والغش في المواصفات، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع عدد الوفيات خلال هذا العام إلى أربع جراء الحوادث المرورية”.
**مسجد الغوري:
مسجد الغوري
مسجد الغوري

تتمتع المنطقة بعدد من المساجد الأثرية والتاريخية ومن أبرز هذه المساجد مسجد الغويزي كما أوضحه المواطن الغوري الطيار بالقول: “يُعتبر مسجد الغويزي من المعالم الأثرية، وكان يقام في جواره ما يسمى الجمع وهي طقوس زيارة الولي الصالح السيد العالم الزاهد زين العابدين محمد بن علي الملقب بالغويزي (الحسيني نسباً)، ويأتي من ذريته السيد اويس علي الغوري وهو مستقيم الطريقة ثم خلفه السيد عبدالرحمن بن اويس الغوري رحمهم الله رحمة الأبرار، واختفت هذه العادة أخيراً كما أن القائمين على الضريح كانوا يطعمون الفقراء ثلاث أيام في الأسبوع من مال الأوقاف”.
**التعليم بين الماضي والحاضر:
عبدالرحمن أحمد الغوري أقدم تربوي في المنطقة قارن بين التعليم في هذه المنطقة بين الماضي والحاضر بالقول: “بدأ التعليم في هذه المنطقة بالكتاتيب وفي منتصف السبعينات من القرن الماضي دخل التعليم النظامي وفيه تأسست مدرسة 26 سبتمبر شغلت مديراً لها قرابة 20 عاماً، فتخرج منها أجيال في كل المجالات، وللأمانة كان التعليم في الماضي من يحمل شهادة ابتدائية أفضل من الجامعي في هذه الأيام والتي تشهد تدهوراً للتعليم بشكل كبير جداً، كما لا يوجد رغبة لدى الطالب في العلم أيضاً، كما كان المعلم المصري والسوري يعطي بلا حدود، والطالب طموحه عالية أما اليوم فقد قتل الأمل والعلم في النفوس.
مدرسة 22 مايو
مدرسة 22 مايو

وأضاف : “يوجد أربع مدارس في السويقة وعدد الطلاب 2000 تقريبا وعدد المعلمين 71 وهذه المدارس كما أن هذه المدارس أيضاً تعاني عجزاً في الكوادر التربوية والوسائل والكتب المدرسية”.
أما التربوي علي عبد علي فقال: “هذه المنطقة رفدت البلاد بكوادر في شتى المجالات منهم: الدكتور الشاعر سعيد محمد الشيباني وهو من أبرز الثوار حيث ناهض الإمامة والاستعمار ومن قصائده: يانجم ياسامر فوق المصلى كل من معه محبوب وأنا لي الله، بالإضافة إلى قصيدة جبل صبر كم طلعتك بهية ذكرتني صالة والجحملية، وقصيدة نهدك عدن ومرعفك حكيمي .. عينك تعز ومبسمك عليمي”.
وزاد بقوله: “من رموز الشعر في بني شيبة الشاعر الأسمر فارع الشيباني فهو أديب وناقد وكاتب ويعتبر نموذج جميل للشاعر اليساري الناصري”.
بالاضافة إلى أحمد سعيد الشيباني فهو أيضاً شاعر سياسي تمرد على روتين الحياة في الريف وهاجر من قريته إلى عدن مطلع الستينات من القرن الماضي إلى مدينة الأحلام والآمال طلبا للرزق والعلم وعاد إلى صنعاء والتحق بالجيش ثم هرب إلى معشوقته عدن ومنحته جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية رتبة ملازم أول، وبعد الوحدة لم يحصل على راتب حتى مات عام 2007م.
ومن أبرز شهداء هذه المنطقة الرائد قاسم منصر الشيباني أعدمه نظام صنعاء في 26/10/1978م وما زالت جثته مغيبة ولم يتم الكشف عنها حتى اليوم ولم تسلم الجثة لأسرته كحق انساني وديني ووطني”.
**رجل الخير**
علوان سعيد الشيباني ساهم بجهوده وبذله الخيري في إيصال خدمات الكهرباء والماء وشق الطرق وتزويد المدارس بالمعامل ودفع أجور المعلمات من نفقته الخاصة لتغطية العجز بسبب نقل المعلمين.
**هموم الناس:
تتعرض أراضي المواطنين في هذه المنطقة إلى الجرف من قبل السيول المتدفقة التي تشهدها المنطقة كل عام، والتي تؤدي إلى تخريب وجرف الأراضي الزراعية بما فيها من محاصيل أشجار البن وغيرها، الأمر الذي حجولها إلى أرض بور غير صالحة للزراعة.
ومن أبرز هموم الناس في هذه المنطقة ايضاً انتشار الأمراض المختلفة وهو ما أجبر الأهالي إلى اللجوء إلى التداوي بالأعشاب لغياب الخدمات الصحية فيها، مع الحرمان من الضمان الاجتماعي برغم زيادة الفقر بين السكان في هذه المنطقة نتيجة لعملية التلاعب والسمسرة فيها لمصلحة الطبقة الميسورة.
كما تعاني الفئة المهمشة فيها من التعامل الدوني وغير الانساني من قبل البعض، كما أن هذه المنطقة ماتزال تشهد تواجد للسجون الخارجة عن القانون والتابعة للمتسلطين.
**الصحة:
تحدث الدكتور محمد طارش علي طبيب عن الجانب الصحي بالقول: «يحتاج مستشفى بني شيبة الشرق إلى كادر طبي متخصص وأدوية مجانية وعدد الكوادر الحالية طبيب وممرضتين ومخبري ومدير وتحتاج المستشفى إلى جميع التخصصات مثل طبيبة أمرض النساء والولادة وباطنية وفني أشعة و(3) مخبريين لتعمل على مدار الساعة وكادر صحي مدرب ومساعدي أطباء وممرضات وقابلات وتخدم هذه المستشفى عدة مناطق ذات كثافة سكانية عالية وهي الزعازع والمساحين والمقارمة والكويرة والبذيجة وبني محمد والزريقة والظريفة والبوكرة وعدد السكان أكثر من (300) ألف نسمة».
وأضاف «ومن أبرز الأمراض المنتشرة في هذه المنطقة هي الحميات بأنواعها والتهاب المفاصل والكلى والجهاز الهضمي والتهابات المعدة وهي الأكثر انتشارا إلى جانب الملاريا والبلهارسيا التي تخلص العالم منها قبل قرن من الزمن وما تزال منتشرة في قرانا».
وواصل: «هذا المستشفى به كل الأجهزة وينقصها الكوادر المدربة والإدارة الجادة. كما أن المنطقة تعاني من عدة مشاكل ونتمنى من الجميع التعاون ونتيجة عدم استقرار الأطباء في المنطقة كونها منطقة طاردة وتقف أمامنا عوائق بحجم الجبال».
واختتم حديثه بالقول: «لقد انتشرت في هذه المنطقة عادات سيئة مؤخراً أبرزها انتشار حبوب الهلوسة والأدوية المهربة والمنتهية ويتحكم بالمنطقة لوبي فساد هدفه تدمير المجتمع وغالبية الشباب”.
**خاتمة الوجع:
تصاب هذه المنطقة من كل عام بأضرار السيول وجرف التربة والأشجار المثمرة واختفى محصول البن وخرجنا بمحصلة موجعة وفاجعة للناس وكم هائل من الأمنيات كونهم الواقعين في دوائر الإهمال الرسمية وجفاف العمر والحرمان في بني شيبة التي تحتاج الى كل شيء. فمن يعيد لها الشباب؟.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى